وفي الوقت نفسه، في قصر إيزنكرون الإمبراطوري.
غرفة نوم الإمبراطورة سيلفيا.
"هممم."
سيلفيا، التي ورثت الغرفة التي كانت يوماً غرفة نوم والدها، جلست على طرف السرير بملابس النوم.
(لإنشاء جهاز مراقبة الأمن، لا مفر من سن تشريع أساسي... ثم يجب أن آمر وزارة المالية بمراجعة الميزانية ومنح الموافقة على التنظيم...)
كان عليها مراجعة جدول أعمال الغد، لكنها كانت تغلبها النعاس وتغلق عينيها رغماً عنها.
حاولت جاهدة مقاومة النعاس، لكن جسدها لم يطاوعها.
استسلمت سيلفيا دون وعي لإغراء النوم، وأمالت رأسها للأمام قبل أن تنتبه فجأة.
"آه!؟"
صوت غريب خرج من فمها وهي تحاول استعادة وعيها، ليتردد في الغرفة الفارغة.
وبدافع الخجل، ألقت نظرة حولها.
بعد أن تأكدت أنه لا أحد يراقبها، تنفست سيلفيا الصعداء.
ثم ابتسمت بسخرية وهي تغمض عينيها نصف إغماضة.
(هل هو خمول بعد الأكل؟ تناولت العشاء متأخرة...)
في الواقع، لكونها لم تنم نوماً عميقاً منذ فترة طويلة، كان أقرب إلى الإرهاق منه إلى خمول الأكل، لكنها كانت ترفض الاعتراف بذلك.
ففي النهاية، أن تتمنى نوماً عميقاً وهي تجلس على عرش يحدد مصير الإمبراطورية كان بمثابة ترف لا تملكه.
بينما كانت تفرك عينيها بيدها وتحاول معاودة النظر في الوثائق...
دق دق──
أربكها صوت طرق على الباب.
استدارت برأسها لتعرف من الطارق في هذه الساعة، فرأت الباب يُفتح بهدوء.
لم يكن في القصر سوى شخص واحد يمكنه فتح باب غرفة الإمبراطورة دون إذنها.
"... أمي."
من وراء الباب، ظهرت سيدة نبيلة بشعر ذهبي وعيون زرقاء تبتسم بلطف.
كانت ماريانت، والدة سيلفيا الحقيقية.
"عزيزتي، كيف حالك؟"
اقتربت ماريانت وسألتها، فابتسمت سيلفيا ابتسامة خفيفة ومحرجة.
"أنا بخير. لم أُحتجز لفترة طويلة أصلاً."
"مع ذلك، لم أتمكن من النوم من شدة قلقي عليكِ. ألا تظنين أنه من الأفضل أن تخففي من أعباء العمل وتأخذي قسطاً من الراحة؟"
"أود فعل ذلك، لكن استقرار الإمبراطورية له الأولوية."
أومأت ماريانت، التي كانت تنظر إلى سيلفيا بحزن، وكأنها تتفهم الأمر.
"لقد أصبحتِ تشبهين والدك... لكن فقط في الجوانب الحسنة. لو كان حياً ليفتخر بكِ وهو يراكِ قد كبرتِ بهذه الروعة..."
تنهّدت ماريانت بخفوت محاولةً طرد الذكريات الحزينة.
ظنت أنه لا داعي لإثارة مشاعر الكآبة، فاقتربت وجلست بجانب سيلفيا، ممسكة بيدها بلطف.
"عزيزتي، قد لا أفقه كثيراً في السياسة، لكني أدرك شيئاً واحداً. سمعت أن العقيد دانيال شتاينر أنقذكِ، أليس كذلك؟"
انتشرت بالفعل في أنحاء الإمبراطورية أخبار عودة دانيال مع جيشه من الجبهة الشرقية إلى العاصمة لحماية الإمبراطورة من الخونة المتآمرين.
لذا، أومأت سيلفيا بهدوء دون إنكار.
"صحيح. منذ البداية، قاد دانيال قواته إلى العاصمة من أجل إنقاذي."
