انقضى يومان كأنهما قرنان من العذاب المتواصل. الكهف، برطوبته وبرودته، أصبح سجني وملاذي في آن واحد.

النهارات كانت جحيمًا من التدريب البدائي المضني. كنت أدفع بجسدي إلى أقصى حدوده، مستخدمًا الخنجر الفضي في حركات طعن وصد خرقاء، متخيلًا أعداءً غير مرئيين.

عضلاتي كانت تتمزق وتُشفى ببطء، تاركة وراءها آلامًا حادة مع كل حركة.

الكدمات التي اكتسبتها من مواجهة ذئاب الظل تحولت إلى بقع بنفسجية وصفراء مؤلمة، تذكير دائم بضعفي.

الليالي لم تكن أفضل. كنت أجلس أمام نار واهنة، وقودها أغصان جافة بالكاد تكفي لتبديد الظلام الحالك، وأحاول يائسًا أن أغوص في ذكريات نير الأصلي، أن أستخلص أي معلومة، أي تقنية سيف، أي لمحة عن سحر الظل الذي قيل إنه يتقنه.

لكن ذكرياته كانت مشوشة، ملوثة بتلك الرومانسية المقيتة، كأن عقله نفسه كان يرفض تذكر أي شيء لا يتعلق بـ "سيلين" أو هواجسه العاطفية السابقة.

محاولاتي لاستدعاء السحر باءت بالفشل الذريع، لم أشعر بأي شرارة، أي صدى للقوة، فقط فراغ وصداع متزايد من التركيز العقيم.

كان الطعام مزيجًا من الجذور المرة التي بالكاد تسد رمقي، وبقايا اللحم المقدد التي أصبحت قاسية كالحجر.

الماء من النبع القريب كان له طعم معدني غريب، وكنت أخشى في كل مرة أرتشف منه أن يكون ملوثًا بشيء من سموم هذه الغابة اللعينة.

العزلة كانت تضغط على عقلي كقبضة حديدية، والصمت المطبق للغابة، الذي لا يقطعه سوى أصوات مجهولة ومقلقة، كان يثير جنوني ببطء.

في فجر اليوم الثالث، بعد ليلة أخرى من النوم المتقطع والكوابيس التي تراقصت فيها ظلال الوحوش ووجوه مشوهة، استيقظت وشعور باليأس المطلق يكاد يسحقني.

جلست القرفصاء، وجهي بين يدي، وأنا أتساءل ما إذا كان كل هذا مجرد كابوس طويل لن أستيقظ منه أبدًا.

كنت على وشك أن أستسلم، أن أصرخ حتى ينقطع صوتي، عندما اهتز شيء ما في عمق وعيي.

شعور حاد، كالصعقة الكهربائية، انطلق من قاعدة جمجمتي وصعد إلى دماغي.

رفعت رأسي، وعيناي متسعتان من المفاجأة والألم الخفيف.

ثم، ولأول مرة منذ وصولي إلى هذا العالم الملعون، تكلم النظام بصوته الآلي الخالي من أي نبرة:

‹‹تم استيفاء الشروط الأولية عبر التعرض المطول لبيئة مشبعة بالطاقة المشوهة والمخاطر الوجودية، بالإضافة إلى الإرادة العنيدة للبقاء.››

‹‹يتم الآن فك القيد عن المستوى الأول من السمة الموروثة: "عين الحقيقة".››

‹‹المستوى الحالي لـ "عين الحقيقة": الإدراك الأولي – كشف التدفقات الطاقية الأولية والحقائق المخفية السطحية.››

بقيت متجمدًا لعدة ثوان، أحاول استيعاب ما سمعته. النظام! لقد استجاب!

"عين الحقيقة... تم فك القيد..." همهمت، وشعور غريب، مزيج من الرهبة والأمل اليائس، اجتاحني.

