الفصل 207: الطريق خلف الظلام (2)

رغم أنهم فقدوا عددًا كبيرًا من سكان الإقليم، إلا أن معظم القوات التابعة للكونت ديتوري كانت متمركزة على الجبهة الجنوبية، ولهذا نجت بسلام.

إذا تم توجيهها بشكل صحيح، فإعادة إعمار مقاطعة ديتوري ستسير بسرعة كبيرة.

خلال فترة غياب التوأمين اللذين غادرا للهجوم على أكارون، قرر دوق نونيمان وسيلينا تقديم الدعم لمقاطعة ديتوري.

تولى دوق نونيمان توفير المزايا الضريبية والدعم العسكري، بينما كانت إندويل مسؤولة عن الدعم المادي والبشري، وعيّن التوأمان جيفروي كالمسؤول العام عن القيادة الميدانية.

جيفروي، الذي تربى منذ صغره كوريث لعائلة البارون، كان يعرف جيدًا كيف تُدار الأراضي.

لقد كان ملمًا بالقوانين والعادات، وأظهر إخلاصًا وحماسًا كبيرين مكّنوه من استيعاب سابقة مقاطعة ديتوري بسرعة.

ولم يكن ذلك فحسب، بل إنه تعلم من والديه ومعلميه الخاصين بالتفصيل كيفية جمع الضرائب وإدارتها، وكيفية توزيع الموارد بشكل منظم.

منذ صغره، كان السيد والسيدة غلايمان يصطحبانه إلى العديد من الاجتماعات المهمة، ومن خلالها تعلم كيفية التعامل ليس فقط مع المعبد والعديد من النقابات، بل أيضًا مع اللوردات المجاورين والعائلة الملكية، فتعلم آداب السلوك وفنون التفاوض.

وقبل أن يبلغ سن الرشد، جعلاه يدير الضيعة بنفسه، وبفضل ذلك تمكن من تطبيق ما تعلمه نظريًا على أرض الواقع، فاكتسب خبرة عملية كبيرة.

ولم تقتصر تربية الوريث على ذلك فحسب، فالبارون غلايمان، الذي كان محاربًا حتى النخاع، أراد أن يربي جميع أبنائه ليصبحوا محاربين أقوياء.

لذلك، قبل أن يُوقظ جيفروي هالته، كان قد تعلّم بالفعل فنون السيف والرمح والرماية، إضافةً إلى ركوب الخيل والصيد.

كما درس أساسيات تدريب الجنود وقيادتهم، وتعلم مبادئ حرب الحصون والدفاع عنها.

أما زوجة البارون، فقد أولت اهتمامًا خاصًا بتعليم أبنائها العلوم الإنسانية. ولهذا، علمتهم القراءة والكتابة بلغتهم الأم بدقة، بل ودرّبتهم أيضًا على إتقان لغة الإمبراطورية التي يستخدمها نبلاء الغرب.

لم يكن لدى جيفروي وألبرت أي موهبة أو حتى اهتمام بالرياضيات، لكنهما كانا شغوفين جدًا بقراءة كتب المغامرات البطولية ومشاهدة المسرحيات التي تروي سير الأبطال والأساطير.

وربما كان ذلك السبب………

فوريث غلايمان، الذي كرّس له والده ووالدته كل وقتهما وجهدهما لتربيته بعناية، تخلّى في عمر الرابعة والعشرين عن حقه في وراثة اللقب، وغادر الإقليم سعيًا وراء مغامرة بطولية.

ذلك الشخص الموهوب هو من ألقى بنفسه طوعًا في أحضان التوأمين.

كان التوأمان يتوقعان أنه إذا أخبراهما بأنهما لن يأخذاه معهما في رحلتهما للبحث عن الأداة الأثرية (الآرتيفَكت)، فسيشعر الأخوان غلايمان بخيبة أمل كبيرة.

لكن، عندما طلب إرنولف منهما المساعدة في إعادة إعمار مقاطعة ديتوري، تقبلا الموقف بسهولة.

بل على العكس، أظهرا حماسًا أكبر مما كان متوقعًا، وأبديا إرادة قوية في المساهمة في عملية الإعمار.

"إن سقطت مقاطعة ديتوري، فستبتلع المملكة في لحظة. من الطبيعي أن نضع إعادة إعمارها في المقام الأول."

قال جيفروي إن خلفه تمتد أرض موطنه كليرون، وإن حماية هذا المكان تعني حماية موطنه نفسه.

