الفصل الخامس قرية من نور
كان الضوء ينساب من بين الأغصان مثل خيوط من ذهب تُنير طريقًا لم يُكتب له أن يكون سهلًا. خطى ستيف بحذر نحو الدرب الذي قاده إليه الصوت الغامض، والظل الذي بدأ يتلاشى مع أول إشراقة شمس، كما لو أنه وُجد فقط ليقوده إلى هذه اللحظة.
أمام ناظريه، ظهرت بيوت صغيرة من الحجر والخشب، مصفوفة بدقة لا يعرف كيف صُنعت، وسور بسيط يحيط بالمكان، يعلوه بعض الشوك، وتحرسه تماثيل حديدية ضخمة ذات عيون تتوهج باللون الأحمر.
«أهذه هي القرية؟!» همس ستيف، متراجعًا خطوة دون أن يدرك. قلبه الصغير ينبض بشدة.
قبل أن يتمكن من التفكير أكثر، سُمع صوت قادم من فوق برجٍ خشبي: — "من هناك؟!"
رفع ستيف يده، مترددًا، فتقدمت نحوه شخصية غريبة بملامح مربعة وعيون متسعة، تمسك بعصًا مشعة. كانت ترتدي عباءة بنية وغطاء رأس.
قال الرجل بصوت هادئ: "طفل؟! وحدك؟... كيف وصلت إلى هنا؟ الوحوش تجوب الغابة ليلاً!"
لم يكن لدى ستيف جواب، فاكتفى بالقول: "أنا... أتيت من بعيد... لا أعرف كيف وصلت... أبحث فقط عن مكان آمن..."
تبادل القرويون النظرات فيما بينهم، ثم نظر الرجل الذي بدا زعيمًا لهم إلى ستيف وقال:
— "اتبعني، ستكون بأمان هنا... من الآن فصاعدًا، أنت أحد أبنائنا."
دخل ستيف القرية، وسط نظرات الفضول من القرويين الذين خرجوا من منازلهم. كان في عيونهم مزيج من الحذر والشفقة. ومن خلف نافذة صغيرة، لمح ستيف طفلة تلوح له بخجل، فابتسم لأول مرة منذ زمن.
في مركز القرية، جلس الزعيم مع بعض الحكماء حول نار مشتعلة، بينما جلس ستيف أمامهم، يتناول حساءً ساخنًا أزال برد الكهف من جسده.
— "ما اسمك، أيها الصغير؟" — "ستيف..." — "حسنًا، ستيف، هنا ستتعلّم كيف تصنع، وتزرع، وتحمي نفسك... هذا العالم ليس رحيمًا، لكنه يعلمنا كيف نصير أقوى."
مرّت الأيام التالية بسرعة، وبدأ ستيف يتعرّف على الحياة في القرية. علّمه أحد القرويين كيف يصنع أدوات بسيطة، بينما بدأ زعيم القرية يرشده إلى أسرار هذا العالم.
لكن ما لم يعلمه ستيف... أن الظل الذي أوصله إلى القرية، لا يزال يُراقبه من بعيد، يحميه من شرّ قادم لا يُرى.
وفي إحدى الليالي، وبينما كان ستيف مستلقيًا ينظر إلى السماء المكعبة، لمح عيني ذلك الظل في البعيد، على قمة جبل. لم يتحرك، فقط راقبه... حتى اختفى.
وقبل أن يغفو، سمع صوتًا في رأسه، أكثر وضوحًا من أي وقت مضى: "لا تثق بالجميع... ليس كل من يبتسم... يريد لك النجاة."