بعد انتهاء مراسم إعدام دوق بيلفار، استقل كلٌّ من وورلين وليف سيارة الليموزين المخصصة للوفود الرسمية وتوجّها نحو القصر الإمبراطوري.

فقد حان الوقت الآن للحديث بشأن اتفاقية التعاون البحثي، بعد أن تم التأكد من تنفيذ حكم الإعدام بحق بيلفار، المدبر الرئيسي للانقلاب العسكري.

عند وصولهما إلى القصر، استقبلهما طاقم الديوان الداخلي وقادوهما إلى قاعة اللقاءات. وبعد لحظات، دخل دانيال وجلس قبالة وورلين على الطاولة الرسمية.

رغم الأجواء المبهجة التي بثّتها الزهور الطبيعية الفاخرة وأطباق الحلوى الراقية المجهزة على الطاولة، لم يكن وورلين قادراً على الانتباه لمثل هذه التفاصيل.

فكلمات وأفعال دانيال شتاينر أمام دوق بيلفار بقيت محفورة في ذاكرته ولم تظهر أي بوادر للنسيان.

"…مجرد النظر إليه كان كفيلاً بإثارة القشعريرة في جسدي. هل جميع أعداء دانيال شتاينر يلقون نهاية كهذه؟"

لم يكتفِ بدوس خصومه السياسيين، بل سخر منهم حتى لحظاتهم الأخيرة. بالنسبة لوورلين، بدا دانيال أقرب إلى الشيطان منه إلى إنسان.

وبينما لم يكن يرغب بالكلام معه إطلاقاً، لم يكن من اللائق لدبلوماسي مثل وورلين – مبعوث بيلانوس – أن يظل صامتاً إلى ما لا نهاية.

تحت أنظار دانيال المبتسمة، تنحنح وورلين ثم بدأ الحديث.

"العقيد دانيال شتاينر… أم عليّ أن أناديك بالمفوض العام للأمن؟"

"نادني بما تشاء. لست منزعجاً من الألقاب."

"حسنًا، بما أنك لا تمانع، فسأناديك بالعقيد. كذلك، وجودك هنا يعني أنك معنيّ بمشروع بارغوف، أليس كذلك؟"

"نعم، هكذا جرت الأمور."

"إذن فلنبدأ..."

أخرج وورلين عدة أوراق من حقيبته بعد أن تفقدها بعينيه، ثم ناولها لدانيال.

كانت تلك خطة تنفيذية مملوءة بالتواريخ المفصّلة الخاصة باتفاقية التعاون البحثي.

وحين تسلّم دانيال الوثيقة، تابع وورلين كلامه:

"كما تري، لقد أخلت الإمبراطورية بوعدها. لم يتم الالتزام بأي من تواريخ التنفيذ. لا أعتقد أنك ستنكر ذلك."

"...صحيح أن ذلك حصل بسبب الانقلاب الذي أحدثه بيلفار، لكنني أعلم أن مثل هذا العذر لن يقنع بلدكم. فعدم تمكن الإمبراطورية من احتواء الأزمة هو مسؤوليتنا بالنهاية."

"من الجيد أننا متفقان. إذًا، كيف تنوي الإمبراطورية تعويض بيلانوس عن ما لحق بها من ضرر بسبب الإخلال بالتنفيذ؟"

فقد كانت المسؤولية بالكامل على عاتق الإمبراطورية، وكان من الطبيعي أن تطالب بيلانوس بتعويض زمني ومالي عن التأخير.

وكان دانيال قد فكّر مسبقاً في هذا الأمر، لذا لم يتردد في الإجابة:

"سنمنحكم صلاحية خاصة للوصول إلى المعلومات."

"ماذا تقصد بصلاحية خاصة؟"

"أعني أننا سنشارككم البيانات التجريبية بشكل حصري. فإذا نجحنا في تطوير القنبلة النووية، فستحصل بيلانوس على نفس التقنية."

رغم أنه لم يُظهر دهشته، إلا أن وورلين لم يستطع إخفاء صدمته داخليًا.

فاتفاق التعاون لم يكن يتطلب شفافية تامة في تبادل المعلومات. وكان واضحاً أن الإمبراطورية تملك اليد العليا في مشروع بارغوف.

