كانت العربة تتهادى عبر الشوارع المرصوفة بالحجارة نحو وجهتها التالية محل "فينسيلان" أرقى متجر ملابس في العاصمة
كان المتجر مقصدًا للنبلاء وأفراد العائلة الإمبراطورية حيث لا يُباع فيه إلا ما يُعد بأيدي أمهر الخياطين باستخدام أندر الأقمشة وأثمن الأحجار
عندما توقفت العربة أمام المدخل المزخرف بالنقوش الذهبية لم يكن مستغربًا أن يهرع العاملون لاستقبالهم فور أن لمحت أعينهم لوكريسيا البريش
"سيدتي البريش!"
انحنى مدير المتجر رجل أنيق بملامح صارمة مبتسمًا بتهذيب
"إنه لشرف لنا أن تستقبل متاجرنا حضورك الكريم"
أومأت لوكريسيا برأسها برقي وأمسكت بيد أسيل لتقوده إلى الداخل بينما آثر تبعها بخطوات هادئة غير مكترث للعيون التي راقبتهما بدهشة لم يكن حضورها مفاجئًا بل ما أثار همس النبلاء والموظفين هو مقدار ثروتها التي كانت تُنفق كما لو لم يكن للمال قيمة
منذ لحظة دخولهم أُغلِق المتجر بالكامل وطُلب من جميع الزبائن المغادرة حيث لم تكن لوكريسيا تفضل التسوق وسط العامة
"كل ما هو جديد ومميز أحضروه"
أمرت بنبرة هادئة ولكن قاطعة مما دفع الخدم للتحرك بسرعة لجلب أرقى التصاميم وأندر الأقمشة
في غضون دقائق كانت الغرفة الفسيحة تمتلئ بالفساتين المطرزة يدويًا بخيوط الذهب والبدلات المصنوعة من الحرير المستورد من الممالك البعيدة وأغطية الرأس المرصعة بأحجار المانا النادرة
أسيل رغم ولعه بالأشياء الجميلة لم يكن يبدو متحمسًا لم يكن يحب الأماكن المغلقة لفترة طويلة وكان يشعر بالملل سريعًا أما آثر فقد جلس على أحد المقاعد الوثيرة متجاهلًا اهتمام الحاضرين
ينظر إلى لوكريسيا التي كانت تتفقد الأقمشة كما لو كانت تختار شيئًا تافهًا وليس ملابس تتجاوز قيمتها ميزانية بعض العائلات النبيلة
"هذا اللون لن يليق بأسيل"
قالت فجأة وهي تضع أحد الأثواب جانبًا
"أحضروا لي شيئًا أكثر دفئًا"
أسرع أحد الخياطين بالموافقة قبل أن يعرض عليها رداءً مصنوعًا من قماش غريب يلمع كأنه مغطى بطبقة من النجوم
"هذا نُسج بخيوط سحرية تعكس الضوء بطريقة فريدة لا يوجد منه سوى ثلاث قطع في العالم"
أومأت لوكريسيا دون اهتمام يُذكر ثم قالت ببساطة بابتسامه بعينيها الحاده
"سآخذه بل خيطوا لي خمسة آخرين منه بألوان مختلفة"
تبادل العاملون النظرات المصدومة قبل أن يهرع المدير ليؤكد طلبها
آثر الذي كان يراقب بصمت لم يستطع منع نفسه من التمتمة بسخرية
"لست متأكدًا إن كان هذا إنفاقًا أم إعلان حرب مالية"
لم تهتم لوكريسيا بتعليقه بل جلست على مقعد قريب وهي تميل نحو أسيل "ألا يعجبك شيء؟" سألت بصوت هادئ
الطفل الذي كان قد بدأ بالانشغال بلعبة صغيرة سحرية على الطاولة هز رأسه ببطء "يمكنك اختيار شيء لي أمي"
ابتسمت لوكريسيا برضا ثم أشارت إلى الخياطين ليكملوا العمل
لكن أسيل الذي بدا وكأنه خطرت له فكرة ممتعة التفت فجأة نحو آثر بعينين تلمعان
"ماذا عن آثر؟ لم يجرب أي ملابس بعد!"
آثر الذي كان يتكئ بملل على المقعد رفع حاجبه ببرود
"لست بحاجة لشراء شيء"
لكن أسيل لم يكن ليسمح له بالإفلات بهذه السهولة فالتفت إلى والدته متحمسًا: "أمي آثر يحتاج إلى ملابس جديدة! يجب أن يجرب شيئا!"
