16 - نهاية الغارة… وثرائي الفاحش بين ليلة وضحاها

الفصل 16: نهاية الغارة… وثرائي الفاحش بين ليلة وضحاها

انقشعت غبار المعركة لتكشف عن مشهد لم يتوقعه أكثر المتفائلين؛ فما بدأ كحملة تطهير محفوفة بالمخاطر، انتهى ليكون أكبر عملية "حصاد" شهدتها المدينة منذ عقود.

كانت الغابة تعج بأعداد مهولة من الوحوش، لكن المفاجأة السارة كمنت في ضعف مستوياتها؛ إذ تساقطت أمام سيوف الفرسان ونصال المغامرين كسنابل القمح في موسم الحصاد، دون أي مقاومة تذكر.

تحولت الكارثة الوشيكة في رمشة عين إلى منجم ذهب مفتوح؛ فكل وحش يسقط كان يعني مزيدا من الجلود، والأنياب، وبلورات الطاقة الصغيرة التي تجمعت لتشكل ثروة طائلة لا تقدر بثمن.

امتلأت العربات عن آخرها حتى شكت عجلاتها من الثقل، واضطر الجنود لحمل ما تبقى على أكتافهم، في مسيرة عودة بدت وكأنها موكب نصر ملكي، حيث استبدل الخوف الذي كان يخيم على المدينة بصيحات الابتهاج وصخب التجار الذين سال لعابهم لرؤية هذه الغنائم الوفيرة.

مسح البارون لورين العرق عن جبينه، وهو يراقب القافلة المكدسة بالجثث والموارد الثمينة، ثم التفت إلى جيمس بابتسامة عريضة لم يستطع إخفاءها قائلا:

"من كان يصدق هذا يا جيمس؟ لقد كنت أجهز نفسي نفسيا لكتابة خطابات التعزية لعائلات الفرسان، لكن يبدو أننا سننشغل بعد العملات الذهبية وتوزيع الأرباح بدلا من ذلك".

نظر جيمس إلى أكوام الغنائم بنظرة هادئة وفاحصة، ثم أجاب وهو يعيد سيفه إلى غمده بصوت رنان: "الكثرة لا تعوض القوة أبدا يا سيدي البارون. لقد كانت هذه الوحوش مجرد قطيع ضخم وتائه بلا قائد، ومن حسن حظ المدينة أن الوحش القوي الوحيد قد سقط في البداية... استمتع بهذا النصر، فخزائن البارونية ستمتلئ الليلة حتى تفيض".

ضحك البارون بصوت عال ومستبشر، وربت على كتف جيمس بقوة وامتنان: "وخزائنك أيضا أيها الفارس العالي. صدقني، حصتك من هذه الغنيمة ستكون حديث المدينة لسنوات، فأنت من فتح باب هذا الثراء بضربة سيفك".

وبالفعل، سارت الأمور كما خُطط لها؛ نال جيمس نصف الغنائم التي عادلت عشرات الآلاف من العملات الذهبية. لم يضع لحظة واحدة، بل توجه فورًا إلى التجار وحوّل تلك الأكوام من الغنائم إلى سيولة نقدية صافية.

وقف جيمس يتأمل بريق المعدن الأصفر الذي تكدس فوق العربة الصغيرة، وراح يحسب ثروته وعيناه تلمعان ببريق الانتصار: "هممم... مئة وخمسون ألف قطعة ذهبية، تضاف إليها عشرة آلاف من البارون، ليصبح المجموع مئة وستين ألفًا. ومع القصر الجديد، فإن إجمالي الثروة يتجاوز المائتي ألف قطعة ذهبية".

مرر يده على العملات بابتسامة ساخرة وتمتم: "يبدو أنني أصبحت ثريًا فاحش الثراء في هذا العالم... لماذا لم يحالفني هذا الحظ في عالمي الأصلي؟ تباً لتقلبات القدر".

تنهد بعمق، ثم صعد إلى مقعد العربة، وضرب الحصان بلطف ليتجه صوب الجبل حيث منزله.

ما إن دخلت العربة فناء المنزل وتوقفت، حتى لمحته فيلين.

كانت تلعب مع رين وجين، لكن بمجرد أن وقعت عيناها عليه، وضعت جين على الأرض بحركة خاطفة، وانطلقت نحوه بسرعة جنونية، كأنها طائر يعود إلى عشه، وارتمت في أحضانه بقوة كادت تخل توازنه.

