الفصل13: بين أنياب الوحوش [4]

"يا إلهي… إذا هاجم هؤلاء المدينة فلن يتبقى منها شيء." قال روبين بصوتٍ خافت وهو يحدّق في المشهد أمامه، عيناه متسعتان كأنهما لم تستوعبا حجم الكارثة بعد.

لم يردّ عليه أحد؛ فالجميع يعرف أن ما قاله ليس مبالغة… بل حقيقة مؤلمة وقادمة لا محالة.

"هل… هل يجب أن نذهب ونطلب الدعم من النبلاء الآخرين؟" قال فيليب بصوت مصدوم يكاد لا يصدق ما يرى، يرتجف قليلاً من البرد القارص الذي بثه الخوف في عروقه.

لكن لورين صرخ فيه بنفاد صبرٍ نادر: "اصمت! حتى لو صدّقوك، فلن يرسلوا أحداً. النبلاء هناك لا يهتمون إلا بمجالسهم. وإن أرسلوا… سيرسلون بعض الفرسان الميتين لا أكثر. تباً…" لم يكن غضبه موجهاً لفيليب—بل موجهاً لعجزه الخاص أمام هذا الوضع القاتل والمحبط.

قطع جيمس الصمت المطبق بصوت ثابت وخالٍ من أي عاطفة: "هناك عشرة غيلان عادية… وغول واحد من المستوى الأرضي."

توجّهت أعين الجميع إليه فوراً، وكأنهم وجدوا مرساة النجاة الوحيدة. كانوا ينتظرون منه شيئاً… أي شيء. ربما خطة، ربما معجزة.

"لا أستطيع مواجهتهم بالكامل وحدي…" سكت لحظة قصيرة، ثم أضاف وهو يشير بسبابته إلى ذلك الغول الأخضر الضخم الذي يتربع في المنتصف: "لكن سأخذ ذاك الوحش الأرضي."

تجمّدوا جميعاً. هم، فرسان بمستوى متوسط القوة، لا يستطيعون مواجهة غول أرضي واحد نداً لند… بينما جيمس قالها وكأنها مهمة عادية أو نزهة صباحية.

"أنتم تكفّلوا بالصغار. اتفقنا؟"

تردد لورين قليلاً، ابتلع ريقه بصعوبة ثم قال بصوت مختنق: "هل أنت متأكد يا جيمس؟"

رد جيمس دون أن يحوّل نظره عن الغول، وعيناه تضيقان أكثر: "ليس لدينا الكثير من الوقت. ماذا لو ظهرت غيلان أخرى؟ سنبدأ الآن."

ثم وضع يده بإحكام على مقبض سيفه، وانحنى قليلاً إلى الأمام فوق الفرع، مثبتاً عينيه على الوحش الضخم... وجسده كله يستعد للانطلاق بقوته القصوى.

"حسناً… استعدّوا. بعد ثلاثة… نهاجم."

"حاضر!" ردّ الجميع بصوت واحد، رغم الارتجاف الخفيف في أصوات بعضهم الذي خانه التوتر.

"واحد…"

"اثنان…"

"ثلاثة!"

ما إن نطق جيمس بالكلمة الثالثة… حتى اختفى. لم يركض، لم يقفز… بل تبخر من مكانه كما لو كان الظل نفسه قد ابتلعه. وفي جزء من ثانية، ظهر خلف الغول الضخم مباشرة، واندفعت من سيفه طاقة تشي بيضاء متوهجة قطعت الهواء بصوت صفير حاد ومخيف. ضرب الغول ضربة هائلة جعلت جسده يهتز بكامله.

انصدم لورين والبقية، لم يستوعبوا كيف كان جيمس بجانبهم قبل لحظات… ثم اختفى ليظهر خلف الوحش قبل أن يرمشوا حتى.

"أرغغغغ!"

دوت صرخة الغول الأرضي، صرخة هزّت أركان الغابة واهتزت لها فروع الأشجار. الألم كان واضحاً ومريراً في صيحته، لكنه لم يسقط، بل استدار بعنف جنوني ولوّح بذراعه الضخمة كصخرة متحركة عازماً على تحطيم جيمس.

لكن جيمس قفز للخلف بخفة لا تشبه خفة البشر، جسده يتحرك كفراشة بينما عيناه باردتان كالفولاذ. انطلق يطلق رشقات سريعة وموجات من التشي نحو صدر الغول الضخم، كل ضربة تلمع كالبرق وتترك أثراً محروقاً على الجلد السميك.

ومع تراجعه التكتيكي، لاحظ أن الغيلان العشرة الأخرى قد انتبهت للأمر وبدأت تتحرك نحوه بسرعة وحشية. اقترب أحد الغيلان العادية وقفز نحوه، رافعاً مضربه الحديدي الهائل وضارباً به باتجاه رأس جيمس مباشرة. التفت جيمس بجسده نصف التفافة—حركة ضيقة ودقيقة—وتفادى الضربة بفارق شعرة. اصطدم المضرب بالأرض... فانشقت التربة كلها بعمق وتطاير الغبار والصخور الصغيرة في الهواء كشظايا متفجرة.

