16 - الفصل السادس عشر: بذور البرية

الفصل السادس عشر: بذور البرية

مرّت أيام قليلة منذ قتال ستيف ضد "السكيليتون العاجي"، وقد ترك ذلك اللقاء أثرًا لا يُنسى في قلبه.

لم يكن الألم في كتفه هو الذي يقلقه، بل الشعور بأن الظلال بدأت تنظر إليه بجدّية.

كان يقف في الساحة المفتوحة قرب النهر، الشمس تسطع فوق رأسه، لكنه لم يكن ينظر للسماء.

عيناه كانتا تراقبان شيئًا آخر… يده اليمنى.

فتح كفه ببطء، فتوهّج الضوء الأزرق في الوشم الخفي، وانبثق السيف… لكن لم يطِر إليه كما كان يفعل دومًا.

بل ظهر مباشرة في يده، كما لو أن الزمن بين الرغبة والواقع قد اختفى.

— "لقد أصبحت جزءًا منك الآن."

قال جولريم الذي كان يراقبه من بعيد،

— "عندما تندمج القدرة مع النية، لا حاجة للحركة… بل يكفي أن تشاء."

خلال الأشهر التالية، كرّس ستيف نفسه للتعلم…

كان كل يوم يحمل درسًا جديدًا:

مع جيروم، الحداد الضخم، تعلّم كيف يُصهر الحديد ويطرقه حتى يُصبح فأسًا قادرًا على شق الحجارة.

مع أيلدا، المزارعة الحكيمة، عرف أسرار الزراعة في التربة الطينية، وكيف يحمي المحاصيل من الكريبرز التي تنفجر ليلًا.

مع مارلو، الراعي القديم، تعلّم كيف يتعامل مع الحيوانات، كيف يُهدّئ الذئب الجائع أو يروض حصانًا بريًا.

أما جولريم، فكان يمنحه دروسًا في القيادة،

كيف تتخذ قرارًا تحت الضغط،

كيف تُفكّر في عواقب الضربة قبل أن ترفع السيف.

ومع كل يوم، كانت أليكس إلى جانبه، تتدرّب، تتعلّم، وتُجادله كلما حاول التظاهر بأنه يعرف كل شيء.

— "قلت لك لا تخلط حجر الحمم مع الحديد الخام!"

قالت ذات مرة وقد انفجرت البوتقة الصغيرة.

ضحك وهو يمسح وجهه:

— "كنت أختبر نظريتك."

— "بل اختبرت صبري، ونجحت."

حين جاء أوان "الاختبار العظيم"، كما يسميه القرويون، لم يتردد ستيف لحظة.

قال:

— "لقد حان وقت الخروج للبرّية. أحتاج للخبرة… وللخطر."

رد جولريم بنبرة حازمة:

— "لن تخرج وحدك."

فوجئ ستيف، لكنه لم يعترض.

ثم سمع صوتًا من خلفه:

— "ولن تذهب دوني."

كانت أليكس… تقف ودرعها الجديد يتلألأ على كتفها.

ابتسم وهو يراها تمسك قوسها بثقة:

— "يبدو أنني لن أضيع… بوجودك."

بدأت الرحلة فجراً.

مُزوّدَين بأدوات الحديد، ودروع من الجلد المُقوّى، خرج الاثنان من بوابة القرية، بينما كان الحراس يلوّحون لهم، ووجه جولريم يغيب في الظل، يحمل دعاءً لا يُقال.

البرية لم تكن كما في الخرائط.

غابات كثيفة، أنهار ضيّقة تجري بصمت، تلال تحتوي على وحوش نائمة،

والمفاجآت… لم تتأخر.

في اليوم الأول، صادفوا مجموعة من الزومبي، لكنهم كانوا مختلفين:

جلدهم كان مكسوًا بأشواك، وعلى صدورهم رموز غريبة.

قال ستيف وهو يلاحظهم:

— "هذه ليست مخلوقات عادية… إنهم فرّوا من لعنة الشمس جزئيًا."

قاتلهم مع أليكس بشراسة، ونجحوا في إسقاطهم، لكن أحدهم أسقط شيئًا غريبًا:

سهم أزرق بلون السماء.

أخذه ستيف، حدّق فيه… شعر بذبذبة خفيفة في يده.

— "هذا ليس سهمًا عاديًا… فيه قوة… لا أعرفها بعد."

في الليالي، كانوا يشعلون نارًا صغيرة بعيدًا عن التلال، ينامون بالتناوب، ويتناوبون على الحراسة.

وخلال أحد الليالي، نهض ستيف فجأة على صوتٍ بعيد…

خشخشة… ليست خطوات… بل نبض… قلب حديدي…

نهض من مكانه، نظر عبر الشجيرات، فإذا بكائن ضخم يتحرّك هناك.

قالت أليكس وهي تقف بجانبه:

— "ما هذا؟"

— "لا أعرف… لكنه لا يبدو عدوًا."

— "كيف عرفت؟"

— "لأن عينيه… كانت تنظر نحونا… بحزن."

في اليوم الخامس من الرحلة، وصلوا إلى وادٍ غريب…

كانت الأرض هناك شبه ميتة، لكن في منتصفها كوخ صغير مصنوع من الطين والخشب المحترق.

دخله ستيف بحذر، فإذا برجل عجوز يجلس قرب مدفأة قديمة.

رفع رأسه وقال:

— "لقد تأخرت كثيرًا… كنت بانتظارك."

اقترب ستيف منه متفاجئًا:

— "هل تعرفني؟"

ضحك العجوز:

— "لا أحد يعرفك… لكنّ الظل الذي يحرسك… مرّ من هنا."

وفجأة… اهتزّت الأرض!

خُطى ضخمة تهز الجبال الصغيرة قرب الوادي…

وأطلّ من بعيد كائن عملاق، جلده من الحديد، عيناه تتوهّجان باللون الأحمر الداكن…

صرخ العجوز:

— "لا تخف! إنه الحارس الحديدي… الكراغا… لن يسمح لأحد بإيذائي."

حدّق ستيف بالكائن الهائل، وقد بدا في عينيه حنين…

وتهامس مع أليكس:

— "هذا… ليس مخلوقًا عادياً… بل أسطورة…"

وتنهّدت الأرض مرة أخرى، إذ اتجه الكراغا نحوهما…

وهنا، تنتهي الرحلة… وتبدأ قصة أخرى.

2025/06/12 · 2 مشاهدة · 637 كلمة
Weazz
نادي الروايات - 2025