الفصل 198: الوريث (24)
من بين التوأمين، حصل الساحر على مدينة التجارة إندويل، بينما حصل محارب الهاله على إقليم مدينة الحصن ديتوري.
لم تستطع القوى الثلاث التي كانت تتوقع أن تحصل على فوائد جانبية من ذلك أن تخفي غضبها وخيبة أملها من الأمر.
"قالوا إنه لا داعي للقلق، لأن التوأمين لن يحققا أي إنجاز إن تم استبعادهما من المهام الرئيسية. كل ذلك كان كلامًا فارغًا!"
"لم نكن يجب أن نتبع قرارات الشيوخ. إنهم على وشك الرحيل عن هذا العالم، لذلك ليس لديهم استعجال في شيء."
خلال مرحلة الاستعداد للمعركة، كان استبعاد التوأمين إلى أقصى حد هو ما منحهم في النهاية الوقت الكافي لتحقيق إنجاز.
في وقت فراغه، صنع إرنولف سلاحًا جديدًا، وفي النهاية اقتحم اجتماع التخطيط العسكري، وشكّل فرقة مستقلة تولّى قيادتها بنفسه.
"لم أكن أعلم أن ذلك الوغد ماهر إلى هذا الحد في علم الخيمياء."
"ذلك الفتى الصغير يعرف أيضًا كيف يقود جيشًا على نحوٍ لا بأس به."
"بل إنه لا يعرف الخوف أيضًا! يا للعجب، لا أدري هل يظن نفسه محارب هاله أم ماذا؟! كانت الأرض مليئة بمصاصي الدماء، ومع ذلك اندفع بفرسه إلى قلب المعركة دون أي تردد!"
"وفوق ذلك لسانه! آه، بكلماته الثلاث يمكنه هزيمة جيشٍ من مليون مقاتل......."
وبينما كانوا يعددون عيوبه، سكت الجميع فجأة.
فكلما راحوا يذكرون واحدة تلو الأخرى الصفات المزعجة في إرنولف، بدأوا يشعرون بأنه لم يعد لديهم سبب مقنع ليقولوا إنه لا يصلح أن يكون وريثًا.
"أشعر بقلقٍ شديد، كيف يمكن الوثوق بشخص لا نعرف حتى أصله ونُسلمه مدينة كاملة؟"
ربما لأن صمت الجميع بدا له غير مريح، أو لأن مكانته قد تُمسّ، تكلّم ليون بيرساد أخيرًا بعدما ظلّ صامتًا طوال الوقت، فأضاف بصوتٍ خافت.
وفي تلك اللحظة، كأن مصباحًا قد أُضيء في رؤوس الجميع.
"صحيح! لا يمكننا أن نُجلس في منصب اللورد شخصًا لا نعرف من أين أتى، كأنه عظمة كلب التقطناها من الطريق!"
"صاحب السمو كان في ساحة المعركة، لذلك حتى لو قال إنه لا يعلم، لا يمكن لومه، لكن السيدة سيلينا مختلفة. لا يمكننا التغاضي عن حقيقة أنها لم تذكر كلمة واحدة بشأن هوية ذلك الرجل خلال مراسم التعيين."
"عندما تذهب للاستراحة قليلًا، يجب أن نحاول التحدث معها سرًّا لمعرفة شيء."
"فليكن، سأذهب أنا أيضًا."
كان التجار وعائلة بيرساد يراقبون سيلينا بعناية، ينتظرون بفارغ الصبر اللحظة التي ستتجه فيها إلى غرفة الاستراحة.
"لكن، ألم يحضر اللورد مالبيريك الحفل؟ أظن أنني رأيته في القلعة اليوم أيضًا…..."
تحوّلت أنظار الجميع نحو الساحر ليون بيرساد.
فعلى الرغم من أنه من عائلة مختلفة، إلا أنهم توقعوا أن يتبادل السحرة المعلومات فيما بينهم وأن تكون بينهم علاقة قريبة.
لكن حتى ليون بيرساد لم يكن يعلم إلى أين اختفى مالبيريك.
"لست متأكدًا… رأيته في الممر قبل غروب الشمس، ولكن بعد ذلك لم أره مطلقًا…..."
"حتى السيد جِيد، تلميذه المقرّب، لم يظهر أيضًا…...."
"هل غادرا القلعة معًا؟"
"لكن جلالته يحضر الحفل بنفسه!"