"إذاً من الواضح أنه يكنّ لكِ مشاعر. لا أعلم إن كانت طموحاً أو رغبة أو حباً. برأيكِ أنتِ، ماذا تعتقدين؟"
تذكرت سيلفيا اللحظات التي قضتها مع دانيال في "راحة الذهب"، فاحمرّ وجهها دون أن تدري.
رغم مرور وقت طويل، فإن كلماته حينها ما تزال تجعل قلبها يخفق.
"لا أعتقد أنه طموح. فقد قال لي يومها إنه مستعد للتخلي عن كل شيء لأجلي. لو كان طموحاً، لكان فاوضني على شروط أفضل."
"آه، إذاً ربما كان بدافع الرغبة؟ أراد أن يحتضنكِ؟"
"بالطبع لا! العقيد دانيال ليس من هذا النوع!"
لا طموح ولا رغبة...
تبقى احتمال واحد فقط.
رمشت ماريانت بدهشة ثم قالت، غير قادرة على إخفاء انفعالها:
"إذاً، يبدو أن هذا الضابط الشاب يحبكِ."
شعرت سيلفيا بالخجل الشديد، فأطلقت سعلة مفتعلة.
لكنها لم تنكر.
حتى من وجهة نظرها، كان واضحاً أن دانيال يكنّ لها مشاعر خاصة.
"ربما... لكنه لم يقلها لي صراحةً."
"عزيزتي، هذا أمر طبيعي."
"طبيعي؟"
"فكري جيداً. دانيال نشأ يتيماً. أتعتقدين أن يجرؤ يَتيم على قول 'أحبكِ' لحاكمة الإمبراطورية، رمز الشمس لهذه الأمة؟"
حتى لو قبلت سيلفيا، فالمحيطون بها قد لا يتقبلون ذلك بسهولة.
"بالطبع، كما قلت سابقاً، أنا أرى أن دانيال شاب مناسب لكِ. في الماضي، عندما كانت الفوارق الطبقية قانوناً، لكان هذا الحب مستحيلاً. لكن اليوم، لم يعد الأمر كذلك، بفضل إصلاحات والدك..."
توقفت ماريانت عن الحديث، وكأنها أدركت أنها تدخلت أكثر مما ينبغي.
"آسفة يا صغيرتي، لقد تجاوزت حدودي مجدداً. حتى لو أحبكِ دانيال، إن لم تبادليه المشاعر، فلا معنى لكل هذا الكلام."
وعندما كانت تهمّ بسحب يدها...
"... وأنا أيضاً."
خرج صوت خافت جداً من شفتي سيلفيا.
ظنت ماريانت لوهلة أنها تخيلت الأمر، لكن سيلفيا، وقد أشاحت بوجهها خجلاً، أكملت:
"أنا أيضاً أحب العقيد دانيال."
عقدت ماريانت يديها على فمها مدهوشة.
ابنتها، التي كانت تعامل الرجال وكأنهم حجارة طوال سنواتها في المجالس الاجتماعية، تتحدث عن الحب!
(ابنتي... لقد أصبحتِ امرأة حقاً...)
امتلأ قلب ماريانت بالفخر والاعتزاز، فابتسمت وقالت:
"إذاً لا توجد مشكلة! ما رأيكِ أن تبادري أنتِ بإظهار مشاعركِ لدانيال؟ بهذا تنتقلان معاً إلى المرحلة التالية."
"... المرحلة التالية؟"
"إنجاب طفل. فهو ثمرة الحب."
اتسعت عينا سيلفيا بدهشة.
كانت تظن أن الحديث سيتوقف عند الزواج، لكن والدتها تجاوزت ذلك بمرحلة كاملة.
"عزيزتي، هل تتذكرين حينما أهديتكِ ملابس داخلية مثيرة وأدوية محفزة سابقاً؟ لا تقلقي، لا يزال بإمكاني أن أقدم لكِ المزيد منها إن رغبتِ. معهما، حتى أكثر الرجال بروداً سيتحول إلى وحش أمامكِ..."
توقفت ماريانت عن الكلام فجأة.