أما ألبرت، فبدا أن كرامته قد جُرحت بشدة من حقيقة أن أول أرض في المملكة دُنِّست تحت أقدام مصاصي الدماء كانت أرض سيّد السيف نفسه.

"من غير المحتمل أن تُدمَّر المقاطعة التي كان يحكمها أفضل مبارز في المملكة بين ليلة وضحاها. لا أطيق رؤية هذا المشهد. أتمنى أن تستعيد شكلها القديم بأسرع ما يمكن."

وفوق ذلك، ازدادت عزيمتهما على الإعمار بعد أن رأيا بأعينهما المأساة التي أصابت سكان المقاطعة المتضررين.

"شكرًا لكما."

وهكذا، تمكن التوأمان من الانطلاق في رحلتهما بقلوب مطمئنة بعد أن سلّما أمر مقاطعة ديتوري إلى الأخوين غلايمان.

"سلموا سجلات المالية والمحاسبة الآنسة باور، ستكون عونًا كبيرًا لكم."

ثم قدم التوأم خادمة إندويل، لومينا باور، للأخوين غلايمان.

في قصر لورد إندويل، كان هناك موظف كبير مسؤول عن إدارة جميع الشؤون المالية المتعلقة بالمقاطعة، وكانت لومينا باور تعمل تحت إمرته كمحاسبة خادمة.

وعلى الرغم من أنها شاركت لفترة في إعداد أزياء الحفلات والقتال الخاصة بالتوأمين، إلا أنها في الأصل كانت محاسبة بارعة تطمح لأن تصبح كاتبة رسمية.

ما إن رأى الأخوان غلايمان لومينا حتى اتسعت أعينهما إلى أقصى حد، بل واحمرّت وجنتاهما أيضًا.

لم يكن السبب أنهما لم يشاهدا منذ زمن امرأة شابة أنيقة المظهر، رغم أن هذا لم يكن بلا تأثير، بل إن ما أسَرَّهما حقًا لم يكن مظهرها، بل موهبتها.

"المالية... إدارة الدفاتر..."

"أوووه!"

بالنسبة إلى جيفروي وألبرت، اللذين لم يكن لديهما أدنى موهبة في أي شيء يتعلق بالرياضيات، كانت لومينا باور بمثابة حاكمة المحاسبة التي نزلت من السماء.

"هاه... أخيرًا، تحررنا من الدفاتر!"

"لقد نجونا!"

أطلق الأخوان تنهيدة طويلة، ثم هتفا فرحين، مرحبين بلومينا بحماس بالغ.

بعد ذلك، قدم إرنولف لهم سيرابيون، خبير الخيمياء.

كان سيرابيون قد تولى منصب المسؤول العام عن تطوير أسلحة جديدة لحماية المقاطعة، مستعينًا بمجموعة من الخيميائيين المبتدئين الذين أُرسلوا من إندويل.

"يسرّني أن أراك مجددًا، يا لومينا."

"مرّ وقت طويل يا سيرابيون."

ولدهشة الجميع، بدا أن لومينا تعرف سيرابيون من قبل.

وعندما سُئلت عن السبب، شرحت أن سيرابيون كان قد رافقها في رحلة عودتها من مدينة سِيآن عندما اضطرت لترك دراستها هناك لأسباب مالية، بل وساهم أيضًا في تغطية نفقات سفرها حتى عودتها إلى هنا.

وبعد ذلك، حين أفلس والد سيرابيون، وبدأ الدائنون بملاحقته وإزعاجه، كانت لومينا هي من ساعدته عبر تنظيم حساباته المالية وتقليص حجم ديونه بشكل كبير.

ومنذ تلك الحادثة نشأت بينهما صداقة متينة.

إلا أن التواصل بينهما انقطع لاحقًا، لأن سيرابيون كان يعمل تحت إمرة الكونت ديتوري، بينما كانت هي تعمل لدى لورد إندويل، فلم يكن بمقدورهما اللقاء.

"كيف هي صحتك؟ سمعت أنها لم تكن جيدة......."

فقد كانت قد سمعت أن سيرابيون تدهورت صحته بشدة بعد تعرضه المتكرر لمواد سامة أثناء إجراء أبحاثه مع معلمه، وقد رغبت حينها في زيارته للاطمئنان عليه، لكنها لم تستطع، لأنه كان قد أُوفد إلى الحدود الجنوبية.

ولهذا السبب تحديدًا تطوعت في هذه المهمة لدعم المقاطعة.

"لقد تحسنت كثيرًا. السيد إرنولف علّمني كيفية استخدام عدد من الأجهزة التي تساعدني كثيرًا."

