بعد يومين آخرين من الجحيم الشخصي، يومين قضيتها أتأرجح بين التدريب اليائس ومحاولة فك شفرات "عين الحقيقة" الغامضة، وصلت إلى حافة الانهيار الجسدي والعقلي.
الكهف، الذي كان في البداية ملاذًا مؤقتًا، بدأ يشعرني بالاختناق.
رائحة الرطوبة والعفن أصبحت جزءًا من كياني، والطعام الشحيح بالكاد كان يبقيني واقفًا على قدمي.
جسدي كان خريطة من الكدمات والجروح الصغيرة، تذكير دائم بهشاشتي أمام هذا العالم القاسي.
التدريب على السيف بالخنجر الفضي كان محبطًا. كنت أشعر بومضات من مهارة نير الأصلية، لحظات تنساب فيها الحركات بشكل طبيعي، لكنها كانت قليلة ومتباعدة.
معظم الوقت، كنت أتعثر وأفقد توازني، والغضب من ضعفي يتآكلني.
أما السحر، فكان بئرًا جافة، لا أستطيع استخراج قطرة واحدة منها، كأن "الرتبة السحرية: مقيّدة" هي لعنة أبدية.
"عين الحقيقة" كانت سيفًا ذا حدين. صحيح أنها كشفت لي عن أهوال الغابة التي لم أكن لأتصورها – مناطق العواصف الأبدية التي تمطر موتًا سائلًا، وغابات اللحم التي تهمس بجنونك، وبحيرات الانعكاسات التي تحطم روحك – لكن هذا الكشف جاء بثمن.
كل استخدام مكثف لها كان يتركني بصداع رهيب، وشعور بأن عقلي يتم عصره كقطعة قماش بالية.
رأيت تدفقات الطاقة المشوهة، والهالات الخبيثة، والكيانات غير المرئية التي تزحف في الظلال.
لقد أظهرت لي الحقيقة، لكن الحقيقة كانت جحيمًا.
في صباح اليوم الخامس في الغابة، بعد ليلة أخرى من الكوابيس التي رقصت فيها انعكاساتي المشوهة مع همسات الأشجار اللحمية تحت مطر من الأرواح المعذبة، اتخذت قراري.
البقاء هنا، في أعماق هذه الغابة السوداء الملعونة، هو انتحار بطيء.
قد أكون قد نجوت من بعض الأهوال حتى الآن، لكنها مسألة وقت فقط قبل أن أواجه شيئًا لا يمكنني التعامل معه.
"عين الحقيقة" قد تريني الخطر، لكنها لن تمنحني القوة لهزيمته دائمًا.
"عليّ العودة،" همست لنفسي، وصوتي أجش من قلة الاستخدام.
"العودة إلى مكان ما... أي مكان... يمكنني فيه أن أتدرب بشكل صحيح، أن أفهم هذا النظام، أن أستعد.
حتى لو كان ذلك يعني مواجهة أليستر وغضبه. أي شيء أفضل من الموت هنا، وحيدًا ومجهولًا."
لم يكن قرارًا سهلاً. فكرة العودة إلى قصر ڤيرتون، إلى تلك الأجواء الخانقة من السياسة والمؤامرات، كانت تثير اشمئزازي.
لكن فكرة أن تلتهمني هذه الغابة كانت أسوأ بكثير.
جمعت متعلقاتي القليلة: الخنجر الفضي، ما تبقى من الطعام والذي كان بالكاد يكفي ليوم واحد، وقارورة الماء الفارغة التي سأحاول ملأها من النبع.
نظرت إلى الكهف للمرة الأخيرة. لم يكن مكانًا سعيدًا، لكنه كان الشاهد الوحيد على صراعي اليائس للبقاء.
بدأت رحلة العودة، محاولًا تتبع المسار الذي سلكته سابقًا، لكن الغابة السوداء، كما اكتشفت مرارًا، لم تكن مكانًا يسهل فيه التنبؤ بأي شيء.
الأشجار التي بدت مألوفة تغيرت أماكنها، والممرات التي ظننت أنني أعرفها التوت وانعطفت بشكل غير متوقع.
كانت "عين الحقيقة" نشطة باستمرار، تريني التشوهات في الواقع، والمناطق التي يجب تجنبها، والهالات الخبيثة التي تنبعث من بعض النباتات أو الصخور.
لكن هذا التركيز المستمر كان يستنزفني بسرعة، والصداع أصبح رفيقي الدائم، كقرع طبول مكتوم خلف عيني.