رفعت رأسها من بين ذراعيه، وراحت تتفحص وجهه وجسده بعيون يملؤها القلق واللهفة: "جيمس... لم تصب بأذى، أليس كذلك؟".

لم يجبها بالكلمات، بل ابتسم ابتسامة ماكرة وهادئة، ثم أحاط عنقها بيده القوية.

ودون سابق إنذار، انقض على شفتيها بقبلة نهمة وعميقة، قبلة أخرست كل أسئلتها وأشعلت النار في عروقها. كانت قبلته قوية ومسيطرة، وكأنه يريد أن يلتهم أنفاسها.

لم يستطع جيمس كبح جماح رغبته المتأججة؛ فبينما كانت شفاهم ملتحمة، لف ذراعه حول خصرها ودفعها برفق وقوة في آن واحد، حتى اختل توازنها وسقطت على العشب الناعم، ليلحق بها فورًا ويعتلي جسدها، محاصرًا إياها بين ذراعيه وساقيه.

استسلمت فيلين لثقله المحبب، وراحت تبادله القبلات بنفس الحرارة، بينما ألسنتهم تتعانق في رقصة حميمة ومبتلة.

وفي خضم تلك النشوة، تحررت يد جيمس وبدأت تتجول بجرأة على منحنيات جسدها؛ انزلقت يده الخشنة لتستقر فوق صدرها، وبدأ يتحسس نعومتها ويعتصر مفاتنها من فوق القماش برغبة جامحة، مما جعل فيلين تطلق تنهيدات مكتومة وهي تنتفض تحته.

ازدادت جرأة جيمس، وبدأت أصابعه تعبث بأربطة ثوبها حتى انزلق الجزء العلوي، وانكشف صدرها الأبيض الناصع تحت ضوء الشمس.

كاد جيمس أن يغرق في تفاصيلها، لولا صوت فيلين المتقطع وهي تدفع صدره بضعف، محاولة العودة إلى الواقع:"لا... جيمس... توقف! الأطفال...".

تجمد جيمس مكانه، ورفع رأسه ببطء وهو يلهث، لينظر خلفه.

وهناك، على مسافة قريبة، وجد طفليه رين وجين يراقبان المشهد بعيون واسعة وفضولية، وقد ارتسمت على وجوههما ضحكات بريئة ومشاكسة.

زفر جيمس بضيق وهو يحاول استجماع وقاره المبعثر، ونهض ببطء مبتعدًا عن زوجته الملقاة على الأرض، وقال بنبرة لوم مازحة وهو يرمق الطفلين:"تبًا لكما... ألا تنامان أبداً؟".

نهضت فيلين بسرعة ووجهها يشتعل حمرة، وسارعت لتعديل ثوبها وتغطية صدرها المكشوف، ثم نظرت إلى جيمس بابتسامة خجولة ومليئة بالوعود قائلة: "اصبر قليلًا ولا تغضب... وقتهما لم يحن بعد".

انفجرت ضحكات جيمس العالية لتردد صداها في الأرجاء، وشاركته فيلين الضحك وهي تحاول إخفاء خجلها وتوتر الموقف السابق. انحنى جيمس نحو ابنه الصغير رين، والتقطه من الأرض ليحمله بين ذراعيه القويتين بسهولة ويسر.

نظر في عينيه الصغيرتين وسأله بمرح وهو يداعب شعره: "هل بدأت تتدرب على السيف أيها البطل الصغير؟".

رفع رين ذراعه الدقيقة محاولا استعراض عضلاته الوهمية، وأجاب بعفوية الأطفال وثقتهم المطلقة: "أجل يا أبي... أنا قوي جدا الآن!".

قهقه جيمس وهو ينظر إليه بفخر وحنان: "هاهاها! أجل، أنت قوي تماما مثل أبيك".

وضع الصغير برفق على الأرض، ثم التفت إلى فيلين وملامحه تكتسي بجدية ممزوجة بالسعادة، وقال: "بالمناسبة يا فيلين... لقد منحني البارون لورين قصرا فاخرا وسط المدينة. سننتقل للعيش هناك".

اتسعت عينا فيلين بصدمة ألجمت لسانها للحظة، وهتفت بعدم تصديق وهي تحدق في وجه زوجها: "قصر...؟ ماذا تقصد بقصر؟!".