حتى لو اكتمل المشروع، لم يكن هناك ما يُلزم الإمبراطورية بمشاركة سوى نتائج محددة أو معلومات مجزّأة.

لكن دانيال شتاينر الآن يعرض مشاركة فعلية وحصرية للتقنية!

"لكن هناك شرط واحد فقط."

وسط دهشة وورلين، واصل دانيال حديثه بصوت منخفض:

"أرغب في توقيع رسمي على اتفاقية الحماية العسكرية."

فكما هو الحال دائمًا، تأتي المغريات الكبرى مشفوعة بفخاخ خفية.

وبعد لحظة من الصمت، رد وورلين وقد تماسك:

"لقد سمحنا فعلًا بتمركز قوات الإمبراطورية في ميناء تينتارباهم، استنادًا إلى قانون مكافحة الإرهاب. ألا يكفي ذلك؟"

"السماح بالتمركز شيء، وتوقيع اتفاق رسمي شيء آخر. ما أطلبه هو إعلان واضح بأن بيلانوس حليف للإمبراطورية."

توقيع اتفاق عسكري رسمي سيجعل من بيلانوس علنًا دولة تابعة أو حليفة للإمبراطورية.

أما قانون مكافحة الإرهاب فيمكن سحبه في أي لحظة إذا تغيّرت الظروف، لكن الاتفاق العسكري لا رجعة فيه ويُعد التزامًا بالولاء.

وهذا ما جعل وورلين يعبّس، إذ أدرك مغزى الطلب.

"لو أردنا، يمكننا الرفض. نحن من تضرر، ونحن أصحاب اليد العليا في المفاوضات."

لكن أمام ثقة دانيال، لم يعد واضحًا من يملك زمام الأمور.

"هو يعلم أننا لا نستطيع الرفض."

فرغم أن بيلانوس تُعد دولة محايدة من حيث الاسم، إلا أنها فعلياً مجرد دولة صغيرة تسعى لكسب ود القوى العظمى.

"لكن لو حصلنا على القنبلة النووية…"

فلن يجرؤ أحد بعد ذلك على الاستخفاف ببيلانوس.

وإذا كان ذلك الثمن هو إبداء بعض الولاء المؤقت للإمبراطورية، فهو ثمن يمكن احتماله.

"يا له من وغدٍ مضحك."

وفي لحظة تفكير وورلين، انطلقت ضحكة خافتة من ليف.

"عرض مغرٍ بصراحة. لكن هل أنتم قادرون فعلًا على إتمام مشروع بارغوف؟ سمعت أن تطوير القنبلة النووية قد يستغرق سنوات."

فوجئ دانيال عندما قاطعته ليف، لا سيما وأنها مجرد مرافقة، وكان من غير المقبول أن تتحدث هكذا ناهيك عن التحدث بغير رسمية.

كما أنها ما زالت ترتدي قبعة بحجاب شبكي رغم وجودهم في قاعة داخلية.

"كنت أعلم أنكِ لستِ مرافقًا عاديًا، لكن هذا تصرّف فظ جدًا. من أنتِ حتى لا تراعين أبسط آداب الحديث؟"

وعندها، خلعت ليف قبعتها كما لو كانت تنتظر هذا السؤال.

وعندما انكشف شعرها الأسود ونظراتها الحادة، اتسعت عينا دانيال في دهشة.

فقد بدا له صوتها مألوفاً، وكانت بالفعل شخصًا يعرفه.

"…ليف؟"

نطَق اسمها بدهشة، فردّت عليه ليف بابتسامة ساخرة:

"هاه، حتى وإن كنت وغدًا، لا تزال تملك ذرة من الضمير. لم تنسَ اسمي على الأقل؟ لكن أليس الأمر مضحكًا؟ كيف تتحدث عن الأدب بعدما استغليتني لتهديد العجوز؟"

شعر دانيال وكأن قطرات من العرق البارد تسيل على رقبته.

فقد كانت مفاجأة لم يتوقعها، وبدا عاجزًا عن الرد، بينما ازداد سخرية ليف وضوحًا.

"يبدو أنك كنت تعيش جيدًا هنا، بينما أنا كنت أعاني بسببك. لا زلت أذكر كيف استشاط العجوز غضبًا وأخذ يوبخني بلا هوادة. كانت تجربة مقززة فعلاً."

لم يكن لدى دانيال ما يقوله.

