الفصل الرابع: ثعلبة روح

ما إن أنهت سون يومو حديثها، حتى ربّتت على رأسها بارتياح، وأخرجت كنزها السحري، ثم تحولت إلى خيط من الضوء واندفعت في السماء، عائدة نحو أعماق طائفة القمر العظيم.

كانت ترتجف من فرط الحماس، إذ لم يعد في وسعها الانتظار أكثر.

أما الفتاة الصغيرة التي كانت ترافقها، فقد ظلت واقفة في مكانها تحدق في الأفق بدهشة، ولم تفق من ذهولها إلا بعد أن اختفى ضوء أختها الكبرى في الأفق.

"ما الذي حدث للأخت الكبيرة؟ هل أصابها شيء؟ ماذا كانت تقصد؟"

تحدثت الفتاة الصغيرة مع نفسها بحيرة، وقد ارتسمت على ملامحها علامات الاستفهام، "أليست تلك التماثيل الطينية مجرد زينة؟ ما علاقتها بطريقي في الزراعة؟ هل أصيبت الأخت يو بخلل في تدريبها؟"

في تلك الأثناء...

كان ليو تشانغقونغ قد وصل للتو إلى باب الحانة في سوق المدينة، فاستقبله صاحب الحانة، رجل ودود في منتصف العمر يرتدي الحرير، بابتسامة عريضة:

"سيد ليو، هل كعادتك تطلب نفس الثلاثة أطباق؟"

ابتسم ليو تشانغقونغ وقال: "نعم، كما هي دائماً، لا حاجة للتغيير."

ركض صاحب الحانة وأعطى تعليماته للنادل قائلاً: "قطعتا لحم بقر مطهو، نصف دجاجة مشوية، ووعاء من خمر أوراق الخيزران!"

ثم عاد إلى ليو بابتسامة وقال: "يبدو أن تجارتك تزدهر اليوم يا سيد ليو!"

ضحك ليو وقال بهدوء: "اليوم يوم الافتتاح... بعت بعض الأشياء البسيطة."

كانت يو لينغ لونغ قد دفعت له سبيكة ذهب وزنها يقارب سبعة إلى ثمانية تايلات مقابل تلك التماثيل الطينية، ما يكفي لمعيشته كمجرد إنسان عادي لعدة سنوات.

ثم التفت لداخل الحانة فرأى ازدحامًا واضحًا، فسأل بدهشة:

"تبدو الأمور مزدهرة هذه الأيام، أليس كذلك يا صاحب الحانة؟"

أومأ الرجل بفخر وقال: "كل هذا بفضل طائفة القمر العظيم. لقد بلغ المعلم الكبير في الطائفة ألف عام من العمر، ولهذا جاء الناس من كل أنحاء مملكة شيا ليحتفلوا بعيد ميلاده. وإلا لما ازدحم المكان بكل هؤلاء المزارعين."

فهم ليو أخيرًا سبب الزحام غير المعتاد في الأيام الماضية.

فمن النادر جدًا وجود مزارع في مرحلة ولادة الروح داخل مملكة شيا، ولهذا كان من الطبيعي أن يحظى بمثل هذا التكريم.

ما هي إلا لحظات، حتى تم تجهيز الطعام، ووُضع في أكياس ورقية مع وزن إضافي فوق ما طلبه.

بل إن صاحب الحانة خرج معه إلى الباب مودعًا إياه بأدب شديد:

"سر على بركة الله يا سيد ليو، نأمل أن نراك قريبًا."

السبب وراء هذه المعاملة الخاصة كان بسيطًا...

لقد كان الخط الذي كُتب به شعار حانة "ينشان" من إبداع ليو تشانغقونغ.

بل إن أغلب لافتات المحلات في السوق أسفل جبل تايين قد خُطّت بيده، ذلك لأن كتابته كانت أنيقة ومهيبة، حتى من لا يفهمون في الخط كانوا يشعرون بجمالها.

وبفضل لطفه وتواضعه ومساعدته للفقراء، فقد كان يحظى بسمعة طيبة في السوق.

وبينما كان عائدًا إلى منزله، مرّ بخياط فوجد جمعًا من الناس يتحدثون بانبهار أمام المحل.

