الفصل 15: حجر الطاقة وبداية الغارة
ارتطمت يد الغول المبتورة بالأرض، وتلوى الجسد الضخم بجوارها وهو يطلق صرخات الألم الهستيرية، بينما مالت عصاه المحطمة جانبا كحطام لا نفع منه.
لم يمنحه جيمس لحظة واحدة لالتقاط أنفاسه؛ بل انقض عليه كالصاعقة، مستندا إلى يقين راسخ بأن وحشا أرضيا كهذا لا يملك أدنى فرصة للصمود أمام فارس من الرتبة العالية.
فأمثال جيمس يعدون من نخبة مملكة لورينيا وقادتها الميدانيين، وهم عملة نادرة تظفر بها العائلات الكبرى كالدوقيات والماركيزات، بينما تفتقر إليهم قلاع البارونات الصغار كعائلة لورين؛ مما جعل ميزان القوة يميل لصالحه بوضوح.
وصل جيمس أمام خصمه، وقبضته تشتد على سيفه الثاني.
لم يتردد، وبحركة انسيابية قاطعة شق نصله الهواء ليعترض أي محاولة للمقاومة... وفي لمح البصر، انفصلت ذراع الغول الأخرى وسقطت بعيدا.
انتفض الجسد العملاق، وأطلق الغول عواء زلزل سكون الغابة.
ورغم وحشيته، لم يكن مجردا من الإحساس؛ فالألم كان ينهشه، ولأول مرة تسلل رعب الموت البارد إلى نظراته، فالخوف غريزة بدائية لا تستثني مخلوقا متى ما اقتربت النهاية.
لم يمهله جيمس، بل انهالت ضرباته المتتالية على رأس الوحش كأنها ومضات من الضوء الحاد.
وفي اللحظة الحاسمة، انفجر رأس الغول وتناثرت أشلاؤه، لتندفع الدماء غزيرة من عنقه المفتوح، قبل أن ينهار الجسد الجبلي على الأرض جثة هامدة بلا حراك.
تسمر لورين وروبين وبقية الفرسان في أماكنهم على مسافة آمنة، وعيونهم شاخصة نحو جيمس في حالة من الذهول التام.
هل يعقل أن يصرع وحش أرضي بهذه السهولة المفرطة؟
لم يكن هذا المشهد مألوفا إلا لمن هم في مصاف الفرسان ذوي المستوى العالي، تلك النخبة التي تتربع على قمة الهرم القتالي في مملكة لورينيا.
بخطوات ثابتة، تقدم جيمس نحو جثة الغول الهامدة. انحنى فوق الكومة اللحمية الضخمة، ودون ذرة تردد، غرس يده بقوة أسفل منطقة السرة، مخترقا الجلد السميك والطبقات العضلية حتى غاصت أصابعه في جوف الأحشاء التي لا تزال تنبض بحرارة الحياة المنقضية. راح يحرك يده وسط الدماء والأعضاء اللزجة، دافعا إياها جانبا بلا اكتراث، باحثا عن الجائزة الكبرى التي يخفيها وحش من هذا العيار: حجر الطاقة.
تلك الأحجار النادرة وباهظة الثمن لا تتكون إلا في أجساد الوحوش الأرضية فما فوق، مما يجعل استخراجها من وسط الأشلاء والدماء جهدا يستحق العناء لأي فارس أو صياد يسعى للثراء والقوة.
تمتم جيمس بابتسامة خفيفة: "وجدتك".
سحب يده الملطخة بالدماء وبقايا اللحم، قابضا على حجر ضخم يوازي حجم كفه. كان الحجر يتوهج بوميض أحمر قاتم، فراح يقلبه ويتفحصه بعناية تحت ضوء الشمس. في تلك اللحظة، اخترق صوت البارون لورين الصمت من خلفه، مشوبا بنبرة دهشة لم يستطع إخفاءها: "جيمس... هل أنت حقا فارس عالي المستوى؟"
التفت إليه جيمس بلامبالاة واضحة، وكأنه يسأل عن أمر اعتيادي، وقال: "أجل، أجل. المهم الآن... هل انتهيتم من كل الغيلان؟"
هز لورين رأسه بإجلال لم يكن موجودا من قبل، مجيبا: "نعم... لقد أبدناهم جميعا. ولكن ما العمل الآن؟ هل نعود للمدينة لاستدعاء الجيش؟ أم نرسل فارسا لجلب الدعم ونبقى نحن لاستكشاف المنطقة؟"
كان سؤاله يحمل تقديرا عميقا؛ فالرجل الذي يقف أمامه للتو أنهى حياة وحش أرضي بمفرده، وهو إنجاز يستحق كل الاحترام.
غير أن جيمس نظر إليهم بجدية تامة، وقال بنبرة قاطعة: "سنرجع... أريد العودة إلى المنزل والاطمئنان على زوجتي".
