الطريق الترابي، الذي كان يبدو في البداية كشريان حياة واهٍ في جسد الغابة الميت، أصبح أكثر وضوحًا وثباتًا مع كل خطوة أخطوها.
الأشجار السوداء، رغم أنها لا تزال تحمل بصمة عائلة ڤيرتون القاتمة، بدأت تفسح المجال لمساحات أكثر انفتاحًا، والهواء نفسه أصبح أقل كثافة، أقل تشبعًا برائحة الموت واليأس التي لازمتني لأيام.
"عين الحقيقة"، التي أصبحت الآن جزءًا من إدراكي للعالم، كانت لا تزال تومض بتحذيرات خافتة هنا وهناك – هالة غريبة حول نبات لولبي، أو طاقة راكدة في تجويف صخري – لكنها لم تكن بذلك الرعب الكوني الذي شهدته في أعماق الغابة. الصداع الخفيف خلف عيني أصبح رفيقي الدائم، تذكيرًا بالثمن الذي أدفعه مقابل هذه الرؤية الكاشفة.
جسدي كان لا يزال مزيجًا من الألم والإرهاق، لكن الندبة الفضية على صدري، الباردة والغريبة، كانت تمنحني شعورًا زائفًا بالحصانة. من أنقذني؟ من شفاني بهذه الطريقة التي تتحدى المنطق؟ الشجرة ذات شعار ڤيرتون؟ هل كانت مجرد صدفة، أم أن هناك نظامًا خفيًا، سحرًا قديمًا، يحمي أبناء هذه العائلة الملعونة حتى في أحلك الظروف؟ أسئلة لا إجابات لها، تدور في رأسي كأسراب من الخفافيش السوداء.
بعد مسيرة استمرت لساعات، بدأت أرى علامات الحضارة. أو بالأحرى، حضارة آل ڤيرتون. أسوار حجرية منخفضة، مكسوة بالطحالب الداكنة، تحدد حقولًا مهجورة. أبراج مراقبة قديمة، نصفها منهار، تقف كأشباح حزينة على التلال البعيدة. كل شيء هنا كان يحمل بصمة العائلة: القوة، القدم، والإهمال المتعمد لكل ما هو ليس ذا أهمية استراتيجية مباشرة.
ثم، رأيتهم.
دورية من حراس ڤيرتون. ثلاثة فرسان يمتطون خيولاً سوداء ضخمة، دروعهم الجلدية الداكنة لا تحمل أي زخارف سوى شعار العائلة البسيط والمخيف. كانوا يتحركون بصمت، كجزء من الظلال. ما إن رأوني، حتى توقفوا، ورفع أحدهم يده كإشارة. لم يكن هناك أي تعابير على وجوههم، مجرد تلك النظرة الباردة، الفارغة، التي تميز كل من يخدم هذه العائلة لفترة طويلة.
"سيدي الشاب نير؟" قال قائدهم بصوت أجش، خالٍ من أي مفاجأة أو ترحيب. كأن عودة ابن الدوق من غياهب الغابة السوداء بعد غياب هو أمر يحدث كل يوم.
أومأت برأسي، ولم أجد في نفسي القوة للكلام.
"اللورد أليستر في انتظارك،" أضاف الحارس بنفس النبرة. "لقد أُبلغنا بأن نبحث في هذه المنطقة."
أُبلغوا؟ من أبلغهم؟ هل كانت الشجرة هي من أرسلت إشارة ما؟ أم أن هناك عيونًا أخرى تراقب هذه الغابة؟
لم أسأل. سمحت لهم بمرافقتي، أو بالأحرى، سمحت لنفسي بأن أتبعهم. الخيول كانت تسير ببطء، مراعاة لحالتي الواضحة من الإرهاق. لم يتحدث أحد طوال الطريق، والصمت كان أثقل من دروعهم.
كلما اقتربنا من القصر، أصبحت المعالم أكثر وضوحًا. الأسوار الحجرية الشاهقة، الأبراج السوداء التي تخترق السماء الرمادية، والجو العام من الهيبة والقمع الذي يلف هذا المكان. شعرت بمزيج من الاشمئزاز والارتياح الغريب. هذا المكان، رغم كل شيء، هو المكان الوحيد الذي يمكنني أن أسميه... نقطة انطلاق.
عندما وصلنا أخيرًا إلى البوابة الرئيسية للقصر، كان المشهد مألوفًا ومقلقًا في آن واحد. الحراس، الخدم، الوجوه الصامتة التي تتجنب النظر إليّ مباشرة. لكن كان هناك شيء مختلف. شيء في نظراتهم الخاطفة، في همساتهم المكتومة التي التقطتها "عين الحقيقة" كذبذبات خافتة من القلق والفضول.
