الأن تبدأ القصة الحقيقية فالفصول السابقة كانت مجرد تمهيد لما سيبدأ في هذا الفصل.
وأتمنى أن تستمتعوا بهذا الفصل.
-----------------------
الفصل الثالث: أعتقد أن هذا ما حدث ببساطة
كانت استعدادات كيتر لمواجهة الملكة أكثر سلاسة مما توقع، وذلك بفضل دورك، تابعه المخلص.
قال دورك: "أعلم أنك قلت إنك لا تقاتل الملكة من أجل سفيرا، لكن دعنا نجعل الأمر يبدو وكأنك تسعى للانتقام لعائلة سفيرا. سيكون من المنطقي، وسيساعدك في كسب الحلفاء."
بدأ كيتر بصقل تقنيات جديدة لقتل الملكة. فالمهارات التي تعلمها وأتقنها في "ليكور" كانت كلها بدائية؛ وعلى الرغم من كونها ممتازة في قتل البشر، إلا أنها لم تكن مناسبة لمواجهة كائن إلهي مثل الملكة ليليان.
اختار كيتر الرماية كوسيلة لمواجهة الملكة. كان ذلك لأن بيسيل، رئيس عائلة سفيرا ووالده، ترك إرثًا: "رماية الأبراج"، وهي مجموعة من المهارات السرية في الرماية لعائلة سفيرا. رغم أنه لم يسبق له تعلم الرماية من قبل، لم يستغرق الأمر وقتًا طويلًا. فقد كان بالفعل خبيرًا في الرمي، وموهبته في القتال لا تضاهى.
لم يتدرب كيتر كما يفعل الآخرون، بل تعلم المهارات من خلال المعارك. فالدولة بأكملها كانت تعتبره عدوًا، وكان هناك دائمًا خصوم ليقاتلهم. كان كل جندي يجوب البلاد بحثًا عنه لقتله.
قاتل مطارديه كلما ظهروا، وأحيانًا كان يبادر بمواجهتهم قبل أن يعثروا عليه. لم تمر عليه يومٌ دون قتال، ولم ينتهِ يومٌ إلا بسفك الدماء. وأثبت كيتر، الذي كان يُعرف في ليكور بـ"المجنون صافِي العينين"، أنه لا يُلقب بهذا الاسم عبثًا، إذ كان يستمتع بالمخاطرة بحياته في هذه المعارك.
وعلى الرغم من أنه كان يعمل بمفرده، إلا أن الملكة ليليان لم تتمكن من الإمساك به لأي سبب كان. كان من الغريب أن مملكة بأكملها تعجز عن التصدي لشخص واحد. وكان السبب وراء ذلك أن كيتر كان يحمل قضية عادلة: الانتقام لسفيرا. إذ تم إبادة عائلة سفيرا في ليلة واحدة بتهمة الخيانة، وهي تهمة لم يتم إثباتها أبدًا.
كان هناك بالتأكيد بعض النبلاء الساخطين، بالإضافة إلى مساعدة سرية من فصائل أخرى كانت تكره الملكة. وبفضل هذا، تمكن كيتر من البقاء على قيد الحياة، حتى وصل إلى مستوى يمكنه من قتل "سيد سيف" بضربة واحدة، بل والقتال ضد العشرات منهم في آنٍ واحد.
لكن رغم ذلك، لم يقترب من هدفه المتمثل في قتل الملكة. فقد بدأ واثقًا، لكنه أدرك لاحقًا أنه كان كضفدع في بئر. كلما أصبح أقوى، أدرك أكثر أن "برايم"، وهي أقصى حالة يمكن أن يصل لها الإنسان، لم تكن النهاية، بل كانت مجرد البداية.
أول مرة شعر فيها كيتر بالحدود كانت عندما واجه أحد "اللوردات الأربعة". كان هؤلاء اللوردات هم اليد اليمنى للملكة وأركان الدولة. وكان عليه أن يقتلهم أولًا ليصل إليها.
تحدى كيتر أحدهم، وهو "لورد الشرق" ديال، المعروف بـ"قاطع السماء". وبالفعل، كان لقبًا مناسبًا، إذ كان ديال يستخدم فنًا في المبارزة يمكنه من قطع السماء. وبعد القتال، لم يستطع كيتر إلا أن يضحك بسخرية.
