الفصل 199: الوريث (25)

「إن أعطيتك إقليم ديتوري، فكيف ستحكمه؟」

كان خصمه لا يتجاوز الخامسة عشرة من العمر. وكان الدوق نونيمان يعرف جيدًا مدى ضحالة فكر الأطفال في مثل هذا العمر.

كانت هالته لا تزال في مستوى المتدرّب، والمعرفة التي تراكمت لديه من التجارب كانت فقيرة للغاية.

لكن كازار كان يمتلك بالفعل قدرة استخدام هاله تعادل مستوى محاربٍ متقدم، وكانت مهاراته القتالية مصقولة بخبرة أولئك الذين جابوا ساحة المعركة.

أما بصيرته وحسّه السياسي المتراكمان عبر السنين، فكانا يضاهيان تقريبًا دوق نونيمان الذي بلغ الستين من عمره.

「أولًا، سأطفئ الشرارة المتبقية، وأقيم الأعمدة من جديد.」

في البداية، ظن الدوق نونيمان أن هذا جواب عادي. فالأرض التي فقدت سيدها وتعرضت للدمار تحتاج بطبيعة الحال إلى إعادة الاستقرار. وكان النبيلان اللذان قابلهما قبله قد أجابا بنفس الجواب.

لكن ما قاله بعد ذلك كان مختلفًا.

「وفي الوقت نفسه، سأشكّل وحدة خاصة لتعقّب مكان وجود الأميرة إيروني وتأمينها.」

「هل تتحدث عن أميرة بنغريل؟」

「نعم، هذا صحيح.」

كان نظر كازار عميقًا، ولم تتضمن كلماته أدنى ذبذبة.

「بنغريل كانت لقرون حاجزًا في الجنوب أمام غزو القارة الشمالية. غزت ممالك كثيرة بحثًا عن الجسر القاري الذي تملكه بنغريل، لكن لم يستطع أحد تجاوز أسوارها. إسقاط بنغريل ليس بالأمر السهل فحسب، بل إن احتلالها والسيطرة عليها أمر من عالمٍ آخر تمامًا. لذا إن أنقذنا الأميرة إيروني، صاحبة الحق الشرعي في العرش، وحميناها من وليّ العهد الذي صار مصاص دماء، فستكسب هيلام علاوةً على التحالف مع بنغريل فوائد ضخمة على الصعد الدبلوماسية والاقتصادية والعسكرية.」

「قد تكون الأميرة إيروني قد قُتلت بالفعل.」

「هذا احتمالٌ وارد بالطبع. لكن هل ستتركون الأمور هكذا دون محاولة؟」

قابل كازار كلام الدوق بحزمٍ لا يقبل الجدل.

「هي ابنة الملكة غريس التي حُبست لسنين طويلة. لا تملك أساسًا راسخًا في العاصمة الملكية. إن حميناها ونعرضها للعرش، فسيمنح هيلام ذريعة شرعية للتدخل في إعادة بناء بنغريل. وإن كانت قد ماتت، فسنبحث عن سبل أخرى. لكن إن كانت حية، فعلينا أن نؤمّنها بأنفسنا أولًا.」

أضاف كازار أن الرد غير المباشر عبر بنغريل سيكون أكثر كفاءة من أن تواجه هيلام القارة الشمالية والساحل الغربي مباشرةً.

وبجانب تشكيل الفرقة الخاصة لتأمين مصير الأميرة إيروني، قال أيضًا إنه يجب احتلال المناجم والمواقع العسكرية الحيوية التي تحتوي على الموارد الرئيسية بأسرع وقت ممكن.

كانت حجته حادة، ومتماسكة بحسّ الحاكم الحقيقي.

「لكن، إن لم نسقط أكارون، فستسير جميع الممالك، بل القارة بأكملها، في طريق الهلاك. وكلما مرّ الوقت، ستبتلع الممالكَ بطرقٍ أسرع وأكثر وحشية. لذا، ما نحتاجه الآن ليس سؤال شخصٍ واحد عن كيفية حكمه لإقليمٍ ما، بل أن نبحث جميعًا عن طريقةٍ لعبور هذه الأزمة معًا.」

وبعد أن أنهى كلماته، أعلن كازار أنه سيغادر قريبًا متجهًا نحو أكارون. وكان الدوق نونيمان قد علم بذلك بالفعل من سيلينا.

