لا تنسوا الصلاة على الرسول، والدعاء لاخوتنا في فلسطين.

الفصل الرابع : صراع نفسي

مرت بعض الأنفاس الخانقة، لم يستطع ثلج تقدير قوة الشخص أمامه، وفي ذات الوقت لم يرغب أن تبقى يده سجينة لهذا السجين.

في عالم كهذا، علم ثلج أن الجهل يمكنه أن يكون قاتلًا، لو أراد أن ينازع لأجل استرداد يده قد يخسر يده، ولكن عدم النزاع قد يكلفه حياته.

بالرغم من ذلك قبضة السجين لم تكن قاسية على يده، خيّم الصمت، حيث اندفعت الأفكار لثلج بكثافة، بينما الجو الخانق استمر لبضع الثواني قبل أن يحرر السجين يد ثلج.

ينظر ثلج بكفر للسجين، بينما أزاح الآخر شعره المبعثر وبرزت ملامحه الفريدة، لم يكن من الممكن تحديد الجنس بعد، ولكن ثلج لم يكترث لشيء كهذا.

"ما هو اسمك؟" سأل السجين.

"ثلج"

لم يستفسر ثلج عن أسباب السجين، ولكنه بقي هادئًا بجسد متهيء للحركة، أراد الهرب عند أي فرصة للموت.

الهرب قد يكون شجاعة ببعض المواقف.

"اذا، انت هو ثلج"

نظر ثلج بعيون حادة، لم تستطع أفكاره مواكبة تعابيره.

"لن تسألني كيف أعرف اسمك؟"

بالنسبة لثلج، بدا أن السجين يسخر منه، ولكن ثلج لم يكن متاكدًا أن السجين يعرفه حقًا، ربما يتظاهر كي أحرره.

"حسنا، انت حقًا مشابه للوصف، هل انت مهتم بخوض نقاش معي؟ انا اشعر بالملل وحدي"

جعد ثلج حواجبه من ثرثرة السجين الغير متوقعة، على عكس مظهره البارد يبدو شخصًا ثرثارًا.

"مهتم" يقول ثلج بهدوء

يتفاجئ السجين "انت مهتم؟ غير متوقع.."

تساءل ثلج كيف يمكن لهذا السجين ان يكون مغفلًا، يسأل هل انت مهتم ثم يتفاجئ لانني مهتم

"انت تتساءل لماذا انا متفاجئ؟"

هل يقرأ افكاري..

"لا اقرأ افكارك بالمناسبة، أي شخص بمكانك سيفكر هكذا"

"ما هو النقاش"

"انت مباشر جدًا، عليك بالتأني بعض الأحيان" يقول السجين

خيم الصمت بضع ثواني، حيث حدق الإثنان ببعضهما البعض، كانت لتكون مسابقة تحديق لولا أن السجين قاطع الصمت : "ما رأيك ان نتحدث حول المشاعر؟ يبدو كشيء مُسلي"

هربت تعابير ثلج معبرة عن الفضول

"حسنًا، أثرت فضولك.. هل يمكنك ان تخبرني لماذا يمكن للبشر أن يشعروا؟ ألم تتساءل يوما ما هو منبع المشاعر، وكيف يمكن للشعور ان يؤثر على كينونة الشخص، هل تظن المشاعر مُفيدة للبشر؟"

'هذا النوع من النقاش اذا' فكر ثلج ثم قال: "لا اعلم"

"هذا متوقع، يمكن للمشاعر ان تتجسد بالكلمات، ويمكنها ان تتجسد بالافعال، برأيك ما نوع المشاعر التي يمكن للبشر تجسيدها"

"الإثنين؟"

"اجابة غير صحيحة، لا يمكن للبشر تجسيد المشاعر بالواقع، البشر يبذلون جهدهم ليعبروا عن الشيء العجيب المسمى بالمشاعر عن طريق التواصل بالكلمات، او تعابير الوجه، او حتى الافعال، لكن المشاعر حقًا شيء لا يمكن تجسيده، لأنها غير مفهومة، يمكنك ان تُحب لكنك لن تفهم لماذا تُحب، يمكنك ان ترغب ولكن بعد ان تتناول رغبتك ستختفي، اذا لماذا هي اصبحت رغبة ان كانت ستموت، هل هي شيء حقيقي، ولماذا لا ينبغي للرغبة والمشاعر ان تموت، واذا ماتت كيف سيصبح شكلها" أخذ السجين انفاسًا "انت مثال على موت المشاعر، والحياة مثال على وجود المشاعر، انت لم تفهم شيئًا أليس كذلك.."

"فهمت"

"همم، اذا بما انك فهمت، اخبرني من اين تأتي المشاعر"

فكر ثلج بعمق قبل ان يتوصل لإجابة غريبة

"المشاعر موجودة منذ البداية؟"

"صحيح! هذا هو اعتقادي حول الأمر، لو كان للبشر المقدرة على صنع شيء كالمشاعر من العدم اذا يمكنهم أن لا يشعرو، ولكنك لم تختار يومًا ان لا تشعر، انت فقط تم اجبارك، أليس كذلك"

"هذا صحيح"

"الآن برأيك، لماذا تؤثر المشاعر فينا"

فكر ثلج مجددًا، ولكن بالرغم من التفكير المطول وصبر السجين لم يستطع التوصل لإجابة

"لا اعلم"

"لم اتوقع ان تتوصل للإجابة، دعني أخبرك، المشاعر يمكن تخيلها كاعضاء وهمية بالجسد، مثل حصولك على زوج جديد من الأيدي، ستبدو كوحش مريع بأربع ايدي، لكن هذه الأيدي وهمية ولا يمكن استخدامها، لكنها تستطيع التحرك بحرية، تستطيع ان تمسك الاشياء، وتستطيع ان تموت وتصبح مُعطلة، بالرغم من ذلك موتها لا يعني انها اختفت للابد، يمكنك دوما ان تشعر بالحزن مرة او مرتين، او عدد لا يحصى، وهذا ما يجعل المشاعر شيء مثير للاهتمام ألا توافقني"

لم يفهم ثلج التعابير المستخدمة حيث نُزعت مشاعره، ولكنه فهم القليل من الوصف

"ماذا لو اخبرتك ان جميع ما قلته لك توًا هو كذب بكذب"

تفاجئ ثلج لأول مرة، لم يفهم ماهية هذه المشاعر ولكنه علم انها شيء مثل التفاجئ.

