الفصل 25: الدوق الرابع ومزاد الزواج
"هاتِ ما عندك.." نطق جيمس بهدوءٍ مشوبٍ بالبرود، وعيناه تخترقان الرسول الواقف أمامه.
ارتجف صوت الرسول وهو يجيب، محاولاً تجنب النظر مباشرة في عينيّ هذا الكيان الذي أمامه.
لم يكن يرى فيه بشرا، بل وحشا نفض عنه غبار الجحيم لتوه:"سيدي.. مملكة بلاك تطلب وقف القتال.. إنهم ينشدون التفاوض."
مال جيمس برأسه قليلا، ورسم على وجهه قناعا من الحزن المصطنع،
وقال بنبرة متهكمة: "أتفق معك في المبدأ.. ولكن، ماذا ستقدمون تعويضاً لأرواح فرساني البواسل الذين فقدتهم؟ وماذا عن الضرر النفسي الجسيم الذي لحق بي؟"
ابتلع الرسول ريقه بصعوبة، بينما تابع جيمس حديثه، وقد تبدل صوته فجأة من الحزن الزائف إلى حزمٍ قاطع كحد السيف:
"أما بخصوص الأراضي التي وطأتها أقدامي، فقد أصبحت رسمياً جزءاً من تراب مملكة لورين. فلا تحاولوا حتى إدراجها في بنود التفاوض."
"أجل.. أجل يا سيدي! الأراضي لكم بلا جدال،" سارع الرسول بالرد والكلمات تتعثر في فمه من شدة الرعب.
"ولكن نرجوك.. أوقف وحوشك! وبالأخص ذلك الفارس الأرضي.. إنه كابوس!"
كان الرسول يرتعد كلما تذكر ما فعله "فرايان" بالمدن الست.
ذلك الشيطان الذي كان يدك البوابات الحصينة وكأنها ورق مقوى، يجتاح المدن ويفتك بضباطها بضربة واحدة.
لقد أدركت استخبارات المملكة أنهم يواجهون فارسا أرضيا تجاوزت قوته الطبقة العشرين.
وفي عرف الممالك كمملكة بلاك ولورين، يُعد الفارس الأرضي قوة ردع استراتيجية نادرة، إذ لا تمتلك المملكة الواحدة أكثر من خمسين منهم، ومن يتجاوز الطبقة العاشرة يُنصب عادةً دوقاً لعظم قوته.
انتهت المفاوضات بخضوع تام.
انتزع جيمس المدن الست، وأضاف إليها عشرة ملايين قطعة ذهبية كتعويضات حرب، عائداً بغنيمة لم يسبق لها مثيل.
سرعان ما انتشر الخبر كالنار في الهشيم؛ البارون جيمس اجتاح نصف "دوقية الحديد الصلب".
عمت الاحتفالات أرجاء مملكة لورين، وتنفس الشعب الصعداء.
فقبل أشهر قليلة، كانت القلوب منكسرة لضياع أراضيهم في الغرب لصالح مملكة بلاك، وها هو جيمس اليوم لا يعوض الخسارة فحسب، بل يهديهم أراضي الجنوب الغنية.
آلاف الكيلومترات من الأراضي الزراعية الخصبة، وعشرات المناجم، وست مدن محصنة.
تجاوزت سمعة جيمس الآفاق، وبات اسمه يتردد برهبة وإجلال بعد أن سحق إحدى القوى الثلاث الكبرى في مملكة بلاك.
وبطبيعة الحال، لم يكن لحدث جلل كهذا أن يمر دون أن يلتفت إليه العرش.
لم ينتظر الملك لحظة، وصدر الأمر الملكي باستدعاء جيمس فوراً إلى القصر.
في قاعة العرش المهيبة، تقدم جيمس بخطوات ثابتة، وانحنى باحترام أمام الجالس على العرش:
"تحياتي لجلالة الملك ألكسندر."
نهض الملك ألكسندر من عرشه، وابتسامة عريضة تعلو محياه،
ثم وضع يده بامتنان على كتف جيمس قائلاً:"انهض يا سيد جيمس.. لا ينبغي لبطل المملكة أن يظل منحنياً."
نظر الملك في عيني جيمس بفخر، فقد استعاد هذا الرجل كرامة مملكة بأسرها،
ثم أعلن بصوت جهوري تردد صداه في أرجاء القاعة: "جيمس.. نظير شجاعتك وانتصاراتك العظيمة، أعلنك أنت وعائلتك من الآن فصاعداً.. الدوقية الرابعة في مملكة لورين."
"ولن يتوقف كرمنا عند اللقب فحسب.." تابع الملك ألكسندر والابتسامة لا تفارق محياه.
