الفصل 210: قلعة الصقيع (2)

كلما ارتفعت بهم الأنفاس إلى الأعلى، تغيّر لون السماء إلى رمادي رصاصي، وهبّت رياح شمالية شرقية باردة بلا رحمة.

كانت الرياح القادمة من أقاصي العالم كأنها تتحول إلى آلاف الشفرات الحادة، تخترق الملابس الشتوية ودرع الحديد لتجرح الجلد.

تحت وابلٍ من ندف الثلج الصغيرة والقاسية كأنها حبات رمل، كان الرفاق يتسلقون الجبل بصعوبة.

في تلك اللحظة، وبينما كانوا يتقدمون يائسين في معركةٍ مع البرد، حملت الرياح صرخةَ يأسٍ من مكانٍ مجهول.

"سكادين! أيها الوحش القاسي! أعد إليّ ابنتي! هل لا يهدأ صدرك حتى تنتزع كل شيءٍ من هذا العجوز المريض الأعرج؟ أيها اللعين! لستَ لا حاكماً ولا شيئاً! خذ لعناتي أيها الوغد!"

كان الرجل يلوّح بعصاه نحو قلعة فريجيون التي حجبتها عاصفة الثلج، وهو يصرخ بالشتائم.

وبجواره كان بغلٌ عجوز قد سقط أرضاً، تتراكم فوق جسده طبقات من الثلج الأبيض.

"ما الذي يقوله هذا؟"

سأل إلسيد وهو يزيح قليلاً واقيات أذنيه الواقية من البرد.

وفي تلك اللحظة، لم يسمع صرخة الشيخ، بل سمع عواء ذئبٍ عالٍ يخترق أذنيه.

"يا إلهي..….."

"يبدو أنه ليس ذئبًا عاديًا."

قال وال وهو يصغي بانتباه ويتتبع مصدر الصوت. وأوضح أنه يسمع هذا العواء لأول مرة، وأنه لا يشبه عواء الذئاب، ولا حتى عواء المستذئبين.

"إنه ذئب الصقيع."

وكما جرت العادة، كان إرنولف هو من يبدد فضول الجميع.

"ذئب الصقيع؟"

"إنه الكائن الذي يُعرف بأنه عيون سكادين وأقدامه. يراقب ويجوب أنحاء فريجيون بأسرها، ويصطاد الوحوش."

"هل يؤذي البشر أيضًا؟"

سألت ماريتا بعد أن رأت عدة نيرانٍ زرقاء باهتة تظهر بالقرب من الشيخ.

كانت مستعدةً لأن تسحب سيفها في أي لحظة، سواء كان ذئب الصقيع تابعًا لسكادين أو لا.

"إذا استدعت الحاجة، نعم."

ورغم أن عواء الذئاب كان يقترب شيئًا فشيئًا، فإن العجوز بدا كمن فقد خوفه، فراح يهين سكادين بصوتٍ أعلى من ذي قبل.

كان سكادين يراقب أراضيه من خلال عيون وآذان ذئاب الصقيع، ويستخدم أنيابهم ومخالبهم لصيد كل من يعبث بالنظام.

يبدو أن الشيخ المتكئ على عصاه كان قد نال عقوبته بسبب جرأته على إهانة الحاكم.

"هل إذا آذينا ذئب الصقيع، لن نتمكن من دخول قلعة فريجيون؟"

"إذا أثرتَ غضب سكادين، فذلك ممكن."

"أتقصد أن نقف متفرجين بينما يقتل الذئبُ العجوز؟!"

نظر كراين وماريتا إلى إرنولف بعينين ترجوانه أن يتخذ قرارًا سريعًا.

"وال، عليك أن تتدخل. لكن احذر، لا تستخدم سلاحًا ولا سحرًا، قاتل بقوة الذئب فقط."

انطلق وال بلا كلمة، كأن الريح حملته.

وفي اللحظة التي أحاط فيها نحو عشرةٍ من ذئاب الصقيع بالعجوز، تحوّل وال إلى مستذئبٍ وقفز إلى قلب الطّوق.

"كـرآآآآ!"

كشف وال عن أنيابه وأطلق زمجرةً وحشية.

وما إن خدش سطح الجليد بمخالبه واتخذ وضعية الهجوم، حتى كشفت ذئاب الصقيع عن أنيابها أيضًا، وزمجرت في وجهه.

وقف الرفاق بعيدًا، يراقبون شعر ظهور الذئاب وهو ينتصب كالإبر من شدة التوتر.

