الفصل 23: أنا صهر الدوق أندريا!
انقضت ليلة الزفاف الصاخبة، ومع بزوغ خيوط الفجر الأولى، غادر جيمس فراش فينا الدافئ وتوجه مباشرة إلى مكتبه البارد.
جلس خلف الطاولة الضخمة، وعيناه تلمعان ببريق التخطيط الاستراتيجي، ففي ذهنه لم تكن المليون قطعة ذهبية مجرد ثروة للتباهي، بل وقوداً لحماية ما هو قادم.
كان يدرك أن الزمن لا يرحم؛ شهران فقط يفصلانه عن صراخ طفليه الجديدين، وأسابيع معدودة تفصل المملكة عن جحيم الحرب. وفي معادلات الحروب، الحديد هو العملة الأغلى.
"الحرب تلتهم الرجال والحديد... والنبلاء الفقراء والجنود المرتزقة سيحتاجون لمن يسلحهم بأسعار معقولة". تمتم جيمس وهو يرسم خطوطاً عريضة على الخريطة أمامه.
لم يضيع لحظة واحدة في التردد.
أصدر أوامره الفورية بضخ دماء جديدة في شرايين المناجم.
منجم الحديد ومنجم الفحم اللذان كانا يعملان ببطء السلاحف لسنوات.
استخدم سلاح المال بذكاء، فأعلن عن مضاعفة أجور العمال والمعدنين بشكل غير مسبوق.
كان لهذا القرار مفعول السحر؛ تدفق العمال بحماس جنوني، وتحولت المناجم الهادئة إلى خلايا نخل لا تهدأ ليلاً أو نهاراً، فتضاعفت الإنتاجية مرات ومرات، وتكدست المواد الخام كالجبال.
وبالتوازي مع ذلك، حول جيمس جزءاً من مدينته إلى منطقة صناعية عسكرية.
استثمر الذهب في بناء سلسلة من ورش الحدادة الضخمة، وجلب أمهر الحرفيين من كل حدب وصوب.
ارتفعت أعمدة الدخان الأسود لتعانق السماء، ودوى صوت المطارق وهي تشكل الحديد الساخن كسيمفونية حرب لا تتوقف.
لم تمر سوى أسابيع قليلة، حتى كانت النتيجة مذهلة.
تحولت المخازن الفارغة إلى ترسانات تفيض بعشرات الآلاف من السيوف الحادة، والدروع الحديدية المتينة، والأقواس الجاهزة للقتال.
لقد نجح جيمس في خلق جيش من المعدات بتكلفة لم تتجاوز المائتي ألف قطعة ذهبية، مستغلاً موارده الذاتية وإدارته الحكيمة، ليقف الآن مستعداً ليس فقط لحماية عائلته، بل ليصبح المورد الأول للسلاح في الحرب القادمة.
اندلعت طبول الحرب قبل أيام قليلة، واكتست الحدود الغربية باللون الأحمر القاني، مما أثار الذعر في قلوب النبلاء الذين وجدوا أنفسهم غير مستعدين بما يكفي لهذه المعركة الطاحنة.
وفي خضم هذه الفوضى، رمى جيمس ورقته الرابحة؛ أعلن رسمياً عن فتح مخازن بارونية روهان لبيع الأسلحة والمعدات لكل من يحمل الذهب.
نزل الخبر كالغيث على النبلاء المتعطشين للتسليح، فتحول الطريق المؤدي إلى مدينة لورانس إلى شريان مزدحم بالعربات والخيول، يتسابقون للظفر بصفقات الحديد قبل نفادها.
تقدم شاب ذو ملامح أرستقراطية وملابس فاخرة نحو جيمس، وقدم نفسه بثقة:"البارون جيمس، أنا كلاين، وريث عائلة الكونت كينسا العريقة. جيشنا بحاجة ماسة إلى ألفي سيف، ولكن قبل أي حديث عن المال، هل يمكنني إلقاء نظرة فاحصة على الجودة؟".