"يا له من فرو رائع لهذا الثعلب الأبيض!"

"يبدو أنه أوشك على أن يتحول إلى روح! انظروا إلى نظراته، مليئة بالحيوية!"

"هاها، لو تحوّل فعلاً، هل سيسلم من أن يُصطاد؟"

اقترب ليو ليرى ما يحدث، فاكتشف أن صيادًا كان قد عاد من الجبل ومعه ثعلب أبيض صغير، يريد بيعه للخياط، لكنهم لم يتفقوا بعد على السعر.

نظر ليو إلى القفص الحديدي، فرأى الثعلبة البيضاء مستلقية داخله. كان فراؤها ناصع البياض بلا أدنى شائبة، وعيناها قرمزيتان تلمعان كالياقوت، تحدقان فيه برجاء، وقد بدت في منتهى الجمال والبراءة.

شعر ليو بالشفقة تجاهها، وفكر أنها قد تكون رفيقة لطيفة له في وحدته.

"ما رأيك أن تبيعني هذا الثعلب؟ كم تطلب مقابله؟"

عندما رأى الصياد أن المتحدث هو ليو، ابتسم وقال:

"بما أنك أنت من يريد شراءه، فسأهديه لك. لا زلت أتذكر مساعدتك لي عندما اشتريت دواءً لطفلي المريض، لولاك لكان في خطر الآن."

وتدخل صاحب الخياط قائلاً: "بما أن السيد ليو يريده، فلن أتنافس عليه."

لكن ليو هز رأسه وقال بابتسامة لطيفة:

"التجارة تجارة... الحقوق والواجبات أساس طول العمر."

ثم أخرج بضع قطع فضية من كمّه، ووضعها في يد الصياد، وأخذ القفص وغادر قبل أن يتمكن أحد من رفضه.

وقف الصياد وهو يقبض على الفضة، ينظر إلى ظهر ليو الذي يبتعد، وقال بتنهيدة:

"يبدو كأنه خُلق ليكون خالداً... كم هو مؤسف أنه لا يستطيع أن يزرع مثلهم!"

وتعالت أصوات المارة:

"حقًا، إنه رجل نادر الطبع. أهل السماء أولى به من أهل الأرض!"

داخل متجر المصير الخالد...

كانت سو يوي، الثعلبة البيضاء، تحدّق بتوتر إلى ما أصبح منزلها المؤقت، ثم تنهدت بعمق.

لقد نجت من كارثة محققة!

فهي ليست ثعلبة عادية، بل ابنة إمبراطور الوحوش نفسه! لو أنها ماتت على يد جزّارٍ بائس، لكان ذلك أعظم مهزلة في تاريخ عشيرتها.

فجأة، سمعت صوتًا دافئًا يقول:

"لا بأس، اقتربي... لا تركضي مجددًا، وإلا سيقبضون عليك مرة أخرى."

ثم شعرت بذراعين لطيفتين ترفعانها من القفص وتضعانها برفق فوق الطاولة.

"هل هذا هو سيدي الجديد؟"

تساءلت في نفسها وهي تنظر إلى الشاب الوسيم المهذب أمامها، تغمرها مشاعر متضاربة...

امتنان لأنه أنقذها، وسخط لأن ابنة الإمبراطور تحوّلت إلى حيوان أليف لمجرد إنسان.

يا للعار!

لكن حين اقتربت من الشاب، شعرت برائحة غريبة، دافئة، تجعلها ترغب في الاقتراب أكثر وأكثر...

"مناداته كانت ليو تشانغقونغ؟ اسم جميل..."

"لابد أنك جائعة، تعالي، تذوقي هذا أولاً..."

رأت سو يوي بعيونها كيف أخرج وعاءً نظيفًا من المطبخ، وانتزع قطعة فخذ من الدجاج، ووضعها أمامها.

كانت رائحة اللحم تشق السماء!

في تلك اللحظة، لم يكن في عقلها سوى كلمتين: "يا له من طعم!"

نسيت تمامًا كونها ابنة الإمبراطور... نسيت الهروب... نسيت الكبرياء...

كل ما أرادته هو أن تتذوق هذه الوليمة!

2025/04/16 · 25 مشاهدة · 851 كلمة
crimson
نادي الروايات - 2025