أخرج دانيال مصباحًا يدويًا من صدره، وما إن ضغط زر التشغيل حتى انتشرت أشعة الضوء على شكل مروحة.
رغم أن شدة الإضاءة كانت منخفضة وأضفت إحساسًا خافتًا بالظلمة، إلا أنها لم تعق التعرف على الأجسام من حوله.
تنفس دانيال بهدوء ونزل الدرج نحو الأسفل.
وبعد نزول دام لبعض الوقت، ظهرت ممرات ضيقة وعميقة أمامه.
سلّط الضوء نحو نهاية الممر، فظهرت أمامه بوابة حديدية.
دانيال، وقد شعر على الفور أنها مدخل المختبر، بدأ يتحرك ببطء نحوها.
حتى أثناء مشيه، لم يُرخِ حذره، وظل يجول بناظريه بحذر.
“الطاقة مقطوعة، فلا يوجد ضوء، لكن المصابيح مُركبة على مسافات متساوية. لقد اهتموا بجانب الراحة، فَلِمَ إذًا صمّموا الممر بهذا الضيق؟”
كان الممر ضيقًا لدرجة أنه لا يسع لشخصين للركض جنبًا إلى جنب.
وأثناء تفكيره في السبب، توصّل دانيال إلى نتيجة قبل أن يصل إلى البوابة.
“هناك آثار لدماء جافة على الجدران. من نمط تناثر الدماء، يبدو أن شخصًا ما أُصيب بطلق ناري هنا. وهذا يعني...”
يمكن استنتاج أن الممر المستقيم صُمّم عمدًا ليسهل على الجنود التعامل مع الفارين من المختبر.
أطلق دانيال تنهيدة متهكمة تجاه طريقة تفكير الحلفاء، ثم أطفأ المصباح اليدوي وأمسك بمقبض الباب الحديدي وسحبه.
كييييييك─
بدأ الباب الحديدي في الانفتاح.
وبينما يتحسب لأي طارئ، نظر عبر فتحة الباب إلى الداخل، لكنه لم يشعر بأي حركة أو وجود.
انتظر حتى تعتاد عيناه على الظلام، ثم فتح الباب فجأة وتفحّص محيطه بسرعة.
تأكد مرة أخرى من عدم وجود أحد، فتنفّس الصعداء وأعاد تشغيل المصباح اليدوي.
“لا أحد هنا. هل تخلّوا عن المختبر؟”
كان المختبر في حالة فوضى عارمة تحت ضوء المصباح.
أنابيب زجاجية، محاقن، ميكروسكوبات، وثائق ممزقة، وزجاجات من مختلف الأنواع مبعثرة على الطاولات.
لكن ما لفت الانتباه أكثر من غيره هو غرفة أسطوانية عمودية.
كانت تبدو وكأنها زجاجة كبيرة تكفي لشخص واحد، وتحتها كانت هناك أسلاك متشابكة بشكل عشوائي.
“ما هذا بحق الجحيم...؟”
لم يستطع أن يتخيل الغرض من هذا الشيء الغريب.
بعد أن ظل يحدق بالغرفة لفترة، حوّل دانيال نظره إلى منطقة أخرى.
وبعد لحظة تردد، توجه إلى منطقة مكتوب عليها 【منطقة الخاضعين للتجارب】.
حالما دخل، استقبله رائحة عفن قديم أزعجت حاسة الشم لديه.
أخرج منديلاً وغطّى به أنفه وفمه، ثم بدأ يتفحص المكان.
“هذا المكان...”
رأى أسرّة مبعثرة عليها قيود جلدية لتثبيت الأجسام البشرية.
وبجانبها، كانت هناك محاقن مستخدمة ملقاة بشكل عشوائي على الأرض.
وأيضًا، كانت هناك ملابس وأحذية يبدو أنها تعود لأولئك الذين خضعوا للتجارب.
“يا لهم من أوغاد مقززين...”
مجرد التفكير بأن لوسي عاشت في مكان كهذا، جعل الدم يغلي في عروقه.
قبض دانيال يده بإحكام، لكنه سرعان ما استعاد هدوءه.
“اهدأ. السبب الذي أتيت من أجله هو لمعرفة الحقيقة وراء مشروع لوسي.”