"سيُمنح لك حكم أربع مدن إضافية، وآلاف الكيلومترات من الأراضي الخصبة لتكون تحت إمرتك المباشرة."
تسمر جيمس في مكانه، وعقدت الدهشة لسانه.
لم يكن هذا في حسبانه قط؛ لقد خرج إلى ساحة المعركة مدفوعاً برغبة بدائية في القتل،
باحثاً عن تلك النشوة الوحشية التي افتقدها وسط حياة الدعة والاستقرار، منغمساً في ليالي الحب مع زوجاته، وانتظار المواليد، وإدارة شؤون المقاطعة الروتينية.
كان يريد إشباع غريزته كوحش، لا أن يُثقل كاهله بالمزيد من الأعباء الإدارية.
لكنه، وبحكمة القائد، أدرك أن رفض هبة الملوك حماقة لا تُغتفر.
قبل جيمس الإكرامية الملكية، مدركاً في قرارة نفسه أن هذا الشرف سيف ذو حدين.
فقد أصبح الآن ركناً أساسياً من أركان مملكة لورين، مما يعني نفوذاً طاغياً من جهة، ومن جهة أخرى، هدفاً واضحاً لكل طامع وحاسد.
بات عليه الآن حماية إمبراطورية صغيرة قوامها 11 مدينة بعد ضم المدن الجديدة وآلاف الأميال من الأراضي الشاسعة وعشرات المناجم.
ما إن أُعلن خبر تنصيب جيمس دوقا، حتى تحول اسمه إلى "تعويذة سحرية" في أروقة البلاط.
تسابق نبلاء المملكة، من ماركيزات ودوقات وكونتات، نحو أراضي عائلة "روهان" كالسيل الجارف، محملين بنفائس الهدايا وكنوز لا تقدر بثمن.
اختنقت شوارع مدينة "لورانس" بالعربات الفارهة، وتعالت صهيل الخيول الأصيلة، وازدحمت النزل بالفرسان والوفود.
لم يكن الهدف مجرد التهنئة، بل كان السباق محموماً لتقديم عروض المصاهرة.
انهالت مئات طلبات الزواج على قصر الدوق الجديد، لكن جيمس، الغارق في مسؤولياته الجديدة، لم يجد الوقت ولا الرغبة للخوض في بحر الزيجات في الوقت الراهن.
هنا، كان لزوجاته رأي آخر.
اجتمعت لوران، وفيلين، وفينا، وإليزابيث في "مجلس عائلي" طارئ. كن يعلمن يقيناً طبيعة زوجهن.
شغفه بالنساء وحبه للزواج أمر لا مناص منه.
لذا، وبدلاً من ترك الحبل على الغارب ليختار جيمس بعشوائية قد تجلب لهن ضرائر سيئات الطباع.
قررن أن يتولين زمام المبادرة: "لماذا لا نختار نحن له، فنضمن راحة بالنا؟"
وبدهاء أنثوي، أعلنت الزوجات شروطاً صارمة لقبول أي عروس جديدة.
وتناقلتها الألسن في أوساط النبلاء كدستور مقدس:
أولاً: أن تكون الفتاة آية في الجمال الساحر.
ثانياً: أن تتحلى بدماثة الأخلاق والتواضع، فلا مكان للمتكبرات في قصر روهان.
ثالثاً: أن تقدم العائلة مهراً يليق بمقام الدوق.
ما إن سُمعت الشروط، حتى اشتعلت المنافسة.
بالنسبة للنبلاء الكبار، لم يكن المهر عقبة.
فالذهب والخيول والمناجم رخيصة مقابل نفوذ الدوق جيمس.
بدأ البحث المحموم في القصور عن الفتيات اللواتي يجمعن بين الجمال والأدب.
وفي مشهد يعكس مدى اليأس للتقرب من السلطة الجديدة:
تقدم الدوق "سبستيان" عارضاً ابنتيه دفعة واحدة.
وحذا حذوه دوق آخر مقدماً ثلاثاً من بناته.
أما الماركيز "جوكان"، فقد تجاوز كل التوقعات وجلب عشر فتيات من بناته، آملاً أن تحظى إحداهن بالقبول.
وكذلك فعلت الماركيزة "كارا" بتقديم ابنتيها.
وبينما احتدم الصراع بين كبار القوم، تراجع النبلاء الصغار والبارونات إلى الخلف.
مدركين أن المنافسة قد خرجت عن مستواهم.
ولم يجرؤوا على التقدم خوفاً من إزعاج الدوق وإضاعة وقته الثمين.