أشار جيمس بيده نحو رفوف الأسلحة المكدسة بابتسامة واثقة: "تفضل يا سيدي، البضاعة أمامك تحكم بنفسها".
سحب كلاين أحد السيوف من غمده، فانبعث منه بريق حاد ونقي تحت ضوء الشمس.
اختبر توازنه، ومرر إبهامه بحذر على النصل، فانبهر بدقة الصنع وجودة المعدن التي نادراً ما تجد مثلها في أوقات السلم، فما بالك في زمن الحرب.
التفت إلى جيمس وعيناه تلمعان بلهفة التاجر والمحارب معاً: "مائتا قطعة ذهبية للسيف الواحد... اتفقنا؟".
رد جيمس بصوت هادئ ولكنه قاطع كحد السيف، دون أن يرمش له جفن: "أربعمائة قطعة ذهبية... دون نقاش".
شهق كلاين وتنهد بضيق، كان السعر ضعف السوق، لكنه كان يدرك في قرارة نفسه أن جودة هذه السيوف قد تكون الفارق بين الحياة والموت في المعركة، والوقت لا يسمح بالمساومة.
حسم أمره وقال بسرعة:"حسناً، موافق. ولكنني لن آخذ ألفين فقط... جهز لي ثلاثة آلاف سيف حالاً".
تمت الصفقة في دقائق، ودفع كلاين مليوناً ومائتي ألف قطعة ذهبية نقداً، ليغادر محملاً بحديد سيحمي عائلته.
لقد ربح جيمس من عميل واحد ما يعجز بارونات آخرون عن جمعه في سنوات.
لم يكن كلاين سوى البداية؛ توافد النبلاء واحداً تلو الآخر كأمواج البحر، كل منهم يخشى أن تنفد المخازن قبل أن يأخذ حصته.
لم يرفض جيمس أحداً، ولم يخفض سعراً لأحد.
ومع غروب شمس ذلك اليوم، كانت المخازن قد فرغت تماماً، بينما امتلأت الخزائن حتى فاضت.
جلس جيمس وحيداً في مكتبه ليلاً، ينظر إلى السجلات النهائية، وعيناه متسعتان بذهول.
خمسة وعشرون مليون قطعة ذهبية.
رقم فلكي لم يكن يحلم به حتى في أكثر خيالاته جموحاً.
ارتسمت على وجهه ابتسامة بلهاء وواسعة تشبه ابتسامة طفل حصل على كل حلوى العالم.
نظر إلى يديه المفتوحتين وتمتم بنشوة:"خمسة وعشرون مليوناً... بهذا المال، لن أجعل لورانس مجرد مدينة، سأجعلها جوهرة حية".
…
مرت الأشهر بلمح البصر، وحان موعد ولادة كل من لوران وفيلين.
مرت لحظات وإذا بالقابلة تنادي جيمس.
دخل الغرفة ولاحظ زوجتيه، فيلين ولوران، شاحبتي الوجه وتحمل كل منهما طفلاً بين ذراعيها.
【تم الكشف عن ولادة الطفل الرابع للمضيف. قدرة الطفل على استخدام السحر عالية، وقدرته على القتال متوسطة. التقييم العام: مستوى ذهبي. لقد اكتسبت 400 من الطاقة الداخلية + حارس شخصي من المستوى الأرضي الطبقة 22】
【تم الكشف عن ولادة الطفل الخامس للمضيف. قدرة الطفل على استخدام السحر متوسطة، وقدرته على القتال عالية. التقييم العام: مستوى ذهبي. لقد اكتسبت 400 من الطاقة الداخلية + تقنية تجميع الطاقة (دو) 9 نجوم】
انصدم جيمس من النظام ومن مكافآته السخية؛ فقد حصل على 800 من الطاقة الداخلية، تضاف إلى الـ 500 السابقة التي حصل عليها عندما تزوج "فينا"، ليصبح المجموع 1300، مما يعني أن الطبقة التاسعة من "فارس عالي المستوى" باتت قريبة جداً.