وبينما كان يستحضر هدفه الأصلي، لمح دانيال مكانًا مكتوبًا عليه 【أرشيف السجلات】 داخل منطقة التجارب.
وعند دخوله، انكشفت أمامه غرفة واسعة مكوّنة من عشرات الرفوف.
وعلى الرفوف، كانت هناك مستندات مكدّسة بكثافة، فتناول دانيال إحداها وفتحها ليتفحصها.
“...تقرير نتائج التجارب على العينة رقم 37؟”
تحت عنوان تقرير نتائج التجارب، كان هناك ختم كبير أحمر مكتوب عليه 【مهمل】.
“لا يعقل... هل كل الوثائق هنا من هذا النوع؟”
كان هذا يشير إلى عدد الأشخاص الذين مروا بهذا المختبر كعينات تجريبية.
أطلق دانيال تنهيدة حزينة، ثم بدأ يتجول في الأرشيف باحثًا عن تقرير لوسي.
لم يستغرق الأمر طويلًا حتى عثر على مستند مكتوب عليه 【العينة رقم 187】.
فتح المستند بحذر، وبدأ في قراءة التقرير.
─────────
رقم الوثيقة: KZZ - FS - 013
تاريخ التوثيق: 11 أبريل 1932
الدرجة: سري للغاية
معلومات العينة
الاسم الرمزي: العينة رقم 187
مكان الولادة: غير معروف، يُفترض أنها من الإمبراطورية
الجنس/العمر: أنثى / 8 سنوات
الحالة الصحية: جيدة
ملاحظات خاصة: أسرع تفاعل مانا بين جميع العينات الحالية
─────────
“سنة 1932... هذا يعني أنها وقعت منذ حوالي 13 عامًا.”
“أجروا تجارب بشرية على طفلة لم تتجاوز الثامنة؟”
شعر دانيال بالاشمئزاز، وقلب الصفحة:
─────────
15 مايو 1932 لم تعترض على هدف التجربة، وصُنّفت كعينة ممتازة.
17 يونيو 1932 بدأنا بحقن العنصر الأولي، وكانت ردود الفعل الجسدية طفيفة. اشتكت من صداع وتقيؤ متقطع، لكن أقل من البقية.
10 يوليو 1932 أصبحت قليلة الكلام. أبدت غضبًا أعمى تجاه الباحثين، لكن لم يكن ذلك مقلقًا كثيرًا. استمرت التجارب، واعتادت على الحقن.
7 أغسطس 1932 بسبب ضغط الإدارة للحصول على نتائج، تقرر استغلال مشاعر العينة. وفقًا للأبحاث، فإن تفعيل العنصر يرتبط بالغضب والحزن. تم ربطها بالعينة رقم 96، المعروفة بحبّها للتواصل، لبناء علاقة عاطفية.
13 أكتوبر 1932 تم التأكد من وجود علاقة صداقة بين العينة 96 والعينة 187. سيتم "التخلص" من العينة 96 في الوقت المناسب لإحداث صدمة عاطفية.
21 نوفمبر 1932 العينة 187 بدأت تنادي العينة 96 بـ"الصديقة". اعتُبر أن العلاقة العاطفية قد اكتملت، وتم "التخلص" من العينة 96. عند إبلاغها بالخبر، أصيبت العينة 187 باليأس، مما أدى إلى نوبة هستيرية. طالبت بإعادة صديقتها، ولوحظ ظهور وهج أحمر في شبكية عينيها. لم تُظهر أي رفض جسدي، مما يشير إلى تفعيل العنصر.
22 نوفمبر 1932 أثارت العينة 187 شغبًا أثناء حقن العنصر. حاول الجنود إيقافها، لكنهم فشلوا. بعد سقوط 8 جنود ضحايا، تمكنا أخيرًا من تقييدها. امتلكت قوة وسحرًا لا يُصدق أنه لطفلة صغيرة. شعرنا أن التجربة نجحت. وأرسلنا النتائج للإدارة. آه، أخيرًا، نهاية هذه الأيام البشعة.
─────────
انتهى التقرير عند هذه الكتابات المرتجفة الأخيرة.
عينَا دانيال بعد إنهاء التقرير كانتا هادئتين، لكن شعورًا غامضًا كان يغلي في أعماقه.
عضّ شفتيه بقوة، وظل واقفًا بلا حراك للحظات، ثم طوى التقرير.
