الفصل 21: اندلاع الحرب في الغرب… هل حان وقت الارتقاء؟

انكب جيمس بكل طاقته على إدارة شؤون مقاطعته، دافعاً عجلة التطور إلى أقصى سرعتها.

لم يكتفِ بنجاحاته السابقة، بل أمر بتوسيع خطوط إنتاج الجعة.

ليرتفع عدد المصانع في وقت قياسي من واحد إلى ثلاثة مجمعات ضخمة،

مما جعل العملات الذهبية تتدفق إلى خزينة العائلة كالنهر الجاري.

ولم يغفل جيمس عن قوته الضاربة وسط هذا الثراء؛

فقد قام بتوزيع تقنية "تنفس الجناح الأبيض الغاضب" على فرسانه من المستوى المتوسط، الذين أتقنوها ببراعة مذهلة،

مما أدى إلى طفرة نوعية في قدراتهم القتالية وجعلهم قوة يحسب لها ألف حساب.

وفي خضم هذا الازدهار المتسارع، هبت نسائم الفرح مجدداً داخل أروقة القصر،

حيث ظهرت علامات الحمل مرة أخرى على كل من فيلين ولوران، وباتت العائلة تترقب بلهفة قدوم فردين جديدين لتعزيز سلالة روهان.

بينما كانت الاستعدادات جارية لاستقبال المواليد، وصل وفد مفاجئ إلى مشارف مدينة لورانس؛

ثلاثة من البارونات الحلفاء يرافقهم حرس النخبة:

كاي من عائلة الدم الأحمر.

وجوهان من العائلة السوداء.

وماركو من عائلة ميرك.

هؤلاء الثلاثة لم يكونوا مجرد جيران، بل شركاء استراتيجيين تربطهم بجيمس شبكة مصالح تجارية وثيقة في سوق الجعة المزدهر.

ما إن اخترق الموكب شوارع المدينة،

حتى جالت نظرات كاي في الأرجاء بذهول لم يستطع إخفاءه، وقال بصوت يملؤه التعجب: "إن أراضي لورانس التي كانت قاحلة بالأمس القريب، تتطور اليوم بسرعة جنونية!".

كان المشهد أمامه لا يصدق.

فقبل نصف عام فقط، حين جاء لتوقيع عقود التجارة، كانت لورانس مجرد قرية جبلية بائسة تغرق في الوحل والبيوت الخشبية المتهالكة والقشية.

أما الآن، فقد انقلبت الصورة رأساً على عقب.

اختفت العشوائية وحلت محلها منازل حجرية متينة وأنيقة، ورُصفت الطرقات الترابية بالحصى الناعم والنظيف، وانتشرت المرافق العامة والأسواق المنظمة التي تضج بالباعة والمشترين.

كان مشهد الازدهار طاغياً لدرجة أن كاي كاد يشك في أنه ضل الطريق ودخل مدينة أخرى.

قطع ماركو حبل ذهول رفاقه بصوت هادئ وعملي قائلاً:"لا تفرطوا في الدهشة الآن، دعونا نذهب لتحية البارون جيمس أولاً".

أومأ كاي وجوهان بالموافقة، وواصلوا طريقهم نحو القصر بجدية، فقد جاؤوا اليوم لغاية أهم بكثير من مجرد السياحة أو تأمل العمران.

وصل الموكب إلى بوابة قصر روهان المهيب.

لم يتوان كبير الخدم لحظة واحدة عن أداء واجبه.

سارع باحترام شديد لاقتياد الضيوف الثلاثة إلى قاعة الاستقبال الفاخرة، ثم انطلق بخطوات هادئة وسريعة ليخطر سيده بصولهم.

لم تمض سوى دقائق معدودة.

انفتح الباب، ودخل جيمس بهالته المعتادة وخطواته الواثقة.

"البارون كاي، البارون ماركو، والبارون جوهان... يا لها من مفاجأة غير متوقعة، ما الذي أتى بكم مجتمعين؟"

سأل جيمس بابتسامة ترحيبية، وقد تملكه الفضول لرؤية شركائه التجاريين في وقت غير معتاد.

لكن الوجوه التي استقبلته لم تكن تحمل بشاشة التجار المعتادة.

تقدم كاي خطوة للأمام، وقال بنبرة خالية من أي مجاملة: "يا بارون جيمس، لم نأت اليوم من أجل الجعة أو الأرباح، لدينا أمر مصيري لنناقشه معك".

