3 - كلما قلّ علمك زادت فرصة نجاتك

لا تنسوا الصلاة على الرسول والدعاء لإخوتنا بفلسطين.

الفصل الثالث : كلما قلّ علمك زادت فرصة نجاتك

إعتاد ثلج على معظم البيئة الجديدة التي تواجد فيها.

حيث اكتشف تواجد العديد من الغرف المخفية، ورأى مكان تواجد الطعام الحقيقي، لم يعلم ماذا كانت تلك الحبوب حتى هذه اللحظة.

تبقت الغرفة الأخيرة التي أراد استكشافها بعد التأقلم قليلًا، القليل من المشاعر المشئومة تتولد حينما يقترب من تلك الغرفة، بالرغم من عدم إمكانية الشعور بأي شيء إلا أنه لم يتخلى عن حذره.

أخذ نفسًا طويلا، ثم تقدم للأمام وفتح الباب، صدى صوت صرير الباب بإحتكاكه بالأرضية الحجرية، بدى المشهد بطيئًا، مع إندفاع الرياح من الغرفة، كانت تفر من ذلك المحيط المكتوم، لم يكن منطقيًا تواجد الهواء في بيئة مغلقة كهذه، ولكن ثلج تأقلم قليلًا مع عجائب العالم الغير مُفسرة.

جعد ملامحه مع المشهد أمامه، الكثير من الدماء، العديد من الأعضاء البشرية المتفرقة، تبدو كغرفة تعذيب مخفية، في الوضع الطبيعي كان يمكن للشخص أن يشمئز ويستفرغ ما في معدته، ولكن ثلج تعابيره عادت للبرود، وقرر استكشاف الغرفة.

علم ثلج أن تؤامه لم يكن شخصًا طيبًا، كان يسخر منهم أثناء تفريق جسدهم بالسابق عند القتال، أخذ الجماجم ولعب بالدماء، لم يكن شخصًا عاقلًا، وضع ثلج مثل هذه الإحتمالية المظلمة، ولكن لقاء الإحتمالية بالواقع مختلف عن تخيلها.

تجول بالمكان، كان واسعًا، صُبغت الجدران بالدماء الجافة، بينما الأرضية تواجدت العديد من الأعضاء البشرية وبقع الدماء الخاصة بها، كلما تقدم للأمام قابلته مشاهد أغرب، بالأمام تواجدت العديد من الجرات الضخمة المتوزعة بترتيب محدد.

غلبّ الفضول القطة، وقرر فتح غطاء احدى الجرار، نظر بصمت قبل أن يدفع الغطاء للأمام، جثة بشرية.. كان منطقيًا بالنظر للأعضاء المتفرقة، ولكن بالرغم من ذلك مازال رؤية الأمر مختلف عن تخيله، يمكن للمرء استنتاج مثل هذه الفرضيات المنطقية، ولكن تواجدها أمامك يخلق جدلًا نفسيًا.

أغلق الوعاء، وتظاهر أنه لم يرى شيئًا، كلما قلّ علمك زادت فرصة نجاتك، كان بإمكان ثلج التفكير والبحث، ولكنه إختار عدم فعل هذا، الآن بعدما مرت العديد من السنوات من الوحدة والتعذيب، لم يكن يرغب بالتفكير بكثرة، أراد أن يعيش حرًا كالطير، لا يقيده تفكيره.

اختار التجاهل، وغض البصر، ليس لأنانيته، بل لأنه الآن استطاع أن يعيش مجددا، لم يتذوق طعم العالم من قبل، الآن بعدما أصبح جزءًا منه أراد أن يعيشه وفقًا لإختيارته، بدون مشاعر، بدون قيّم ولا مبادئ، أراد أن يبدأ الحبو كطفل حديث الولادة.