وسرعان ما غاص في التفكير:
“لو فكرت بهدوء، فهناك أمور غريبة كثيرة.”
لماذا لم تمسح قوات الحلفاء هذه الوثائق؟ لماذا تُرك الباب الحديدي مفتوحًا؟ لماذا لم يتم استبدال القفل الصدئ؟
توالت الأسئلة في رأسه، حتى توقف عند نقطة واحدة.
“إنه فخ.”
فخٌ لاحتجاز دانيال شتاينر في هذا المكان.
عيناه تضيقان بحدة بعد أن توصّل إلى هذا الاستنتاج.
في نفس الوقت، اقتحمت فرقة ترتدي زي التحالف العسكري المختبر.
وأثناء تقدمهم بصمت، قال أحد الجنود، أوريم، وهو يلتفت للخلف:
“سيدي الملازم، ألسنا فقط الطليعة المُكلّفة بالإبلاغ عن موقع دانيال شتاينر؟”
أومأ الملازم هاميلتون برأسه.
“ألم نُبلّغ عن موقعه؟ القيادة ستبدأ هجومًا شاملًا باستخدام الإيتيريوم قريبًا. ما المشكلة؟”
“…أليس من الأفضل ترك أمر القبض على دانيال شتاينر لقوات الهجوم الرئيسية؟”
“إذا تركناه لهم، فلن نحصل على أي شرف أو مكافأة. هل تعرف كم يساوي رأس دانيال شتاينر؟ ألا تريدون أوسمة؟”
ضغط أوريم على أسنانه.
“إنه يمتلك قدرة تسريع عصبي، هل تعلم ذلك؟”
“نعم، لكن تلك القدرة ليست لا تقهر. نحن في موقع الهجوم، وقد يُفاجأ فلا يتمكن من استخدام قدرته. أليس كذلك؟”
رغم صحة كلام هاميلتون، إلا أن أوريم شعر أن القائد يستعملهم كبيادق.
تنهد أوريم بخفة، وأومأ برأسه، مفكرًا أن النقاش الآن لا جدوى منه.
دخلت الفرقة المختبر عبر الباب المفتوح، وتبادلوا الإشارات:
─ فرقتان من شخصين، إذا عثرتم على دانيال شتاينر أو أي شيء مريب، أبلغوا فورًا.
انطلق الجميع إلى مناطق مختلفة.
دخل أوريم أيضًا منطقة الخاضعين للتجارب مع جندي آخر.
في اللحظة ذاتها، عقد أوريم شفتيه بصمت.
الرائحة الخانقة وآثار التجارب البشعة زادت من رهبة المكان.
لكن سرعان ما استعاد وعيه، وأمر رفيقه بالإشارة ببدء التفتيش.
رأى الجندي يدخل أرشيف السجلات، فبقي أوريم في وضع التأهب.
ثم...
كخ─
سمع صوت ارتطام مفاجئ، تلاه صرخة محتضِرة من الجندي.
أصيب أوريم بالذعر، وركض نحو أرشيف السجلات.
“سيفيلات!”
صرخ باسم الجندي، لكن لم يتلقَّ أي رد.
عندما دخل، تصبب عرقه باردًا.
رأى ضوء المصباح يتسرب من خلف الرفوف، وبابًا على الجهة المقابلة مفتوحًا.
“قتل سيفيلات وهرب عبر الباب الآخر؟”
أمسك أوريم بندقيته بإحكام، واقترب من الباب بحذر، متأهبًا لظهور دانيال.
وعندما وصل لنهاية الأرشيف، وجد سيفيلات ملقى على الأرض، مختنقًا.
والمصباح اليدوي بجانبه.
كان واثقًا أن دانيال شتاينر هو الفاعل، ورفع جهاز الاتصال اللاسلكي.
تِشّ─
شعر ببرودة معدنية تلامس مؤخرة عنقه.
كان فوهة مسدس من نوع ريفولفر.
“ألم يهرب عبر الباب؟”
بينما كان أوريم مذهولًا، سمع صوتًا باردًا خلفه:
“من شارة الكتف، يبدو أنك قائد الفرقة.”
ثم واصل دانيال، وقد ظهر من الظلام:
“إذا كنت لا تريد أن تموت، فاسمع أوامري من الآن.”