فقد احمرّ وجه سيلفيا إلى حد يكاد ينفجر.
أغلقت سيلفيا عينيها بقوة، ثم قالت بصوت مرتجف:
"اخرجي."
"عزيزتي؟ أنا فقط أردت أن أساعدكما..."
"قلت اخرجي فوراً!"
أمام الإلحاح المتكرر، رفعت ماريانت كتفيها ونهضت.
"سيلفيا، تذكري أني دائماً هنا بقلب مفتوح لأي نصيحة..."
فتحت سيلفيا عينيها ببطء وحدّقت فيها بنظرة حادة.
رغم أنها كانت محاولة للتهديد، إلا أن احمرار وجهها جعلها تبدو لطيفة أكثر منها مخيفة.
فكرت ماريانت أن الأمر قد يؤدي إلى انفجار غضب حقيقي إن تمادت، فأومأت برأسها.
"حسناً، سأذهب. وإذا احتجتِ إلى نصيحة أخرى، فلا تترددي بالقدوم إلي."
قالت هذا وغادرت الغرفة بهدوء.
لم تبدأ سيلفيا بالتنفس بارتياح إلا بعد مغادرة والدتها.
(إنجاب طفل... أي هراء هذا...)
صحيح أن العلاقة الحميمية كانت تعتبر ذروة الحب ونتيجته الطبيعية...
لكن، لم يكن الوقت مناسباً لذلك.
ما زال أمامها الكثير من المهام لإتمامها قبل التفكير في الحب والمشاعر.
رغم محاولتها التركيز مجدداً على الأوراق، كانت كلمات والدتها تصر على العودة إلى ذهنها محدثةً خيالات محرجة.
(آه... حقاً...)
شعرت سيلفيا ببعض الاستياء تجاه والدتها.
صباح اليوم التالي.
مكتب مدير عام وكالة الأمن المركزي.
"يبدو أن الجميع قد تجمع."
كان دانيال قد استدعى كبار المسؤولين في الوكالة إلى مكتبه.
من بينهم أيضاً ضباط فوج المشاة الذين قرروا البقاء من أجل تطهير العاصمة من الخونة.
نظر إليهم دانيال بعزم.
(بما أنني حصلت على لائحة الأسماء من دوق بيلفار، فقد حان وقت التنفيذ.)
من أجل البقاء، كان من الضروري استئصال الخونة الذين تسللوا إلى قلب العاصمة.
"استمعوا جيداً."
تحدث دانيال بصوت منخفض ولكن حازم.
"لقد تلقينا تفويضاً خاصاً من جلالة الإمبراطورة لاجتثاث الخونة الذين خانوا الوطن والشعب! من أجل اجتثاث أولئك الذين نهبوا خزينة الإمبراطورية وتطفلوا على أمتنا المجيدة!"
توجهت جميع الأنظار نحو دانيال.
"حتى الآن لم نكن نملك الوسائل الكافية للتعامل مع هؤلاء الجرذان..."
رفع يده، ممسكاً بلائحة الأسماء المستندة إلى شهادة دوق بيلفار.
"ولكن البارحة! حصلنا على الفرصة لتطهيرهم! لذا، أطلب منكم أن تعدوني بأن تؤدوا هذا الواجب التاريخي! أسألكم... هل أنتم مستعدون لتنفيذ المهمة من أجل الإمبراطورية العظيمة وجلالة الإمبراطورة؟!"
صرخ الجنود والمسؤولون معاً: "نعم!"
انعكست مشاعر الكراهية العميقة للخونة في عيونهم الحادة كالسيوف.
رغم أن دانيال شعر بشيء من الرهبة تجاههم، إلا أنه لم يظهر ذلك.
من أجل الحفاظ على الروح المعنوية، كان عليه أن يؤدي دور "مدير عام غاضب من الخونة".
ثبت دانيال عزيمته ونظر إليهم بثبات.
"إذاً... فلنُرِ الخونة إرادة الإمبراطورية! إرادتنا الفولاذية! الليلة..."
وسط صمت مطبق، صاح دانيال بعزم:
"سننفذ عملية التطهير الدموية!"
ـــ