الفصل 209: قلعة الصقيع (1)

إلى سيدي اللورد المبجّل، تهبّ ريح الشمال لتقرع أسوار القلعة، ويبتلع الثلج الأبيض الأرض في هذا الفصل القارس. فهل أنتم بخير يا سيدي اللورد؟

هذا الصباح، ارتدى التوأمان ثياب القتال وانطلقا في رحلة طويلة.

لقد قلتم يا سيدي إن لباس القتال يجب أن يجمع بين الكفاءة في المعركة والهيبة في المظهر، وقد صنع الحرفيون الذين استلهموا قولكم عملاً فنيًا مذهلًا بحق.

في صباحٍ باكرٍ لا يقطعه سوى صوت تحطم الثلج تحت الأقدام، ظهرا مرتديين ثياب قتال جميلة للغاية، تحمل في الوقت ذاته قدرًا مذهلًا من الخصائص العملية.

كانت ثياب القتال الخاصة بالسيد إرنولف تجمع بين الجمال المتقشف والأناقة الفكرية. فقد نُسج القماش الناعم بإحكام من خيوط حرير ويفرون، وامتزج مع الجوهرة التي تثبت الطاقة السحرية المعروفة باسم عين الحكيم، ليبدو كلوحة فنية متكاملة.

أما خاصية التخفي التي اقترحتم يا سيدي إضافتها، فقد عملت على نحوٍ مثالي دون أن تدعو إلى القلق.

حين جرّب السيد إرنولف تمرير السحر في النسيج، تحوّل القماش الأسود إلى لونٍ أبيض كالثلج، وامتزج تمامًا مع المشهد الشتوي من حوله. كان رداؤه ذا بريقٍ خافت بلون الصقيع، جميلًا إلى حدٍّ جعل من يراه يظنه رداء احتفالٍ رسميّ.

وفي المقابل، كان زيّ السيد كازار ذا طابع مختلف تمامًا عن زيّ السيد إرنولف. فقد جمع الحرفيون بين الجلد المتين المرن والمعدن الأسود في تناسقٍ بديع، ليُبرزوا بأفضل شكلٍ ممكن مهابة المحارب وهيبته.

خطّ كتفين متين، درع صدرٍ قويّ، وانحناءة خصرٍ مصقولة. كل ذلك بدا عمليًّا وفي الوقت ذاته نبيلًا.

حين امتطى السيد كازار جواده وانطلق عبر السهول الثلجية، تحوّل سطح درع القتال الأسود إلى لونٍ أبيض مطفأ يقلّد بدقّة ملمس الثلج الممتدّ.

يبدو أنه فعّل آلية تغيير اللون لاختبار خصائص الدرع قبل الانطلاق في رحلته البعيدة.

كان من المدهش أن الدرع في الظلام يتحوّل إلى سوادٍ كظلٍّ يذوب في العتمة، وفي السهول البيضاء المبهرة يصبح أبيض تمامًا حتى يكاد يمحو وجوده، كأنه شبح.

أما من رافقهم، فكانوا، الفارس كراين من معبد فيستا، والكاهنان إلسيد وماريتا، بالإضافة إلى تلميذيهما والافريد كافيش فقط.

في البداية، شعرت بالقلق لأنهما سيخوضان معركةً شاقّةً في هذا الشتاء القارس ومع عددٍ قليلٍ من المرافقين.

غير أنني عندما رأيت السيدين، وقد ارتديا ثياب القتال التي أهداها لهما سيدي اللورد، ينطلقان عبر السهول الثلجية كأنهما أسطورتان حيتان، امتلأ قلبي باليقين بدل القلق.

إن الشجاعة والإيمان اللذين يتحلّيان بهما، إضافة إلى تلك الرابطة القوية من الزمالة والإخاء بينهما، لن تنكسر أمام أي حاكمٍ شريرٍ مهما كان.

أتمنى يا سيدي اللورد أن تطمئنّ عند سماع هذا الخبر.

أؤمن أن اليوم الذي يعودان فيه سالمين، ليحلّ نسيم الربيع مجددًا في ساحة القلعة، ليس بعيدًا.

ولْتكن دومًا بركة الجاكم فيستا معكم يا سيدي اللورد.

المخلصة في ولائها،

لومينا باور.

ملحق:

أُرفق مع هذه الرسالة أمر شراء يهدف إلى اقتناء مواد بناء ومواد خيمياء وصيدلة من إندويل، وذلك بعد تصريف بعض ممتلكات قلعة ديتوري.