تبادل جيمس الكلام مع زوجتيه وأخذ الطفلين؛ كانا ولدين صغيرين، فسماهما "لوكاس" و"ريكس"، وكان جيمس يرى أن لهما مستقبلاً أسطورياً.
….
أسدلت الحرب الضارية أوزارها أخيرا بين مملكة لورين ومملكة بلاك، لكن النهاية كانت بطعمة العلقم في حلق لورين؛
فقد تجرعت المملكة خسارة فادحة تمثلت في ضياع نصف أراضيها الغربية، وسقط الآلاف من الجنود كأوراق الخريف.
كان الدوق سبستيان هو أكثر من دفع الثمن، حيث بترت الحرب نصف أراضيه في الغرب، محولة إياها إلى ركام وذكريات.
تلقى جيمس الأخبار كالصاعقة، وانقبض قلبه من هول المأساة وحجم الدمار الذي لحق بحلفائه.
لكنه لم يسمح لليأس أن يتسرب إلى نفسه، بل أيقن أن العالم لا يرحم الضعفاء، وأن الدور قد يأتي على مدينته إذا لم تكن مخالبها حادة بما يكفي.
حول جيمس صدمته إلى وقود لا ينفد من العزيمة، وكرس كل ذرة من جهده وماله لتطوير مدينته وحماية عائلته.
مرت خمس سنوات مند تولي جيمس حكم مدينة لورانس، تحولت فيها مدينة لورانس من بلدة عادية إلى حصن منيع يهابه الأعداء ويقصده الأصدقاء.
ارتفعت أسوارها، مبنية من صخور صلبة لا تهزها المجانيق، وانتشر الحراس المدججون بالسلاح فوق الأبراج بعيون لا تغفل.
امتلك جيمس جيشا نظاميا كان أغلب فرسانه في المستوى المتوسط، مدعومين بعشرة فرسان من النخبة عالية المستوى، مما جعل قوة المدينة تضاهي قوة جيوش النبلاء الكبار.
ذاع صيت جيمس في الأفاق، وترددت الشائعات التي تصفه بالفارس الأرضي الذي لا يقهر، وزاد من هيبة العائلة وجود فرايان، ظله الصامت الذي يرافقه في كل مكان، والذي عرف الجميع أنه وحش كاسر من المستوى الأرضي أيضا.
ولم يتوقف الأمر عند الأب، بل ورث الأبناء المجد، حيث أصبح الطفلان رين وجين فارسين عاليي المستوى رغم صغر سنهم، ليصبح اسم عائلة روهان مرادفا للقوة المطلقة في المقاطعة بأسرها.
أمام هذه القوة الصاعدة، تهافت نبلاء المملكة كالفراشات نحو الضوء، محملين بالهدايا النفيسة والعروض السخية، يخطبون ود جيمس ويطمحون لمصاهرته عبر تزويج بناتهم له، طمعا في التحالف مع القوة التي تمتلك فارسين أرضيين.
وفي صباح يوم مشمس، لاح في الأفق غبار موكب مهيب يقترب من بوابة مدينة لورانس.
كان وفد عائلة الدوق أندريا العريق.
توقف الدوق أمام البوابة العملاقة، وتأمل شموخ الأسوار وتنظيم الحراس، ثم تمتم بإعجاب وهو يدخل المدينة على جواده المطهم: "يا لها من مدينة جميلة وسليمة، كأن الحرب لم تمر من هنا قط."
كان يحيط بالدوق فارسان مدججان، وعن يمينه شابة خطفت الأنظار بجمالها الحاد.
لم تكن تركب عربة كباقي النبيلات، بل كانت تمتطي حصانا حربيا أسود، وترتدي درعا حديديا لامعا يعكس أشعة الشمس، ويدها تستقر بثقة على مقبض سيف عند خصرها، مما منحها هالة من القوة والفتنة في آن واحد.
اخترق الوفد شوارع المدينة وصولا إلى القصر، حيث سارع رئيس الخدم لإبلاغ سيده.
