الفصل 203: الكائن الفائق (1)

كان الساحر مصاص الدماء المرتدي ثوبًا أحمر يواجه فارس معبد فيستا وسط الضباب الأحمر.

'السيف الضائع، كراين.'

لم يكن يتوقع أن يلتقي به هنا، لذا شعر بالمفاجأة للحظة وجيزة.

لكن سرعان ما اندفعت في داخله مشاعر باردة كنبع متفجر، تهدّئ صدره المذهول.

'داخل حجاب الدم، كل الكائنات ما عدا مصاصي الدماء ستفقد طريقها. مثل لقبك تمامًا، أنت أيضًا ستفقد طريقك...…!'

بما أنه كان داخل حجاب الدم، كان من الطبيعي أن تتعطل حواس كراين كلها ويثقل عليه الحركة.

لكن الرجل الذي يضيع طريقه حتى في وضح النهار أمام منزله، كان داخل حجاب الدم في ظلمة الليل يتحرك بطريقة مختلفة تمامًا.

بدا وكأنه يمتلك حاسة أخرى تفوق الحواس الخمس، فلم يتردد أو يتعثر ولو للحظة واحدة.

'بهذا لن يستطيع تفاديها!'

استحضر الساحر في ذهنه تعويذة تُدعى سهم الطاعون.

وعندها، ارتسمت أمام عينيه دوائر المانا الخاصة بها بشكل طبيعي.

على الرغم من أنه لم يتعلم تلك التعويذة من قبل ولو لمرة واحدة، إلا أن تنفيذها كان طبيعيًا وسلسًا بشكل مدهش.

في غضون ثوانٍ معدودة، انطلقت عشرات الأسهم المسمومة نحو تابع فيستا.

معظمها لم يتمكن من اختراق القوة المقدسة فضعفت أو ارتدت بعيدًا، لكن بعضها اخترق الفجوات بين دروعه، ومع ذوبان السهام في جسده بدأت بشرته تتعفن.

ابتسم الساحر ابتسامة رضا، متخيلًا أن جسد الفارس سيتحول قريبًا إلى جسد من القيح المتقرّح.

'الآن هو الوقت المناسب.'

استدعى مصاصَي دماء اثنين ليغطياه، ثم انسحب بسرعة من المكان.

بعدها، نثر الدم على الأرض وبدأ بإجراء طقس الإحياء لإعادة الحياة إلى مصاص الدماء الميت.

في تلك اللحظة، اشتعلت الهالة من جسد كراين كالنار المتأججة.

أغلق جراحه باستخدام الهاله، ثم استدعى قوته المقدسة.

"أيتها النار المقدسة، اشتعلي واحكمي على الشر!"

تألّق نصل سيفه المشبّع بقوة فيستا بلون أبيض ساطع.

استدعى الساحر المزيد من مصاصي الدماء، لكنهم لم يتمكنوا من صدّ كراين الذي كان قد أطاح بالمصاصَين السابقين وتقدم نحوه بقوة.

فسقطت جثثهم فوقه كأمطار غزيرة تحاول إيقاف اندفاعه.

'قليلًا فقط… وسيكتمل الإحياء.'

وجّه الساحر كل طاقته، جامعًا بقوة يائسة طاقة أبانوس، ثم صبّها كلّها نحو مصاصي الدماء الذين بدأوا بالزحف صاعدين من باطن الأرض.

في تلك اللحظة، شعر بقوةٍ غير مرحّب بها تتدفق من وراء حجاب الدم.

كانت تلك القوة عظيمة إلى درجةٍ بدت وكأن الحاكم نفسه قد تجلّى؛ قوة فيستا اجتاحت المكان كموجةٍ عاتية تضرب جسده بأكمله.

تبدّدت قوة أبانوس في لحظة، وتحوّل جسده إلى رماد في طرفة عين.

عندما فتح عينيه مجددًا، زحف خارج بركة الدم وهو يضرب الأرض بقبضته غاضبًا.

'لم أستطع بعد الانتقام لأبي!'

كان الموت دون أن يثأر لأبيه مؤلمًا إلى حدّ الجنون.

قبض على يده بشدة، وارتجف جسده من الغضب، ثم صرخ نحو السقف بصوتٍ ممزق.

عاجزًا عن كبح غضبه، أطلق البرق في كل الاتجاهات.

