الفصل 8: الرحمة
حدّق إدوارد في عيني جيمس الحمراوين، عينان لا تحملان أي ذرة رحمة. كان جسده يرتجف كمن ينتظر إعدامه، وقد تلاشى كل أمل داخله حتى آخر قطرة. لم يعد قادرًا حتى على فتح فمه ليتوسّل… فقد كان اليأس قد خنقه تمامًا.
رفع جيمس يده ببطء متعمّد، ثم هوى بها بقوة مرعبة . انشقّ بطن إدوارد في لحظة، وكأن جسده قُطع بحدّ سكين غير مرئية.
صرخة مكتومة خرجت من أعماقه قبل أن تُقطع هي الأخرى، إذ لطمت ضربة ثانية عنقه فطار رأسه في الهواء، يدور ككرة ملوّثة بالدم.
لم يكتفِ جيمس بذلك؛ تابع ضرباته بلا توقف. كل تلويحة كانت تمزّق جزءًا جديدًا من جسد إدوارد، حتى تحوّل جسده إلى كتل متناثرة لا تكاد تُعرف.
ارتطم رأس إدوارد بالأرض بقوة، بينما نصف جسده الأيمن سقط في جهة، والنصف الآخر قُذف بعيدًا، والأحشاء تنسكب فوق الأرض كأنها دلو انسكب دفعة واحدة.
وخلال ثوانٍ امتلأت الأرض بطبقة سميكة من الدم الساخن، تتدفق وتزحف بين الحجارة، فيما وقف جيمس بلا تعبير… كأنه لم يقتل إنسانًا، بل مسح مجرد حشرة من طريقه.
نظر جيمس إلى الأشلاء المبعثرة أمامه؛ يدان مقطوعتان، وجسد مشوّه لا يمكن حتى تمييز ملامحه، والدماء التي تجمّعت حوله كبحيرة قاتمة. لم يرمش حتى… نظرته كانت باردة حدّ الجمود.
توجّه بخطوات ثابتة نحو الكيس الذي يحتوي القطع الذهبية، التقطه دون أن ينظر إليه حتى، ثم اتجه إلى جثة مارك وبدأ يقلبها بلا أي احترام، يبحث بين ثيابه الممزّقة عن شيء ثمين. بعد لحظات، وجد كيسًا آخر يحوي قطعًا ذهبية وفضية، فحشره في جيبه ببرود، ثم سحب سيف مارك وانتزعه من تحته.
لم يكتفِ بذلك، بل عاد ليفتش جسد مارك مرة أخرى، يقلبه بعنف وكأنه مجرد قطعة قماش قذرة. وبعد أن تأكد أنه لا يوجد أي شيء آخر، رماه أرضًا بلا اهتمام.
ثم التفت نحو جثة إدوارد… أو ما تبقّى منها. انحنى فوقها وبدأ يقلب بقايا ملابسه حتى عثر على خنجر أسود، تزيّنه زخارف حمراء داكنة، وكان يبدو ذا قوة غريبة. أمسكه بإعجاب خافت، ثم أخذ سيف إدوارد أيضًا، حمله كتذكّر باردة، قبل أن ينهض ويكمل تفتيشه الأخير دون أن يظهر على وجهه أي أثر للإنسانية.
بعد أن انتهى جيمس من تفقد الجثة وما تبقى منها، وقف لحظة يتأمل الفوضى حوله؛ بقايا ممزقة، دماء متناثرة، ورائحة حادة تملأ المكان. كان المشهد مرعبًا بحق، حتى إن جيمس نفسه لم يرغب في تركه كما هو.
فكّر قليلًا في ما يمكن فعله بكل هذا، ثم لمعت في عينيه فكرة مفاجئة.
ابتسم ابتسامة خفيفة وقال بهدوء وكأنه وجد الحل الأبسط:"سهلة… سأحرق كل شيء وينتهي الأمر."
أخذ جيمس بعض الخشب من فناء المنزل، وأشعل النار حتى ارتفع لهيبها قرابة مترين. ثم حمل أشلاء إدوارد المشوّهة ببرود مرعب، ورماها داخل النار دون لحظة تردّد، فارتفعت رائحة احتراق اللحم والدماء في الهواء. فعل الشيء نفسه مع جثة مارك ورأسه المقطوع، جمع كل البقايا بلا اهتمام وألقاها في وسط اللهيب المتصاعد.
بعد أن تأكد أن النار تلتهم كل شيء، اتجه إلى دلو خشبي مليء بالماء، وسكبه على الدماء المنتشرة في الأرض مرة ثم مرتين. امتزج الماء بالدم، لكنه لم يختفِ تمامًا، مما وضعه في ورطة؛ كيف سيشرح هذا الكم من الدم لزوجته وأطفاله؟
نظر حوله بقلق، يبحث عن طريقة يمحو بها كل أثر…
أحضر جيمس دلواً آخر، لكن الماء وحده لم يفعل شيئًا… الدم ما زال يصرخ بلونه على الأرض. زمّ شفتيه بغيظ، ثم التفت نحو النار التي كانت تلتهم الجثث. انتظر قليلًا حتى تراكم الرماد الأسود عند أطراف الموقد، ثم أخذ مجرفة صغيرة وجمع كمية كبيرة منه، رمادًا مختلطًا ببقايا محترقة من العظام واللحم.
عاد إلى البقعة الملطخة بالدم، وسكب الرماد فوقها ببطء، فامتص الرماد الرطب اللون الأحمر كما يمتص الإسفنج الماء. بدأ يفرك الأرض بكفه وبحذائه بقوة، حتى تحوّل الدم إلى طبقة من الطين الداكن. ثم سكب قليلًا من الماء فوقه، فعاد المكان بلون التراب المحروق، بلا أي أثر للمجزرة التي كانت هنا قبل دقائق.
تنفّس بعمق وهو ينظر إلى عمله. لم يعد هناك دم، ولا أشلاء، ولا خيط واحد يدلّ على ما فعله… فقط رائحة الرماد واللحم المحترق التي تتسلل في الهواء ببطء.
وقف جيمس في منتصف الفناء، يحدّق في الأرض ثم في حالته الملطّخة بالدم من رأسه حتى قدمَيه. شعره الأبيض الطويل، الذي يصل إلى بطنه، كان مغطّى بخيوط داكنة من الدم، يتدلّى عليه بثقل وكأنه يحمل وزر ما فعله قبل لحظات.
لم يرغب أبدًا أن ترى زوجته وأطفاله هذا المنظر، لذا انتزع ثيابه الملوّثة ورماها في النار التي كانت تشتعل ببطء وتلتهم كل شيء بلا رحمة.
اتجه بعدها إلى دلوٍ ثانٍ ممتلئ بالماء، ورفع خصلات شعره الطويل بيده، ثم بدأ يصبّ الماء عليها حتى انسكب الدم من أطرافه على الأرض. غسل وجهه وكتفيه وصدره، وفرك جسده بقوة حتى عاد جلده إلى لونه الطبيعي.
حين مرّر يده على كتفه شعر بتورّم قاسٍ… ضربة إدوارد كانت أقوى مما توقع، لكنه تجاهل الألم كما يفعل دائمًا.