الفصل 10: بين أنياب الوحوش [1]

"أحجار طاقة منخفضة بعشر قطع ذهبية!" "لحم وحش من المستوى السابع بقطعتين ذهبيتين!" "زهرة الجليد بقطعة ذهبية فقط!"

ترددت أصوات التجار في سوق لورانس الصاخب كأنها أمواج تضرب بعضها البعض بلا توقف.

كانت الأسعار تُنادى بحماس، والناس يتدفقون بين الأزقة الضيقة، بينما تتراقص روائح الأعشاب، واللحوم المشوية، والجلود تازه فوق هواء المدينة.

كان السوق في ذلك الصباح لوحة نابضة بالحياة: أكشاك معلّقة عليها أحجار تتلألأ بضوء داخلي خافت، طاولات خشبية مرصوصة عليها قوارير مليئة بحبوب طاقة متوهّجة، أعشاب خضراء وزرقاء تتدلى كخصل شعر، أسلحة بأشكال غريبة تلمع تحت الشمس، وعشرات المغامرين والفلاحين والتجار المتجولين الذين يشكلون خليطاً بشرياً فوضويًا ومنظمًا في الوقت ذاته.

وسط هذا الزخم، كان جيمس يسير بهدوء لافت للنظر. ملابسه البيضاء المطرّزة بخيوط فضية جعلته يبدو كخيط ضوء يشق الفوضى، وسيفاه المتدليان على خصره—سيف مارك وإدوارد—أضفيا على خطواته رهبة غير معلنة.

كان يتحرك في الشارع وكأن الأرض تفسح له الطريق وحدها.

مرّ بجانب كشك يبيع حبوباً لزيادة الطاقة، وآخر يعرض مطارق وسيوفاً ضخمة، لكنه لم يلتفت إليها. "همم… سأبحث عن مهمة." قالها بصوت منخفض، لكن بعزم واضح، مسرّعاً من خطواته نحو لوحة الإعلانات.

كانت لوحة المهام كبيرة جداً، مثبتة على إطار حديدي سميك، ومزدحمة بعشرات الأوراق. بعضها يحمل علامات دم جافة، وبعضها الآخر مختوم بختم نقابة المغامرين، ممتلئ بمعلومات عن أهداف، مكافآت، أو تحذيرات.

وما إن اقترب جيمس من اللوحة، حتى تباينت ردود فعل المغامرين الواقفين هناك…

التفت شاب طويل، مفتول العضلات، يرتدي درعاً خفيفاً، وحدّق بجيمس كما لو أنه رأى عدوه الأول. "إنه جيمس! اللعنة… سيأخذ المهمة الأغلى اليوم أيضاً!" قالها بصوت نصف خافت، لكن الغضب داخله كان واضحاً.

شاب آخر، ذو شعر أشعث ولحية قصيرة، قبض على مقبض سيفه غيظاً. "تباً… هذا الرجل لا يترك شيئاً للآخرين!"

لم تكن ردود أفعالهما غريبة. ففي الأسابيع الماضية، أصبح اسم جيمس كالعاصفة التي قصفت نقابة المغامرين. كان يظهر فجأة… يأخذ أصعب مهمة… يختفي يومًا أو يومين… ثم يعود، دائمًا بنفس النتيجة:

المهمة منجزة. بالكامل. وبوحشية مخيفة.

يتذكر الجميع تلك المهمة التي غيّرت نظرتهم إليه تمامًا.كان المطلوب القضاء على وكر لصوص خطيرين، معروفين بقسوتهم ودهائهم، وقائدهم—رجل ملقب بـ"الذئب الأحمر"—فارس في المرتبة التاسعة، قوة لا يستهان بها.

ظنّوا أن جيمس سيفشل، أو سيعود نصف ميت…لكن ما حدث كان أبعد من خيالهم.

عاد جيمس إلى بوابة المدينة عند الغروب… وجهه وملابسه ملطخة بالدماء، يمشي بخطى ثابتة هادئة.في يده اليسرى كان يحمل رأس قائد اللصوص، مقطوعاً من ضربة واحدة نظيفة.

وفي يده اليمنى كيسٌ ضخم، يتدلّى منه شيء ثقيل… وعندما فُتح الكيس في النقابة، وجدوا رؤوس بقية العصابة، مرتبة بطريقة باردة ومخيفة.

تجمّد الجميع يومها. لم يتكلم أحد. حتى الحراس نظروا إليه بحذر، كأنهم يقفون أمام وحش يتجول بجلد إنسان.

منذ ذلك اليوم، أصبح اسم جيمس ينتشر كالنار في الهشيم: "المنهي"، "قاطع الرؤوس"، "سيف المدينة الأبيض"… مسميات كثيرة، لكنها كلها تعني شيئاً واحداً.

رجل لا يريد أحد أن يواجهه.

بدأ جيمس يمرّر عينيه على لوحة الإعلانات بلامبالاة واضحة.