كان اللورد مالبيريك من المقرّبين الذين يحظون بعطف دوق نونيمان، وهو أيضًا صديق للورد ديتوري.
لذلك كان من المفترض أنه يعرف بأن الدوق نونيمان يخطط لإعلان وريث إقليم ديتوري.
لكن وجوده في القلعة مع امتناعه عن حضور الحفل كان أمرًا يصعب فهمه.
بينما كان الجميع يتساءلون عن مكان اللورد مالبيريك وتلميذه المقرّب جِيد، اقترب أحد النبلاء من الطبقة الدنيا وهو يحمل أنباء مرعبة.
"حـ… حصل أمر خطير!"
"ما الأمر؟"
"بنهايم..… السيد إدموند بنهايم على وشك الموت!"
"ماذا؟!"
كان إدموند بنهايم المرشّح الأبرز الذي طرحه بيت بنهايم كوريث محتمل للعائلة.
وبمجرد انتشار خبر أنه يحتضر، بدأ بعض ضيوف الحفل يتحركون بسرعة إلى الخارج، وكان أغلبهم من عائلة بنهايم.
"ما الذي يحدث بحق السماء…؟"
"يقال إن السيد رايان ضرب إدموند بنهايم حتى جعله في حالة مزرية تمامًا."
"لماذا؟!"
"بعد أن اعتدى عليه، كان يصرخ بشيء عن كازار… وعن إقليم ديتوري… يبدو أنه كان يعترض على شيءٍ ما له علاقة بذلك…"
"يجب أن نذهب لنرى ما حدث."
تحرك ليون بيرساد ومن معه بهدوء باتجاه المكان الذي تجمّع فيه الناس.
وعندما وصلوا، وجدوا بنهايم ممددًا على الأرض غارقًا في دمه، في قاعة صغيرة تتقاطع فيها الممرات.
وكان أفراد عائلة بنهايم يقفون في مواجهة عدد من النبلاء، خدم دوق نونيمان.
مهما كان ابن دوقٍ، فإن اعتداءه على وريث عائلة نبيلة أخرى من دون مبرر واضح كان بالتأكيد خطأً فادحًا.
"سيدي، لا يجوز لكم ضرب الناس هكذا بلا سبب."
قال أحد الخدم الشجعان كلامه بصراحة إلى رايان.
لكن رايان، بدلًا من أن يتراجع، ازداد غضبًا، وأخذ يمسح الدم المتخثّر عن قبضته بخرقة حريرية قدّمها له الخادم.
"لم أضربه عبثًا. تأكدت منه ثلاث مرات! سألته إن كان قويًا، فقال نعم. فسألته إن كان أقوى من كازار، فقال إن كازار لا يصل حتى إلى قدميه!"
ثم تابع رايان بنبرة مظلومة.
"فحسبت أنه شخص قوي حقًا. فسألته هل يمكنني أن أضربك مرة واحدة؟ فقال تفضل. ففعلت، وضربته!"
في نظر رايان، كونه سأل ثلاث مرات قبل أن يضرب كان دليلًا على أنه تمالك نفسه كثيرًا.
أما الخادم فظن أن رايان، على هذا المنطق، لا يستحق عقابًا بل ربما مكافأة على انضباطه!
"الشباب عادة يبالغون في تقدير قوتهم، يا سيدي. حتى لو قال إنه قوي، لا يعني ذلك أن تصدّقه حرفيًا."
"إذن، هل تريدني أن أضرب العجائز بدلًا من الشباب؟!"
"يا إلهي......"
تنهد الحاضرون عند سماع ردّ رايان.
أما الخادم، الذي بدا معتادًا على مثل هذه المواقف، فقد أجاب بوجه هادئ تمامًا.
"لا، يا سيدي. مهما كان عمر الشخص، لا يجب أن تضربه اعتباطًا."
"أين كازار الآن؟"
قال رايان وقد بدا عليه الملل.
وعندما أجابه الخادم بأن عليه أن يتأكد بنفسه، غادر المكان عائدًا إلى قاعة الحفل وهو في غاية الحماس.
"لقد أحضرت الكاهن فيستا."
أشار الخادم للحاضرين الذين تجمّعوا في دائرة كي يفسحوا الطريق للكاهن ليدخل، ثم اقترب من أفراد عائلة بنهايم.