"الإدراك الأولي... ماذا يعني هذا بحق الجحيم؟"

قفزت على قدمي، متجاهلاً آلام جسدي. "أيها النظام! كيف أستخدم هذا؟ ما الذي يمكنني رؤيته الآن؟"

كالعادة، صمت مطبق من النظام.

"تبًا لك أيها النظام البخيل!" صرخت، لكن هذه المرة كان هناك أثر من الحماس في صوتي.

لم أعد وحيدًا تمامًا. لدي... شيء ما. أداة. سلاح ربما.

قررت ألا أضيع الوقت. يجب أن أختبر هذه "العين" فورًا.

الخروج من الكهف كان كالدخول إلى عالم آخر. لم تعد الغابة مجرد أشجار سوداء وظلال مخيفة.

الآن، مع تركيزي الشديد، بدأت أرى العالم بشكل مختلف. الألوان بدت أكثر عمقًا، والهواء نفسه بدا وكأنه يرتعش بطاقة خفية. خيوط رفيعة، فضية وزرقاء داكنة، تتلوى حول كل شيء، كأنها شبكة عنكبوت كونية.

بعض الأشجار كانت تنبض بهالة خضراء باهتة، بينما أخرى، وهي كثيرة، كانت محاطة بهالة سوداء ميتة، تنبعث منها برودة غير طبيعية.

شعرت بوخز خفيف في عيني، وصداع مكتوم بدأ يتشكل خلف جبهتي، لكنني تجاهلته.

الأهم هو أنني أرى. أرى ما كان مخفيًا.

تذكرت منطقة في اتجاه الشمال، كان نير الأصلي قد حُذر من الاقتراب منها حتى من قبل حراس القصر الأكثر خبرة.

منطقة قيل إنها مسكونة بعواصف أبدية. الآن، بعين الحقيقة، شعرت بأن تلك المنطقة تناديني، ليس كدعوة، بل كتحذير، كعرض لقوة مرعبة.

سرت بحذر شديد، مستخدمًا إدراكي الجديد لتفادي المناطق التي كانت فيها الهالات السوداء أكثر كثافة.

كلما اقتربت من الشمال، أصبح الهواء أثقل، ومشحونًا بكهرباء ساكنة جعلت شعر ذراعي يقف.

رائحة الأوزون الحادة، ممزوجة برائحة شيء محترق وحامضي، بدأت تزكم أنفي.

وصلت إلى حافة منحدر صخري يطل على وادٍ واسع.

وما رأيته جعل دمي يتجمد في عروقي.

الوادي كان جحيمًا سائلًا. السماء فوقه لم تكن سماءً، بل كتلة دوارة من الغيوم السوداء المزرقة، كأنها كدمة عملاقة في جسد العالم، تتوهج من الداخل بضوء بنفسجي خبيث.

ومن هذه السماء المريضة، كان يهطل مطر. ليس مطرًا، بل سيول من سائل أسود زيتي، كثيف، يتساقط بغزارة لا يمكن تصورها.

أتذكر أن الرواية ذكرت بشكل عابر أن قطرة واحدة من هذا المطر كفيلة بقتل إنسان من الرتبة الرابعة – "سيد مبتدئ" – بسهولة، تحلله إلى لا شيء في ثوانٍ.

الآن، وأنا أرى هذا الجحيم السائل، أدركت أن هذا الوصف كان متحفظًا بشكل يثير الغثيان.

بعين الحقيقة، رأيت ما هو أبعد من مجرد مطر سام. كل قطرة كانت تتوهج بهالة من الطاقة المدمرة النقية، طاقة تلتهم الروح قبل الجسد.

رأيت، في ومضات خاطفة، أشباحًا باهتة، وجوهًا معذبة تتلوى داخل القطرات المتساقطة، كأنها أرواح ضحايا سابقين، محكوم عليهم بالسقوط الأبدي مع هذا المطر اللعين.