اندفع ذئب ضخم وسريع المظهر نحو وال، مستهدفًا عنقه مباشرة.

يُقال إن أكبر الذئاب حجمًا هو الذئب الرمادي، لكن هؤلاء كانوا أضخم بكثير من أي ذئب رمادي شوهد من قبل.

حين قفز أحد ذئاب الصقيع ممدود القوائم الأربع في الهواء، ارتسم ظلٌّ ضخم فوق رأس وال.

وكما قال كازار من قبل، كان وال سريعًا للغاية.

ففي اللحظة التي اندفع فيها ذئب الصقيع نحوه، أدار جسده بخفة مذهلة متفاديًا الهجوم في آخر لحظة، ثم هاجم فورًا في حركةٍ مضادة خاطفة.

في لحظةٍ تالية، انغرست مخالب وال تحت فكّ ذئب الصقيع.

واستغل اندفاعه ليضربه أرضًا بقوةٍ هائلة.

وفي تلك الأثناء، انقضّ عليه ذئبان آخران، لكن حتى أولئك المتمرسون في الصيد لم يكونوا نِدًّا لـوال.

سرعان ما تناثر دم ذئاب الصقيع على الجليد، وارتفع عواء وال أكثر شراسةً مما سبق.

ارتدّت صيحة المستذئب المفعمة بالوحشية صدًى مدويًا عبر الجبال.

رأت ذئاب الصقيع النور الإلهي يتلألأ من صدر وال ومعصميه، نور الحاكم الحامي للمستذئبين، رونهارت.

"كرررررررر........"

زمجرت الذئاب بصوتٍ حانق كأنها تشكو الظلم، ثم وقفت في مواجهة وال للحظة قبل أن تستسلم، وتنسحب جميعها إلى داخل العاصفة الثلجية.

أسرع كراين وماريتا إلى الشيخ ليتفقداه.

كان البغل الذي جره الشيخ قد فارق الحياة، متجمّد الجسد كالصخر، أما الشيخ نفسه فقد أصيب بقضمة صقيع في أنفه وأصابعه وأطرافه.

بادرت ماريتا فورًا بتفعيل تعويذة العلاج لتضميد جراح التجمّد، بينما فكّ كراين أكياس الحمولة عن ظهر البغل ووضعها على كتفه، ثم نزع عباءته وغطّى بها جسد الشيخ.

"أشكركم… أنتم من كهنة معبد فيستا، أليس كذلك؟ لقد أنقذتم حياتي حقًا."

العجوز الذي عرّف عن نفسه باسم هارمان أخرج كل ما يملك من نقودٍ من جيبه ومدّها إلى كراين.

"هذا مكافأة إنقاذي، أرجوك خذها."

"لا داعي لذلك."

لم تكن تلك سوى بضع عملاتٍ قليلة، لكن بدا واضحًا أنها كانت كل ما يملكه الشيخ في حياته.

وحين رفض كراين أخذها، حاول هارمان بإصرارٍ أن يضع المال في جيب كراين، إلا أنه لم يجد له جيبًا أينما بحث.

"لقد سمعت أن الحاكم فيستا لا تُنزل نعمتها مجددًا على من لا يرد الجميل. أرجوك، خذها."

"حقًا؟ يعني لو لم يدفع لا يشفى؟"

سأل وال وهو يمسح الدم عن يديه الملطختين بالثلج.

نظر كراين إلى ماريتا وإلسيد بابتسامةٍ محرجة.

"هاهاها، كيف أشرح هذا الآن... قلت إن اسمك هارمان، صحيح؟ عندما تمرّ في طريقك بمعبد فيستا لاحقًا، يمكنك أن تتبرع هناك. الكهنة وفرسان المعبد لا يتسلّمون المكافآت مباشرة."

"أه، هكذا إذًا؟"

"نعم، هكذا هو الأمر."

وبعد سماع تفسير إلسيد، أومأ هارمان برأسه وفهم، ثم أعاد العملات إلى جيبه بهدوء.

حين اقترب وال، شرح له إلسيد بصوتٍ منخفض.

"يجب أن نقول لهم إن تقديم المكافأة ضروري للحصول على النعمة مرة أخرى، بهذه الطريقة فقط يمكننا منع الناس من طلب العلاج المفرط. لو لم تكن هناك هذه القاعدة، فسوف تتعطل كل أعمال المعبد."

"آهـــــــــــــــا..……."

"وفوق ذلك، فإن إنشاء المعبد وصيانته يحتاجان إلى تمويلٍ ضخم أيضًا، هاهاهاها."