انفجرت الجدران والأعمدة التي بدت كأنها عروق دم، متناثرة بالدماء وقطع اللحم.

بعد أن شهق بأنفاسٍ غاضبة، نظر إلى يديه المرتعشتين بتوجس.

كان غريبًا…

هو، الساحر مصاص الدماء، استخدم قبل لحظات تعويذة ساحر البرق.

'لكن… أنا مجرد ساحر دماء، أليس كذلك؟ أم أنني كنتُ ساحرًا من قبل؟ لا، لا… أنا… أنا……'

وقد بدأ الارتباك يملأ عينيه، نظر حوله فوجد نفسه في مبنى غريب مرة أخرى.

ومع ذلك، تذكّر على الفور اسم هذا المكان الذي جاء إليه للتوّ.

'مذبح دولوروم (Dolorum)…...'

كان أمرًا في غاية الغرابة.

فهو الذي كان ساحرًا، أصبح يستخدم بحرّية تعاويذ لمصاصي الدماء لم يتعلمها قط، بل ويعرف بنية هذا المكان ووظائفه كلها رغم أنه يزوره لأول مرة.

'والدي توفي مجمّدًا منذ خمس سنوات… لكن لماذا أشعر بكل هذا الغضب؟'

كان والده يحب الشراب كثيرًا، وفي إحدى ليالي الشتاء القارس، مات مجمّدًا في الطريق أثناء عودته إلى المنزل وهو مخمور.

لذلك، إن كان له أن يذكر قاتل أبيه، فسيكون الخمر وبرد الشمال القاسي.

لكن من أين تأتي إذًا هذا الغضب الذي لا يهدأ؟

ما أصل هذا الغليان الذي لا يعرف له سببًا؟

خرج من الغرفة التي تبرك فيها الدم، ورأسه يضج بالارتباك.

هناك، عند المدخل، كان بعض العمّال ينتظرونه، فألقوا على كتفيه رداءً أحمر.

أغلق الرداء بإحكام، ثم خرج من المذبح.

في الغابة الشتوية الكثيفة بالخارج، كان العمال يقطعون الأشجار وينقلون الصخور لتوسيع المذبح.

حوّل نظره وسار نحو المكان الذي كانت فيه جيوش مصاصي الدماء بانتظاره.

لم يأمره أحد، ومع ذلك كان يعرف تمامًا إلى أين يجب أن يذهب، وماذا عليه أن يفعل.

وحين وصل، وقف أحد الفرسان تحت تساقط الثلوج، وانحنى له بتحية احترام.

في جيش مصاصي الدماء، حتى الساحر الجديد يحتل مكانة أعلى من جميع الفرسان، لأنهم بفضلهم وحدهم يمكن إجراء طقوس الإحياء.

"مرحبًا بقدومك، اللورد هارينغتون."

هارينغتون، قائد الأمن في إندويل.

كان ذلك هو اسم الساحر ذي الثوب الأحمر.

بادل هارينغتون الفارس إيماءة سريعة بعينيه، ثم شدّ غطاء الرداء الأحمر إلى أن غطّى نصف وجهه تقريبًا.

***

أنفاسه التي خرجت في الصباح الشمالي البارد تلاشت في الهواء كضبابٍ أبيضٍ من الصقيع.

مرّ الخريف الذي كان المطر يزوره كثيرًا، وجاء الشتاء الجاف والبارد.

كان رجال القوافل الذين ينقلون البضائع إلى العربات ويشدّونها بالحبال يبدون كظلالٍ منكمشة داخل فراءٍ سميك وثيابٍ مبطنة تغطي أجسادهم.

الهواء البارد جعل حتى أيدي الحرفيين المتمرّسين ثقيلة وبطيئة، وفقدوا الإحساس بأطراف أصابعهم منذ زمن.

أما ما ظهر من أيديهم خارج القفازات فكان أحمر باهتًا إلى حدّ البياض.

في ذلك الصباح، استيقظ إرنولف متأخرًا في غرفة نوم القلعة، فاغتسل، ثم تناول فطورًا بسيطًا قبل أن يبدأ استعداداته للخروج.

ارتدى قميصًا من حرير ويفرون فوقه صديريًا خفيفًا من الفرو، ثم معطفًا طويلًا من الصوف.