لم يعلم ثلج هل كانت الجثة حية، أم ميتة، وقرر التقدم للأمام، وصل ثلج لآخر الطريق والآن تواجد ممر عريض، يأخذ للجهتين اليمنى واليسرى، قرر الذهاب لليمنى، قابلته العديد من السجون، المناظر السوداء المظلمة، والعديد من الشعل المعلقة بالجدران تضيء الممر.

على يمين ويسار الرواق الأيمن تواجدت السجون المتجاورة، إما أن تجد جثة ميتة، أو بقايا دماء لشخص حي، أو بعض العظام، بهذا أنهى الجهة بالكامل وعاد ليستكشف اليسرى، المشهد نفسه، في نهاية الرواق الأيسر سمع صوت تنفس من احدى الزنزانات.

لم يكن متهورًا، قرر اخذ شعلة من الشعل المعلقة، والإقتراب قليلًا ووضع مسافة أمان، أضاءت الشعلة القضبان الحديدية، برزت ملامح شخص صغير، لم يكن جنسه محددًا مع صغر حجمه، شعره المبعثر، وهالته الميتة، تذكر ثلج بنفسه.

المختلف بين الاثنين أن هذا كان قفص أكبر وهي الزنزانة، أما ثلج تم وضعه بقفص الكلاب ليس للبشر بالرغم من ضخامة حجمه بما يكفي للحركة بضعة سانتيمترات، استذكر القمر الذي شكى ثلج همه له كل ليلة.

تدفقت الذكريات بصمت وهو ينظر لهذا الشخص، الليالي الباردة التي مرت دون بطانية واحدة، الليالي الحارة التي جعلت جسده يُستنزف، الحجارة التي لم تترك أي جزء من جسده إلا وتركت بصمتها، السخرية والإستهزاء الذي جرح قلبه قبل جسده.

خط من الدموع ظهر بدون وعي على عيني ثلج، لم يعلم أهذا ما يسمى بالحزن، أو كان مجرد حنين، بكلتا الحالتين لم يكترث لشيء لا يفهمه، بعد خسارته مشاعره لم يعلم كيف تبدو المشاعر، وكيف يجب التفاعل معها، اختار فقط أن يتقدم للامام دون أن يفهم.

اقترب من الزنزانة بدون خوف، كانت مشاعره الغير مفهومة تدفعه للامام، أراد أن ينظر عن قرب ويرى ملامحه، برزت البشرة الناعمة بالرغم من جسده النحيل، وبالرغم من التفاصيل لم يستطع ثلج أن يحدد جنسه، نظر له السجين النحيل فجأة.

ولكن ثلج لم يتفاعل مع الفجائية، حيث تقابلت النظرتين، حدق كليهما لبعض الوقت، لم ينطق أحدهما بأي كلمة، لاحظ ثلج تواجد إنائين أحدهما للطعام، والآخر للشراب، كان الإثنين فارغين وبدت عليهم علامات الغبار، علم ثلج أن الشخص أمامه عاش كثلج تماما.

حيث يمكنه أن يعلم من شكل الإنائين عن تأخر الطعام والشراب، عن الشوائب المتبقية في إناء الشراب، عن الطعام الفاسد والقذر حيث لا يمكن إلا لهكذا طعام أن يترك الإناء بهذا الشكل، وتشقق أطراف الإنائين عن قلة الإهتمام والرعاية.

كل شيء أمامه مُفسرا بالكامل، حيث فهم أن الشخص أمامه يتم تجويعه لأيام قبل إطعامه، لم يعلم من كان التؤام لثلج، أكان شبيهه الذي اقترف هذا الجرم، أم هذا السجين الصغير الذي يجرب حياتي منذ نعومة أظافره.

تجرأ ثلج وسحب الإنائين من الفتحة الصغيرة أسفل القضبان الحديدية، لم يتفاعل السجين الصغير، نظر بهدوء نحو ثلج، عاد ثلج بعد القليل من الوقت والإنائين نظيفين وبهم بعض الطعام.