الأرض في الوادي كانت عبارة عن مستنقع من الطين الأسود اللزج، تتصاعد منه أبخرة سامة.

الأشجار القليلة التي كانت لا تزال قائمة كانت مجرد هياكل متفحمة، ملتوية في أشكال معذبة، كأنها تجمدت في لحظة صراخها الأخير.

وعندما كانت قطرات المطر تلامسها، كانت تتصاعد منها أصوات هسهسة، وتذوب ببطء، كالشمع الأسود.

ثم جاء الرعد. لم يكن مجرد صوت، بل ارتجاج عنيف هز الأرض تحت قدمي، كأن جبلاً عملاقًا ينهار في مكان قريب.

شعرت به في صدري، في عظامي، كأنه يدق على أبواب روحي. وتبعته الصواعق.

يا إلهي، الصواعق! لم تكن مجرد ومضات من الضوء. كانت تمزقات في نسيج الواقع نفسه.

أعمدة هائلة من الطاقة البنفسجية النقية، تتشعب وتضرب الأرض بقوة لا يمكن تصورها، تاركة وراءها حفرًا مشتعلة تنبعث منها رائحة الكبريت والموت.

بعين الحقيقة، ومع كل ومضة برق، رأيت ما لم يكن يجب على أي عقل بشري أن يراه.

لم تكن مجرد أشكال هندسية مستحيلة. كانت لمحات خاطفة، لأجزاء من الثانية، لعوالم أخرى، أبعاد تتجاوز الفهم، مليئة بكيانات عملاقة، ذات أشكال لا يمكن وصفها، تتحرك في فراغ أسود لا نهائي.

كانت مجرد ظلال، مجرد انطباعات، لكنها كانت كافية لتجعل عقلي يصرخ من الرعب. شعرت بأن جزءًا من روحي يتمزق، ينجذب نحو تلك الفجوات في الواقع.

أغلقت عيني بقوة، وشعرت بالدوار والغثيان يجتاحانني.

هذا المكان... هذا المكان لم يكن مجرد منطقة خطرة.

كان جرحًا مفتوحًا في وجه العالم، ينزف جنونًا ورعبًا كونيًا.

عندما تجرأت على فتح عيني مرة أخرى، رأيت شيئًا جعل قلبي يتوقف.

بعين الحقيقة، رأيت أن المطر الأسود، عندما يضرب الأرض، لا يختفي.

بل يتجمع، ويشكل بركًا صغيرة، وهذه البرك... كانت تتحرك. كانت تشكل أشكالًا بدائية، أذرعًا وأفواهًا، تحاول أن تزحف، أن تتسلق، أن تهرب من هذا الجحيم.

تراجعت ببطء عن حافة المنحدر، وأنا أرتجف بشكل لا يمكن السيطرة عليه. لم أجرؤ على البقاء هناك للحظة أخرى.

مجرد المشاهدة من بعيد كانت كافية لتجعلني أشعر بأن عقلي على وشك الانهيار.

بعد أن ابتعدت مسافة كافية عن منطقة العاصفة الأبدية، وشعرت بأن دقات قلبي بدأت تهدأ قليلاً، قررت أن أستكشف اتجاهًا آخر.

كان هناك شعور غريب بالفضول المرضي يدفعني، رغبة في معرفة مدى رعب هذا العالم الذي ألقيت فيه.

عين الحقيقة كانت لا تزال نشطة، والصداع الخفيف أصبح رفيقي الدائم.

توغلت في جزء من الغابة بدا مختلفًا. الأشجار هنا كانت أقل كثافة، لكنها كانت أكثر... غرابة.

لم تكن جذوعها خشبية بالمعنى التقليدي. بل كانت تبدو وكأنها مصنوعة من لحم رمادي، متيبس، تتخلله عروق داكنة تنبض ببطء شديد، بالكاد يمكن ملاحظته.