لم يطل جيمس الشرح، بل اكتفى بابتسامة واثقة وهو يتجه نحو باب المنزل بخطوات واسعة، قائلا دون أن يلتفت: "أجل، قصر حقيقي... المهم الآن، ابدأوا بجمع أغراضكم فورا، سنغادر قريبا".

لم يستغرق الأمر طويلا حتى جمع الجميع أغراضهم وحزموا أمتعتهم.

حملها جيمس بنفسه ووضعها على العربة؛ لم تكن سوى بضع قطع من ملابس فيلين وعطورها البسيطة، بالإضافة إلى ملابس الصغار.

ولكن، ما إن ألقت فيلين نظرة خاطفة إلى داخل العربة لترتب الأغراض، حتى تسمرت مكانها هي والأطفال، وعقدت الصدمة ألسنتهم؛ فقد كانت العربة تغص بأكوام من القطع الذهبية المتلألئة، ثروة لم يروا مثلها في أحلامهم قط.

لم يلق جيمس بالا لذهولهم، بل تركهم يستوعبان المشهد وتوجه بخطوات واثقة نحو الإسطبل. أخرج حصانه الأبيض المفضل، وراح يعدل لجامه ويمسح على عنقه برفق.

التفت إلى طفليه وقال بنبرة حازمة ومرحة: "هي، جين ورين... اركبا أنتما في العربة، اتفقنا؟".

أجاب الطفلان بصوت واحد وهما لا يزالان تحت تأثير صدمة الذهب: "حاضر يا أبي".

صعد الصغيران إلى العربة، وهنا التفت جيمس إلى فيلين التي كانت تقف مترددة، وأشار إليها بيده وعيناه تلمعان بمكر محبب: "أما أنت... فتعالي واركبي هنا".

ابتسمت فيلين بخجل، وتوجهت نحوه لتركب الحصان الأبيض، ممسكة باللجام بيديها الناعمتين. وبخفة لا يتقنها إلا الفرسان المحترفون، قفز جيمس ليجلس خلفها مباشرة على ظهر الجواد.

ما إن استقر خلفها حتى أحاط خصرها بذراعيه القويتين، مطبقا جسده الصلب على ظهرها حتى شعرت بحرارته تتسرب إليها وتمنحها شعورا طاغيا بالأمان.

مال برأسه قليلا حتى لامست أنفاسه الدافئة عنقها، وهمس لها بكلمات لم يسمعها غيرها جعلت القشعريرة تسري في جسدها، بينما كانت يداه تمسكان باللجام وتحتضنان يديها في آن واحد، في عناق حميم ومتواصل.

"هيا تحركوا"... صاح جيمس بصوت قوي، فانطلقت القافلة الصغيرة. وطوال الطريق، كانت فيلين تستند برأسها على صدره العريض، مغمضة عينيها ومستمتعة بقربه، وكأن العالم كله قد اختفى ولم يبق سواهما على ظهر ذلك الحصان.

بعد ساعة من المسير الهادئ، لاحت في الأفق بوابة قصر مهيب. وصل جيمس إلى المدخل، حيث وقف حارسان مدججان بالسلاح، وبدا من وقفتهما أنهما فارسان من المستوى المنخفض.

اعترض أحدهما الطريق فورا، وضرب الأرض برمحه بقوة محدثا صوتا مدويا، وصاح بنبرة تهديد: "من أنت؟ هذه ملكية خاصة، اذهب من هنا فورا!".

لم يتزحزح جيمس ولم ينزل عن حصانه، بل نظر إليه ببرود وقال بصوت هادئ ولكنه يحمل ثقل الجبال: "أنا جيمس".

كان للاسم مفعول السحر؛ ما إن التقطت آذان الفارسين الكلمة حتى شحب وجهاهما، وتغيرت ملامحهما من الغطرسة إلى الرعب والاحترام الشديد. انحنيا بسرعة وتزامن مذهلين حتى كادت رؤوسهما تلامس ركبهما: "نحيي السيد جيمس! المعذرة سيدي، لم نعرفك!".

راقبت فيلين وطفلاها المشهد بأعين واسعة؛ لم يروا جيمس من قبل بهذه الهيبة الطاغية التي تجعل الرجال ينحنون لمجرد سماع اسمه.

2025/12/12 · 61 مشاهدة · 1271 كلمة
Moncef_
نادي الروايات - 2025