الهواء كان ثقيلاً، مشبعًا برائحة التحلل والعفن، وبشيء آخر، شيء معدني خافت، كأنه رائحة دم قديم.
الظلال كانت تتراقص بشكل خبيث، وكل حفيف للأوراق، كل تكسر لغصن، كان يجعل قلبي يقفز في صدري.
شعرت بأنني مراقب، ليس فقط من قبل وحوش محتملة، بل من قبل الغابة نفسها، كأنها كيان واعي، غاضب من محاولتي للهروب من قبضتها.
في إحدى المناطق، حيث كانت الأشجار عالية وكثيفة بشكل خاص، تحجب معظم ضوء النهار، اضطررت إلى الاعتماد بشكل كامل على "عين الحقيقة" للملاحظة.
رأيت أن الأرض أمامي مباشرة كانت مجرد وهم، تخفي تحتها حفرة عميقة بلا قرار، تنبعث منها هالة من البرودة القاتلة.
وبجانبها، رأيت نباتًا غريبًا، يشبه زهرة اللوتس العملاقة، لكن أوراقه كانت مسننة كأنصال السكاكين، وكانت تنبض بهالة قرمزية جائعة.
"اللعنة على هذه الغابة،" تمتمت وأنا أتفادى الفخاخ غير المرئية بصعوبة.
"كل شبر فيها مصمم للقتل."
بعد ساعات من السير المضني، والشعور بأنني أدور في حلقات مفرغة، بدأت أشعر بالإرهاق الشديد.
تركيزي بدأ يتشتت، و"عين الحقيقة" أصبحت تومض وتخفت، كأنها هي الأخرى تستسلم للتعب.
الصداع أصبح لا يطاق، وكل خطوة كانت تتطلب جهدًا جبارًا.
كنت أمر عبر ممر ضيق، تحيط به شجيرات كثيفة ذات أشواك سوداء لامعة.
شعرت للحظة، للحظة واحدة فقط، بأنني قد أكون في الجزء الأقل خطورة من الغابة.
ربما اقتربت من الحافة. ربما...
في تلك اللحظة من التراخي القاتل، حدث كل شيء.
لم يكن هناك سابق إنذار. لا صوت، لا حركة، لا همس من "عين الحقيقة" ينبهني إلى خطر وشيك.
فقط ألم. ألم لا يمكن وصفه، حارق، خارق، مزق جسدي وعقلي في لحظة واحدة.
صرخة مكتومة خرجت من رئتي، لكنها تحولت إلى سعال دموي.
نظرت إلى الأسفل، ورأيت الرعب متجسدًا.
مسمار أسود عملاق، بطول ذراعي تقريبًا، وسميك كمعصمي، كان قد اخترق صدري. لم يكن مسمارًا عاديًا.
كان مصنوعًا من مادة سوداء لامعة، كزجاج السبج، وحوافه كانت حادة بشكل مخيف.
كان ينبض بضوء خافت، مظلم، كأنه يمتص النور من حولي.
رأيت، في لمحة خاطفة قبل أن يغمرني الألم، أن "عين الحقيقة" كانت قد أظهرت لي وميضًا أحمر خاطفًا في اللحظة الأخيرة، تحذيرًا يائسًا.
وبفضل هذا الوميض، كنت قد تحركت بشكل غريزي، حركة صغيرة، لا تكاد تذكر، لكنها كانت كافية لتغيير مسار المسمار بمقدار بوصات قليلة.
بدلاً من أن يخترق قلبي مباشرة، كما كان يستهدف بوضوح، اخترق الجزء العلوي الأيسر من صدري، محطمًا عظم الترقوة وعظام القفص الصدري، وممزقًا رئتي.
"الخفاش... الأسود... العملاق..." كلمات خرجت من فمي كهمس متقطع، ممزوج بالدم.
رأيت ظلاً ضخمًا، أكبر من أي خفاش رأيته في حياتي، يرفرف بجناحيه الجلديين الأسودين فوقي للحظة، وعيناه الحمراوان الصغيرتان تتوهجان بانتصار خبيث.
كان ضخمًا، نعم، لكن الهالة التي انبعثت منه، والتي التقطتها "عين الحقيقة" في لحظة احتضاري، كانت ضعيفة بشكل مثير للسخرية.