وضعهم أمامه، وتركه وعاد لغرفة الدراسة التي وجدها في خضم بحثه بالأيام القليلة السابقة، فكّر ثلج بتحريره، ولكنه لا يعلم مدى خطورته، حيث يمكن لثلج أن يموت بسهولة من بشر هذا العالم.

يمكنهم الطيران، وإطلاق القوى الغريبة من أيديهم، يمكنهم القتل بطرق بشعة ومخيفة، لا يمكن ضمان أناس هذا العالم، لهذا قرر فقط تركه، وبالرغم من الفعل الأناني، إلا أنه قرر مشاركة طعامه مع السجين الصغير، بهذا قد لا تكفي الكمية إلا لسنتين.

لم يعلم لماذا يفعل هذا، ولكنه شعر بالألفة مع هذا الغريب الذي لم يقابله إلا منذ لحظات، وقرر إتباع ما يمليه عليه قلبه.

.......

مر شهر منذ تلك الحادثة.

"كان يمسك برأس سيد عشيرة القبضات الحديدة، ويفرغها من الدماء ويضحك"

"هاهاها، يا لك من جبان، رأيتك تجر ذيلك هربًا بتلك اللحظة، لكنني أنا استكملت مشاهدة الأمر للنهاية"

"أنت! هل تريدني أن اموت من زخم الطاقة بذلك المكان، حياتي أهم من المشاهدة كما تعلم"

كان العابرون والمارة ينتشرون بالحانات مع الأخبار الساخنة الأخيرة.

انتشرت العديد من الخطى خارج الحانة.

"هذا مجددًا.. منذ تلك الحادثة والدوريات منتشرة في المنطقة، أصبح من الصعب التنقل بحرية دون أن تمتلك بطاقة هوية"

على إحدى الطاولات، حيث ارتدى أحدهم عباءة سوداء يجلس وحده "ماذا سيحدث لمن لا يمتلك هوية؟"

"يبدو أنك لست من هذه المدينة، دعني أخبرك هذا، لو تم إمساكك بدون هوية سيتم القبض عليك واستجوابك لمدة طويلة إذا كان لديك أي بضائع بحلول الوقت الذي تنتهي فيه قال ساخرًا: "يمكنك أن تقول وداعًا لهم".

ضحك العديد من الأشخاص الذين أصغوا للمحادثة

لم يرد الشاب أن يسأل بشكل مباشر حول ما حدث، نهض وجلس في طاولة مليئة بالرجال العضليين.

"يالك من شخص مثير للاهتمام، ألست خائفا أن نعضك؟" قالها أحدهم

استمرت الضحكات بالأرجاء من السخرية على الشاب الغريب، أخرج كيس ثقيلا ووضعه على الطاولة.

"أخبرني كل شيء" ثم أخذ رشفة من أحد المشروبات من أمام شخص منهم.

"هاهاهاها، تعجبني جرأتك يا فتى، استمع إذن، هل تعرف ثلج؟"

اومأ الشاب الغريب برأسه.

"حسنا هذا يسهل المحادثة، تحرر من قفصه وقام بسفك الدماء، والإنتقام من سيد المدينة ومعاونيه"

انحنى بالقرب من أذنه "لا تخبر أحداً بهذا، لكن الشائعات تقول أن هناك توأماً آخر لثلج. يقولون إنه شيطان مثله."

تغيرت تعابير الشاب الغريب "هل تعرف أين ذهب؟"

قال صاحب الحانة وهو ينظف الزجاج: "استسلم يا فتى. لقد مر شهر ولم يعد هناك أثر له".

..

بداخل الكهف.

الآن أصبح ثلج يفهم العديد من الأشياء حول هذا العالم، يمكن للبشر أن يحصلوا على القوة بإستخدام بعض الممارسات الغريبة، يُطلق على هذه الطاقة بالهاد، بناءً على أقوال هذا الكتاب يقال أنها تتواجد هذه الطاقة في الطبيعة.