اعترضت ماريتا على كلامه، قائلةً إن مثل هذا الحديث قد يجعل الناس يظنون أن الحاكم فيستا تهتم فقط بالمال.

وفي تلك الأثناء، سأل كراين العجوز هارمان عن سبب إهانته لسكادين.

"سكادين قتل زوجتي. والآن يريد أن يقتل ابنتي أيضًا. إنه ليس حاكماً… ولا شيئًا مقدسًا. إنه مجرد لعنةٍ من الصقيع."

حين كان شابًا، عمل هارمان في قافلةٍ تجارية كانت تزوّد فريجيون بالإمدادات.

وفي إحدى المرات، وبينما كان هناك، حاصرته عاصفة ثلجية عنيفة، وفي تلك الأثناء، كانت زوجته في المنزل وحدها، وضعت طفلتهما وماتت.

وحين عاد هارمان إلى قريته بعد أن هدأت العاصفة، وجد بيته مدفونًا تحت الثلج، ولم يظهر منه سوى السقف بالكاد.

راح يزيل الثلج في عجلةٍ ويدخل إلى الداخل، وهناك وجد زوجته ميتةً، متجمدة بجانب الموقد البارد، وهي تحتضن طفلتهما المولودة حديثًا.

بعد تلك الحادثة، ترك عمله في القافلة، وعمل في المناجم بينما ربّى طفلته وحيدًا.

"لكن… لماذا ابنتك...…"

مسح هارمان دموعه المتجمدة بخشونة بكمّه، ثم تابع الحديث بصوتٍ متهدج

"لقد ذهبت إلى فريجيون سرًّا مع القافلة التجارية. لا يجب على ابنتي أن تذهب إلى هناك أبدًا. من يذهب إلى فريجيون… يموت!"

كانت كلمات الشيخ خالية من المنطق تمامًا.

فمن الواضح أن كل ما حدث كان مجرد حادثٍ مؤسف، لكن هارمان كان يصرّ مرارًا على أن سكادين هو من أثار العاصفة الثلجية التي قتلت زوجته، وأنه الآن يحاول أن ينتزع منه ابنته أيضًا.

لم يكن في حديثه ما يُفهم أو يُقنع، لكن الرفاق تبادلوا نظراتٍ صامتةً فيما بينهم، نظراتٍ تقول: 'لا تتكلموا، لا تُجادلوه.'

فما من فائدة تُرجى من مجادلة رجلٍ غارقٍ في تعاسته.

"أنتم… في طريقكم إلى فريجيون، أليس كذلك؟"

"نعم، هذا صحيح."

"إذن، أرجوكم… اصحبوني معكم حتى مشارفها فقط. أرجوكم، أتوسل إليكم."

للوصول إلى فريجيون، كان لا بد من عبور جسرٍ طويلٍ يمتد فوق منحدرٍ صخري شاهق.

وكان الجسر ضيقًا للغاية، مع احتمال أن ينهار في أي لحظة، ولذلك كانت القوافل تترك عرباتها المحمّلة بالإمدادات قبل الجسر، ثم تنقل البضائع على ظهور الرجال بعده.

بناءً على ذلك، كانت خطة هارمان أن يصل إلى موقع القافلة قبل الجسر،

ويجد ابنته هناك، ثم يعود بها إلى قريته.

لكن المشكلة أنه فقد إحدى ساقيه، ولذلك لم يكن يستطيع الوصول إلى هناك دون وسيلةٍ يركبها.

رغم أن العجوز بدا وكأنه فقد شيئًا من صوابه، فإن الرفاق لم يستطيعوا تجاهل رجلٍ يائسٍ يقلق على ابنته.

"إن تركناه هنا، فسيموت متجمدًا."

وما إن أذن كازار، حتى قام وال بمساعدة الشيخ على الصعود إلى ظهر حصانه.

"أشكرك يا بني. ما اسمك؟"

"اسمي وال."

"أأنت مستذئبٌ رمادي؟"

"يمكن القول ذلك… إلى حدٍّ ما."

أجاب وال بتردد، فهو لم يعتبر نفسه يومًا مستذئبًا كاملًا.

"أرجوك، اعتنِ بعصاي جيدًا. لا أستطيع السير من دونها."

أومأ وال برأسه، وثبّت العصا بإحكام إلى السرج.

كانت العصا منحوتة من الخشب، لكنها بدت ثقيلةً جدًا على شيخٍ في مثل حالته.

"أيها الشيخ، ما اسم ابنتك؟"

سأل كازار فجأة، بعد أن ظل صامتًا طوال الوقت يستمع.