「إن توفّر الدعم الكافي، فبوسع أي شخص إعادة بناء إقليم ديتوري. لذلك، أرجو منكم دعم الإقليم أثناء غيابي أنا وأخي عنه. وبقوة سموّكم، أعيدوا ذلك المكان ليقف أصلب من ذي قبل، فهو سيصبح قريبًا الجسر الذي يربط بين هيلام وبنغريل.」

كان هذا اللقاء قد أُعدّ أساسًا ليسأل الدوقُ الشابَ كيف سيتولى حكم الإقليم.

لكن في لحظةٍ ما، انقلبت الأدوار، أصبح كازار هو من يطلب ويتحدث، والدوق هو من يصغي.

ولم يجد الدوق في ذلك غرابة أو استياء.

في حياته السابقة، لم يكن كازار يشعر تجاه دوق نونيمان سوى بالكراهية.

كان خصمًا شديد القوة، وكفاءةً مفرطة تجعل من وجوده عبئًا على أي عدو يواجهه.

لكن كازار في هذه الحياة كان يعلم أن كل تلك الأسباب التي جعلت منه عدوًا في الماضي، أصبحت الآن أساسًا متينًا للتعاون.

تحدث كازار بحماس وهو يصف خططه التفصيلية، وحين أنهى كلامه، خيّم الصمت على الغرفة.

لم يتفوه الدوق نونيمان بكلمةٍ لبرهةٍ طويلة. كان أمامه فتى لا يتجاوز الخامسة عشرة من عمره يتحدث عن الاستراتيجيات الكبرى، ويتأمل في مصير الممالك.

جسده ما زال غير ناضج، وصوته لم يتخلص بعد من آثار التغيّر، لكن كلماته حملت ثِقل شخصٍ مؤهلٍ لحكم مملكةٍ بأكملها.

'هذه ليست لغة صبي إنها.......'

كانت لغة مَلِك.

انزلقت نظرات نونيمان ببطء على وجه كازار. لم يُسمح يومًا أن تشرق شمسٌ ثانية في السماء. كانت المملكة تملك ملكًا بالفعل، وهو الدوق كالقمر الذي يعكس ضوءه من بعيد.

لكن الآن، كانت شمسٌ أخرى ترفع رأسها فوق الأفق.

「أنت أكثر جرأةً مما سمعت عنك.」

قالها بنبرةٍ لا يُعرف أهي مديحٌ أم امتعاض، ثم صمت مجددًا.

لقد وجد نفسه في مأزق. كان الاجتماع قد أُعد لاستقطاب لوردٍ من أطراف المملكة، لكن بدلًا من ذلك، ظهر أمامه من يحمل مؤهلات الملك نفسه، فاضطرب قلبه.

تساءل في داخله: هل عليه أن يُطفئ هذه الشرارة هنا والآن؟. أم أن عليه أن يضيف الحطب لتشتعل أكثر؟

ثم خطرت له فكرةٌ مفزعة أن هذا الفتى ليس وحده.

فإن كان الأخ الأصغر، المحارب المستخدم للهاله، يملك هذه البصيرة وهذه الجرأة، فكيف سيكون حال الأخ الأكبر الساحر؟

بمجرد أن فكّر في ذلك، شعر بوخزٍ في مؤخرة رأسه، وسرت قشعريرة باردة في ظهره.

「سمعتُ أنك أقسمتَ على حماية ابني…؟」

「نعم، هذا صحيح.」

「وقيل إنك أنت من قدّم العرض أولًا.」

تذكّر كازار الحديث الذي دار في قلعة ديتوري، ذلك الحديث الذي كان مشحونًا بالغضب والمرارة، وأجاب مجددًا بالإيجاب.

عندها أطلق الدوق نونيمان تنهيدةً خافتة.

「أجل… كما يقولون، البطل يعرف البطل حين يراه.」

كازار كاد أن يسأل من منهما المقصود بالبطل؟ لكنه كتم نفسه بصعوبة.

فقد هدّده شقيقه قبل المجيء قائلًا إنه إن تصرّف بوقاحة أمام الدوق نونيمان، فلن يطهُو له طعامًا لمدة شهرٍ كامل.

「سأُبقي مسألة نسبك سرًا في الوقت الحالي. وحين تعود بصفة البطل الذي أسقط أكارون، فلن يجرؤ أحد على استغلال أصلك ضدك أو التشكيك في مكانتك.」

امتدح الدوق نونيمان صراحةَ كازار في كشفه عن خلفيته الحقيقية، لكنه أضاف بنبرةٍ تحمل القلق.