مصدرها مجهول تمامًا، حيث اكتشف البشر القدماء بشكل مفاجئ تواجد الظواهر الغريبة في العالم، ومع البحث والإستكشاف وجد علماء هذا العالم طاقة غريبة غير الهواء تنتشر في الجو، لم يُعلن عن طرقهم في الإستكشاف.

بعد العديد من السنين من التجارب استطاع البشر إمتصاص هذه الطاقة، وإستطاعوا صنع العديد من الكتيبات والطرق لإمتصاصها، وتواجدت التقنيات، كان عصر النهضة لهذا العجب.

لم تستطع الأجيال الحديثة مواكبة هذه المعرفة، وفقط من كان بالقمة من البشر في فهم طاقة الهاد تمكن من صنع العديد من الإختراعات، مثل التقنيات، والطرق المختلفة لتجميع الطاقة.

يذكر الكتاب مستويات الطاقة، تبدأ من الشروق، ثم البكور، ثم الغدوة، ثم الضحى، ثم الهاجرة، أطلق الناس عليها أسماء الأوقات، حيث الشروق وقت بزوغ الشمس.

وفي مفاهميهم هو وقت بدأ بزوغ الطاقة في جسدك، بينما البكور أول النهار، بعد الشروق وهو بعد تخطي مرحلة البدء والوصول لمرحلة متعمقة في الفهم.

الغدوة وهو الوقت بين الفجر وطلوع الشمس، وهو مرحلة إنتقالة بين فهمك لطاقة الهاد، والعالم، حيث يمكن للمرحلة التالية وهي الضحى أن تمكنك من الطيران مثل الأسياد الآخرين.

التسمية كانت مثيرة للإعجاب، رغم انها تصف الوقت في اليوم إلا أنها تسمية مثالية لمراحل إرتفاعك بالفهم بطاقة الهاد، تواجد بعد الهاجرة 12 مرحلة، ومنها الشفق الغسق العتمة، السذفة، الفحمة، الزلة، الى آخره..

حتى في بادئ الأمر عندما اكتشف البشر الطاقة وطوروا فهمهم لم يستطيعوا تخطي حاجز المراحل ال4 الأخيرة.

بينما الحبوب فهم ثلج أنها لزيادة الطاقة وتنقية الجسد، يمكن للجسد أن يحافظ على شبابه كلما حظي بطاقة الهاد، ولكن هذا لا يعني عدم تقدمك بالعمر، يمكنه أن يحافظ على رشاقة جسدك، وبريق بشرتك، بينما لن تتواجد التجاعيد.

هذا مذهل ببساطة، حيث يمكن لصحة أعضائك الداخلية أن تكون في قمتها، هذا يدفع الشخص ليتعمق في فهم الطاقة أكثر، ولكن يمكن للعديد من الأشخاص أن تملأهم التجاعيد، من اختاروا إستخدام الطاقة للإرتقاء بالمستويات.

يمكن للإنسان أن يكون محيرا دومًا، هذا من العجب الغير مفهوم حول الطبيعة البشرية، حيث حتى ثلج لم يفهم نفسه أبدا منذ البداية.

استطاع الآخرون ادّعاء الفهم، ولكن تقبل عدم الفهم هو الحل لهذا الجهل المدقع، لا يمكن للبشر فهم أنفسهم بالكامل، المرحلة التي يبذل بها الشخص جهده في رحلة الفهم هي الوسيلة لتنمية تعمقك في المفاهيم والمعرفة، ولكن لا يعني بالضرورة أن للطريق نهاية.

حيث يمكن لهذا الطريق أن يمتد بشكل لا يدركه العقل.

أوقف ثلج دراسته، أغلق الكتاب، ونهض ليجدد الطعام للسجين الصغير.

مد ثلج يده كالعادة دون قلق وهو يسحب الأطباق من أمامه، أراد استعادة يده مع الأطباق ولكن أمسك السجين بيده..

2024/06/19 · 99 مشاهدة · 1591 كلمة
AfterNight
نادي الروايات - 2024