كانت أوراق المهام تتطاير بفعل الريح، تلتصق ببعضها كأنها تكرر نفس الشكوى التي يعرفها جيداً.

أما نظرات المغامرين حوله—الحسد، الغضب، الضيق—فلم تكن تُحرّك فيه شيئاً؛ لقد اعتاد عليها حتى أصبحت خلفية لا أكثر.

ولكن… كانت المهام كما هي دائمًا:حراسة قافلة.جمع أعشاب.قتل بعض الوحوش الضعيفة.

"تبا… هذا لا ينتهي." تمتم جيمس بغيظ مكتوم."كل يوم نفس السخافة… قوافل، أعشاب، وحوش من النوع الذي أقتله وأنا نائم. تبا."

لم يكمل تذمره حتى سمع صوتًا يناديه من الخلف:

"سيد جيمس."

استدار جيمس ببطء، ليجد رجلاً يقف أمامه بثبات يغري بالاحترام.

كان يرتدي درعًا حديديًا فخمًا، لامعًا كأن الشمس انعكست عليه مباشرة.

سيف ثقيل يتدلّى من خصره، وخوذة يحملها تحت ذراعه. وعلى صدره… شعار عائلة البارون لورين.

"ماذا تريد؟"رفع جيمس حاجبه بلا اهتمام وقال بصوت بارد.

كان يتحدث كما لو أن الرجل أمامه مجرد مغامر آخر، وليس فارسًا رسميًا من بيت نبيل.

لكن الفارس لم يتضايق، بل ابتسم ابتسامة ودودة، وكأنه يعرف طباع جيمس مسبقًا.

"كما هي عادتك يا سيد جيمس…" قال الفارس ضاحكًا بخفة."المهم أن لدي شيئًا سيخرجك من هذا الملل، وفي الوقت نفسه… سيترك لهؤلاء المغامرين لقمة عيشهم."

ارتفع رأس جيمس قليلًا، ونبرة فضوله بدأت تتسلل إلى ملامحه:"هممم؟ مهمة؟"

اقترب الفارس خطوة، وخفّض صوته لدرجة لا يسمعها أحد:"إنها مهمة من البارون لورين بنفسه… يريدك أن تنضم إلى فرسان المدينة مؤقتًا. لدينا موجة وحوش ضخمة تقترب، ونحتاج إلى شخص بمستواك قبل أن تصلنا."

اتسعت عينا جيمس قليلًا، لأول مرة تبدو عليه علامة اهتمام حقيقي—بل حماس خفيف.

"ما المكافآت؟" سأله بنبرة عملية.

ابتسم الفارس بثقة، ثم قال: "ألف قطعة ذهبية… ومنزل داخل المدينة، لك وحدك يا سيد جيمس."

كأن الهواء تجمّد لثانية.

ألف قطعة ذهبية! مبلغ يكفي لشراء موارد، أسلحة، معدات نادرة.يكفي ليجعله يعيش كنبيل… رغم أنه لا يحتاج حقًا لكل ذلك بسبب وجود النظام، إلا أن فكرة أن يصبح غنيًا فجأة جعلت قلبه ينبض بقوة.

كانت الصدمة واضحة على وجه جيمس، لكن خلفها…كان هناك شيء آخر: رغبة. وتحمّس.

"أنا موافق… متى سنتحرك يا سيد روبين؟" سأل جيمس، وقد بدأ الحماس يتسرّب إلى نبرته رغم محاولته إخفاءه.

ابتسم روبين وهو يشد قبضته على خوذته الحديدية وقال بثقة:"الآن. وقتنا ضيّق… اتبعني يا سيد جيمس."

استدار روبين بخطوات ثابتة ثقيلة تصطدم بالأرض بصوت معدني رنان، بينما تحرك جيمس خلفه بلا تردد.

وفي اللحظة التي مرّا فيها بين المغامرين، تغيّر الجو بالكامل.

الحديث توقف.الأنفاس انخفضت.والعيون… كلها اتجهت نحو جيمس.

كانت النظرات خليطًا حادًا بين صدمة، وغيرة، وذهول مكتوم.ليس كل يوم يُستدعى مغامر شاب من قبل البارون نفسه.

وليس كل يوم يرسل البارون قائد فرسانه شخصيًا من أجلك.

همس أحد المغامرين في الخلف:"هل رأيتم؟ روبين بنفسه جاء ليأخذه… مستحيل."

وقال آخر وملامحه مشدودة بغضب خافت:"سحقًا… أي مكانة يملكها هذا الرجل؟"

لكن الحقيقة كانت واضحة للجميع: للحصول على هذا الشرف…للحصول على هذا الاهتمام…ولأن يقف قائد الفرسان أمامك بكل احترام…

يجب أن تكون جيمس.ولا أحد غيره.

جيمس لم يلتفت لأي منهم.كان يسير بثقة، بخطوات هادئة لكنها حادة، كأن الأرض خفيفة تحت قدميه.

2025/12/09 · 77 مشاهدة · 923 كلمة
Moncef_
نادي الروايات - 2025