‹‹الخفاش الأسود الشائك – الرتبة: جرثومة (متحور)››
‹‹القدرة الخاصة: إطلاق مسمار سبجي مسموم (استخدام واحد)››
"جرثومة...؟" فكرت بسخرية مريرة، والدماء تتدفق من فمي وأنفي والجرح المروع في صدري.
"لقد نجوت من أهوال كونية... ليقتلني مخلوق من رتبة جرثومة؟ يا للسخرية... يا للمأساة."
سقطت على ركبتي، ثم على وجهي، والوحل البارد لأرضية الغابة يلامس خدي.
الألم كان يفوق الوصف. شعرت بكل ليفة ممزقة في جسدي، بكل عظم مكسور.
المسمار الأسود كان لا يزال مغروسًا في صدري، ينبض بألم حارق مع كل نفس متقطع أحاول أن ألتقطه.
كان الدم يتدفق بغزارة، يشكل بركة دافئة ولزجة تحتي، ورائحته المعدنية الثقيلة تملأ أنفي.
حاولت أن أتحرك، أن أرفع نفسي، لكن جسدي خانني.
لم يكن لدي أي قوة. شعرت بالبرودة تزحف عبر أطرافي، والظلام يبدأ في التهام حواف رؤيتي.
"لا... لا يمكن أن ينتهي الأمر هكذا..." تمتمت، والكلمات تختنق في حلقي بالدم.
"لدي... لدي الكثير لأفعله..."
تذكرت وجه أليستر الغاضب. تذكرت وليمة مسيو چوليان.
تذكرت الرواية اللعينة، والكاتبة المعتوهة. تذكرت حياتي السابقة على الأرض، بكل ما فيها من بؤس وفراغ.
هل هذا كل شيء؟ هل هذه هي نهايتي؟ أن أموت هنا، في هذه الغابة الملعونة، مقتولاً بسلاح مخلوق تافه؟
"عين الحقيقة..." فكرت بألم. "لقد أنقذتني من الموت الفوري... فقط لتجعلني أموت ببطء أكثر... وأكثر مأساوية."
كانت رؤيتي تخفت بسرعة. أصوات الغابة – حفيف الأوراق، أصوات الحشرات المجهولة، الهمسات الخبيثة التي عادت لتطاردني – بدأت تبتعد، كأنني أغرق في بئر عميقة ومظلمة.
شعرت ببرودة المسمار الأسود في صدري، كأنه قطعة من الجليد تحرقني من الداخل.
هل كان مسمومًا؟ هل كان هذا هو السبب في أنني أشعر بالضعف الشديد، بالخدر الذي بدأ ينتشر في جسدي؟
حاولت أن أستدعي النظام مرة أخرى، أن أسأله، أن أتوسل إليه.
لكن لم يكن هناك سوى الصمت. الصمت المطبق، وصوت دمي وهو يتساقط على الأرض.
آخر ما رأيته، قبل أن يبتلعني الظلام تمامًا، كان وميضًا خافتًا من "عين الحقيقة"، يريني هالة سوداء، باردة، تقترب مني.
لم تكن هالة وحش، بل شيء آخر. شيء أكثر... فراغًا.
"النهاية..." فكرت، وشعور غريب بالسلام، أو ربما بالاستسلام، بدأ يغمرني.
"يا لها من نهاية... سخيفة... ومأساوية..."
ثم، لم يعد هناك شيء. فقط الظلام. والبرد. والصمت.
...
...
الظلام. برد قارس. صمت مطبق كقبر.
كان هذا كل ما تبقى في وعيي بعد أن ابتلعني الغياب.
لم تكن هناك أحلام، ولا كوابيس، ولا حتى شعور بالوقت.
مجرد فراغ أسود، بارد، لا نهائي. شعرت كأنني أطفو في محيط من العدم، روحي معلقة بخيط رفيع، على وشك الانقطاع في أي لحظة. هل هذا هو الموت؟ هل هذه هي النهاية التي استسلمت لها أخيرًا؟
لا أعرف كم من الوقت مرّ. ثوانٍ؟ ساعات؟ أيام؟ أم دهر كامل؟ الزمن فقد معناه في ذلك الفراغ الأسود.
ثم، ببطء شديد، كشمس بعيدة تشرق على عالم ميت، بدأ شيء ما يتغير.
أول ما عاد إليّ كان الصوت. ليس صوتًا واضحًا، بل همهمة خافتة، بعيدة، كأنها صدى الريح وهي تمر عبر أغصان أشجار عارية.