قال: "من أطلق عليه هذا اللقب؟ إنه خاطئ. هو لا يقطع السماء فقط، بل يشطرها."
أدت معركة كيتر وديال إلى تغيير تضاريس الأرض كليًا، إذ ملأت الحفر والوديان المكان. لم يكن هناك شيء بشري فيهما سوى المظهر.
وفي النهاية، هُزم كيتر. أُصيب ديال بجروح بالغة، لكن كيتر تلقى ضربة قاتلة.
قال ديال وهو يلهث: "هذه أول مرة يُصيبني فيها إنسان بهذا الشكل. من المؤسف، لو لم تكن من نسل سفيرا، لربما أصبحت أحد اللوردات الأربعة."
رد كيتر وهو يحتضر، لكن صوته كان هادئًا: "دعني أسألك شيئًا. إلى أي حدٍ أقوى الملكة منك؟"
كان يتحدث بلا ندم. لقد بذل أقصى ما في وسعه، لذلك لم يشعر بأي حسرة رغم خسارته. بل شعر بالارتياح.
أدرك أن القتال مع الملكة ليس شيئًا سينتهي بسهولة. كان ما يمكنه فعله وحده محدودًا. وعلى الرغم من وجود بعض الدعم الخفي، إلا أنه لم يكن كافيًا.
الآن، وقد أصبح في منتصف عمره، قاتل لورد الشرق سعيًا لإحداث فرق قبل أن يشيخ أكثر. ومع أنه هُزم، لم يكن نادمًا. فقد أدرك أنه حتى لو منح المزيد من الوقت، فربما لن يستطيع قتل الملكة.
تحدث ديال بعد صمت قصير: "يجب أن تعتبر موتك بيدي نعمة. جلالتها أقوى مني بلا مقارنة. حتى لو اتحد اللوردات الأربعة، فلن يستطيعوا لمس طرف إصبعها."
"هل هذا بسبب قوة 'آين'؟"
اتسعت عينا ديال. "اكتشفت ذلك بنفسك؟ مذهل... ومؤسف. لو اكتشفته أبكر، لربما اختلفت نتيجة هذه المعركة."
قال كيتر: "ليس أمرًا عظيمًا. آين هي مجرد اتحاد بين الهالة والمانا."
رد ديال: "كنت ستدرك أيضًا أنه من المستحيل استخدامها بجسد وعقل بشريين. لقد استخدمتها، لكن بشكل غير مكتمل، لأنك بشري."
"أعترف، لم تكن سهلة. ليتني حظيت ببعض الوقت الإضافي."
"ما كان عليك مقاتلة الملكة إذا كنت ترغب بالوقت. كان لديك فرصة للهروب."
"الهرب ليس من طبعي."
"… إذا كانت هناك حياة أخرى، فعِشها متصالحًا مع الواقع."
كانت الملكة قد أمرت في الأصل بإحضار كيتر حيًا، لكن ديال وجه سيفه إلى عنقه. فقد كان ديال، مثله، قد ظن ذات مرة أنه قادر على قتل الملكة ليليان. ومن باب الاحترام، خاصة بعد أن جرحه كيتر باستخدام الرماية التي كان ديال يحتقرها، قرر إنهاء حياته حتى لا يتحول إلى دمية في يد الملكة.
انتهى الأمر.
حتى وهو يواجه الموت، لم تتغير معتقداته:
"لا وجود للتسوية في حياتي. وإن كان لي حياة أخرى، سأقتلك يا ديال، وسأقتل الملكة."
فوش.
قطع سيف ديال عنق كيتر بضربة نظيفة.
الحياة بعد الموت: عالم ما بعد الرحيل. لم يفكر كيتر في هذا من قبل، لكنه الآن مجبر على ذلك.
ما هذا؟
انطفأ وعيه للحظات ثم عاد. كانت رؤيته ضبابية، لكنه كان يشعر بوضوح أنه لا يزال حيًا. لمس عنقه. كان يتذكر جيدًا أن ديال قد قطعه، لكن الآن، كان سليمًا تمامًا. بدأت الرؤية تتضح، ليجد نفسه أمام مشهد غير مألوف.