「سمعتُ أن هناك من يطمعون في المقتنيات المقدّسة التي بحوزتكما.」

وأثناء انشغال التوأمين بالاستعداد لحضور الوليمة، كانت سيلينا قد دعت الثلاثي من كهنة معبد فيستا إلى جلسة شاي، لتستمع منهم إلى آخر المستجدات.

وقبيل نهاية الأحاديث الطويلة والمليئة بالحكايات الطريفة التي ألقاها إلسيد، تحدث فجأة الفارس المقدّس كراين قائلًا إن هناك أناسًا مريبين يتربصون بالمقتنيات المقدّسة التي يمتلكها التوأمان.

في جلسة الشاي تلك، كان خادم الدوق نونيمان حاضرًا نيابةً عنه، وهو من نقل إليه ذلك الحديث لاحقًا.

عندها قال الدوق إنه سيُعيّن بعض الفرسان المميزين لحراسة كازار ومرافقته.

「لا داعي لذلك، يا صاحب السمو. لقد اتخذتُ الإجراءات اللازمة بهذا الشأن، فلا تقلق.」

「اتخذتَ الإجراءات؟ كيف ذلك؟」

「ستعرف قريبًا.」

***

في الوقت نفسه، بينما كان كازار يلتقي بالدوق نونيمان قبل حضور الوليمة، استُدعي إرنولف إلى لقاء مع سيلينا.

بعد أن شدّد على أخيه ألا يتفوّه بأي كلامٍ طائش، ارتدى إرنولف رداء الحفل الفضي الأبيض ودخل إلى مكتبها.

بدأت سيلينا تشرح له ما توصّلت إليه بشأن الخاتم المعروف باسم العهد المتألّق، الذي كان يخصّ ولي عهد مملكة بنغريل وزوجته.

「يُقال إن وليّ العهد أُصيب بجروحٍ خطيرة أثناء قتاله ضد بربريي القارة الشمالية. ويبدو أن ذراعه المبتورة، ومعها الخاتم، تُركتا هناك في أراضي الشمال المتجمّدة… وهذا أمر مزعج للغاية.」

ثم أضافت أن وليّ العهد ذلك قد تحوّل لاحقًا إلى مصاص دماء، وهو الآن في مواجهة مع الملك الحاكم الحالي.

سألها إرنولف عن مصير الأميرة إيروني، فأجابته سيلينا أنه حتى اللحظة لم يصلهم أي خبرٍ مؤكد بشأن حياتها أو موتها.

كان رؤساء التجار الكبار يمتلكون شبكات تجارةٍ متداخلة كالأوردة في الجسد، ومن خلالها كانوا يجمعون الأخبار من كل مكان بسرعة مذهلة.

صحيحٌ أن طرقًا تجارية كثيرة انقطعت بسبب انتشار مصّاصي الدماء، لكن بقيت بعض المسارات الصغيرة، كالشعيرات الدموية، ما زالت نابضة بالحياة.

「ليس هناك الكثيرون يعرفون أخبار العائلة الملكية في بنغريل حتى الآن. ومن المدهش أنك تعرف بوجود الأميرة.」

「لقد صادفتها بالصدفة، بينما كانت في طريقها إلى القصر الملكي.」

「حقًا؟」

سألت سيلينا بفضول، فروى لها إرنولف باختصار كيف أنقذ الأميرة إيروني ومرافقيها.

「أنتما التوأمان غريبان حقًا. تلتقيان صدفةً بغلايمان فتنقذان كليرون، ثم تصادفان وريثة بنغريل فتنقذانها، ثم، صدفةً أخرى، تلتقيان بالدوق الصغير وتبنيان معه صداقة…....」

「هاها، أظن أن عدد المصادفات المذهلة كان كبيرًا فعلًا.」

「حقًا… وهل مرشدكما أيضًا التقيتما به صدفة؟」

「من يدري.......」

راوغ إرنولف في الإجابة، تاركًا كلماته غامضة. لكن كلاهما كان يعلم أن الوقت قد حان لتُكشف الحقيقة.

كانت سيلينا تفكر في جعله وريثًا لها، وإرنولف بدوره كان قد أدرك ذلك بالفعل.

عبّر إرنولف لسيلينا عن امتنانه العميق لكل ما قدمته لهما من دعمٍ مادي ومعنوي خلال تلك الفترة.