"اللعنة!" صرخ جيمس وهو يواصل تراجعه السريع، يحاول إعادة التوازن بينما ثلاثة غيلان تندفع نحوه في الوقت نفسه، مشكّلة جبهة لا يمكن تفاديها.

لم يعرف جيمس ماذا يفعل في تلك اللحظة الحرجة... الأوان قد فات على التفادي. ثلاثة غيلان يندفعون نحوه، عصيّهم الحديدية تهدر في الهواء كأنها مقصلة عملاقة، والأصوات الثقيلة لخطواتهم تقترب بسرعة لا ترحم. نظر إلى خلفهم... فرأى الغول الضخم ما يزال يتلوّى من الألم بسبب ضربته الأولى، لم يفق بعد من الصدمة.

ابتسم جيمس ابتسامة خفيفة. لكن قبل أن تهوي العصي على جسده وتنهي حياته—

ظهر كايزر وروبين فجأة أمامه، كأنهما شبحان انبثقا من الغبار المتصاعد. رفعا سيفيهما بقوة متزامنة، وصدّا ضربات الغيلان الثلاثة دفعة واحدة بقوة هائلة. صوت اصطدام الحديد بالحديد دوّى في المكان كأنه رعد قريب، وانحرف الهواء من شدّة الضربة.

"اذهب جيمس!" صرخ روبين وهو يدفع أحد الغيلان للخلف بكل قوته.

"سنتكفّل بهؤلاء!" صاح كايزر وهو يشق طريقه ببراعة بين ضربات الغيلان المتلاحقة.

تنفّس جيمس براحة خاطفة. استعاد توازنه في لحظة، وانطلق دون تردد نحو ميدان المعركة. في لحظة... أصبح خلف أحد الغيلان الثلاثة تماماً. رفع سيفه، وتدفقت طاقة تشي بيضاء كالنار المقدسة تتجمع حول النصل، تضيء المنطقة بوهج ساطع.

"سيف التنين الأبيض!" صرخها جيمس بصوت يقطع الصمت الذي تلى الصدامات الأولى.

مرّ السيف عبر رقبة الغول كخط ضوئي حاد وقاطع... وفي لحظة انفصل رأسه عن جسده الضخم، متدحرجاً على التراب الملطخ.

لم ينتظر جيمس سقوط الجثة حتى يكمل هجومه. التفت نحو الغول الثاني كإعصار بشري، ولوّح بسيفه بقوة عارمة— شرخ أبيض من التشي انطلق من نصل السيف، مخترقاً جسد الغول بالكامل من الصدر إلى الظهر. انقسم الغول إلى نصفين متساويين تقريباً، والدماء اندفعت كنافورة سوداء مخضّرة، لتغرق الأرض أسفله.

تجمّد روبين وكايزر في أماكنهم للحظة، وجوههم مغطاة بالدم، أعينهم متسعة… لم يسبق أن رأوا جيمس بهذه الوحشية، بهذه السرعة، بهذه القوة.

ملأت الدماء أيضاً ثياب جيمس البيضاء… لكنّه لم يبدُ متأثراً. لم يوقفه شيء.

توجه نحو الغول الثالث بسرعة تفوق رد الفعل. قبل أن يلتفت الغول حتى، كان جيمس قد هبط خلفه، وسيفه ينطلق نحو قدميه بخط قطعي حاد.

انفصلت ساقا الغول عن جسده، وسقط على الأرض صارخاً، يضرب الأرض بيديه.

جيمس وقف فوقه… عيناه لا تحملان تردداً، ولا خوفاً، بل عزماً باردًا.

لوّح جيمس بسيفه واقتلع رأس الغول بقوة، لكن جسده لم يعد خفيفاً كما قبل—ذراعه ثقيلة، وأنفاسه متقطّعة، وطاقة التشي في داخله أصبحت أقل بكثير مما كانت عليه في البداية.

رغم أنه يستطيع مواجهة وحش أرضي… لكن ليس وهو بهذه الحالة.

التفت نحو الغول الضخم الذي كان ينهض من أثر ضربته الأولى، عضلاته تنتفخ، وعيونه الصفراء تتوهّج غضباً. العصا الحديدية بحجم جذع شجرة سحبت الأرض خلفها، كأنها تحفر الأخاديد وهي تتحرك.

قال جيمس بصوت منخفض لكنه ثابت: "توجها وساعدا البارون لورين… سأهتم أنا بهذا الوحش."

لم تكن المشكلة في القوة… كانت المشكلة أن أي خطأ صغير وهو مرهق قد يكون قاتلاً.

تردّد كايزر وروبين لحظة، يمعنان النظر في العرق الذي يغطي جبين جيمس، وفي ارتجاف خفيف في يده التي تمسك السيف. لم يكن ضعيفاً… بل مُجهدًا إلى حدّ الخطر.

لكن الوقت لا يسمح بالتفكير.

ركضا لدعم البارون لورين، بينما بقي جيمس وحده يقف أمام الغول الأرضي الذي بدأ يجرّ قدميه الثقيلة نحوه، كل خطوة كأنها مطرقة تهز الأرض.

رفع جيمس سيفه، استعداداً لمواجهة يعلم جيداً… أنها ستكون الأصعب منذ أن أصبح فارساً.

2025/12/09 · 53 مشاهدة · 1021 كلمة
Moncef_
نادي الروايات - 2025