فبرج المراقبة وجدار الحصن الخارجي قد تضرّرا بشدّة في المعركة السابقة، حتى إنهما لم يعودا قادرين على أداء وظائفهما على الإطلاق.

لذا، فالإصلاح العاجل أمرٌ ضروريّ للغاية.

كما أُبلغكم بأن حجر المانا المصفّى الذي يقوم الخيميائي سيرابيون بتنقيته وفق الطريقة التي علّمه إيّاها السيد إرنولف، لا يزال إنتاجه غير كافٍ للاستخدام داخل القلعة.

ومن المتوقع أن يصبح بإمكاننا تداوله بكمياتٍ صغيرة بعد مرور شهرٍ من الآن.

حاليًا، يعمل سيرابيون على إعادة ضبط حرارة المِصهر السحري من أجل الحفاظ على جودة مستقرة للمعادن.

أما من حيث الموارد والتمويل، فنحن نديرها بعنايةٍ وحذر، لذا أرجو من سيدي اللورد ألّا يقلق.

***

بعد أن قرأت سيلينا الرسالة التي أرسلتها لومينا باور عبر القافلة التجارية، أطلقت تنهيدةً خفيفة.

لقد شعرت بالأسف الشديد لأنها لم تستطع مرافقة التوأمين حتى قلعة ديتوري لتوديعهما هناك.

"لم يمضِ سوى خمسة أيامٍ على رحيلهما... ومع ذلك، اشتقت إليهما بالفعل."

رغم أن التوأمين لم يكونا يتصرّفان كالأطفال في كثيرٍ من الأحيان، إلا أن ذلك بالتحديد كان ما يجعل سيلينا تشعر بالاطمئنان.

فـكازار كان دقيقًا وصارمًا وهو يفحص حالة الحراسة في القلعة، أما إرنولف فكان يتعامل مع النبلاء والتجّار بمهارة مفاوضٍ مخضرم.

عندما كانت تراهم هكذا، كانت سيلينا تشعر وكأنها تمتلك جيشًا عظيمًا يسندها، فيغمرها الأمان.

"بعد القضاء على الحاكم الشرير واستعادة السلام، سننشئ طريقًا تجاريًا جديدًا يربط بين ديتوري وإندويل. اجمعوا الخبراء لدراسة التضاريس، وأتمّوا التصميم المبدئي مسبقًا."

وأضافت سيلينا أنها، من أجل تقصير الطريق قدر الإمكان، ستأمر بحفر نفقٍ إذا لزم الأمر، كما وجّهت باستخدام السحرة القادرين على استخدام سحر الاستكشاف لإجراء فحصٍ جيولوجيٍّ شامل.

وحين انحنت الخادمة مطيعةً وغادرت بهدوء، وقفت سيلينا عند النافذة، تشبك يديها وتنظر إلى الجهة التي غادر منها التوأمان.

"لتكن بركة فيستا معهما........"

صلّت بصدقٍ من أعماق قلبها أن تُلقي الحاكم فيستا نظرةً أكثر دفئًا على الطفلين اللذين يقاتلان الحاكم الشرير، وأن تحميهما بعنايتها الخاصة.

***

"آتـــشـــو! آتـــشـــو! إيهــتــشـــو!"

أطلق إلسيد سلسلةً من العطسات وهو يمتطي جواده.

كانت عطساته قويةً لدرجة بدا معها وكأنه قد يُقلع عن الأرض مدفوعًا بأنفاسه!

"يا رجل، ما هذا الضجيج! لتكن بركة فيستا معك."

"لو كنا في كمينٍ حقيقي، لكنتَ ميتًا منذ زمن. لتكن بركة فيستا معك أيضًا."

لم تكن هذه المرة الأولى التي يتصرّف فيها إلسيد بهذا الشكل، ولذا صار الاثنان، كراين وماريتا، يسخران منه بطريقةٍ شبه اعتيادية وهم يتمنّون له بركة فيستا.

"ولماذا أنتما بخير؟ ألستما تشعران بالبرد؟"

"أنا لا بأس عندي، فمثل هذا البرد لا يؤذيني."

"من الواضح أنك من أهل الغرب حقًّا……"

ضحكت ماريتا وهي تقول إنها بخير، بينما واصل كراين مداعبته له.

ربما لأنهما اجتازا الجبال سويًا وعانيا المشاق من قبل، فقد أصبحا الآن أكثر ألفةً من ذي قبل.