وحين أنهى كلماته، نظرت إليه سيلينا بعينين خافتتي البريق، كزهرةٍ ذبلت تحت الشمس.

「هل يعني هذا أنك تنوي الرحيل الآن؟」

「آه، لا، ليس هذا ما قصدته. سأغادر قريبًا فقط للمشاركة في حملة أكارون، لكن لم أقصد الوداع بكلامي.」

「أنا أعلم بالفعل أنكما كنتما عبدين فارّين من أحد المناجم.」

تسمرت عينا إرنولف متسعتين من الدهشة، فأضافت سيلينا وهي تعترف بأنها سخّرت شبكة المعلومات بأكملها لمعرفة أصل التوأمين.

ففي وقتٍ سابق، كان أحد المرتزقة تحت إمرة كاسيون قد استأجر أحد سماسرة المعلومات في إندويل ليتتبع التوأمين.

لكن ذلك السمسار قام بتعقّب المرتزق نفسه، واكتشف أن هدفه كان ملاحقة عبدين فارّين من منجمٍ قريبٍ من كليرون وأن هذين العبدين هما التوأمان بالذات.

حين وصلها ذلك الخبر، لم تستطع سيلينا النوم لعدة ليالٍ متتالية من شدّة الصدمة.

لكن لم يكن سبب صدمتها تواضع أصلهما، بل الحقيقة التي اكتشفتها بعد ذلك.

'كلاهما استيقظ من تلقاء نفسه.'

فهمت عندها كل شيء، سبب عدم إفصاحهما عن أصلهما، أو حتى عن اسم مرشدهما.

「يقال إن من يستيقظ بنفسه هو من يُغيّر مجرى العصر. إن كان ذلك صحيحًا، فستجرفكما دواماتٌ أكبر في المستقبل.

وأنا… أريد فقط أن أساعدكما على الصمود أمام الرياح القادمة، ولو قليلًا.」

طلبت سيلينا أن تُمنح الفرصة لذلك.

وحين سمعها إرنولف، شعر بصدقها العميق، وأدرك في قلبه أنها ستكون الشخص الذي يحتاجه كازار إلى جانبه أكثر من أي أحدٍ آخر.

「لكننا سنغادر قريبًا.」

「ألا تعتقد أنك تحتاج إلى مكانٍ تعود إليه؟」

「نحن لسنا مجرد عبدَين هاربَين، يا سيدتي. هل سمعتِ من قبل بالجنرال بالتار من مملكة ديلانو؟」

روى إرنولف لسيلينا كل ما كان كازار قد أخبره به عن أصلهم الحقيقي.

وبما أنها كانت قد صُدمت بالفعل بمعرفة أنهما عبدان فارّان وأنهما استيقظا من تلقاء نفسيهما، فلم تبدُ عليها الدهشة كثيرًا عندما علمت أنهما من نسل المنفيّين.

أما الذي تفاجأ هذه المرة، فكان إرنولف نفسه.

「سمعتُ أن في ديلانو الكثير من الوسيمين، فهذا يفسر سبب وسامتكما إذًا.」

ارتبك إرنولف ولم يعرف كيف يرد، واكتفى برمش عينيه في حيرة، فضحكت سيلينا بصوتٍ عالٍ ولوّحت بيدها قائلةً بخفة روح.

「لا تقلق. أنتما الأبطال الذين سيُسقطون أكارون وينقذون العالم. فما أهمية أن تكونا حفيدَي منفي؟ سأتكفّل بالأمر حتى تعودا بعد سقوط أكارون، فلا تحمل همًّا.」

ثم عادت لتقول بجديةٍ أكثر.

「لكن قبل ذلك، يجب أن نحلّ المشكلة الأقرب. سمعتُ أن هناك من يطمع بالمقتنيات المقدّسة التي بحوزتكما، أليس كذلك؟」

وبما أنها كانت صاحبة الدعوة لجلسة الشاي، فقد سمعت سيلينا بطبيعة الحال ما قاله كراين عن ذلك.

「لقد اتخذتُ الاحتياطات اللازمة، فلا داعي للقلق.」

「احتياطات؟ ماذا تقصد؟」

ابتسم إيرنولف ابتسامة غامضة وقال بلطف.

「ستعرفين قريبًا، يا سيدتي.」

2025/10/28 · 170 مشاهدة · 1693 كلمة
queeniie377
نادي الروايات - 2025