4 - الفصل الرابع: أنفاس من رماد

الفصل الرابع : انفاس من رماد

فتح ستيف عينيه ببطء، كأن الغبار قد غلّف جفنيه، ليجد نفسه ممددًا على الأرض القاسية، بين العشب اليابس وبعض الأحجار الصغيرة التي حفرت في جسده آثارًا حمراء. الألم كان طفيفًا، لكنه حاضر، كأن جسده يرفض تقبل هذا العالم الجديد، وكأنّه يصرخ بأن هذا ليس موطنه.

رفع رأسه قليلًا، ثم جلس بصعوبة وهو يتحسس مكانه. أشعة الشمس كانت قد بدأت تنتشر بين الأشجار الغريبة، مكعبة الشكل كما تذكّر، لكنها الآن بدت أقل غرابة… أو ربما هو بدأ يعتاد.

تنهّد مطولًا وهو يحدق في السماء، يهمس:

"أنا… ما زلت هنا؟ لم يكن حلمًا إذًا."

أمسك رأسه بيديه، محاولًا تذكّر كل ما حدث الليلة الماضية. أصوات الوحوش، العيون المتوهجة، الجدال العنيف بين الكائنات، الكائن الهيكلي الذي ظهر فجأة، والصوت الغاضب الذي أسكت الجميع.

تذكّر كيف تم رميه على الحائط، وتلك الضربة في رأسه قبل أن يغيب عن الوعي.

نهض ببطء، متوجسًا من أن يكون ما زال تحت المراقبة، وعيناه تتفحّصان محيطه. بدا المكان مهجورًا من كل شيء حيّ، كأن الليل ابتلع كل من فيه ثم انكفأ.

الهواء كان دافئًا قليلًا، ورائحة التراب الرطب ما زالت عالقة في أنفه. لا أثر لأيّ كائنات. حتى الأبقار والخراف التي رآها سابقًا لم تكن هنا. بدا وكأن شيئًا سحب الحياة من المكان، أو أن العالم بأكمله يأخذ نفسًا عميقًا قبل أن يبدأ جولة جديدة من الصراع.

"إن بقيت هنا، سأموت... يجب أن أتحرك."

بدأ السير بلا هدف، لكنه هذه المرة أكثر وعيًا. كل صوت في الطبيعة أصبح ذا معنى. كل حفيف شجرة، كل نقرة حجر، كل خفق جناح لطائر بعيد… كلها تجعله يلتفت.

وبينما يمشي، بدأ يرى آثار أقدام غريبة على التراب. ليست بشرية، لكنها ليست لحيوانات معتادة. بعضها ضخم بأصابع مدببة، وبعضها صغير لكنه عميق، كأن صاحبه كان يحمل ثقلاً هائلًا. بعضها كأنها لمخلوقات تسير على أربع، وبعضها لذوات قدمين مشوهة.

توقّف، يحدّق بإحدى تلك الآثار، ويقول لنفسه:

"كل هذا يعني شيئًا... لا بد أن هناك من يعيش هنا، مهما كان شكله."

كان هدفه الآن واضحًا: العثور على أحد، أيّ أحد يمكنه مساعدته في فهم هذا الجنون.

ظلّ يمشي لساعات، الشمس ترتفع فوق رأسه ببطء، والطريق يمتد بلا نهاية. تسلّق تلة صغيرة، ليجد من أعلاها منظرًا غريبًا: سهل واسع تغطّيه الحشائش، وفي منتصفه بناء صغير مصنوع من الخشب والحجر، بسيط جدًا، لكنه مختلف عن طبيعة هذا العالم.

ركض باتجاهه، قلبه يخفق، لعلّه أخيرًا يجد من يجيبه. وعندما اقترب أكثر، لاحظ أن الباب مفتوح قليلاً، والنوافذ بلا زجاج، والداخل خالٍ تمامًا. فقط طاولة صغيرة وبعض الكراسي الخشبية، وصندوق موضوع في الزاوية.

تفحّص الصندوق بحذر، ووجده يحتوي على أدوات غريبة: فأس حجري، بعض قطع اللحم المجفف، وخريطة ممزقة، لا يظهر منها إلا جزء صغير. لم يكن يعرف كيف يقرأها، لكنها كانت تحتوي على علامات غريبة، كرموز رسمها طفل، لكنها منتظمة أكثر من اللازم.

"هل عاش أحد هنا؟ هل ترك كل هذا خلفه؟ ولماذا؟"

قرر ألا يمكث طويلاً. أخذ الفأس، ولف قطعة اللحم في قماش قديم، وخرج، متابعًا رحلته نحو ما يعتقد أنه حضارة.

مرّت الساعات وهو يتنقل من تلة إلى وادٍ، من غابة إلى أرض منبسطة، لكن دون أثر لأي بشر. حتى القرى التي توقّع أن يراها، لم تكن موجودة.

أثناء مروره بين صخرتين كبيرتين، لمح شيئًا يتحرك في الأفق، بعيدًا عنه. كائن صغير، ذو رأس طويل وأنف بارز. لم يستطع تمييزه بوضوح، لكنه بدا وكأنه ينظر نحوه… ثم ركض واختفى بين الأشجار.

"هل كان... إنسانًا؟"

ركض خلفه، لكن عندما وصل لمكانه، لم يكن هناك شيء.

اقترب المساء. الشمس بدأت بالانخفاض، وبدأ العالم من حوله يتغير ببطء… الأصوات تقل، والهواء يبرد، والظلال تعود.

لكن هذه المرة، ستيف كان أكثر حذرًا.

اختار كهفًا صغيرًا بين الصخور لينام فيه، جمع بعض الأغصان اليابسة، أشعل نارًا صغيرة مستخدمًا الفأس والحجارة، وجلس يحدق فيها، عينيه معلقتين باللهب.

قال لنفسه وهو يحدق في النيران:

"هذا العالم... ليس كابوسًا، لكنه ليس حلمًا أيضًا. إن كان علي البقاء فيه... فعلي أن أفهمه أولاً."

وفجأة، وقبل أن يغفو، سمع الصوت من جديد… الهمسات نفسها التي سمعها تلك الليلة، وكأنها تطوف حوله.

لكن هذه المرة، كانت كلماتها واضحة أكثر:

"ابحث عنهم... القرويون... هم مفاتيح الحقيقة."

اتسعت عينا ستيف، وقف فجأة محاولًا تتبع مصدر الصوت، لكن لا أحد.

كان الظلام يزحف، والريح تشتد، وكأن العالم يهمس له بشيء أعظم… شيء لم يُكتشف بعد.

2025/06/10 · 1 مشاهدة · 671 كلمة
Weazz
نادي الروايات - 2025