لم أعر الأمر اهتمامًا كبيرًا في البداية. كل ما أردته هو أن أصل إلى جناحي، أن أغتسل، أن أرتاح. لكن عندما دخلت إلى جناحي الفاخر، الذي كان يبدو الآن كأنه قصر من الأحلام مقارنة بالكهف الرطب، لاحظت شيئًا لفت انتباهي.
كان كل شيء نظيفًا، مرتبًا، كما لو أنني لم أغادره أبدًا. لكن الغبار... لم يكن هناك أي غبار. ولا حتى ذرة واحدة. وكأن الخدم كانوا ينظفونه يوميًا، بدقة متناهية، في انتظاري. هذا غريب.
ثم رأيت التقويم على مكتبي. تقويم جلدي فاخر، كانت صفحاته تُقلب يوميًا بواسطة أحد الخدم. كانت الصفحة المفتوحة تشير إلى...
"الأول من يوليو؟" تمتمت، وشعرت بالدم يتجمد في عروقي. "مستحيل!"
آخر ما أتذكره هو أنني دخلت الغابة السوداء في أواخر مايو. هذا يعني... هذا يعني أنني كنت غائبًا لمدة...
"سيدي الشاب،" قال صوت خادم عجوز كان قد دخل بهدوء إلى الغرفة، يحمل صينية عليها بعض المرطبات. "الحمد لله على سلامتك. لقد مر شهر كامل على غيابك. كنا قلقين جدًا."
شهر كامل!
الكلمات سقطت على رأسي كصخرة. شهر كامل وأنا أصارع الموت في تلك الغابة اللعينة، فاقدًا للوعي معظم الوقت، أو هائمًا على وجهي كشبح. شهر كامل من الألم والرعب واليأس.
"شهر...؟" كررت بصوت مذهول، وأنا أنظر إلى الخادم بوجه شاحب.
"نعم، سيدي،" أجاب الخادم بانحناءة خفيفة. "شهر كامل بالتمام والكمال."
موجة من الدوار اجتاحتني. جلست على أقرب مقعد، وشعرت بأن العالم يدور بي. شهر كامل! ماذا حدث خلال هذا الشهر؟
وفجأة، كصاعقة ضربت عقلي، تذكرت. الوحش الطاغية!
"مستحيل!" صرخت في داخلي، وشعور بالرعب البارد، أشد قسوة من أي رعب شعرت به في الغابة، بدأ يتسلل إلى روحي. "هل هذا يعني... هل هذا يعني أنني بطريقة ما... نجوت من هجوم الوحش الطاغية؟"
بدأت أراجع ذكرياتي المحمومة من الرواية. الوحش الطاغية، رتبة ثامنة، كان من المفترض أن يظهر في بداية يونيو. إذا مر شهر يوليو، فهذا يعني أن الكارثة قد وقعت بالفعل!
"فقد كانت المعركة مع هذا المخلوق... عند أين كانت؟" حاولت أن أتذكر، وعقلي يعمل بأقصى سرعة. "صحيح! لقد كانت في أراضي بارونية وايت هيفن، في المقاطعات الشمالية! تلك المنطقة التي دمرها الوحش بالكامل تقريبًا قبل أن يتم ختمه!"
إذا كان هذا صحيحًا، إذا كان الوحش الطاغية قد ظهر وتم التعامل معه بالفعل... فهذا يعني أنني نجوت من تلك الكارثة بأعجوبة. هل كان غيابي في الغابة السوداء، وفقداني للوعي، هو ما أنقذني من مواجهة ذلك الجحيم؟ هل كان القدر يسخر مني، ينجيني من مصير مروع ليقذف بي في جحيم آخر؟
"وماذا عن التضحيات؟" فكرت، وشعرت بالقلق يزداد. "الرواية قالت إن دوق الظلال والإمبراطور ضحوا بالكثير لإضعاف الطاغية قبل ختمه. ماذا كانت تلك التضحيات؟ هل تأثرت قوة والدي؟ هل تغير ميزان القوى في العالم؟"
أسئلة، أسئلة لا نهاية لها، تتصارع في ذهني. شعرت بأنني كمن استيقظ من غيبوبة طويلة ليجد أن العالم الذي يعرفه قد تغير تمامًا.
ثم، كأن عقلي يبحث عن مخرج من هذا الرعب، قفزت فكرة أخرى إلى رأسي.
