3 - الفصل الثالث: حين يصبح العقل سجنًا

> "كل من يطرق باب الحقيقة، لا يدخله كما خرج.

العقل لا يُشفى حين يرى… بل يزداد عُريًا."

— نقشٌ غامض على جدار في مغارة "الوريد الأسود"

---

الضوء خافت… لا يأتي من الشمس، بل من ارتعاشات روحه.

في مكانٍ أقرب إلى اللاشيء منه إلى الواقع، وقف فيلوس داخل غرفة خالية. لا أبواب، لا نوافذ، لا جدران حتى… فقط فراغٌ يُشبه تفكيره لحظة الانهيار.

وفي المنتصف، كانت هناك فتاة… لا تُشبه أحدًا، ومع ذلك تبدو مألوفة بطريقة مؤلمة.

كانت تنزف من عينيها بدل الدموع.

وهمست:

"هل ستقتلني… أم ستهرب منّي كما هربت من نفسك؟"

تقدّم خطوة.

صوت خطواته لم يكن فوق الأرض، بل كأنه يخطو فوق ذكرياته.

قال:

"من أنتِ؟"

"أنا أنت."

"هذا مستحيل."

"بل أنت المستحيل… أنت الوهم الذي خلقه الواقع كي يبرّر فشله في جعلك إنسانًا طبيعيًا."

سكت.

لم يكن النقاش بينه وبينها… بل بينه وبين شيء أقدم من أفكاره: شعوره بالذنب.

قالت:

"أتعلم لماذا تم اختبارك؟

لأنّك… لم تعد تشبه أحدًا.

كل البشر يحزنون… لكن أنت تحوّل الحزن إلى خنجر."

"ومن علّمني ذلك؟"

"أنت. حين رفضت أن تبكي أمام أحد، فبدأت تصرخ داخلك بصمت."

---

استيقظ فيلوس على الأرض، مبلّلًا بالعرق، كما لو أنه غرق في بحيرةٍ من الكوابيس.

الشيخ كان واقفًا يراقبه، كأنه يعرف ما جرى.

"متى ستخبرني الحقيقة؟"

"أي حقيقة؟"

"عن ما يحدث داخلي.

عن هذا الألم… الذي لا يُفسَّر بالطب، ولا بالدين، ولا بالجنون."

أجابه الشيخ بنبرة هادئة:

"ما تمر به… هو أول احتكاك مباشر مع قوة اللامس.

اللامس ليس قوة هجومية.

بل هو اختراق لمناطق الوعي التي لا يصلها البشر عادة.

هو أن ترى ما لا يُراد لك أن تراه… في الآخرين، وفي نفسك."

فيلوس جلس، نظر إلى يديه.

"لكن لماذا أنا؟"

"لأنك… لم تعد تؤمن بأي شيء، وهذا هو الشرط الأول لاستخدام اللامس."

"ألا أؤمن؟"

"نعم.

الإيمان يُقيّد العقل.

واللامس يحتاج عقلًا حرًّا، لكنه… يدفع ثمنًا باهظًا:

فقدان البراءة."

---

في مدينة خفية تُعرف بـ"أسافين"، اجتمع سبعة أشخاص، يرتدون أقنعة تمثل رموزًا عتيقة: الغراب، الجمجمة، الساعة، الشوكة، اللهب، العين، والمرآة.

قال أحدهم:

"فيلوس بدأ يرى."

ردّ الآخر:

"رائع…

كلما رأى أكثر، أصبح أكثر هشاشة.

وهشاشته هي البوابة لبرمجته."

"وإن قاوم؟"

"نُحطّمه… ثم نعيد تركيبه."

---

في الليل، جلس فيلوس على صخرة تطل على وادٍ عميق.

الهواء يحمل معه رائحة الحديد…

ليست رائحة دم، بل رائحة ماضٍ صدئ.

قال الشيخ:

"هل تعرف لماذا نُعاني؟"

"لأننا ضعفاء؟"

"بل لأننا نُجبر على ارتداء أقنعة كي نظهر أقوياء."

سكت لحظة ثم تابع:

"قوة اللامس… تسمح لك بأن تلمس ما وراء الكلمات.

أن تفهم النوايا، لا الأقوال.

أن ترى جروح الآخرين… لا جلودهم.

لكن هل هذا نعمة؟"

فيلوس نظر إليه.

"أم لعنة؟"

"لَعنة، لأنّك لن تستطيع بعدها العيش ببساطة.

كل كلمة ستُصبح تحليلًا،

كل إنسان كتابًا مفتوحًا،

كل علاقة… هشّة، لأنك ترى خلف الكواليس."

"لكن… ماذا عني؟ ماذا سأصير؟"

"هذا يعتمد على سؤالٍ واحد:

هل تجرؤ على الاستمرار في الرؤية؟"

---

في قلعة عتيقة تُدعى "عرين الرماد"، وقف رجل طويل، عينيه مضيئتان كجمرتين، يضع يده على خريطة ممزّقة.

"أرسلوا الأشباح.

فيلوس اقترب من خطّ اللاعودة."

قال مساعده:

"هل تعتقد أنه سينضم إلينا؟"

"هو لن يختار.

نحن سنجعل كل الطرق تؤدي إلينا."

---

في نهاية الفصل، يدخل فيلوس مغارة اسمها "الوريد الأسود"، حجر في يده أعطاه له الشيخ.

قال له:

"هذا الحجر كان قلب إنسانٍ أراد أن يفهم كل شيء…

فمات وفيه سؤال واحد فق

ط لم يُجب عليه:

من أنا… بعد كل هذا الألم؟"

دخل الظلام…

وهمس له داخله صوتٌ يُشبهه، لكن أقدم:

"إن دخلت عقلك… لن تخرج إلا جريحًا أو قاتلًا."

---

2025/04/15 · 4 مشاهدة · 556 كلمة
Zinou.mb
نادي الروايات - 2025