"حين نصل إلى الغرب، لا تجرؤ على قول إن الجو حار، حسنًا؟ وإلا سأنتقم لكل هذه السخرية التي أتعرض لها الآن. إيهتشو!"

"لتكن بركة فيستا معك."

"بِـگَـهَم."

"ما معنى بيغهام؟"

"إنك تعطس كثيرًا، فاختصرتها من بركة فيستا معك."

"تبدو مثل طائفةٍ هزلية من أتباع فيستا!"

فضحك إلسيد وماريتا معًا على اختصار كراين الغريب.

"لقد أصبتُ بالزكام بسبب الكاهنة ماريتا."

"ولماذا تتّهمني فجأة…؟"

"ألستِ تشعرين بشيءٍ من الذنب؟"

"لا، أبدًا."

"همم، غريب."

"ما الغريب؟"

أطلق إلسيد عطسةً أخرى قوية، ثم مسح أنفه وتابع كلامه قائلًا.

"منذ اليوم الذي طلبتُ فيه من الكاهنة ماريتا أن تعلّمني بعض التعاويذ الأساسية التي يستخدمها كهنة البركة عادةً… بدأتُ أتلقّى تعاليم الحاكم فيستا مباشرة!"

"هاه؟"

أمالت ماريتا رأسها في حيرة، بينما قال كراين مازحًا.

"يبدو أن حرارة جسمه ارتفعت كثيرًا، من الأفضل أن تطلقي عليه تعويذة شفاء قوية فورًا."

تابع إلسيد حديثه دون أن يلتفت إليهما.

"كنت أسير في الممر، وفجأة وجدت على الأرض ورقة رقّية منقوشًا عليها تعويذة تُدعى نَفَسُ اللهب."

التقطها بلا تفكير، ثم أدرك أنها صيغة سحرية تخصّ كهنة البركة، فخبّأها سرًّا في صدره.

"لكن في طريق عودتي إلى السكن عبر الحديقة، وجدت ورقةً أخرى ساقطة. وهذه المرة كانت مكتوبًا عليها ضوء ساحة المعركة."

وبمجرّد النظر، أدرك أن تلك الرقّية كانت قد سقطت من كتابٍ ثمين مزخرفٍ بإطارٍ ذهبي.

وفي النهاية، أخذ إلسيد الورقتين معًا، وحفظ تعاويذهما عن ظهر قلب في تلك الليلة نفسها.

في اليوم التالي، عندما عاد إلسيد إلى مكان إقامته، تمدّد على السرير وهو يتنهد من التعب، ثم صرخ فجأة بعد أن فتح عينيه.

"صدقًا! على السقف كانت مكتوبة لهب كارمن (Carmen Flamme)، تعويذة أغنية اللهب! كانت مرسومة هناك!"

عند سماع ذلك، انفجرت ماريتا وكراين في ضحكٍ مكتوم، بينما رمقهما إلسيد بنظرةٍ غاضبة من وجهٍ شاحبٍ وقال بعصبية.

"أقسم بالحاكم، لم أكن أنا من نثر الرقّ فوقي أو رسم التعويذة على السقف!"

"نعم، نعم، بالطبع. لم تكن الكاهنة ماريتا من فعلت ذلك. ربما اكتفت فقط بإخبار رئيس المعبد بما قلته."

"لا! لم أقل شيئًا للسيد لورينتي على الإطلاق!"

"إذن، هل تريدين القول إن معجزة حصلت وحدث كل هذا من تلقاء نفسه؟"

قالها إلسيد وهو يرفع معطفه ليُريهم بطانته الداخلية.

وبمجرد أن رأيا ما بداخلها، كادا يختنقان من شدة الضحك، حتى تفجّرت الضحكات منهما كالرصاص.

"شعلة الريح (Flammea Ventis)، أضواء الحرب (Lumina Bellis)، لهب كارمن (Carmen Flamme)، هاهاهاها!"

كانت الجهة الداخلية من معطف إلسيد مطرّزة بتعاويذٍ أساسية يستخدمها عادةً كهنة البركة.

وحين رأت ماريتا ذلك، انفجرت ضاحكة حتى انهمرت دموعها.

"إنها معجزة بلا شك! لقد حدثت معجزة حقًا!"

لم يتمكّن كراين من كبح نفسه أيضًا، فبدأ يسخر من إلسيد.