ثم، صوت حفيف متقطع، منتظم، كأن شيئًا ما يتنفس بصعوبة. هل كان هذا تنفسي أنا؟
بعد ذلك، جاء اللمس. شعور بالخشونة تحت ظهري، وشيء بارد وصلب يضغط على رأسي.
أوراق جافة، هشة، تتكسر تحتي مع كل حركة طفيفة.
وبرودة، برودة مختلفة عن برد الفراغ، برودة الأرض الرطبة، برودة الظلال العميقة.
ثم الرائحة. رائحة تراب قديم، ممزوجة برائحة عفن خفيفة، ورائحة أخرى، غريبة، لم أشم مثلها من قبل. رائحة معدنية خافتة، تشبه رائحة الدم الجاف، لكنها ممزوجة بشيء آخر، شيء يشبه رائحة الأوزون بعد عاصفة رعدية عنيفة، أو رائحة السحر القديم المتراكم عبر العصور.
وأخيرًا، الضوء. أو بالأحرى، غياب الضوء الكامل. عندما فتحت عيني ببطء، كل ما رأيته هو ظلام دامس، لكنه ليس ظلام الفراغ الذي كنت فيه.
كان ظلامًا عضويًا، ظلامًا حيًا، كأنني تحت قبة مصنوعة من أوراق شجر كثيفة جدًا، تحجب كل أثر للشمس أو القمر.
استغرق الأمر عدة دقائق حتى بدأت عيناي تتكيفان، وحتى بدأت أميز أشكالًا باهتة، ظلالاً داخل ظلال.
رفعت يدي ببطء، وشعرت بالضعف الشديد، كأن كل قطرة من طاقتي قد استنزفت. لامست صدري، متوقعًا أن أشعر بذلك المسمار الأسود اللعين، بالجرح المفتوح، بالدم المتجمد. لكن... لم يكن هناك شيء.
لا مسمار. لا جرح مفتوح.
فقط جلد. جلد سليم، بارد قليلاً، وتحته، شعرت ببروز عظام القفص الصدري وعظم الترقوة، سليمة، غير مكسورة.
"مستحيل..." تمتمت، وصوتي بالكاد خرج، أجشًا ومتشققًا.
بذلت جهدًا جبارًا لأرفع نفسي إلى وضع الجلوس.
كل عضلة في جسدي كانت تصرخ من الألم الخفيف، ليس ألم الإصابة، بل ألم الإرهاق الشديد، كأنني قد ركضت لمسافة ألف ميل دون توقف.
اتكأت على ما شعرت بأنه جذع شجرة ضخم، خشن الملمس، وبارد.
نظرت إلى صدري مرة أخرى، هذه المرة بتركيز أكبر، مستخدمًا ما تبقى من ضوء خافت يتسلل عبر الأوراق. لم يكن هناك جرح.
لم يكن هناك دم. فقط... ندبة.
ندبة بسيطة، فضية اللون، بالكاد مرئية على بشرتي الشاحبة.
كانت تمتد من أسفل عظم الترقوة الأيسر نزولاً بضع بوصات، رقيقة كخيط عنكبوت. عندما لمستها بأطراف أصابعي، شعرت بأنها باردة بشكل غير طبيعي، وأن هناك ألمًا خفيفًا، مكتومًا، ينبعث من تحتها، كصدى بعيد لذلك الألم المروع الذي كاد أن يقتلني.
"كيف...؟" فكرت، وعقلي يرفض أن يستوعب. "لقد كنت أموت.
رأيت المسمار يخترقني. شعرت بالدم يتدفق مني. كيف يمكن أن...؟"
نظرت حولي. كنت تحت ظل شجرة. ليست أي شجرة.
كانت شجرة ضخمة، عملاقة، ذات جذع أسود كالفحم، وأغصان ملتوية تمتد كأذرع وحش أسطوري.
أوراقها كانت سوداء أيضًا، كبيرة، جلدية الملمس، وتشكل قبة كثيفة فوقي، بالكاد تسمح لأي ضوء بالمرور.
لم تكن تشبه أي شجرة رأيتها في الغابة السوداء من قبل. كانت تبدو... أقدم. أقوى. وأكثر... تعمدًا.
ثم، رأيت الشعار.
على جذع الشجرة الضخم، على ارتفاع بضعة أقدام فوق الأرض، كان هناك نقش.
