> "حين يصرخ الداخل… لا يسمعه أحد،
إلّا من نزف عقله قبل قلبه."
— من كتاب الظلال السبعة (أحد الكتب الممنوعة في مملكة فاهير)
---
الصمت كان ثقيلاً كأنه معدن يضغط على صدره.
فيلوس جلس داخل مغارة "الوريد الأسود"، والهواء من حوله لا يحمل أكسجينًا، بل ذكريات قديمة متعفّنة.
كلما تنفّس… شعر بأنه يستنشق نفسه.
كان هناك نقش على الجدار:
> "من يدخل هنا، عليه أن يختار:
أن يُصغي… أو أن يُجنّ."
---
الشيخ "آرين" بقي واقفًا على باب المغارة.
لم يدخل.
قال له فيلوس:
"لماذا لا تأتي معي؟"
"لأن اللامس لا يُعلّم… بل يُجرَّب.
ولأنني ذات يوم دخلت… ولم أخرج كاملًا."
"وما الذي خسرته؟"
"إيماني بأن هناك معنى ثابت للحياة."
---
داخل المغارة، ظهر ظلٌّ على هيئة إنسان، لكن ملامحه تتغيّر كل لحظة.
مرّة يكون وجه أمّه،
مرة وجه طفل قتله أحدهم في الحرب،
مرة… وجهه هو.
بدأ الظلّ يتكلم بصوتٍ يحمل نبرة كل الذين أحبهم ثم فقدهم:
"هل أنت مستعد لرؤية الحقيقة؟"
"أي حقيقة؟"
"أنك لست أنت… بل مجموع الصدمات التي لم تندمل."
"أنا لست ضحية."
"كلا… أنت لست ضحية، لكنك خُلقت من الضحايا."
---
في تلك اللحظة، تومض صورة سريعة في ذهن فيلوس:
طفل صغير يُدفن حيًّا لأنه وُلد بعين مختلفة،
وصوتُ كاهنٍ يقول: "إنه نحس."
والأب يضع الحجارة على صدره كي لا يقاوم.
"تذكّرت؟"
"لا… هذا ليس حقيقياً."
"بل هو حقيقي… لكنه ليس عنك فقط، بل عن كل من حمل لعنة القوة."
---
خارج المغارة، في مكان بعيد يُدعى "سهول مورتي"، كانت اشتباكات تحدث.
ابنة عائلة "سيرافين"، النبيلة ذات الدم الأزرق، كانت تقاتل وريث عائلة "نيرغال"، سادة الظلال.
المعركة لم تكن سياسية فقط، بل شخصية.
"هل تعلم يا راك،" صاحت "إليان سيرافين"،
"أن عائلتك حاولت قتل والدتي أثناء ولادتي؟"
ضحك راك نيرغال بسخرية:
"الحقيقة أن والدتك حاولت أولاً نفي أبي إلى العالم السفلي، لكنه عاد… أقوى."
كانت أسلحتهما غريبة:
إليان تستخدم "وميض الذاكرة"، سحر يجمّد الخصم في مشهد من ماضيه المؤلم.
راك يستخدم "ظلال السقوط"، قوى تُمزّق الطمأنينة داخل خصمه وتُظهِر له أسوأ احتمالات مستقبله.
كل ضربة كانت حوارًا صامتًا بين ماضٍ لا يُغتفر، ومستقبلٍ لا يُؤتمن.
لكن الأهم:
هذه الاشتباكات تُبث سرًا، من قبل منظمة "أقنعة العهد"،
يُراقبون الجميع… ينتظرون اللحظة المناسبة لضمّ الضعفاء الطموحين أو كسر الأقوياء الغامضين.
---
في مكانه داخل مغارة الوريد الأسود، سقط فيلوس على ركبتيه.
لم يكن هناك دم، لكنه شعر أنه ينزف "معنى".
قال الصوت داخله:
"اللامس لا يعطيك قوة خارجية…
بل يُخرج من داخلك القوة التي كنت تخاف مواجهتها."
"لكنني لا أريد أن أتحول إلى آلة تحليل وعذاب."
"لن تتحول… إلا إن أردت الحقيقة.
والحقيقة… دائمًا تدمر أولًا، ثم تعيد البناء."
---
في مكانٍ أبعد… حيث العالم السفلي يُسمى "كِراث"،
كان هناك كائن عملاق، بلا عينين، يسمع صدى أفكار القادمين الجدد من مغارات اللامس.
كان اسمه "شاهد الظنّين".
قال:
"بدأ فيلوس ينضج…
لكن إن نجا، سيكون تهديدًا على قوانا."
ردّت عليه امرأة عمياء، هي زعيمة طائفة "الهامسِين":
"دعْهُ يصعد…
كل من يصعد دون إيمان، يعود إلينا طالبًا إجابة."
---
خرج فيلوس أخيرًا من المغارة.
وجهه متعب، لكن عينيه لم تعدا تحملان الارتباك القديم.
الشيخ سأله:
"ماذا رأيت؟"
ردّ:
"كل شيء… ولم أفهم شيئًا.
لكنني أدركت أمرًا:
أنا لست البطل، ولا الضحية، ولا الشرير.
أنا فقط… المرآة."
قال الشيخ:
"وهذه هي البداية الحقيقية."
---
في خاتمة الفصل، تُعرض صورة لإليان وراك بعد انتهاء معركتهما، وكلاهما جريح.
لكن في مكان بعيد، كان شخصٌ مقنّع يرسم و
جوههم على لوحة، ويكتب أسفلها:
> "الدماء لا تنسى.
أما التحالفات… فتذوب."
ثم ينظر إلى صورة فيلوس، ويبتسم:
> "أما هذا… فسيكون كابوس النظام بأكمله."