فتحت أبواب القاعة الكبرى على مصراعيها، ودخل جيمس بخطوات واثقة وهالة هادئة، متجها نحو ضيفه الكبير.
انحنى جيمس باحترام يليق بمقام الضيف وقال بصوت رزين: "تحياتي أيها الدوق أندريا، حللتم أهلا في لورانس."
ابتسم الدوق أندريا، وكانت عيناه تفحصان جيمس بدقة خبير، مدركا القوة الكامنة في هذا الشاب، فقال بنبرة ودودة تكسر حواجز الجليد:"بدون رسميات يا بني."
كان الدوق يقف بشموخ لا يخفى على أحد، وهالته تكشف بوضوح أنه ليس مجرد نبيل، بل فارس أرضي مخضرم يقف راسخا في الطبقة الثانية عشرة.
تقدم الدوق أندريا نحو جيمس بخطوات بطيئة، ولكن في طرفة عين، انشق الهواء بجانب جيمس ليظهر فرايان وكأنه تجسد من العدم.
تجمد الدوق في مكانه وسرى الرعب في أوصاله.
فقد استشعر ضغطا هائلا ينبعث من هذا الحارس الصامت، هالة مرعبة تدل بوضوح على أنه في الطبقة الثانية والعشرين، أي أنه يقف بمثابة "نصف خطوة" نحو مستوى الفارس السماوي الأسطوري.
أيقن أندريا في تلك اللحظة أن التحالف مع عائلة جيمس ومصاهرتهم ليس مجرد خيار، بل هو فرصة ذهبية لا تعوض لضمان مستقبل عائلته.
تدارك الدوق الموقف وانحنى باحترام واضح قائلا: "أعتذر يا سيد جيمس عن وقاحتي غير المقصودة".
أشار جيمس بيده بهدوء وهو يجلس على كرسيه المرتفع، مظهرا ثقة مطلقة: "لا عليك يا سيدي، تفضل بالجلوس ولنتحدث".
جلس الدوق ونظر مباشرة إلى جيمس، متخلياً عن المقدمات الطويلة:"لقد أتيت إلى هنا لهدف محدد، وهو أن أطلب منك الزواج من ابنتي إليزابيث. إنها شابة في السابعة والعشرين من عمرها، وفارسة عالية المستوى، وكما ترى أمامك، فهي تتمتع بجمال ونسب رفيع".
تفرس جيمس في ملامح إليزابيث، مقدرا جمالها الحاد وقوتها الظاهرة.
دارت الحسابات بسرعة في عقله؛ فامرأة بهذه القوة والجينات الممتازة ستنجب بلا شك طفلا بتصنيف "ذهبي".
وبما أن لوران وفيلين في فترة راحة بعد الولادة، وفينا لم تظهر عليها علامات الحمل بعد، بدت الفرصة مواتية.
ومع ذلك، أراد جيمس اختبار مدى جدية الدوق، فأصدر صوتا مترددا وهو يطرق بأصابعه على الطاولة:
"هممم..."
فسر الدوق هذا التردد على أنه عدم اقتناع، فاشتعلت رغبته في إتمام الصفقة بأي ثمن، وسارع قائلا باندفاع:
"يا سيد جيمس، سأقدم لك مهرا قدره خمسة آلاف حصان حربي، بالإضافة إلى عشرين بالمائة من صافي عوائد مبيعات عائلتي من الخمر لمدة خمس سنوات، وسأرسل لك حصة السنة الأولى كاملة فور عودتي إلى القصر".
ذهل جيمس داخليا من ضخامة العرض.
فهو يعلم جيدا بلغة الأرقام أن نسبة العشرين بالمائة من تجارة خمر عائلة أندريا تعادل قرابة عشرين مليون قطعة ذهبية،
وقيمة الخيول الحربية وحدها تتجاوز الثلاثة ملايين.
إنها ثروة تهز الجبال.
ارتسمت ابتسامة واسعة على وجه جيمس، وقال بنبرة حاسمة:"لقد اتفقنا أيها الدوق أندريا".