كان نحيف البنية طويل القامة، فحين لبس المعطف الطويل الذي يضيق قليلًا عند الخصر، بدت هيئته، رغم أنها بملابس رجولية، أنيقةً كمن يرتدي ثوبًا فاخرًا.

قال الخادم وهو يلف حول عنقه وشاحًا دافئًا من الفراء ويثبّته ببروشٍ فضيّ لامع كي لا ينفك.

"السيد كازار خرج مع الدوق الصغير خارج القلعة عند الفجر، وقد عادا منذ قليل."

"أجل، فهمت."

في كل مرة يستعد فيها للخروج، كان هناك خادمان يرافقانه لتجهيزه.

وبمجرد أن يغادر غرفة نومه، كانت وصيفة تنتظره لتتبعه كظلّه.

كانت تلك الوصيفة لا تجيد فقط لغة الشمال، بل أيضًا اللغة الإمبراطورية المستخدمة في الغرب، كما كانت مطّلعة على أحوال العديد من الشخصيات المهمة في المناصب العليا.

لهذا، كانت ترافق إرنولف دائمًا في جولاته لتساعده على فهم شبكات النبلاء والتجار في المجتمع.

"يا."

ما إن انعطف إرنولف عند الزاوية، حتى رآى كازار متكئًا على عمود، يرفع يده بخفة وهو يلقي عليه التحية بنبرةٍ تشبه كلام الرجال الأكبر سنًّا.

"كنتَ توبّخني لأنني أتحدث أحيانًا كالعجائز، والآن أنت نفسك تتكلم بلهجة الشيوخ؟"

يبدو أن كازار، لكثرة ما اختلط بالمسنين أثناء تجواله في المعسكرات، بدأت طريقته في الكلام تأخذ طابعًا أكثر دفئًا وعفوية.

أشار إرنولف إلى ذلك مازحًا، وسارا معًا في الممر.

في هذه الأيام، كان التوأمان مشغولين إلى حدٍّ كبير في إنهاء بعض المهام العاجلة قبل انطلاقهم في حملة بعيدة،

حتى إنهم بالكاد يجدون وقتًا لالتقاط أنفاسهم.

ومع ذلك، كان كازار يذهب مرتين في اليوم إلى الغابة لمساعدة وال في تدريبه، ودائمًا ما كان رايان يتبعه هناك لينضم إليهما.

أما إرنولف، فكان يزور وال مرة واحدة كل ثلاثة أيام فقط، إذ كان تدريب صياغة التعويذات يتطلب تكرارًا لآلاف المرات حتى يتقنها تمامًا، كما كان عليه أن يتدرّب على كل مرحلة بتأنٍ قبل الانتقال إلى التالية.

لذلك، كان يكتفي بزيارته كل ثلاثة أيام لمتابعة تقدمه ثم يعود.

في الآونة الأخيرة، كان كازار يدرّب وال على أساسيات تعزيز الجسد، ويعلّمه من البداية كيفية استخدام المخالب (Claw) في القتال.

تركّز التدريب على كيفية التحكم بها بأمان، وضربات القطع والطعن الأساسية.

وبينما كان إرنولف يستمع من كازار إلى أخبار وال، تبادلا الأحاديث المختلفة وهما يسيران بخطًى هادئة نحو مكان اللقاء المحدد.

"من الغد سأعلّم بعض تقنيات الهجوم المتتابع. ربما لأن حجمه أصغر من بقية الذئاب، فهو أبرع في الرشاقة."

"حسنًا."

"هل اكتملت مخططات التصاميم للتوزيع؟"

"نعم، أحضروا النسخة النهائية البارحة وراجعتها. أعتقد أنه يمكن توزيعها كما هي. سنبدأ اليوم بطبع النسخ."

"همم، يسير كل شيء حسب الخطة."

في إندويل كانوا قد بدأوا بالفعل إنتاج أجهزة إنذار مصاصي الدماء والقنابل الومضية وغيرها في جميع المشاغل. أما المدن والممالك الأخرى فلم تكن كذلك.

لذلك وكلّف إرنولف صانعي الخيمياء بصنع مخططات السلاح الجديد الذي طوّره، وتم إنجاز النسخة النهائية أمس.

كان من المقرّر توزيع تلك المخططات عبر النقابة، وستحمل مجموعةٌ من المرافقين نسخًا منها لتنشرها أثناء سفرهم.