أغصانها كانت نحيلة وطويلة، كأصابع عنكبوتية، وعليها أوراق كبيرة، سميكة، بلون أخضر مائل للزرقة، تشبه الجلد المشدود.

الهواء هنا كان ثقيلاً، راكدًا، برائحة حلوة خفيفة، لكنها مقززة، كرائحة الزهور المتعفنة.

والصمت... كان صمتًا مختلفًا. ليس صمت الموت، بل صمت الترقب، كأن شيئًا ما يستمع، ينتظر.

فجأة، بدأت أسمعها. همسات.

في البداية، كانت خافتة جدًا، كحفيف أوراق الشجر في مهب الريح.

لكنها سرعان ما أصبحت أكثر وضوحًا. لم تكن كلمات محددة، بل أصوات، تنهدات، ضحكات مكتومة، بكاء خافت.

كانت تأتي من كل اتجاه، من الأشجار، من الأرض، من الهواء نفسه.

بعين الحقيقة، رأيت مصدر الهمسات. الأشجار... كانت هي التي تهمس.

رأيت أن لحاءها اللحمي كان يتحرك بشكل طفيف، وتتشكل فيه تجاويف صغيرة تشبه الأفواه، ومن هذه الأفواه كانت تنبعث تلك الأصوات.

ورأيت أن الأوراق الجلدية كانت تهتز، ليس بسبب الريح، بل بسبب تلك الهمسات.

ثم أصبحت الهمسات أكثر تحديدًا. بدأت تستهدفني.

"نير..." همس صوت يشبه صوت امرأة عجوز. "لماذا أنت هنا وحدك؟ هل أنت خائف؟"

"لقد تركوك، أليس كذلك؟" همس صوت طفل. "لا أحد يحبك."

"أنت ضعيف..." همس صوت خشن، كصوت رجل يحتضر. "ستموت هنا. ستموت وحيدًا."

كانت الهمسات تتلاعب بمخاوفي، بذكرياتي. سمعت صوت والدي، دوق الظلال، يتهمني بالضعف.

سمعت صوت أليستر، يتوعدني بالعقاب. حتى أنني سمعت أصواتًا من حياتي السابقة على الأرض، أصوات أشخاص كنت قد نسيتهم، يذكرونني بإخفاقاتي، بوحدتي.

شعرت بالبرد يتسلل إلى عظامي. هذه الهمسات... كانت تدخل إلى عقلي، إلى روحي.

كانت تحاول أن تكسرني من الداخل.

بعين الحقيقة، رأيت أن الهمسات لم تكن مجرد أصوات.

كانت خيوطًا رفيعة من الطاقة المظلمة، تتسلل من الأشجار وتحاول أن تخترق هالتي الواقية التي لم أكن أعرف بوجودها حتى الآن.

رأيت أن الأرض تحت قدمي لم تكن مجرد تربة. كانت ناعمة، مرنة، كأنني أسير على جلد كائن عملاق نائم.

وشعرت بأنها تحاول أن تمسك بقدمي، أن تسحبني إلى الأسفل.

"هذه الأشجار... إنها تتغذى على العقل، على الروح،" أدركت برعب.

حاولت أن أتجاهل الهمسات، أن أركز على أنفاسي، على خطواتي.

لكنها كانت تزداد قوة، تزداد إلحاحًا. بدأت أرى صورًا في ذهني – وجوه مشوهة، مشاهد مرعبة، كوابيس لم أكن أعرف أنني أمتلكها.

شعرت بالذعر يسيطر علي. أردت أن أهرب، أن أصرخ. لكن قدمي بدت وكأنها ملتصقة بالأرض.

"لا..." تمتمت، وأسناني تصطك. "لن أسمح لكم."

ركزت كل إرادتي، كل غضبي، كل خوفي، ووجهته نحو تلك الهمسات. صرخت في عقلي:

"اغربوا عن رأسي أيها الأوغاد!"

