الفصل 11: بين أنياب الوحوش [2]

"أوه، جيمس… أنا سعيد أنك أتيت." قال البارون لورين وهو يتقدّم من بين صفوف فرسانه بخطوات واثقة.

كانت عيناه تحملان فضولًا واضحًا—فضول رجل سمع كثيرًا عن شخصٍ ما… ثم رآه أخيرًا أمامه.

لطالما وصلته تقارير عن جيمس:مغامر شاب، قوة غير طبيعية، وسمعة تسبق حضوره؛رجل لا يترك مهمة إلا أنجزها بالكامل، وبدقّة لا يمتلكها حتى الفرسان المتمرّسون.

ولذلك… كانت سعادتُه حقيقية حين وافق جيمس على الظهور لهذه المهمة.

انحنى جيمس قليلًا وقال باحترام:"أحييك، البارون لورين."

كانت تلك اللحظة وحدها كافية لإثارة دهشة آلية في صدور الفرسان.

جيمس لم يعرف عنه يومًا أنه ينحني لغيره.لكنّ النبلاء… لهم مكانتهم حتى عند رجل مثله.

رفع البارون كتفيه ببساطة وقال بنبرة مليئة بالدفء:"دعك من الرسميات بيننا يا جيمس. رجلٌ بقوتك لا يحتاج أن ينحني لأحد."

توقّف جيمس لحظة ثم قال ببرود طبيعي:"حسنًا… كما تشاء."

ابتسم البارون، ثم أشار بيده نحو الخيمة الكبيرة خلفه:"هيا. تعال إلى الداخل، علينا مناقشة الخطة قبل أن تبدأ الموجة."

…..

داخل الخيمة العسكرية، كان الجو أثقل بكثير.

خريطةٌ عملاقة تحتلُّ وسط الطاولة الخشبية العريضة، تتوزّع فوقها حجارة ملوّنة تشير إلى مواقع مختلفة. حولها تتناثر شموع تذوب ببطء، ودروع معلّقة على الجدران، بينما رائحة الحديد تمتزج برائحة التوتر التي تخنق الجو.

جلس البارون لورين على كرسي خشبي متين، واضعًا ذقنه على قبضة يده، ملامحه متوترة، بينما وقف حوله أربعة من أقوى فرسان المدينة:روبين، وثلاثة آخرون… جميعهم تقريبًا في مستوى فارس متوسط.

أشار البارون إلى الخريطة وهو يزفر بعمق:"الغارة التي نواجهها اليوم ليست موجة عادية… بل كارثة محتملة."

وضع إصبعه على البقعة الشمالية من المدينة وقال:"هناك غيلان من المستوى الخامس… ليس عشرة، ولا مئة… بل آلاف. آلاف يا جيمس."

ساد الصمت.حتى الفرسان الذين اعتادوا القتال تغيّرت ملامحهم.

تابع البارون بصوت أثقل:"لا نعرف سبب تجمعهم في الغابة الشمالية، لكن المؤكد أنهم سيتجهون نحو المدينة… عاجلًا أم آجلًا."

ثم أشار إلى نقاط صغيرة حول تلك البقعة:"وهناك أيضًا وحوش من المستوى الثالث والثاني… وهذا فقط ما نعرفه حتى الآن."

تنهّد وهو يمسح وجهه بيده:"هناك شيء… شيء كبير يحدث شمال المدينة. شيء يدفع الوحوش للتجمّع، وكأنها تهرب من شيء أعظم."

سأل البارون لورين بنبرة متوترة تخفي خلفها ثقل المسؤولية، بينما يتنقل نظره بين الوجوه المتجهمة داخل الخيمة:"كم فارسًا لدينا يا روبين متاحين حاليًا؟"

انحنى روبين انحناءة عسكرية دقيقة، وصوته يخرج واضحًا رغم تعب الساعات الماضية:"لدينا يا سيدي حوالي خمسمئة فارس، إضافةً إلى ألفين وسبعمئة جندي عادي."

ارتسمت على وجه البارون ملامح تفكير عميق، وكأنه يعيد ترتيب كل قطعة من قطع المعركة المقبلة في ذهنه، ثم قال بعدما رفع رأسه:"هذا جيد… المهم الآن، حتى لا نعرض المواطنين لهذه الفاجعة، أقترح أن نتوجه إليهم ونقضي عليهم قبل أن يصلوا إلينا."

تحرك أحد الفرسان نحو الأمام بخطوة واثقة، درعه يصطدم ببعضه ويُصدر رنينًا خفيفًا: "أجل، أنا أقول أن نقضي عليهم بضربة واحدة. فكلما ازداد عددهم، ازداد ارتباكهم وصعوبة تنظيم صفوفهم… وهذا يجعل الهجوم المباغت أكثر فاعلية."

فارس آخر، واقف إلى يمين البارون، شدّ على مقبض سيفه كأنما يستشعر حرارة قتال قريب:"لدي نفس الرأي."

ثم قال الثالث دون تردد:"وأنا كذلك."

أخيرًا قال روبين بنفس الجدية المعتادة:"وأنا أيضًا، سيدي."

عمّت لحظة صمت قصيرة…ثم تحوّلت عشرات الأعين داخل الخيمة نحو جيمس.