"السيد رايان طلب المبارزة بطريقة شرعية ومهذّبة، وما حدث بعد ذلك هو نتيجة عادلة، لذا نرجو منكم تفهّم الأمر."
"لكن كيف يمكن لأي شخص أن يضرب إنسانًا بهذه الوحشية؟! لسنا من العامة أو قطاع الطرق… أليس هذا تجاوزًا؟"
"صاحب السمو لم يُعاقب اللورد بنهايم رغم أنه، بصفته لورد إندويل، قد تحوّل إلى مصاص دماء، مما عرض المدينة للخطر. ومع ذلك، لم يذكر جلالته أي شيء بخصوص سعي عائلة بنهايم مجددًا لاستعادة سلطة الحكم. لذا أنصحكم بأن تُقدّروا سعة صدره وتحترموا مقامه."
كانت كل كلمة تخرج من فم الخادم تحمل تهديدًا خفيًا مرعبًا.
فقوة عائلة بنهايم العسكرية مقارنة بقوة دوقية نونيمان كانت كقوة بعوضة أمام عملاق، لا مجال للمقارنة على الإطلاق.
ولو أراد نونيمان، لكان مصير بنهايم هو نفسه مصير إدموند بنهايم، مضرّجًا بالدماء على الأرض.
"لقد أخطأ ابننا، نرجو منكم أن تغفروا له بسعة صدر."
اعتذر كبار عائلة بنهايم للخادم، وطلبوا منه أن ينقل امتنانهم العميق لدوق نونيمان على كرمه وتسامحه، ثم أخذوا إدموند بنهايم معهم وغادروا المكان.
'ممتع فعلًا.'
الخادم لم يظن أبدًا أن رايان قد ضرب إدموند بنهايم دون سبب. صحيح أن تصرفات رايان كانت في أغلب الأحيان اندفاعية ومفرطة، لكن مع مرور الوقت، تبيّن أن أفعاله نادرًا ما كانت تؤدي إلى نتائج سيئة، بل أحيانًا كانت تعود بالنفع بشكلٍ غير متوقّع.
وكل ما يتعلق بكازار كان ينتمي إلى هذا النوع من الأمور.
في البداية، عندما اقترح رايان أن يُمنح كازار إقليم ديتوري، اعتبر الدوق نونيمان ذلك اقتراحًا مفاجئًا وغير مبرر، لكن الآن، أصبح هو بنفسه يسعى بقوة لكسب ودّ التوأمين.
'تُرى، ما نوع الحديث الذي دار بينهما في تلك الغرفة...؟'
كما لاحظ الأذكياء عندما نادى الدوق نونيمان باسم كازار في قاعة الحفل، لم تكن تلك هي المرة الأولى التي يلتقي فيها الدوق بكازار.
فقد كان الخادم نفسه من اصطحب كازار، الذي أنهى استعداداته لحضور الحفل، إلى الغرفة التي كان الدوق ينتظره فيها شخصيًا.
وكان هناك بالفعل نبيـلان قد أجريا مقابلاتهما وغادرا، وكان كازار هو الضيف الثالث المدعو.
وكان الخادم يعلم أن سيده استدعاه ليقيّم قدراته ويختبر إمكانياته، لكنّه لم يكن يعلم مطلقًا ما الذي دار من حديثٍ داخل تلك الغرفة، إذ كانت عليها تعاويذ عزل سحرية، حتى الخادم الذي وقف خارج الباب لم يسمع كلمة واحدة مما قيل في الداخل.
بينما كان الدوق نونيمان يتبادل التحيات مع مختلف النبلاء، لم يرفع عينيه عن التوأمين ولو للحظة واحدة.
فمنذ أن التقى كازار قبل الحفل وسَمِعَ منه عن أصله، لم يكن في ذهنه سوى التفكير في أمر التوأمين.
'سليل الجنرال بالتار…...'
كان الجنرال بالتار يعيش في الجهة المقابلة تمامًا من القارة، بعيدًا عن مملكة هيلام الواقعة في أقصى الشرق.
وقد وصلت سمعة عائلة بالتار، التي أنجبت أجيالًا من الأبطال، حتى إلى أشراف تلك المناطق البعيدة في أقصى الشرق.
أن يظهر الآن، بعد أربعين عامًا من إبادة عائلة بالتار، أحد أحفادها حيًّا أمام عينيه، كان ذلك أمرًا مدهشًا بحد ذاته.