للحظة، خفت حدة الهمسات. كأنها تفاجأت بمقاومتي. استغليت هذه اللحظة، وبذلت كل ما أملك من قوة لأحرر قدمي من الأرض اللزجة.

ثم، استدرت وبدأت أركض.

ركضت وأنا لا أرى أمامي، أتعثر في الجذور، وأصطدم بالأشجار.

الهمسات كانت تطاردني، تضحك، تتوعد. لكنني لم أتوقف.

ركضت حتى شعرت بأن رئتي على وشك الانفجار، وأن قلبي سيتوقف.

وأخيرًا، خرجت من تلك المنطقة الملعونة. وجدت نفسي في جزء "عادي" نسبيًا من الغابة، حيث الأشجار خشبية، والهواء لا يحمل رائحة الموت.

انهرت على الأرض، ألهث، والعرق يتصبب مني، وجسدي يرتجف.

نجوت. مرة أخرى. لكنني شعرت بأن جزءًا مني قد تلوث، قد تشوه بتلك الهمسات الخبيثة.

بعد أن استعدت بعض أنفاسي، وقررت أنني رأيت ما يكفي من أهوال هذه الغابة ليوم واحد، بدأت في البحث عن طريقي للعودة إلى الكهف.

لكن الغابة السوداء، كما اكتشفت، لا تحب أن تترك فرائسها بسهولة.

وجدت نفسي أمام بحيرة. لم تكن بحيرة كبيرة، لكنها كانت غريبة بشكل مقلق.

ماؤها كان أسودًا، ساكنًا تمامًا، كأنه قطعة من زجاج السبج المصقول.

لم تكن هناك أي تموجات على سطحه، ولم يكن يعكس السماء أو الأشجار المحيطة به.

بل كان يعكس... لا شيء. مجرد فراغ أسود.

شعرت بقشعريرة تسري في جسدي. هذا المكان لم يكن طبيعيًا.

بعين الحقيقة، رأيت أن الماء لم يكن مجرد ماء. كان مادة غريبة، لزجة، تنبعث منها هالة من الطاقة الفوضوية.

ورأيت أن قاع البحيرة لم يكن واضحًا، بل كان يبدو وكأنه يمتد إلى ما لا نهاية، إلى عمق مظلم لا يمكن سبر غوره.

كنت على وشك أن أبتعد، عندما لفت انتباهي شيء ما. انعكاس.

ليس انعكاسًا لما حولي، بل انعكاسي أنا. لكنه لم يكن انعكاسي الحقيقي.

في سطح الماء الأسود، رأيت نفسي. لكنني كنت مشوهًا، مرعبًا. في إحدى اللحظات، رأيت نفسي كهيكل عظمي، عيناي تجويفان فارغان، وابتسامة بشعة مرسومة على جمجمتي.

وفي لحظة أخرى، رأيت نفسي كوحش من وحوش الغابة، جلدي أسود، ومخالبي طويلة، وعيناي تتوهجان بضوء أحمر خبيث.

ثم رأيت نفسي وأنا أموت، جسدي ممزق، والدم يتدفق مني.

كلما حاولت أن أشيح بنظري، كان الانعكاس يتغير، يزداد رعبًا. رأيت أسوأ مخاوفي، أسوأ كوابيسي، تتجسد أمامي في ذلك السطح المائي اللعين.

شعرت بأن عقلي يبدأ في التصدع. هذه الانعكاسات... كانت تحاول أن تقنعني بأن هذا هو قدري. بأن هذا هو ما سأصبح عليه.

"لا... هذا ليس أنا،" تمتم، وصوتي يرتجف.

بعين الحقيقة، رأيت أن الانعكاسات لم تكن مجرد صور.

كانت طاقة نفسية، تحاول أن تخترق دفاعاتي، أن تزرع اليأس والجنون في قلبي.

ورأيت، في أعماق الماء الأسود، أشكالًا باهتة، كأنها أشباح كائنات أخرى نظرت إلى هذا الماء من قبل، وفقدت نفسها فيه.