ساد صمت قصير تبادل فيه لورين والفرسان النظرات المذهولة لثوان معدودة، قبل أن يعجزوا عن كبح جماح أنفسهم، فانفجروا جميعا في نوبة ضحك هستيرية.
ياللمفارقة! رجل يملك هذه القوة الجبارة التي تزلزل الوحوش، ولا يزال قلبه معلقا بقلق الزوج المخلص.
أمسك لورين بخصره من شدة الضحك وهتف وسط قهقهاته: "هاهاها! حسنا يا جيمس، سنعود ونحشد القوات. اذهب واطمئن على زوجتك أولا... ثم نعود لإكمال هذه الغارة".
…..
كان مشهدا مهيبا حبس أنفاس المدينة بأسرها؛ دخل الموكب من البوابة الرئيسية والعربات تئن تحت ثقل حمولتها الدموية.
لم تكن مجرد رؤوس لغيلان عادية، بل كان يتوسطها رأس الغول الأرضي الضخم، بعينيه الجامدتين وأنيابه التي تشبه الخناجر، شاهدا صامتا على معركة تفوق الخيال.
انتشر الخبر كالنار في الهشيم بين الأزقة والحانات، وتناقله الفرسان والمغامرون بذهول لا يصدق: جيمس، ذلك الرجل الهادئ، قضى على وحش من المستوى الأرضي بمفرده.
ولم تتوقف الصدمة عند هذا الحد، بل دوت الحقيقة التي زلزلت كيان الجميع؛ جيمس ليس مجرد فارس عادي، بل هو "فارس عالي المستوى".
ارتفعت مكانته في تلك اللحظة لتلامس السماء، وبات اسمه يتردد برهبة واحترام في كل زاوية، وكأنه أسطورة حية تمشي بينهم.
وفي خضم هذه الجلبة، دوى صوت مألوف في ذهن جيمس وحده. ظهرت نافذة النظام الشفافة أمامه معلنة عن مكافأة سخية: سنوات عديدة من الطاقة الداخلية الخام، جزاءً لإنجازه الاستثنائي.
لكن جيمس، وبرباطة جأش معهودة، لم يستعجل استهلاكها؛ بل قرر تخزينها وتكديسها في مخزونه، تاركا إياها تتراكم للحظة الحاسمة.
لم تشغله أضواء الشهرة ولا هتافات الجماهير عن وجهته الحقيقية؛ انسل من بين الجموع عائدا إلى منزله، حيث الاطمئنان على زوجته وأطفاله كان يعادل في ميزانه كل انتصارات العالم.
في تلك الأثناء، كان البارون لورين يقف وسط الساحة العامة، وقد اجتمع حوله حشد غفير من المغامرين والفرسان.
وقف يشرح لهم بجدية تامة حقيقة الوضع المرعب في الغابة الشمالية، وكيف أنها باتت تعج بوحوش لا قبل للضعفاء بها.
حينها فقط، سقطت القطعة الأخيرة من اللغز في عقول المغامرين، وأدركوا السبب الحقيقي وراء استدعاء البارون لشخص بقوة جيمس؛ فالمهمة لم تكن صيدا عاديا، بل كانت حربا ضد المجهول.
ما إن انتهى جيمس من زيارته الخاطفة لعائلته حتى عاد لينضم إلى الحشد، حاملا سيفه وهالة من الثقة بثت العزيمة في قلوب الجميع.
تحرك الجيش المصغر عائدا نحو الغابة الشمالية، وقد تغيرت ملامحهم من الترقب إلى التصميم.
وعند وصولهم إلى حافة الغابة المظلمة، بدأت الخطة تتشكل على أرض الواقع. ترجل النخبة من خيولهم، وتقدموا الصفوف كرمح بشري مستعد لاختراق الظلام.
كان في الطليعة البارون لورين، وإلى جانبه جيمس الذي تتجه إليه كل الأنظار، ومعهما روبين، وفيليب، وكايزر، وفيليكس، يشكلون جدارا دفاعيا وهجوميا لا يستهان به.
وخلفهم اصطف المغامرون وفرسان المستويات المتوسطة والمنخفضة، متأهبين للتوغل في العمق.
أما الجنود العاديون، فقد تلقوا أوامر صارمة بعدم الدخول.
انتشروا ليطوقوا الغابة من الخارج، محيطين بها من كل جانب كسوار حديدي، مهمتهم منع أي وحش شارد من الهروب نحو المدينة، وعزل ساحة المعركة تماما عن العالم الخارجي.
نظر البارون لورين إلى الأشجار الكثيفة، ثم صاح بصوت جهوري: "الهدف واضح... التطهير الكامل. لا رحمة لأي شيء يتحرك بالداخل!"