لم يكن يقصد إيذاءها، لكنه استغلها بالفعل.

"لكنني لا ألومك الآن. ما حدث معك جعل العجوز يدرك أن إخفائي عن العالم لم يكن حلاً. وها أنا هنا، أستمتع برحلة خارجية، أليس رائعًا؟"

رغم أن ليف كانت تتحدث كما لو أنها التقت بصديق قديم، شعر دانيال وكأنه جالس فوق كرسي من الشوك.

ولما بدا أنه على وشك الهروب من الموقف، تدخّل وورلين لإنهاء التوتر.

"آنستي! كم مرة قلت لكِ أن تحافظي على لياقة التصرف؟! العقيد دانيال، نعتذر عن هذا التصرف غير اللائق. وسنأخذ عرضكم بعين الاعتبار ونعطيكم ردنا لاحقًا."

استعاد دانيال وعيه أخيرًا وهز رأسه قليلاً.

"مفهوم. سأقوم بنقل رأيكم إلى جلالة الإمبراطورة عند تلقي الرد."

"حسنًا، أعتقد أن الاجتماع انتهى."

ورغم أن ليف بدت غير راضية، فقد بدأ الطرفان بجمع الوثائق استعدادًا للمغادرة.

وفي أثناء ذلك، قالت ليف وهي تنهض من مكانها:

"أتعلم؟ يبدو لي أنك تحاول تجنّبي. رغم أنك كنت تستمتع بقضاء الوقت معي في السابق."

أجاب دانيال وهو يعيد الكرسي إلى مكانه:

"الوضع الآن مختلف. وإذا كنتِ تريدين اعتذاري عن استغلالك في السابق، فأنا مستعد لذلك."

"قلتُ لك، لا تهمّني تلك الحادثة. لكن هناك شيء واحد أريده..."

ورغم أنها قالت إن لا ضغينة لديها، إلا أن ابتسامتها الخبيثة لم تكن تخفي رغبتها في الانتقام.

اقتربت من دانيال وهمست:

"أريدك أن تعود كريبيلارد."

"ذلك اسم مستعار. وأنا عندما كنت أستخدم اسم ريبيلاد، كنت مجرد ممثلٍ يؤدي دورًا، لا أكثر."

"أحقًا؟ لكن لماذا يبدو لي أنك ما زلت تمثّل الآن؟"

كلماتها العفوية أصابت دانيال في مقتل.

تنهد دانيال وتجاهل ليف وخطا بعيدًا.

اعتقد أنه من الأفضل الابتعاد قدر الإمكان.

سارت ليف بجانبه، سواء كانت تعرف ما يدور في ذهنه أم لا.

"لا تكن هكذا، لماذا لا نلعب كما في السابق؟ كان لدينا وقت ممتع، أليس كذلك؟ لا تتذكر كيف كنا نثرثر حتى الليل في الحانة وفي منزلي؟"

تنهد وقرر تجاهلها، وتوجه لفتح باب قاعة اللقاء.

"…"

ثم تجمّد في مكانه.

فقد كانت سيلفيا، أرفع شخصية في الإمبراطورية، واقفة خلف الباب.

وبدت شاحبة الوجه بعض الشيء.

"…جلالتك؟"

تكلم دانيال بصعوبة، فردّت سيلفيا:

"آه… لقد انتهيت من جدولي باكرًا، فمررت من هنا. على أي حال، لدي حديث مهم معك ومع رئيس الأركان بشأن سير المعارك…"

ثم خفت صوتها شيئًا فشيئًا، وبدا الارتجاف في نبرتها واضحًا.

رفعت رأسها إلى دانيال وكأنها لم تعد تستطيع التحمل.

"لكن… ما الذي كنتما تتحدثان عنه للتو؟ أعني…"

انعكست مشاعر القلق على عينيها الزرقاوين.

"عن... التشارك؟ واللعب معًا طوال الليل؟"

عند سماع كلماتها، أغلق دانيال عينيه بقوة وعضّ على شفتيه.

"يا إلهي... لقد انتهيت."

في تلك اللحظة، لم يشأ دانيال سوى أن تنشق الأرض وتبتلعه.

'أنا في ورطة كبيرة.'

أراد دانيال الموت ببساطة.

2025/05/09 · 293 مشاهدة · 1249 كلمة
UWK07
نادي الروايات - 2025