لكن ما أدهشه أكثر من ذلك هو سؤال واحد ظل يراوده.
'من الذي قاد نسل المنفيّين حتى وصل إلى هنا؟'
فالمنفيون لا يُقبلون في أي دولة أو مدينة، ويُتركون يتجولون في البراري القاحلة حتى يموتوا جوعًا أو عطشًا، أو يُقبض عليهم من قِبل صيّادي العبيد ليُباعوا من يدٍ إلى يد.
لا شك أن ابن الجنرال بالتار قد لقي المصير ذاته، وبالتالي، فحفيدُه، بحسب المنطق، لا بد أنه عاش عبدًا في حياةٍ بائسة.
لكنّ الصبيّ الجالس أمامه لم يُبدِ أي مظهر من مظاهر تلك الحياة.
كان كازار معتادًا على معاملة النبلاء، يحمل في سلوكه انضباطًا يشبه انضباط الجنرالات الذين قضوا أعوامًا طويلة في المعسكرات، ونبرة صوته كانت نبرة من وُلد ليأمر ويُطاع، نبرة حاكم حقيقي.
ذلك البريق البارد والحاد في عينيه لم يكن بأي حال من الأحوال نظرة عبد.
ولم يكن الأمر متوقفًا على تصرفاته أو كلماته فحسب.
بل إنّ التوأمين كليهما قد استيقظت قواهما الداخلية، فأصبح أحدهما ساحرًا، والآخر محارب هاله.
بدأ الدوق نونيمان يتساءل في نفسه، من الذي التقط نسل المنفيّين وربّاه حتى أعدّ لهما اثنين من المرشدين؟ فلعلّ راعيهما ينتمي إلى دولة عدوّة، أو إلى قوة معادية في الخفاء.
وعندما أظهر الدوق نونيمان فضوله، قدّم كازار الإجابة ذاتها التي كان قد رواها سابقًا لرفاقه.
كانت تلك الإجابة بسيطة ومباشرة، ألقاها بنبرةٍ باردة خالية من التبرير، وكأنه يقول: صدقها أو لا، الأمر عائد إليك.
أمام هذا الصدق الخالي من الزيف، عجز الدوق نونيمان للحظة عن إيجاد ما يقوله.
'أن يكونا قد استيقظا بقوّتهما الذاتية…!'
كان الدوق يعلم أن الساحر إرنولف يمتلك موهبة استثنائية في نواحٍ متعددة، كما لم يكن لديه أدنى شك في أن كازار، محارب الهاله، هو أيضًا مقاتل بارع.
لكن العالم مليء بأشخاص يُطلق عليهم العباقرة أو النوابغ، ومع ذلك، لا أحد منهم كان من أولئك الذين استيقظوا بذاتهم.
ولهذا، وجّه الدوق نونيمان سؤالًا مباشرًا إلى كازار.
「إن أعطيتك إقليم ديتوري، كيف ستحكمه؟」
كان ذلك سؤالًا صعبًا على صبيٍ في مثل عمره. لكن كازار أجاب دون أي تردد.
وعندما سمع الدوق جوابه، أيقن حينها أن التوأمين لم يعتمدا على أي مُرشِد أو قائد، بل كانا حقًّا من أولئك الذين استيقظوا بذواتهم.
'السيف الصالح لطعن العدو قد يطعنني أيضًا.'
امتلاك قويٍّ هو بمثابة سيفٍ ذا حدين. إن لم تُجِد في التعامل معه، فقد تُجرَح به بدل أن ينفعك.
ولكن لا يمكنك استبعاده لمجرد أنه مخيف، ولا يمكنك تجاهله ليسقط بيد غيرك. فهما الآن طفلان صغيران، لكن خلال خمس سنوات، بل خلال ثلاث سنوات، سيصبحان بلا شكّ قوّة كافية لتغيير توازن القوى.
من موقف من يملك سلطةً والتحكّم في الأمور، لا يمكنهم الترحيب بعامل قد يخرج عن سيطرتهم دون تردّد.
هل نزيلهما قبل أن يمتلكا القوة؟
أم نحتضن هذه القوة التي قد نعجز عن السيطرة عليها؟
بعد تفكيرٍ عميق، قرر الدوق نونيمان، دون ترددٍ في الوسائل، أن يضمّ كازار وإرنولف إلى حوزتهم.