الفصل 4: تناقض المظهر والحقيقة
تراجع إدوارد للخلف بكل سرعته، قفزةٌ مفاجئة أنقذته من يد جيمس التي كانت تتجه بخبث نحو سيفه.
توقف إدوارد فجأة، على بُعد خمسة أمتار، يلهث بصعوبة.
لم يكن مجرد هرب من مواجهة، بل كان إحساسًا عميقًا بالنجاة... كأنه أفلت لتوه من فكي أسد مفترس.
ارتجفت أطراف إدوارد رغماً عنه. لم يكن الخوف برد فعل جسدي وحسب، بل كان ثقلاً بارداً يستقر في معدته، يشد قبضته على السيف حتى ابيضت مفاصله.
شعر بقلبه يقرع ضلوعه بعنف، وعرقٌ بارد يتصبب من جبهته رغم برودة الجو. نظرات جيمس الثاقبة كانت تلاحقه، كل حركة محسوبة، مما جعله يشعر وكأنه فريسة محاصرة في زاوية ضيقة.
حاول إدوارد أن يجمع شتات أنفاسه، لكن الهواء بدا ثقيلاً وكأنه يرفض أن يملأ رئتيه بالكامل.
حول جيمس نظره ببطء إلى يمينه، مثبتاً عينيه على صديق إدوارد، الذي تسمر في مكانه من الصدمة.
كانت عينا جيمس تشعان بلون قرمزي مرعب، وقطرات الدم القانية تتصبب من يده المصابة، مما رسم مشهداً من الرعب الصامت.
في تلك اللحظة، تحول الخوف في عيني مارك (صديق إدوارد) إلى ذعر مطلق.
تراجع إلى الوراء بكل سرعة ممكنة، غريزة البقاء وحدها هي التي وجهت حركته.
لكن الأوان كان قد فات؛ ضغط جيمس بكلتا قدميه على الأرض بقوة هائلة، وانطلق نحوه بسرعة الرياح.
تسمر "مارك" في الهواء. بعد أن قفز كل تلك المسافة، وجد نفسه عاجزاً عن المناورة بحرية في الجو.
شعر بخطر وشيك يزحف نحوه من ناحية جيمس.
ولكن، قبل أن يتمكن جيمس من الوصول إليه، انطلق "إدوارد" نحوه بكل سرعته، وسيفه يتوهج بطاقة "التشي" المتدفقة.
لم يلتفت جيمس نحوه، بل اكتفى بابتسامة مرعبة ارتسمت على شفتيه، مما أدهش مارك الذي كان يراقب الموقف.
"مُت!" صرخ إدوارد بحدة وهو يلوح بسيفه المتلألئ نحو جيمس.
في لحظة خاطفة، تجنب جيمس الضربة القاتلة وانحنى بكل سرعة.
ما إن لاحظ إدوارد هذه الحركة المراوغة حتى انتابه الذهول للحظة، لكنه سرعان ما استعاد رباطة جأشه وذهاءه القتالي.
وجه ركلة قوية ومباغتة نحو جيمس، أصابته مباشرة في كتفه، مما أجبر جيمس على التراجع بضع خطوات للوراء.
على بعد أمتار قليلة، كان جيمس يحاول إيقاف اندفاع جسده، وقدماه تزحفان بقوة على الأرض الصلبة تاركتين خدوشاً عميقة.
توقف ببطء، وبدأ يلوي رأسه ببطء متعمد، مطرطقاً عنقه بصوت مسموع ومقشعر.
رفع عينيه ببطء، مثبتاً نظرة ثاقبة على مارك وإدوارد.
تسمّر الاثنان في مكانهما، وقد أحسّا بدهشة عارمة ممزوجة بالرعب من هول الموقف الذي وجدا نفسيهما فيه.
لقد كانا يعتقدان أن من يواجهانهما مجرد فلاحين بسطاء.
كانت الصدفة وحدها هي التي قادتهما إلى هنا. لو عاد بهما الزمن إلى الوراء، ألف مرة، لما وضعا قدميهما في هذا المكان المشؤوم أبداً.
نظر إليهما جيمس بعيون باردة خالية من أي تعبير، وكسر الصمت المطبق بسؤالٍ حمل في طياته تهديداً مبطناً:
"أتعرفون ما هو الخطأ الذي اقترفتموه؟"
لقد منحه النظام قوة تعادل عشر سنوات من التدريب الشاق والمتواصل بالسيف، ليس فقط مهارة في القتال، بل قوة جسدية هائلة جعلت كل عضلة في جسده آلة حرب مدربة ومثالية.
أكمل جيمس حديثه، وعيناه مثبتتان على منزله الصغير الذي ينضح بالدفء، ونبرة صوته تحمل شجناً غريباً ممزوجاً بالبرود:
"كنت أعيش بسعادة... أنظر إلى زوجتي الجميلة وأطفالي السعداء."