عقد جيمس حاجبيه باستغراب وسأل:"وما هو هذا الأمر؟".

ساد صمت ثقيل للحظة قبل أن يلقي كاي سؤاله المباغت:"هل وصلتك أخبار الحرب الحدودية الوشيكة يا بارون؟".

"حرب حدودية؟!".كرر جيمس الكلمة بعبوس طفيف، محاولا تذكر أي شيء بهذا الخصوص.

في الحقيقة، كان جيمس مغيبا تماما عن العالم الخارجي مؤخرا.

فبين قلقه وترقبه لموعد ولادة فيلين ولوران، وانشغاله بإدارة مصانعه المتنامية، لم يجد وقتا لحضور مآدب النبلاء الثرثارة حيث تدار الأحاديث السياسية وتنتقل الشائعات.

"هذا صحيح، الوضع يغلي".

تدخل ماركو، زعيم عائلة ميرك، ليشرح الموقف بوضوح بينما جيمس يستمع بإنصات:

"قبل شهرين، تم اكتشاف عرق ضخم وعالي الجودة لخام الحديد على الحدود الغربية. مملكتنا لورين تدعي ملكيته، ومملكة بلاك المجاورة تصر بشراسة أنه يقع ضمن أراضيها".

أخذ نفسا عميقا وأكمل:"الوضع متوتر للغاية، ويقال إن ملكنا قد حشد الجيوش بالفعل، والحرب مع مملكة بلاك باتت مسألة وقت لا أكثر".

استمع جيمس بتمعن، لكن الحيرة لم تفارق وجهه، بل ازدادت.

"وما شأننا نحن بذلك؟".

نظر إليهم جيمس بتساؤل منطقي:"نحن لوردات صغار في المنطقة الجنوبية الهادئة، والقتال يدور في الغرب البعيد. إلا إذا كانت حرب إبادة شاملة ستأكل الأخضر واليابس، فلا أرى كيف ستصل نيرانها إلينا أو لماذا يجب أن نهتم".

لمعت عينا كاي ببريق الطمع والحماس، واقترب أكثر من جيمس وكأنه يكشف عن كنز مدفون. "إنها ليست خطرا يا جيمس، بل فرصة ذهبية لا تعوض!".

قالها بصوت يرتجف من فرط الطموح:"لقد جئنا لندعوك لتشكيل تحالف عسكري معنا والمشاركة في هذه الحملة. إذا دمجنا قوات عائلاتنا الأربع، سنشكل قوة ضاربة لا يستهان بها وسط الفوضى".

ثم أكمل وهو يرسم في الهواء أحلام المجد:"تخيل الإنجازات التي سنحققها، الألقاب التي سنرتقي إليها، والأراضي الجديدة التي سيمنحها الملك للمنتصرين... هذه فرصتنا الوحيدة للصعود من قاع النبلاء إلى مصاف الكبار وتوسيع إقطاعياتنا".

لم تحرك كلمات كاي الحماسية شعرة واحدة في جسد جيمس، بل على العكس، زادته برودا وحذرا.

كان يدرك بوضوح الحقيقة البشعة التي يتجاهلها هؤلاء بدافع الطمع؛ الحرب في نظر جيمس ليست سوى آلة عملاقة ودامية لفرم اللحوم.

وخاصة في الحروب واسعة النطاق بين الممالك، حيث تتصادم الجيوش الجرارة.

في طاحونة كهذه، لا يوجد مكان لنبلاء صغار مثلهم للنجاة.

سيكونون مجرد وقود يحترق ليمهد الطريق للكبار.

لماذا يلقي بنفسه في التهلكة؟

بوجود "النظام" معه، فإن مستقبله لا سقف له.

المجد والثروة آتية لا محالة، فلماذا يقامر بحياته الآن من أجل فتات الموائد؟

هدفه الوحيد والأسمى هو حماية عائلته وتنمية قوته بهدوء، بعيدا عن صخب المعارك العبثية.

هز جيمس رأسه ببطء، قاطعا حبل أفكار كاي وأحلامه الوردية.

نظر إليهم بنظرة اعتذار تخفي خلفها حزما لا يلين، وقال بصوت هادئ:

"هذا المستوى من الحرب خطير للغاية".

صمت للحظة ليكون لكلماته وقعها، ثم أكمل: "أنا آسف يا سادة، لكن لا يمكنني الموافقة على هذا التعاون".

2025/12/12 · 56 مشاهدة · 864 كلمة
Moncef_
نادي الروايات - 2025