أردت أن أهرب، لكن قدمي كانت كأنها مسمرة في الأرض.

كان هناك شيء ما في تلك الانعكاسات يجذبني، يفتنني، رغم الرعب الذي تثيره في نفسي.

وفجأة، رأيت الانعكاس يحاول أن يمد يده نحوي، أن يسحبني إلى داخل الماء.

صرخت، وتراجعت بسرعة ، تعثرت وسقطت على ظهري.

زحفت إلى الوراء، وأنا لا أجرؤ على النظر إلى البحيرة مرة أخرى.

عندما أصبحت على مسافة آمنة، نهضت وركضت، وركضت، حتى لم أعد أسمع سوى صوت أنفاسي المتقطعة ودقات قلبي المتسارعة.

عندما عدت أخيرًا إلى الكهف، كنت في حالة يرثى لها. جسدي كان منهكًا، وعقلي كان على حافة الانهيار.

انهرت على الأرض، وشعرت بالدموع الحارة تنهمر من عيني رغماً عني.

لم تكن دموع حزن، بل دموع غضب، ويأس، ورعب خالص.

الغابة السوداء... هذه هي حقيقتها. ليست مجرد مكان "مخيف" كما وصفتها تلك الرواية اللعينة.

بل هي فخ مميت، جحيم على الأرض، مكان يمكن أن يلتهم روحك وعقلك وجسدك دون أن يترك أي أثر.

"وصف الرواية للغابة ورؤيتي لها مختلف جدًا... اللعنة! اللعنة على تلك الكاتبة! اللعنة على هذا العالم!" صرخت، وصوتي يتردد في الكهف الفارغ.

كيف يمكن لأحد أن يكتب عن هذا المكان بهذه السطحية، بهذه اللامبالاة؟ هل كانت مجرد أداة لجمع البطلين "الرومانسيين"؟ هل كانت مجرد خلفية "مثيرة" لقصة حبهما المزعومة؟

أدركت الآن أن الرواية لم تكن مجرد عمل أدبي سيء. كانت كذبة.

كذبة خطيرة، كذبة مميتة. لو اعتمدت على ما قرأته فيها، لكنت ميتًا الآن، أو مجنونًا، أو أسوأ.

"عين الحقيقة..." تمتمت، وشعرت بوخز خفيف في عيني.

"إنها مؤلمة، إنها مرعبة... لكنها الشيء الوحيد الذي يمكنني الوثوق به في هذا العالم الملعون."

شعرت بموجة جديدة من التصميم، باردة وقاسية، تجتاحني.

لم يعد الأمر يتعلق بمجرد البقاء على قيد الحياة. بل أصبح يتعلق بكشف الحقيقة.

حقيقة هذا العالم، حقيقة عائلة ڤيرتون، حقيقة هذا النظام الغامض.

وحقيقة ذلك الوحش الطاغية الذي سيأتي قريبًا.

"لن أكون ضحية،" قلت لنفسي، وصوتي ثابت كالفولاذ.

"لن أكون مجرد شخصية ثانوية في رواية سخيفة. سأقاتل.

سأنجو. وسأجعل هذا العالم يدفع ثمن كل لحظة رعب عشتها فيه."

أغلقت عيني، وركزت على الألم في جسدي، على الخوف في قلبي.

حولت كل هذه المشاعر السلبية إلى وقود. وقود لإرادتي. وقود لغضبي.

الغابة السوداء لم تكسرني. بل أيقظت شيئًا في داخلي.

شيئًا مظلمًا، وعنيدًا، ومستعدًا لفعل أي شيء للبقاء.

فتحت عيني، ونظرت إلى الظلام الذي يحيط بي.

"أنا مستعد،" تمتم. "فليأتِ الجحيم."

2025/06/04 · 132 مشاهدة · 2308 كلمة
Vicker
نادي الروايات - 2025