واليوم كان مقررًا أيضًا عقد اجتماع للأكاديمية لإعداد كتيّب معلومات يجمع خصائص جيش مصاصي الدماء. وكان ذلك هو المكان الذي كان التوأم متوجّهين إليه.

إندويل تركزت حولها قوة مصاصي الدماء وتوسّعت بسرعة بالقرب من أكارون. دارت معارك في أماكن متعددة، وكان إرنولف يجمع تلك الأخبار عبر شبكة معلومات النقابة.

من خلال تلك العملية تأكد إرنولف من أن الفرضية التي طرحها سابقًا في إقليم ديتوري كانت صحيحة.

"أعتقد أنك سمعت من قبل عن حقيقة أن مصاصي الدماء يتشاركون الذكريات، لذلك سأتجاوز الشرح التفصيلي."

ما إن امتلأت أكواب الشاي، حتى بدأ إرنولف حديثه مباشرة.

كان الحاضرون من أعضاء الأكاديمية، خبراء في مجالات مختلفة، يصغون إليه بانتباهٍ شديد.

"وفقًا للتقارير الحديثة، يبدو أنهم لا يتشاركون الذكريات فحسب، بل أيضًا المشاعر. لذا، كلما كثر عدد من يموتون ويُبعثون من جديد، زادت كمية المعلومات والمشاعر المشتركة بينهم."

"لكن أليس معنى ذلك أن الكائنات العليا والدنيا تختلط فيما بينها؟ وبما أن عدد الكائنات العليا قليل في الغالب، ألن يؤدي هذا إلى انخفاض مستوى جيش مصاصي الدماء بأكمله؟"

أشار أحد السحرة إلى أن تبادل المعلومات قد لا يكون مفيدًا دائمًا.

"يبدو أن الأمر لا يتوقف عند ذلك فقط. بينما كنت أقرأ التقارير، لاحظت أنهم يعانون من اضطراب في الذكريات. جميع مصاصي الدماء تلفظوا بنفس الجملة "قاتل والدي" ويبدو أنهم فقدوا هويتهم الخاصة نتيجة اختلاط تجارب لم يعيشوها وذكريات ليست لهم."

كان من بين الحاضرين أيضًا عالم بارز في مجال المنطق، وقد أومأ الجميع برؤوسهم مؤيدين ملاحظته الدقيقة.

"رغم أن مشاركة المعلومات على نطاق جماعي تمنحهم ميزة واضحة، إذ يمكن لمن لم يخض قتالًا من قبل أن يتعلم تقنيات القتال بسرعة، إلا أن هذا يعني أيضًا أن الارتباك الذي ينشأ في فردٍ واحد يمكن أن ينتشر بسرعة إلى الجميع."

"إذن يمكننا التفكير في وضع استراتيجية تستغل هذا الجانب الضعيف."

"طرحٌ يبعث على الأمل. يجب أن نذكر هذه النقطة بوضوح في الكتيّب."

بعد أن تبادل الخبراء نقاشهم الكافي، تقدّم إرنولف للكلام.

"لكن، ما نراه الآن ليس سوى ظاهرة مؤقتة. لن يستغرقوا وقتًا طويلًا قبل أن يتغلبوا على هذا الارتباك، ويتطوروا إلى كائنات في مستوى أعلى."

ساد القاعة اضطراب واضح.

الوجوه التي كانت قبل لحظات مشرقة بعد اكتشاف نقطة ضعف لمصاصي الدماء، تحوّلت فجأة إلى وجوهٍ متجهمة مثقلة بالقلق.

فهم جميعًا يعرفون أن هذا الفتى ذا الخمسة عشر عامًا يمتلك ذكاءً حادًا على نحوٍ مرعب.

كل ما يقوله يكون مستندًا إلى منطقٍ متين وأدلةٍ لا يمكن دحضها.

لذلك، عندما قال إن اضطراب مصاصي الدماء مؤقت فقط، أدرك الجميع أن وراء كلامه أساسًا منطقيًا متينًا لا يمكن إنكاره.

"سأسمي تلك الكائنات... الكائنات الفائقة."

وعند سماع تلك الكلمة الغريبة تسرّب شعورٌ بالخوف إلى قلوب الحاضرين.

2025/11/03 · 144 مشاهدة · 1698 كلمة
queeniie377
نادي الروايات - 2025