---
"من لا يسمع صوته الداخلي... سيظل عبدًا لأصوات الآخرين."
مرّت ثلاث سنوات منذ ليلة الرماد.
في أعماق كهفٍ بلا شمس، تعلّم فيلوس كيف يُنصت... لا للعالم، بل للصوت الذي ينبع من الشرخ داخله.
كان ذلك الرجل، الذي لا يحمل اسمًا، يعلّمه ليس كيف يقاتل... بل كيف يصمت حتى يصرخ الكون في قلبه.
"أغلق عينيك،" قال الشيخ ذات مساء، "القوّة لا تُرى بالعين، بل بالشعور.
الـ لامس ليس حركة.
بل صدى مشوّه لرغبة مكبوتة.
رغبة... في إيقاف الألم."
فيلوس جلس، تنفس ببطء، أحسّ بجسده يذوب في الصمت، كأنه قطعة حجر.
وفجأة، شعر بنبضٍ غريب…
نبض ليس في قلبه، بل في الجدران من حوله.
كأن الكهف نفسه... يتنفس.
"هل هذا هو الشعور؟"
"لا،" قال الشيخ. "هذا هو بداية السماع.
أن تسمع الأشياء التي لا يقولها الحجر، ولا يعترف بها الدم."
---
في عالم آخر، فوق الأرض، وفي قصرٍ رماديّ من حجر الشك، اجتمع مجلس عائلة كازارين.
"الولد... بدأ يتعلّم."
قالها العجوز ذو الشعر الفضي، عيناك تشبهان قاع بئر لا قرار له.
"ولم نُوقفه؟"
"لأننا لا نقتله الآن... بل نزرع له هدفًا."
قالت امرأة ترتدي عباءة سوداء ممهورة بعين حمراء:
"الذين يُولدون من الجرح… لا يموتون بالسكين.
نتركه يكبر... حتى يشتهي الانتقام."
"وحين يشتاق له… نمنحه فرصة ليُقاتلنا."
ضحك العجوز:
"ونُريه... أن الانتقام ضدنا هو انتحار بطيء."
---
في أعماق الكهف، جلس فيلوس مقابل صخرة ضخمة، فيها شق كأنها فمٌ يُعاني من الألم.
"اضربها،" قال الشيخ.
فيلوس: "لماذا؟"
"لأني أريد أن أراك تفشل."
ضرب فيلوس بيده، لم يحدث شيء.
ضرب ثانية… تكسّرت أصابعه.
"الألم… هذا هو المُعلّم."
قال الشيخ.
"حين تضرب بألمك، لا بيدك… سيفهم الحجر رسالتك."
---
تقدّم فيلوس، أغلق عينيه، استرجع صور أمّه… كيف كانت تغنّي وهي تُحتضر.
استرجع صوت والده وهو ينطق آخر كلمة: "إهرب…"
استرجع البرد، الجثث، الدم.
ثم رفع يده… لم يلمس الحجر.
لكنّ الصخرة… انشقّت من الداخل، دون أن تُمس.
تراجع الشيخ خطوة إلى الوراء:
"لقد بدأ يُحطّم... لا الجدران، بل الذكرى المُخزّنة فيها."
---
في مملكة نوريلّا، كانت عائلة أوسترين، ورثة قوى الضوء، تراقب تحركات العائلات الأخرى.
"الولد... سيتحرّك قريبًا."
"هل نخشى من طفل؟"
"ليس هو… بل القوة التي تمشي في دمه.
إنه من نسل الذين أُحرقوا... لكن لم يمت صداهم."
---
في الليل، جلس فيلوس مع الشيخ أمام نار خافتة.
"هل تعرف من قتَل قريتي؟"
"أعرف."
"لماذا لم تقل؟"
"لأني لا أُعطي الأجوبة… بل أُدرّبك لتنتزعها."
فيلوس شد قبضته:
"عندما أراهم… سأمزّقهم."
"لا،" قال الشيخ بهدوء.
"حين تراهم، ستختار: إمّا أن تُعيد ما فُعل بك… أو تكسره إلى الأبد.
أن تكون آلة انتقام… أو نهاية الحلقة."
سكت فيلوس، ثم قال:
"أريد أن أكون صوتًا لا يُنسى... لا سيفًا يُكسر."
---
في ممرّات مظلمة، كان رجل يرتدي قناعًا أبيض يمشي على أطراف عالم الجحيم.
إنه من عائلة نيماركا، حاملي قوة الظلال.
"الولد بدأ يسمع الجرح.
يجب أن نختبره… لا بقتال، بل بعرض."
---
وفي اليوم التالي، وجد فيلوس أمام كهفه فتاة مجهولة، مصابة، تنزف، تبكي وتقول:
"أرجوك… ساعدني."
تردد.
هل هي حقيقية؟ أم فخّ؟
هل يُنقذها؟ أم يتجاهلها؟
سأل الشيخ:
"هل أساعدها؟"
أجابه:
"ليس كل من يحتاجك... يستحقك.
ولكن… إن لم تُجرّب، لن تعرف من أنت حقًا.
"
---
انتهى الفصل بصوت داخلي في قلب فيلوس:
"هل أنا ناجٍ… أم بداية كارثة؟
هل أنا ما تبقّى من حطام… أم أول حجر في انهيار جديد؟"
---