لوكريسيا التي بدت مستمتعة بالفكرة ابتسمت بلطف وهي تنظر إلى ابن زوجها "فكرة جيدة آثر دعنا نرى كيف ستبدو بهذه التصاميم"
نظر آثر إليهما بملامح جامدة ثم زفر بنفاد صبر لكنه لم يرفض صراحة مما شجع أسيل أكثر نظر إليه بعيون متوسله منعته من الرفض
في دقائق كان الخدم يحضرون له مجموعة من الأزياء الفاخرة بينما دفعه أسيل بحماس نحو غرفة القياس
"هذا سيكون رائعًا عليك! جرب هذا أيضًا!"
كان أسيل يعلق بسعادة بينما يخرج آثر من الغرفة بثياب جديدة في كل مرة وجهه متجمد بلا تعبير لكنه لم يستطع منع نفسه من ملاحظة ضحكات لوكريسيا اللطيفة أو لنقل الماكره في كل مرة تراه
بعد عدة محاولات توقف آثر أمام المرآة وهو يرتدي معطفًا أسود مطرزًا بخيوط فضية قبل أن يقول شيئًا أطلق أسيل صفيرًا بإعجاب "واو! أنت تبدو كفارس من القصص!"
لوكريسيا التي لم تتوقف عن الابتسام طوال الوقت أومأت برضا "أظن أننا وجدنا ما يناسبك سنأخذ هذا وأيضًا بعض البدلات الأخرى"
آثر الذي بدا وكأنه استسلم للأمر الواقع وعلى وجهه نظرات كالجليد هز كتفيه بلا مبالاة لكنه لم يعترض
مع حلول الليل كانت العربة تسير ببطء عبر شوارع العاصمة المظلمة حيث بدأت الأضواء الخافتة للمدينة تتلألأ في الأفق تضيء السماء الداكنة
أسيل الذي كان في البداية مليئًا بالحماس والاندفاع طوال اليوم بدأ يشعر بتعبه أخيرًا كانت عيونه ثقيلة وعيناه تتنقلان بين أكياس الملابس التي امتلأت بها العربة وبين مقعده لكنه كان يركن رأسه إلى جانب نافذة العربة متثاقلًا
"أمي... متعب جدًا" همس أسيل بينما كان يحاول أن يبقي عينيه مفتوحتين لكنه سرعان ما أغشي عليه النوم قليلًا كان اليوم طويلًا ومليئًا بالتجارب والاختيارات التي أثارت حماسه في البداية لكنه الآن بدأ يشعر بكل لحظة من الإرهاق التي تراكمت عليه طوال النهار
لوكريسيا التي كانت تجلس بجواره لمست رأسه برفق وقالت بابتسامة لطيفة
"تعبت كثيرًا أليس كذلك؟ لدينا دائمًا الكثير من الأشياء التي نفعلها لكن الآن يمكنك أن ترتاح"
آثر الذي كان جالسًا أمامهم بهدوء ألقى نظرة قصيرة على أسيل كان يلاحظ التغيير في حالته لكن لم يعلق في النهاية لم يكن ليفكر في شيء سوى الوصول إلى الدوقية بأسرع ما يمكن
"لن يطول الأمر ستصل إلى المنزل قريبًا " قال آثر ببرود مستمرًا في التحديق من نافذة العربة
أسيل ابتسم لكنه كان يكاد يغفو وعيناه نصف مغلقتين
"أنا فقط... أريد أن أرتاح قليلاً... في المنزل"
بينما العربة تواصل سيرها بدأ الهواء البارد يزداد مما جعل أسيل يغط في النوم سريعًا رأسه يميل إلى جانب نافذة العربة في وضع غير مريح لوكريسيا التي لاحظت ذلك قامت بتعديل مكانه ووضعت رأسه برفق على حظنها ليكون أكثر راحة ثم نظرت إلى آثر وقالت بصوت هادئ
"يبدو أنه كان يومًا طويلًا له"
آثر أومأ برأسه دون أن يضيف شيئًا لكنه كان يعلم أن أسيل بحاجة إلى الراحة بعد هذا اليوم المرهق
عندما وصلوا أخيرًا إلى الدوقية كان الليل ق
د استقر تمامًا وكانت الأضواء في الداخل تضيء المكان بشكل دافئ حمل الخدم أكياس الملابس بينما حمل آثر أسيل الذي كان نائمًا على ذراعيه برفق ليأخذه إلى الداخل
لوكريسيا تبعتهم تبتسم بلطف معبرة عن شعورها بالارتياح بعد يوم طويل
بينما أسيل كان غارقًا في نومه العميق كان يبدو على وجهه ارتياحٌ بعد اليوم الطويل وكأنما استسلم أخيرًا للتعب الذي بدأ يظهر عليه منذ فترة
سيكون التنزيل من الأن الجمعه والسبت والأحد 😶 🤍 أن شاء الله