ليس نقشًا حديثًا، بل نقشًا قديمًا، عميقًا، كأنه جزء من الشجرة نفسها. كان شعار عائلة ڤيرتون. ظل يتلوى حول نصل أسود.
نفس الشعار الذي كان على بوابة القصر، على دروع الحراس، على ملابسي الرسمية.
"ڤيرتون..." تمتمت، وشعور بالارتباك والخوف البارد يجتاحني. "أنا... أنا في حدود الدوقية؟"
كيف وصلت إلى هنا؟ آخر ما أتذكره هو أنني كنت أنزف حتى الموت في عمق الغابة السوداء، على بعد أيام من أي مكان آمن.
من الذي أحضرني إلى هنا؟ ومن الذي شفاني بهذه الطريقة المعجزة؟ هذا الشفاء... لم يكن طبيعيًا.
حتى أقوى سحرة الشفاء الذين قرأت عنهم في الرواية لم يكن بإمكانهم شفاء جرح مميت كهذا بهذه السرعة، وبهذه الكمال، دون أن يتركوا أي أثر سوى ندبة باهتة.
حاولت أن أستدعي النظام. "أيها النظام،" قلت بصوت ضعيف، "ما الذي حدث؟ أين أنا؟"
لا رد. كالعادة.
"اللعنة عليك أيها النظام عديم الفائدة!" صرخت في عقلي، وشعرت بالإحباط يضاف إلى ارتباكي.
ركزت على "عين الحقيقة". هل يمكن أن تريني شيئًا؟ فتحتها، وشعرت بذلك الوخز المألوف في رأسي، وذلك الصداع الخفيف.
نظرت إلى الندبة على صدري. تحت ضوء "عين الحقيقة"، رأيت أن الندبة ليست مجرد ندبة.
كانت تتوهج بضوء فضي خافت، ورأيت خيوطًا رفيعة من الطاقة، تشبه تلك التي رأيتها في الغابة، لكنها كانت أكثر نقاءً، وأكثر قوة، تنساب تحت جلدي، كأنها تصلح ما تبقى من ضرر على مستوى أعمق.
ثم نظرت إلى الشجرة. يا إلهي، الشجرة! بعين الحقيقة، لم تكن مجرد شجرة سوداء.
كانت تنبض بطاقة هائلة، طاقة قديمة، داكنة، لكنها ليست خبيثة بالضرورة. كانت هالتها تمتد لمسافة كبيرة حولي، وتشكل نوعًا من الدرع الواقي.
ورأيت أن الشعار المنقوش على جذعها لم يكن مجرد نقش.
كان يتوهج بنفس الضوء الفضي الذي رأيته في ندبتي، وكان يبدو وكأنه مركز لشبكة معقدة من الطاقة تمتد عبر جذور الشجرة وفروعها.
"هذه الشجرة... هل هي التي أنقذتني؟" فكرت بدهشة.
"هل هي نوع من الحماية القديمة لعائلة ڤيرتون؟"
نهضت على قدمي ببطء، وشعرت بالدوار يهاجمني للحظة.
جسدي كان لا يزال ضعيفًا، لكن الألم الخفيف في صدري كان محتملًا. بدأت أتفحص المكان حولي بحذر.
كنت في نوع من الغابة، لكنها لم تكن تشبه الغابة السوداء التي عرفتها.
الأشجار هنا كانت لا تزال داكنة، لكنها لم تكن ملتوية أو مشوهة.
كانت تبدو... منظمة. كأنها جزء من حديقة قديمة، مهملة، لكنها لا تزال تحتفظ ببعض النظام.
الأرض كانت مغطاة بطبقة سميكة من الأوراق السوداء الجافة، ولم يكن هناك أثر لأي وحوش أو نباتات خبيثة.
الصمت هنا كان مختلفًا أيضًا. لم يكن صمت الموت، بل صمت الوقار، صمت الأماكن القديمة التي شهدت الكثير.
لم يكن هناك أي أثر لمن أحضرني إلى هنا. لا آثار أقدام، لا علامات على الأرض، لا شيء. كأنني قد ظهرت هنا من العدم.
"هل كان ذلك الظل الأسود البارد الذي رأيته قبل أن أفقد الوعي... هل كان له علاقة بهذا؟"
تساءلت، وشعرت بالقشعريرة تسري في جسدي مرة أخرى.
عدت إلى الشجرة السوداء العملاقة. لمست جذعها الخشن. كان باردًا كالثلج، رغم أن الهواء لم يكن باردًا بشكل خاص.