كان المرض الذي أصيب به من النوع المزمن، حتى أن علاجات الكهنة لم تكن كفيلة سوى بتخفيف الأعراض أو إبطاء تقدم المرض، لا شفاءه تمامًا.

ولهذا، قام إرنولف بمراقبة حالته الصحية عن قرب، وعلّمه بعض التقنيات الخاصة لمنع تفاقم حالته.

بفضل ذلك، صار سيرابيون يستخدم قفازات واقية وقناع تنقية سحري عند التعامل مع المواد السامة.

كما قام بتركيب جهاز لتنقية الهواء يعمل بطاقة المانا في ورشته، وكان يصنع أيضًا جهاز تنفس بالأوكسجين المركز ليستخدمه في حالات ضيق التنفس الطارئة.

"يا إلهي… من المريح حقًا أن مثل هذه الأشياء موجودة في العالم."

عندها أخرج سيرابيون القلادة التي حصل عليها من إرنولف، وعرضها عليها قائلاً.

"وهنا أيضًا، لدي قلادة حجر الشفاء. عندما تسوء حالتي كثيرًا، أستطيع بها إخماد النار قبل أن تشتعل تمامًا. فلا تقلقي بعد الآن يا لومينا."

كان سيرابيون قد حاول مرارًا طمأنتها عبر العديد من الرسائل، لكنه فشل في كل مرة.

فكلما أرسل لها رسالة قصيرة يقول فيها إنه بخير، كانت ترد عليه برسائل طويلة مليئة بالقلق والاهتمام، حتى تراكمت كومة منها كأنها جبل من الورق.

لكن هذه المرة كانت مختلفة، عندما رأت لومينا بأم عينها الأجهزة التي وضعها في ورشته لإيقاف تطور المرض، ورأت أيضًا أنه يحمل قلادة حجر الشفاء، بدا أنها أخيرًا شعرت بالاطمئنان حقًا.

فانهمرت دموعها وهي تتوجه بالشكر لإرنولف بإخلاص.

‘كنت أظن أن لومينا ستكون شريكة مناسبة لجيفروي…..... لكن يبدو أن القدر كان له ترتيب آخر.’

رغم شعوره ببعض الأسف تجاه جيفروي الذي لم يختبر الحب بعد، إلا أن إرنولف كان صادقًا في تمنيه أن تجمع السعادة بين لومينا وسيرابيون.

بعد أن تأكد التوأمان من أن سيرابيون قد أتقن إلى حدٍّ ما تقنية تنقية حجر المانا المظلم، وراجعوا تقدم خطة إعادة إعمار المقاطعة والاستعدادات المتعلقة بها، غادرا أخيرًا قلعة ديتوري.

أما جيفروي وألبرت، اللذان بقيا في المؤخرة، فقد قاما بتوديع سادتهما بكل ما تقتضيه الأصول من احترام وهيبة.

كان إرنولف وكازار يخططان، بعد أن يجمعا جميع الأدوات الأثرية (الآرتيفَكتس)، ألا يعودا إلى المقاطعة، بل يتوجها مباشرة إلى أكارون.

وهناك، سيتحدان مع قوات التحالف لخوض معركة قاسية ضد الحاكم الشرير الذي يهدد البشرية.

"عُودوا إلينا بالنصر سالمين!"

"نتمنى لكما الحظ السعيد، يا سيديّ."

كانت كلمات قصيرة، لكنها حملت بين طيّاتها كل مشاعر القلق والدعاء بالنصر اللتين كانا يخفيانهما في صدريهما.

"أجل."

كانت استجابته باردة بعض الشيء، لكن في داخله شعر بشيء غريب يصعب وصفه.

فلم يمضِ وقت طويل منذ أن كان يسخر من أخيه لقبوله هذين الشقيقين كـتابعين مخلصين، ومع ذلك، ها هو الآن يتركهما في الخلف مطمئنًا تمامًا إليهما، الأمر الذي جعله يشعر بمشاعر متداخلة يصعب تفسيرها.

"نتمنى لكم الحظ السعيد!"

ردد فرسان وجنود الكونت ديتوري، الذين عادوا من الجبهة الجنوبية، الهتاف بصوتٍ واحدٍ، متمنّين النصر للتوأمين.

وبين تشجيع من بقي خلفهم، امتطى التوأمان صهوي فرسيهما، وانطلقا عابرَين الحقول المغطاة بالثلوج.