كان في... "هل هناك ما يقلقك، سيدي؟"
هز كيتر رأسه بصمت ونظر حوله. كان داخل عربة. المنظر خارج النافذة يمر سريعًا، أما من الداخل فكان الجو هادئًا. رغم عدم وجود فخامة، كانت الأجواء تنضح بالهدوء والرقي. الجدران والسقف المصنوعان من خشب البلوط الصلب، والمنسوجات الأحادية الغنية بالألوان، أضفَت لمسة فنية على المكان.
هذه العربة، التي جمعت بين الصلابة والنعومة، كانت مزينة برسم يعرفه كيتر جيدًا: شجرة ضخمة تمتد من الأرض إلى السماء، تتدلى منها الأسهم كثمار. كان هذا رمز عائلة سفيرا، سادة الرماية.
وأمام كيتر، جلس رجل في منتصف العمر يبدو عليه القلق. أدرك الآن ما يحدث. كانت هذه العربة في طريقها إلى سفيرا، وهذا الرجل هو جاك، كبير خدمه.
كيتر عاد بالزمن عقودًا إلى الوراء، إلى بداية أكثر سنوات حياته مللًا ورتابة... السنة التي لطالما تمنى نسيانها.
كان مدركًا تمامًا لمدى غرابة ما يحدث. لقد مات، بلا شك، لكنه الآن وُلد من جديد. والأسوأ أنه عاد إلى لحظة دخوله لعائلة سفيرا. من فعل هذا؟ ولماذا؟ وكيف؟
"أعتقد أن هذا ما حدث ببساطة."
قرر كيتر ألّا يفرط في التفكير. كان يؤمن يومًا أن كل شيء له سبب، لكنه تعلم من الحياة أن بعض الأشياء تحدث دون تفسير. وربما لم يكن هذا صحيحًا، لكنه اختار أن يؤمن بذلك. كان تضييع الوقت في التساؤل لا طائل منه. الحقيقة ستظهر يومًا، سواء أراد ذلك أم لا. وما عليه الآن سوى أن يعيش الحاضر.
بينما كان كيتر يستوعب الوضع، تحدث جاك: "ألن تُلقي نظرة من النافذة، سيدي؟ هذه أرض عائلة سفيرا."
تباطأت العربة بعد أن أعطى جاك إشارة، فتوقفت المناظر المتحركة وأصبحت واضحة.
الأراضي الواسعة، والجداول الفضية، والأشجار التي تصطف على جانبي الطريق ترحب بالعربة. التلال، الجبال، والقصور المتناثرة بين الأشجار، بدت جزءًا من الطبيعة.
شعر كيتر بشعور غريب عند رؤية القصور والأراضي سليمة. ابتسم جاك ظنًا أن كيتر منبهر.
قال: "سيدي، هل ترى تلك التلة الصغيرة هناك؟"
لقد سمع هذا من قبل. فأجاب بهدوء، متوقعًا الكلام التالي: سيقول إن الجبال هناك جزء من أراضي سفيرا.
قال جاك، بفخر: "وهل ترى سلسلة الجبال خلفها؟"
كما توقع، أكمل جاك نفس الجملة التي قالها في حياته السابقة.
"من هنا حتى تلك الجبال، كلها أراضي عائلة سفيرا. لدينا مئتا فارس، وألفا جندي. وباحتساب عائلاتهم والعاملين معنا، نصل إلى ثمانية آلاف نسمة."
في حياته السابقة، كان كيتر قد أبدى إعجابًا بسيطًا كما أراد جاك، أما الآن، فلم يستطع إلا أن يسخر.
قال: "لا شيء مقارنةً بعائلات السادة الأخرى."
جاك: "نعم، هذا... عذرًا؟"
كانت العائلات السبع السيدة هي القوة العسكرية الحقيقية في المملكة. عائلة سفيرا كانت الأضعف من بينهم.
عائلة "ميجاي"، التي كانت التالية لها من حيث الضعف، كان لديها ثلاثمئة فارس وستة آلاف جندي، وأكثر من ثلاثين ألف مقيم. كان هناك فرق ثلاثي في العدد، لذا لم يكن غريبًا أن تُعتبر سفيرا الأضعف.
