الفصل 4: الركوع أمام الحقيقة.

"أرجوك يا سيدي! سامحني… أريد أن أعيش!"

صرخ مارك وهو ينهار أرضًا، جسده كله يرتجف بعنف. دموعه كانت تنهمر على وجهه الملطّخ بالتراب والدم، وعيناه الواسعتان ترتجفان كمن يرى الموت يزحف نحوه خطوة خطوة.

لم يكن يملك يديه ليتوسل بهما، فرفع جذعي ذراعيه المقطوعين قليلًا بطريقة يائسة، كأن جسده نفسه يستجدي الرحمة بدلًا عنه.اقترب بجسده نحو جيمس زحفًا، صوته متحطمٌ من الرعب، كل كلمة منه تحمل استسلام رجل يعرف أنه على حافة النهاية.

لوّح جيمس بسيف طاقة التشي الأزرق، ولمع النصل قبل أن يقطع أذن مارك اليسرى بضربة حادّة.سقطت الأذن في الوحل، واندفع الدم من جانب رأسه بسرعة.ثم أعاد جيمس الحركة نفسها بهدوء مخيف، لتسقط الأذن اليمنى كذلك.تجمّد مارك في مكانه، والدم يتدفق من الجانبين بينما الرعب يبتلع ملامحه.

"آآآآآآآآآآآه!" صرخ مارك بكل ما تبقّى في جسده من طاقة، صرخة تمزج بين الألم المطلق والصدمة، بينما اتسعت عيناه حتى بدا وكأنهما ستنفجران من شدّة الوجع، وقد انعكس فيهما رعبٌ خام وألمٌ لا يمكن لأي إنسان أن يصفه.

وقف إدوارد على يمين مارك بلا حراك، جسده متجمّد رغم خبرته الطويلة في القتال والدم. لكنها كانت المرة الأولى التي يرى فيها قاتلًا بعينين كهاتين؛ نظرة باردة، ثابتة، خالية من أي رحمة. كان جيمس يحدّق في مارك بازدراء مطلق، وكأنه لا يرى أمامه سوى حشرة تافهة يجب سحقها بلا تردد.

"هاه؟ لماذا تصرخ؟ ألم تكن قبل قليل تريد النوم مع زوجتي؟" تكلم جيمس بنبرة استفهامية باردة، كأنه يستغرب رد فعل مارك الطبيعي للألم.

"أنا أعتذر منك يا..." بدأ مارك يتكلم، لكنه لم يكمل كلامه.

إذ برأسه انفصل عن جسده في لحظة خاطفة، ليلقى حتفه.

سقط جسد مارك على صدره، ورأسه المنفصل يتدحرج بضعة أمتار. تدفق الدم بغزارة ليشكل بحيرة صغيرة حمراء ملأت الأرض تحت قدمي جيمس. تلطخ شعر جيمس الأبيض بالعديد من بقع الدماء، وكذلك ملابسه، ليكتمل المشهد المرعب والمقزز. ركل جيمس رأس مارك بقوة، فطارت في الهواء لتستقر بعيداً داخل الغابة الكثيفة.

بلع إدوارد ريقه بصعوبة بالغة وهو ينظر إلى هذا المشهد المروع. صديقه "مارك"، الذي كان يعتبره أخاه، مات بكل سهولة ووحشية، رغم توسلاته اليائسة من أجل النجاة. لم يعد يعرف هل يهرب أم يبقى ليواجه مصيره. هل يترك جثة صديقه وحيدة؟

اجتاحته العديد من الأفكار المتضاربة في رأسه، والعديد من المشاعر المتناقضة في قلبه: حزن، خوف، رعب، ارتباك، توتر، ألم، وصراخ داخلي وبكاء مكتوم. انهار إدوارد ووقع على الأرض، والعرق يتصبب منه كالمطر، ويداه ترتعشان بشكل لا يمكن السيطرة عليه. لقد تجمد الرعب في عروقه.

"أوه، كانوا يقولون: نحن فلاحون... والآن... يا لبشاعتكم أيها البشر!"

تكلم جيمس بنبرة ساخرة وباردة، وهو ينظر إلى إدوارد المنهار الذي وقع على الأرض. تغير مظهره تماماً؛ انسدل شعره الأبيض الكثيف من رأسه ليصل إلى بطنه تقريباً، مغطياً وجهه وعينيه جزئياً، مما أضفى عليه هيئة وحشية وغامضة. كانت عيناه الحمراوان تشعان تحت خصلات شعره.

تابع حديثه، موجهاً نظره نحو إدوارد المذعور:

"ألم تقولوا إنكم تريدون قتلي؟ أرجوكم... اقتلوني!" قالها بلهجة تحدٍ مريرة، مطالباً إياهم بتنفيذ تهديدهم الفارغ الآن بعد أن انقلبت الموازين.

"سيدي، أنا أعتذر! لدي العديد من القطع الذهبية! اتركني أذهب مع جثة صديقي لو سمحت!"

قال إدوارد هذه الكلمات بصوت مخنوق ومتقطع، يتلعثم ويتوسل لجيمس، محاولاً يائساً شراء حياته بالمال. كانت عيناه الجاحظتان تتشبثان بأي بصيص أمل، ووجهه المشوه بالخوف تحول إلى قناع من الذعر المطلق. يداه، رغم الارتعاش الشديد، حاولت الإمساك بكيس القماش المتسخ الذي يحتوي على ثروته الصغيرة.

في تلك اللحظة، لم يعد يفكر في الانتقام أو الكرامة؛ كل ما كان يهمه هو النجاة. كان مستعداً للتخلي عن كل شيء، عن كل مبدأ، مقابل نفس واحد إضافي. كانت رائحة الدم واليأس تملأ الهواء حوله، لكن إدوارد كان يركز فقط على عيني جيمس الباردتين، آملاً أن تلمع فيهما نظرة طمع أو رحمة مفقودة.

"أوه... ذهب؟" تكلم جيمس باستغراب مصطنع.

"أجل يا سيدي، لدي ذهب!" تكلم إدوارد بسرعة وفرحة عارمة، معتقداً أنه قد نجا أخيراً. أخرج كيساً متوسط الحجم مليئاً بالعملات الذهبية.

من النظرة الأولى، كان يحتوي على ما يتعدى العشرين قطعة ذهبية تقريباً، وهو ما يساوي سنوات من حياة جيمس وعائلته من مأكل ومشرب وملبس وكل شيء.

مد إدوارد كيس الذهب نحو جيمس بكل احترام ولهفة، لكن الصدمة كانت أقسى من أن تحتمل.

سقط كيس الذهب على الأرض، لكن يديه المقطوعتين سقطتا معه. نظر إدوارد إلى يديه المبتورتين وهو مصدوم ومرعوب، لم يعد يفهم ما يحدث، لقد تبخر أمله في لحظة.

2025/12/09 · 61 مشاهدة · 684 كلمة
Moncef_
نادي الروايات - 2025