تنهد تنهيدة خافتة قبل أن يتابع: "أردت حقاً أن أعيش حياتي بالكامل في هذا الدفء، أن أحتضن زوجتي في ليالي البرد، وأن ألعب مع أطفالي."
" ولكنكم الآن تطمعون في هذه السعادة... تطمعون في زوجتي... تريدون جسد زوجتي، أليس كذلك؟" قالها بغضب كامن، لكن صوته ظل بارداً ومخيفاً.
ابتلع مارك وإدوارد ريقهما بصعوبة بالغة. نظرات جيمس الثاقبة اخترقتهما، ولم يعرفا ماذا يقولان.
ولكن إدوارد، الذي حاول التماسك، جمع ما تبقى لديه من طاقة ونطق بكلمات قاسية محاولاً طمأنة نفسه: "أنتم مجرد فلاحين! وبعد أن ننتهي منك، سنستمتع بزوجتك أمامك وأمام أطفالك!" قالها بلهجة متعالية، مردداً في قرارة نفسه أنه لا يواجه سوى رجل مزرعة بسيط ذي بنية جسدية قوية، لا أكثر.
ساد الصمت المطبق في المكان مرة أخرى، وحده صوت الرياح كان يكسر هذا الهدوء المخيف.
بعد لحظات من كلمات إدوارد الوقحة، وضع جيمس يديه على رأسه فجأة، وبدأ يضحك بشكل هستيري. كانت ضحكاته تهتز وتتصاعد، ضحكات مجنونة خالية من الفرح، أشبه بصراخ الروح المعذبة.
ضحك وضحك وضحك، حتى أنه مسح عينيه المتصببتين بدموع الضحك التي اجتاحته.
تسمر إدوارد ومارك في مكانهما، عاجزين عن النطق ببنت شفة.
كانا يشاهدان رجلاً يضحك من كل قلبه على تهديداتهم، لدرجة أنهما أحسّا للحظة أنهما قالا نكتة مضحكة للغاية أضحكته بهذا الشكل الجنوني.
لكن الضحكة لم تكن للفكاهة؛ كانت ضحكة اليأس الذي تحول إلى جنون بارد.
توقف جيمس عن الضحك فجأة، وعاد صوته بارداً كالثلج وهو ينظر مباشرة إلى إدوارد: "فلاحين... فلاحين، حسناً."
بدأ جيمس يتقدم نحوهما ببطء شديد، ويداه متدليتان على جانبيه بلا حراك.
ومع كل خطوة، بدأت طاقة "تشي" زرقاء متلألئة تتكون وتتكثف على شكل سيف في يده اليمنى. كانت طاقة قوية وضخمة.
ما إن لاحظها مارك حتى صرخ بفزع: "إنه... إنه سيف التشي!"
كان إدوارد ينظر إلى يدي جيمس وهو مصدوم تماماً، العرق البارد يتصبب من كل جسده. كان يعلم جيداً أن "سيف التشي" لا يستخدمه إلا فارس في المستوى المتوسط.
بدأ يسترجع في ذهنه ترتيب المستويات: هناك المستوى المنخفض، وينقسم إلى تسعة مستويات (هو ومارك كانا في المستوى السادس)، وهناك المستوى المتوسط، وينقسم أيضاً إلى تسعة مستويات، ثم المستوى العالي.
ولكي تتمكن من استخدام سيف التشي، من الضروري أن تصل إلى المستوى المتوسط من الفارس.
قُطع تفكير إدوارد المذعور بسبب صراخ مارك المفاجئ.
في جزء من الثانية، وبحركة خاطفة لم يلحظها أحد، قُطعت يدا مارك بوحشية.
الدم الأحمر القاني ملأ الأرض تحته، ووقع مارك راكعاً على الأرض أمام جيمس الذي كانت يداه المشعتان بطاقة التشي القوية جاهزتين لمزيد من الدمار.
لمس جيمس وجه مارك بيده اليسرى، ومرر أصابعه ببطء على بشرته الشاحبة، فيما كانت عيناه الباردتان تخترقان روح مارك المذعورة.
نطق بهدوء مخيف: "هل أنا فلاح الآن؟"
ضغط على ذقن مارك المرتعش، يمرر يده على وجهه الأبيض ويلمس شعره الناعم، وكأنه يتفحص قطعة حلوى شهية يستعد لابتلاعها. "هيه، تكلم. هل أنا فلاح؟"
تلعثم مارك في كلامه، بالكاد يستطيع النطق من شدة الرعب والألم: "لا... أنت لست... فلاح." كان يشعر بيد جيمس على وجهه وشعره؛ كانت يدا شاب جميلة وناعمة، وكان شعر جيمس الأبيض الثلجي جذاباً، ووجهه ينضح بالبراءة الظاهرة.
لم يكن يعتقد أبداً أن هذا الشخص صاحب الملامح الجمالية والجسد المتوسط يمكن أن يكون مرعباً ووحشياً إلى هذه الدرجة.
لقد كان التناقض بين المظهر والحقيقة صادماً ومميتاً.