الفصل الثاني : تحت الرماد، ما لا يقال.
بعد مرور شهور على الحريق، صار الصمت جدارًا يُحاصر ستيف من كل الجهات. كان يعيش في قبو بارد، لم تدخله الشمس قط. الضوء الوحيد يأتي من مصباح معلق من سقف حديدي صدئ، يصدر طنينًا خافتًا كأنّه يئن معه.
لم يكن يُسمح له بالخروج إلا للمهام. المدرسة؟ لم يعد يذهب. قالوا إنهم لا يستطيعون تحمّل نفقاته، بينما كانوا يخرجون كل مساء بسياراتهم الجديدة. في البداية كان يسألهم: "لماذا بعتم مزرعة أبي؟"
لكن الإجابة كانت صفعة.
ريك كان الأكثر عنفًا، لكنه لم يكن الوحيد. سام كان يسرق ما تبقى من أشياء والديه، يبيعها في السوق السوداء. أما غوران، فكان يراقب بصمت، عيناه لا ترمشان، كأنه شبح ينتظر سقوطه.
لكن ستيف لم ينكسر.
بدأ يكتب على الجدران، يخط ذكرياته، يرسم وجه أمه. بدأ يحتفظ ببعض بقايا الخبز، يخفيها في صندوق خشبي. لم يكن ليأكلها، بل كان يجمعها كما يجمع الأسير الأمل. كان يعرف أنه سيهرب. لا يعرف متى، ولا كيف... لكنه سيهرب.
ذات ليلة، وبينما كان العشاء صامتًا، تسلل حديث غريب بين أعمامه. لم يلاحظوا أن ستيف يسمعهم من أسفل الدرج:
"هل دفنتها مع باقي الأشياء؟" سأل سام بصوتٍ منخفض.
"نعم، البلورة مع الكتب. كل شيء في القبو القديم. ذلك الشيء لن يُفتح بدون من يعرف الرمز." أجاب غوران.
تجمد ستيف. "بلورة؟ كتب؟ قبو قديم؟"
في اليوم التالي، حين خرجوا جميعًا، بدأ يبحث. لم يكن يعرف عن أي قبو يتحدثون، حتى لمح فجوة صغيرة خلف رفّ قديم.
بدأ يدفع الطوب بحذر. طوبتان... ثلاث... حتى انفتح ممر ضيّق، يكاد جسده النحيف يتسع له.
الهواء في الداخل مختلف. رائحة قديمة، شيء بين الخشب المحترق والعفن والذكريات الميتة. سقط على الأرض القديمة، يلهث.
هناك، وسط الظلام، رأى صندوقًا خشبيًا منقوشًا بنقوش غريبة. فتحه.
بلورة. بلورة زرقاء، تنبض كأنها قلب صغير. بجانبها كتاب جلدي، عنوانه مكتوب بلغة لم يعرفها، لكن قلبه فهمه: "بوابة العوالم".
حين لمس البلورة، ارتجف كل شيء. الجدران... الأرض... حتى أنفاسه.
وفجأة، ارتفع جسده في الهواء، وبدأ الضوء الأزرق يغمر الغرفة.
حاول أن يصرخ، لكنه لم يستطع. جسده يتفكك. ثمّة شيء يسحبه، يشرّحه... يعيد بناءه.
ثم، وبلمح البصر... اختفى.