كيف عرف كيتر كل هذا؟ لأنه هو من دمر عائلة ميجاي. فقد كانوا الأشرس في ملاحقة نسل سفيرا.
لكن حتى لو كانت سفيرا الأضعف، كانت بحجم دولة صغيرة. شعر جاك بالارتباك وبدأ يبرر: "نعم، ولكن لدينا أدوار مختلفة. كما تعلم، نحن متخصصون في الرماية، سيدي. ولن تدرك مدى صعوبتها مقارنةً بفنون السيف حتى تجربها بنفسك. وأيضًا..."
كان كيتر يتجاهل حديثه، بينما يقترب من قصور سفيرا. كانت القصور فسيحة ومتنوعة، لكنها خالية من أي مظاهر فخمة. فالحدائق والمباني، رغم رمزيتها، كانت بسيطة. لم يكن هذا بسبب فقرهم، بل لأنهم مارسوا التواضع، وهو أمر نادر بين النبلاء.
تك تك.
دخلت العربة الحديقة. كانت محاطة بأربعة قصور. عرف كيتر الغرض منها. القصر الجنوبي للربّ، الشرقي للأتباع، والغربي للورثة.
رأى كيتر من بعيد مساكن الخدم والجنود شمال الحديقة.
توجهت العربة إلى القصر الغربي، لكنها توقفت فجأة أمام كوخ مهجور. هنا سيقيم كيتر.
لقد صُدم عندما رآه لأول مرة. حولت العائلة كوخًا إلى مكان إقامته. شعر أنهم يعاملونه كعبء.
عندما نزل من العربة، شعر بنظرات الجميع عليه. لكن لم يقترب أحد منه للترحيب.
كان تذكيرًا صريحًا بأنه عاد بالزمن. لم يستقبله أحد في حياته السابقة أيضًا، وقد تجاهلهم حينها من شدة الغضب.
لكن الآن، الأمر مختلف.
إن ترك الأمور كما كانت، فستنتهي سفيرا كما من قبل، وسيضطر لمواجهة الملكة في معركة خاسرة.
لكنه لا ينوي تكرار الماضي. سيرسم المستقبل بيديه، لا من أجل عائلته، بل من أجل راحته الشخصية. ليس عليه أن يصبح ربّ العائلة، فهذا عبء لا يريده.
كل ما يريده هو أن يكون كـ"العرّاب" في ليكور — شخصية ذات هيبة، يخدمه أتباع مخلصون، ويضحّون من أجله.
سيكون طريقًا صعبًا، لكن حين يصل، ستصبح الحياة سهلة.
ولن يكتفي بإنقاذ سفيرا، بل سيجعلها أعظم عائلة في القارة. ثم يصبح هو القوة الخفية خلفها، يستفيد من نفوذها دون أن يُقيَّد بها.
وفي النهاية، سيقتل الملكة ليليان، التي سعت لإعدامه بجريرة غيره، ثم قتلته بالفعل.
العين بالعين. لقد دمرت حياته السابقة وقتلته، والآن، جاء دوره ليرد الدين.
سيربي العائلة، ويزيد قوتها، وسيُري الجميع كيف عاش ونجا في ليكور.
وبينما كان يحدق في القصر الرئيسي، جذب جاك ذراعه.
قال: "سأريك الأرض لاحقًا، سيدي. الآن، لما لا تذهب للاستراحة قليلًا؟"
قال كيتر: "لحظة."
جاك: "آه، لا يمكنك الذهاب هناك، هذا القصر الرئيسي حيث يقيم السيد. واليوم هو يومك الأول، لذا يجب أن تكون حذرًا..."
قال كيتر: "أعلم."
"عذرًا؟"
"ما المشكلة في أن يزور الابن والده؟"
بدأ كيتر في السير نحو الباب قبل أن يتمكن جاك من إيقافه.
كان يجب أن يحدث هذا في حياته السابقة. كان يجب أن يُلقي تحية مناسبة، بدلًا من التجاهل الناتج عن الغضب.
صرخ: "أبتاه! لقد عاد الابن الذي تخليت عنه!"
اتسعت أعين الجميع، بمن فيهم جاك، من جرأة كيتر.