نظراتهم لم تكن مجرد انتظار لرأيه، بل كانت مزيجًا من فضول واحترام مكتوم وخوف خفيف.

فالرجل الذي أمامهم ليس فارساً عادياً… بل الشخص الذي عاد قبل أسابيع وهو يغطي نصف المدينة بحديث عن “مجزرة اللصوص” التي أنهى فيها قائدًا من المرتبة التاسعة بضربة واحدة.

أما جيمس، فلم يكن يتوقع من أحد أن يستشيره. للحظة، اتسعت عينه قليلاً، لكن سرعان ما عاد وجهه إلى هدوئه الجليدي المعتاد.

زفيرٌ بطيء خرج من صدره، ثم تكلم بصوت منخفض لكنه اخترق الخيمة مثل سيف مسلول:"هممم… أنا أرى أن نذهب أنا والبارون لورين وروبين والفرسان الثلاثة الموجودين هنا. نحن الأقوى. نتوجه أولاً لنتأكد من الوضع هناك… وإن استطعنا القضاء على مجموعة منهم في الطريق فهذا جيد."

كلماته سقطت كالصاعقة.

تصلب الجميع في أماكنهم…خمسة فرسان يحدقون ببعضهم في ذهول، وكأن جيمس طلب منهم مرافقة الموت نفسه.

البعض رفع حاجبه، وآخر قبض على سيفه بلا وعي… حتى الهواء داخل الخيمة بدا وكأنه توقف للحظة.

البحث، ثم الكشف، ثم هجوم خمسة أقوى رجال في المدينة مع جيمس… كان اقتراحًا لا يقوله إلا شخص لا يعرف معنى الخوف… أو يعرفه، لكنه اعتاد أن يسحقه تحت قدميه.

وسط الصمت، دوّى صوت الرياح خارج الخيمة، حاملاً معه شعورًا بأن ما ينتظرهم في الشمال… لن يكون مجرد “غارة وحوش”.

"هل أنت متأكد من كلامك يا جيمس؟" سأل البارون لورين بنبرة قلقة وهو يحدّق في جيمس، كأنما يحاول قراءة ما خلف عينيه الباردتين.

أجاب جيمس دون أن يطرف له جفن، بصوت ثابت أشبه بحدّ نصل: "أجل. سنتوجه نحن الستة. كلكم في مستوى فارس متوسط… فمن ماذا تخافون؟"

تبادل الفرسان نظرات سريعة. كان كلامه بسيطًا… لكنه خرج بثقة جعلت الهواء داخل الخيمة أثقل.

قال الفارس الواقف إلى يمين لورين، وصوته يحمل اضطرابًا خفيفًا: "ولكن… هناك العديد من الغيلان من المستوى الخامس! وقد يكون قائدهم في المستوى السابع!"

جيمس لم يُظهر أي رد فعل. لم يرمش حتى.

بل قال ببرود صادم، وكأن ما سمعه مجرد تفاصيل إضافية لا قيمة لها: "قائدهم…؟ هممم. هذا أفضل. نذهب ونقتل قائدهم أولًا، وفي نفس الوقت نستكشف سبب تجمع هذا العدد من الوحوش هناك."

قال لورين بنبرة رسمية: "ما رأيكم أنتم؟ هل تتفقون مع جيمس أم لا؟"

تنحنح روبين قبل أن يتكلم، وعيناه تلمعان بواقعية القائد الذي يعرف حدود قوته: "هممم… أنا أتفق. لديه وجهة نظر. نحن– مهما حدث – نستطيع الهرب إن اضطررنا."

الفارس الذي يقف يمين لورين أطلق زفيرًا طويلًا: "أنا… لا أعرف. القرار لك أنت يا بارون. ولكن… كلام جيمس منطقي."

قال الفارس الثالث بحزم أكبر: "أنا مع روبين. نستطيع الهرب لو استخدمنا كامل قوتنا… دون أي مشكلة."

وأضاف الرابع باختصار: "وأنا أيضًا."

ساد صمت قصير، ثم أومأ البارون لورين، وصوت خطواته على أرضية الخيمة بدا وكأنه إعلان بداية فصل جديد: "هممم… إذن، هيا بنا. جهّزوا أنفسكم. سننطلق بعد دقائق."

ثم التفت إلى روبين وهو يخطو باتجاه مخرج الخيمة: "روبين… جهّز حصانًا حربيًا قويًا لجيمس. واعتبره هدية منّي."

انحنى روبين، بينما اكتفى جيمس بنظرة قصيرة نحو البارون… نظرة بلا امتنان ولا رفض، فقط ثبات وهدوء بارد؛ كأن الهدية لم تكن في نظره سوى مكافأة بسيطة على جزء من وقته، لا أكثر.

"فيليكس، فيليب، كايزر… تجهّزوا جيدًا،" قال البارون لورين بنبرة حاسمة وهو يلتفت نحو الفرسان،"وأرسلوا رجالًا لتجنيد المغامرين في المدينة. أي قوة إضافية في هذا الوقت… قد تغيّر كل شيء." ثم دفع ستارة الخيمة الثقيلة وخرج منها بخطوات سريعة.

2025/12/09 · 64 مشاهدة · 1016 كلمة
Moncef_
نادي الروايات - 2025