"هذا هو درسي لك، يمكن للبشر بهرجة كلامهم ووصف الأشياء البديهية بشكل واضح، ولكن الحقيقة شيء نلتمسه بشيء اسمى من هذا، الكلام لا يسمن ولا يغني، لهذا درسك الأول لا تصدق أي شيء من أي شخص، عليك ان تتحرى الحقيقة بنفسك. الآن بعدما شعرت بالتفاجؤ كيف تبدو المشاعر برأيك؟"

نهض ثلج، وعاد ووضع وعائين الطعام، ثم غادر بصمت، وقرر أن يغوص بتفكيره وحده.

لم يقل السجين أي شيء، وتفهم رغبات ثلج.

..

في المساء.

عزفت الرياح لحنًا من الهدوء المنعش، بينما استقالت الأشجار من واجب حراستها، وأسدلت أوراقها نائمة، الورود أصبحت مغلقة ولم تظهر وريقاتها، والسماء مغممة.

لم يشهد ثلج على هذه التحفة الطبيعية، ولكنه بقي يستنشق الهواء الرطب من فتحات الكهف أثناء التفكير.

المشاعر، لم يعلم في هذه المرحلة هل لديه رغبة بإستعادة شيء فقده -المشاعر-، لم يفهم هل هناك فائدة باسترداد شيء يؤثر كهذا.

يمكن للكلام أن يحتوي على العديد من التعابير المختلفة، ويمكن للتعابير أن تصل لقلب المستمع، ولكن من الصعب تكذيب أو تصديق أي شيء، يمكن للمنطق أن يكون شيئًا مُصدقا، ولكن حقيقة كونه شيء له مصداقية من عدمه تعتمد على أشياء أكبر بكثير.

في هذه المرحلة العميقة، لم يعلم ثلج هل يمكن للحياة أن تكون أكثر صعوبة لفهمها، لم يعلم أي درب ينبغي عليه أن يسلك، ولماذا وجب عليه الإختيار، من أين تأتي الإختيارات ولماذا يجب عليه أن يُقيد بها.

هذا كان فلسفيًا وغير مفيد، الاسئلة فقط من تتراكم، لكن الإجابات لن تأتي يومًا لوحدها، توقف ثلج عن التفكير في شيء بدون معنى، يمكن للحياة أن تكون صعبة فقط لو أسهبت بالتفكير، اختصر على نفسه حلقة مطولة من الاسئلة الغير مُجابة.

الآن مع هذا الشعور الغريب قرر ان ينهض ويعبث بالأرجاء، لم يرد أن تستولي أفكاره عليه، بدأ يبحث بالكتب بالرفوف بدون هدف.

سقط كتاب بغلاف فارغ غريب، حمله ونفث الغبار عن سطحه، جلس متقاطع الأرجل، قرر إختيار العشوائية بقراءته وفتحه من مكان عشوائي.

"اليوم الخامس والثلاثون، جردت 5 من التجارب من جلودهم، لم تظهر أي استجابة، تم التخلص منهم"

لم تستطع التعابير إحتواء أفكار ثلج، لو رآه شخص ما لظن أنه لا يفكر بشيء، ولكن شعوره الآن كان معقدًا.

قلب صفحة أخرى "اليوم السادس والثلاثون، نازعت العديد من التجارب مع فلق الرأس، لم يكن هناك أي إستجابة أيضا"

لم يعد الأمر ممتعًا، بدلًا من إحتواء مشاعره، وأفكاره المبعثرة، أصبح الأمر أشد سوءًا الآن.

بدأ يقلب الصفحات أراد أن يفهم "اليوم الأربعون، وجدت عينة مناسبة، لديها جسد مناسب يمكن للنتائج أن تزدهر"

"مر شهرين على بداية التجارب، نواح التجربة -اكس- كان صاخبًا، قتلت شخصًا أمامها وكفت عن الصراخ"

"بعد عام، ازدهرت التجربة -اكس-، لا يمكن قراءة تعابيرها، سيتم تقرير الوضع الشامل للحالة بعد العديد من التجارب"

"بعد عامين، لم تكن التجربة -اكس- هي المُختارة، ولكن تبيّن أن إحدى العينات بشكل غير متوقع مناسبة للتجربة، سيتم مراقبة العينة المسجونة في القفص"

تشكك ثلج من الكلام في هذه المرحلة.

"يتم مراقبة العينة الجديدة، تم استنفاذ جسدها من التعذيب، اختفت أثار المقاومة، العينة الآن هامدة كالرماد، قد تفشل إن تأخر الإنقاذ"

"يوم الإعدام، سيتم إنقاذ العينة بعد الحصول على الموافقة، العينة خالية من الحياة، إنها العينة المناسبة"

رمى ثلج الكتاب بعيدًا، الآن في هذه المرحلة أصبح كل شيء مُظلمًا، لم يستطع تصديق أي شيء، بعد كل هذه المتغيرات التي مر بها، لم يستطع تمالك نفسه، العالم غير عادل..

2024/06/20 · 113 مشاهدة · 1182 كلمة
AfterNight
نادي الروايات - 2024