"حسنًا، إذا مر كل هذا الوقت،" تمتمت لنفسي، محاولاً استعادة بعض رباطة جأشي. "فهذا يعني أن انضمامي للأكاديمية قد اقترب؟"
نعم، الأكاديمية. أكاديمية "سيلفانوس" الملكية للسحر والمبارزة. المكان الذي يُفترض أن يتلقى فيه أبناء النبلاء تعليمهم، وأن يصقلوا مواهبهم. كان من المقرر أن ينضم إليها نير في بداية الخريف. إذا كان الوقت الآن هو بداية يوليو، فهذا يعني أن أمامي ثلاثة أشهر أو أربعة للاستعداد.
"جيد،" فكرت، وشعور طفيف بالارتياح بدأ يتسرب إلى داخلي. "قد أستفيد بعض الأشياء هناك. قد أتعلم المزيد عن السحر، عن القتال. قد أصبح أقوى."
"وأظن أن سيلين دي فالوا، وآيلا... سوف تنضمان أيضًا،" تذكرت. "نعم، صحيح. آيلا سوف تنضم. السبب؟" سخرية مريرة ارتسمت على شفتي. "شيء تافه، كالعادة. الرواية قالت إنها تمتلك قدرة شفائية عالية ونادرة، ولذلك تم قبولها في الأكاديمية بمنحة خاصة.
بحق الجحيم أيتها الكاتبة، ماهذا الهراء؟ قدرة شفائية عالية؟ هل هذا هو كل ما استطعتِ التفكير فيه لجعل بطلتك التافهة تبدو مميزة؟"
أما سيلين... فكان انضمامها متوقعًا. ابنة دوق الرياح الشمالية، وواحدة من أبرز المواهب الشابة في جيلها. وجودها في الأكاديمية سيكون أمرًا طبيعيًا.
"على الأقل، لن أكون الوحيد الذي يعاني هناك،" فكرت بسخرية.
ثم تذكرت شيئًا آخر. أليستر. ودوق الظلال.
"الخادم قال إن أليستر كان ينتظرني،" فكرت. "هذا يعني أنه لا يزال غاضبًا بشأن تلك الوليمة المبالغ فيها. جيد. فليغضب. لم أعد أكترث."
"أما دوق الظلال..." شعور بالبرد سرى في جسدي. "الخادم لم يذكر أي شيء عنه. لم يعطِ أي ردة فعل على غيابي، أو على عودتي. هذا... هذا هو دوق الظلال الذي أعرفه. صمته أشد رعبًا من أي غضب."
قضيت الساعات القليلة التالية وأنا أحاول جمع شتات نفسي، واستيعاب كل هذه المعلومات الجديدة. استحممت بماء ساخن، وتناولت بعض الطعام الذي أحضره لي الخدم (والذي كان، للمفارقة، بسيطًا ومغذيًا، وليس وليمة أسطورية). شعرت بأن جسدي يتعافى بسرعة مذهلة، كأن تلك الندبة الفضية لا تزال تعمل بسحرها الخفي.
لكن عقلي كان لا يزال في حالة من الفوضى. شهر كامل قد مر. عالم بأكمله قد تغير. وأنا... أنا بالكاد بدأت أفهم قواعد اللعبة.
في المساء، قررت أن أخرج من جناحي. ليس لمواجهة أليستر، ليس بعد. بل لأرى، لأسمع، لأفهم ما الذي حدث خلال الشهر الذي كنت فيه "ميتًا".
تجولت في ممرات القصر الصامتة. الخدم كانوا لا يزالون يتجنبون نظراتي، لكن "عين الحقيقة" التقطت همساتهم، كلمات متناثرة عن "الوحش العظيم"، "المعركة الرهيبة"، "تضحيات الدوق".
وجدت طريقًا إلى مكتبة القصر، ذلك المكان الضخم والمغبر الذي كان نير الأصلي يتجنبه كأن به طاعونًا. بحثت في الأقسام التي تحتوي على السجلات الحديثة، والتقارير الإخبارية (أو ما يعادلها في هذا العالم).
وهناك، بين المجلدات الجلدية السميكة، وجدت ما كنت أبحث عنه.
تقرير مفصل، مختوم بخاتم الإمبراطورية، عن "حادثة الوحش الطاغية في المقاطعات الشمالية".
يدي كانت ترتجف وأنا أفتح المجلد. ما قرأته في الصفحات التالية جعل دمي يتجمد مرة أخرى، وأدركت أن الرعب الذي شهدته في الغابة السوداء لم يكن سوى بداية.
العالم الذي عدت إليه لم يكن هو نفسه العالم الذي تركته. والجحيم... كان قد بدأ بالفعل.