نظر هارمان إلى إرنولف وكازار للحظة، فرأى أمامه شابين بملامح نظيفة وثيابٍ فاخرة، فخمن أنهما من طبقة النبلاء، وأجاب بصوتٍ مهذبٍ واحترام واضح.

"اسمها ليسي."

عندما سمع كازار اسم الفتاة، ضاق عينيه قليلًا.

"همم… ليسي، قلتَ ليسي؟"

ابتسم كازار بسخرية خفيفة، ونظر نحو التلة التي يقع عليها قلعة فريجيون.

"لا يمكن أن يكون هذا صدفة…...."

لم يكن الاسم نادرًا جدًا، لكنه أيضًا لم يكن شائعًا.

ومع ذلك، كان لدى كازار شعور قوي بأنها قد تكون شخصًا يعرفه.

أمام جبل الصقيع، حيث تقع قلعة فريجيون، كان هناك وادي عميق يفصل بين الجبلين، وفي المنتصف كان يمتد جسر متأرجح يربط بين الجانبين.

وكما قال هارمان، كانت القافلة التجارية قد أوقفت عرباتها قبل الجسر، وبدأت في تفريغ الحمولة تدريجيًا لنقلها إلى داخل القلعة.

لكن مهما حاول كازار أن يدقق النظر، لم يرَ أي امرأة بين العاملين هناك.

"ليز! ليز! أيتها الطفلة الوقحة، أين أنتِ؟ تعالي إلى هنا فورًا!"

صرخ هارمان بأعلى صوته بمجرد أن لمح القافلة.

وسرعان ما تبادل الجميع نظرات الاستغراب، فقد خطر في أذهانهم جميعًا نفس السؤال.

"ألم يقل قبل قليل إن اسم ابنته ليسي؟"*

وبينما كان هارمان يصرخ حتى كاد صوته ينقطع، جاء صوت ردٍّ خافت من منتصف الجسر المتأرجح.....

"آااه! أبي! كيف وصلت إلى هنا؟!"

"كيف وصلت؟! أيتها الشقية، تعالي إلى هنا حالًا!"

"لا أستطيع!"

"قلتُ تعالي فورًا!"

"قلتُ لا أستطيع! لو عبرتُ الجسر فلن أستطيع الرجوع ثانية!"

كان الجسر ضيقًا لدرجةٍ لا تسمح إلا لشخصٍ واحد يحمل حمولة صغيرة بالمرور بصعوبة، ولذلك كان الحمّالون يعبرون أولًا إلى الجهة الأخرى حاملين البضائع، ثم يعودون بعد أن يفرغوا ما معهم.

"كم مرة قلتُ لك ألا تذهبي إلى هناك؟! كم مرة حذّرتك يا فتاة؟!"

"آه، ها قد بدأتَ بالثرثرة مجددًا!"

"قلتُ لكِ تعالي حالًا!"

"قلتُ لا أستطيع!"

كانت تلك الفتاة التي قالوا إن اسمها ليسي ذات بنية ضخمة للغاية، وصوتها أجشّ خشن حتى إنّ أحدًا لم يكن ليصدق أنها فتاة أصلًا.

"سمعتُ أنه قال إنها ابنته... هل تغيّر جنسها في هذه الأثناء؟"

وفي تلك اللحظة، كانت ليسي قد عبرت الجسر بالفعل، وأنزلت عن ظهرها حمولةً ضخمة كانت تحملها.

كانت ترفع الأغراض الثقيلة التي وضعها الحمّالون وتعيد ترتيبها بسهولة، حتى إنّها بدت قوية بما يكفي لتصرع دبًّا بيديها العاريتين.

'بهذه البنية القوية وهذا الجسد المتين…... لا داعي للقلق عليها أبدًا....…'

تبادل أفراد المجموعة النظرات، يتأملون ظهر العجوز هارمان بصمت، وقد أدركوا أن كل ما قاله حتى الآن لم يكن صحيحًا إطلاقًا.

وفجأة، وبينما عمّ الصمت الموقف كله، انفجر كازار ضاحكًا بصوت عالٍ.

"هاهاها! هاهاهاهاها!"

نظر إليه الجميع بدهشة، بينما أرسل له إرنولف نظرةً حادّة ترجوه بوضوح.

'كفى… لا تقل شيئًا… أرجوك لا تقل شيئًا الآن.......'

2025/11/12 · 115 مشاهدة · 1750 كلمة
queeniie377
نادي الروايات - 2025