وشعرت بوخز خفيف في أطراف أصابعي، كأن طاقة الشجرة تتفاعل معي.
"شعار عائلة ڤيرتون..." تمتمت، وأنا أتأمل النقش المتوهج.
"هذا يعني أنني قريب من... المنزل." كلمة "المنزل" بدت غريبة على لساني.
قصر ڤيرتون لم يكن منزلاً بالنسبة لي. كان سجنًا فاخرًا، مليئًا بالظلال والمؤامرات.
لكن الآن، فكرة العودة إليه، رغم كل شيء، لم تعد تبدو سيئة للغاية.
على الأقل هناك، يمكنني أن أحصل على طعام حقيقي، وراحة، وربما... بعض الإجابات.
لكن كيف سأعود؟ لم أكن أعرف أين أنا بالضبط. وكنت لا أزال ضعيفًا جدًا.
جلست مرة أخرى تحت ظل الشجرة، وأغمضت عيني، محاولاً تجميع أفكاري.
الشفاء المعجز. الشجرة الغامضة. شعار العائلة. كل هذا كان يشير إلى شيء واحد:
هناك قوى في هذا العالم تتجاوز فهمي، وهناك أسرار في عائلة ڤيرتون أعمق بكثير مما كنت أتصور.
هل كان والدي، دوق الظلال، هو من أنقذني؟ هل لديه طريقة لمعرفة أنني كنت في خطر؟ أم أن الأمر يتعلق بشيء آخر تمامًا؟ شيء مرتبط بسلالة ڤيرتون، بهذه "السمة الموروثة" التي بدأت للتو في فهم جزء صغير منها؟
فتحت عيني، ونظرت إلى السماء من خلال أوراق الشجرة السوداء.
لم أستطع رؤية الكثير، لكنني شعرت بأن هناك شيئًا ما يراقبني.
ليس بالضرورة شيئًا خبيثًا، لكنه بالتأكيد شيء قوي، وغامض.
"عليّ أن أتحرك،" قررت. "البقاء هنا لن يحل أي شيء."
نهضت مرة أخرى، وهذه المرة، شعرت بأنني أقوى قليلاً.
ربما كانت طاقة الشجرة قد منحتني بعض القوة. أو ربما كانت مجرد إرادة البقاء العنيدة التي لا تزال تحترق في داخلي.
بدأت أسير في اتجاه واحد، بشكل عشوائي تقريبًا، آملًا أن أجد أي علامة، أي طريق، أي شيء يمكن أن يقودني إلى مكان ما.
كانت الغابة هادئة بشكل مخيف، وكل صوت كنت أصدره – حفيف الأوراق تحت قدمي، صوت تنفسي – كان يبدو مدويًا في هذا الصمت.
بعد حوالي ساعة من السير، بدأت الأشجار تخف قليلاً، وبدأت أرى ضوءًا أكثر سطوعًا في الأفق.
تسارعت خطواتي، وشعور بالأمل الحذر بدأ ينمو في داخلي.
ثم، رأيت الطريق.
لم يكن طريقًا معبدًا، بل مجرد ممر ترابي واسع، لكنه كان واضحًا، ومستخدمًا بشكل جيد. وعلى جانب الطريق، رأيت علامة حجرية.
عندما اقتربت منها، رأيت شعار عائلة ڤيرتون منقوشًا عليها مرة أخرى، وتحته، سهم يشير إلى اتجاه معين.
"أخيرًا..." تمتمت، وشعرت بموجة من الارتياح تغمرني. "أنا... أنا حقًا في أراضي ڤيرتون."
لكن الارتياح كان ممزوجًا بالقلق. إذا كنت قريبًا من القصر، فهذا يعني أنني قريب من أليستر.
قريب من الأسئلة. قريب من العواقب.
نظرت إلى الندبة على صدري. كانت لا تزال هناك، تذكير صامت بما مررت به.
تذكير بأن هذا العالم ليس لعبة، وأن الموت يمكن أن يأتي في أي لحظة، ومن أي مكان.
تنهدت بعمق. لم تكن لدي أي فكرة عما يخبئه لي المستقبل.
لكن شيئًا واحدًا كان مؤكدًا: حياتي في هذا العالم قد تغيرت إلى الأبد.
ولم أعد ذلك الشاب الساذج الذي وصل إلى هنا قبل بضعة أيام. لقد رأيت الجحيم. ونجوت منه.
وهذا... هذا يعني شيئًا ما.