وكان خلفهما المستذئب الشرس والساحر وال، والثلاثي المدهش من أتباع كنيسة فيستا، يرافقونهم في المسير.

كانت رياح الشمال العاتية تعوي وتزمجر حولهم، إلا أنهم تقدموا بثبات لا يتزعزع،

ضاربين الأرض بأقدام خيولهم نحو القدر الذي ينتظرهم.

'الأشياء الجميلة… هي حقًا أمر رائع.'

بينما كانت لومينا باور تقف إلى جانب الأخوين غلايمان لتوديع التوأمين، تمتمت تلك الكلمات في قلبها.

منذ الحفل الأخير، كان صُنّاع الأزياء يرددون تلك العبارة كثيرًا وهم يثنون على جمال التوأمين الفاتن.

ولأن لومينا كانت كثيرًا ما تتعامل معهم في أثناء إدارتها لتكاليف صناعة الملابس، فقد خطرت تلك الجملة بذهنها تلقائيًا وهي تنظر إلى التوأمين مرتديين بزّاتهم القتالية التي حيكت بدم وعرق ودموع الحرفيين.

'من الرائع حقًا أن أكون هنا... رأيت سيرابيون الوسيم، ورأيت أيضًا التوأمين بملابس القتال.'

رفعت يدها ملوّحة للمغادرين، وهي تفكر أن هذا اليوم كان بحق يومًا ممتعًا لعينيها من كل الجوانب.

***

كل ما حدث بعد مغادرتهم مقاطعة لورين ووصولهم إلى العاصمة كان عذابًا بالنسبة لفيفيان.

فهي الآن أميرة المملكة، ترتدي ثياب الأميرات، ويُنادونها بـصاحبة السمو، وتعيش داخل القصر الملكي، لكنها في أعماق نفسها، كانت لا تزال فيفيان، ابنة الوصيفة ديبي بارات.

لقد قررت أن تجسّد دور الأميرة بأقصى درجات الكمال، لكن في الحقيقة، كان ذلك مجرد وجهٍ آخر لغضبها العميق.

كانت فيفيان تشعر بالخيانة من والدتها ديبي بارات، التي خدعتها طوال حياتها، كما كانت تمتلئ غضبًا لأنها لم تستطع، ولو مرة واحدة، أن تنادي الملكة الراحلة بـأمي.

'لو كنتُ وُلدتُ أميرةً، وتربّيتُ كأميرةٍ منذ البداية، لما كنتُ الآن أرتجف كل ليلة من طعنات الخيانة، وأكتم دموعي في الظلام بهذا الشكل…....'

كانت كل تلك المشاعر المقيتة نابعة من كونها لا تعيش كالأميرة إيروني، بل كـفيفيان.

كان بإمكانها أن تُخبر خالها، الكونت لاورين بالحقيقة، وتجعل ديبي بارات تنال عقابها على ما فعلت، لكن فيفيان لم تفعل ذلك.

مهما كانت الكراهية التي تشعر بها، فـديبي بارات هي المرأة التي كانت تناديها أمي طوال سبعة عشر عامًا.

ثم إنها كانت قد رأت بعينيها كيف أن خالها، الكونت لاورين، قتل بلا تردّد كل من شهد على وفاة الأميرة الحقيقية إيروني، ولهذا لم تستطع أن تبوح له بأنها هي الأميرة الحقيقية، وأن التي ماتت كانت ابنة ديبي بارات.

في تلك الليلة، وبعد بكاءٍ طويلٍ ووحيدٍ، اتخذت فيفيان قرارها، أن تُخفي الحقيقة حتى تصل بنفسها إلى قمة السلطة.

'نعم… في النهاية، لن يصدقني أحد. حتى لو قلت إن المربية بدّلت الأميرة بابنتها، فلن يبقى سوى الجدل والشكوك. سيتدافع الناس لإثبات ما إذا كنتُ حقًا الأميرة أم لا، وسيؤذونني بأسئلتهم وتكهناتهم. ثم ستطاردني الشائعات إلى الأبد، وتهدد مكاني في القصر بلا نهاية…...'

بما أنها نشأت كخادمة، فقد كانت تعرف جيدًا قوة الصمت.

ولهذا قررت أن تنتظر الفرصة بينما تبني قوتها بصبر.

لكن، لم يمضِ وقتٌ طويل بعد وصولها إلى القصر الملكي، حتى انقلبت حياتها مجددًا رأسًا على عقب.

2025/11/07 · 127 مشاهدة · 1761 كلمة
queeniie377
نادي الروايات - 2025