"آه، أنتم جميعًا متواطئون ضدي... إيهـتشــو!"

تطاير رذاذ أنف إلسيد ولعابه في الهواء، لكنه تجمّد على الفور بفعل رياح الشمال الباردة.

ارتجف جسده من البرد وأغلق معطفه بإحكام، فمدّت ماريتا يدها نحوه وأطلقت عليه تعويذة شفاء.

"هذه نزلة برد ناتجة عن إرهاقٍ مزمن. حتى لو شعرت بتحسّنٍ اليوم، ستعود الأعراض غدًا من جديد."

"أجل، لكن على الأقل سأكون مرتاحًا اليوم."

تمتم إلسيد متذمّرًا لماريتا، ثم رفع بصره نحو التوأمين اللذين يسيران أمامه.

كان التوأمان يبدوان مطمئنين كالعادة.

فعندما تهبّ رياحٌ عاتية وتجرف الثلج معها، كان كازار يطلق درعًا واقيًا لصدّ العاصفة، وحين تصبح الطريق وعرة، كان إرنولف يستخدم السحر لتسويتها وتسهيل المرور.

بفضلهما، كان من يسير خلفهما يتجنّب الرياح ويعاني مشقّةً أقل.

قال إرنولف بصوتٍ ثابت وهو يقف عند قاعدة الجبل الشاهق.

"من الآن فصاعدًا سنصعد طريق الجبال، فاستعدّوا. الطريق المريح انتهى هنا."

رفع أفراد المجموعة رؤوسهم عند سماع كلماته، فرأوا أمامهم جبلاً صخريًا أسود، قمّته مغطّاة بالثلوج الأبدية،

يقف شامخًا كوحشٍ ضخمٍ يتهيّأ لابتلاعهم جميعًا.

"جبال الصقيع... هل سنعبر هذه السلسلة حقًا؟ هناك طريقٌ جانبي أكثر أمانًا من هذا الاتجاه، فلماذا الإصرار...؟"

قال إلسيد، الذي كان يعرف الجغرافيا جيدًا بصفته رحّالة، مشيرًا بيده نحو الطريق الالتفافي الآمن.

"الطريق الالتفافي سيأخذ منا وقتًا طويلًا جدًا. ثم لا يوجد أي ضمان بألا نجد مصّاصي دماء هناك أيضًا."

"سنتوقف في قلعة فريجيون في منتصف الطريق لنستريح قليلًا من عناء السفر، فلا تقلقوا كثيرًا."

تألقت عينا إلسيد عند سماعه اسم القلعة وقال بحماس.

"أوه، لقد سمعت عنها من قبل! إنها قلعة الجليد التي يحكمها كاهن سكادين، وسيط الصقيع. أليس اسم اللورد هناك إلارين فروستينا؟ سمعت أنه يحكم قلعة فريجيون منذ أربعين عامًا كاملة!"

"كما توقعت، أنت تعرف الكثير فعلًا."

"لقد سمعت عنها فقط، لكن لم أزرها قط."

كانت سلسلة جبال الصقيع تضم أربع قلاع حصينة، تُعرف مجتمعة باسم حصون الصقيع.

ثلاث من تلك القلاع كانت تحت سيطرة ممالك سولوند وبنغريل وهيلام، أما قلعة فريجيون التي قرروا اتخاذها محطة للراحة في منتصف الطريق، فكانت منطقةً محايدة لا تتبع أي مملكة.

كانت تلك القلعة في الأصل معبدًا مكرّسًا لعبادة الكائن المتعالي سكاكين، وكان الكاهن الذي يخدمه هو من يتولى حكمها حاليًا.

"أسرع طريقٍ إلى مملكة سولوند يمر عبر حصن الصقيع التابع لها، لكن من المرجّح أن ذلك الحصن قد سقط بالفعل في أيدي مصّاصي الدماء."

لذلك قرروا دخول سولوند عبر قلعة فريجيون، تحت حماية سكادين الذي يُلقب بـ حامي الحدود.

كانت القلعة تقع تمامًا على تقاطع حدود الممالك الثلاث، ولذا كانت تُعرف أيضًا باسم قلعة حارس الحدود.

رفع أفراد المجموعة أنظارهم نحو قمة الجبل التي تقع فيها القلعة، ثم تابعوا طريقهم إلى الممر الجبلي دون أي تردد.

2025/11/11 · 112 مشاهدة · 1682 كلمة
queeniie377
نادي الروايات - 2025