الأسابيع التي تلت عودتي المشؤومة من الغابة السوداء تحولت إلى ضباب من الروتين الخانق والترقب الحذر. قصر ڤيرتون، بكل جبروته الصامت، كان يلفني بأذرعه الحجرية الباردة.
كنت أتنفس الهواءه المفعم برائحة القِدم والسلطة والدم الخفي، وأشعر كأنني أسير في حلم ثقيل، أراقب العالم من خلف زجاج سميك.
نظامي اليومي أصبح بسيطًا بشكل مخادع. تدريب جسدي قاسٍ في حديقة جناحي المعزولة، حيث كنت أدفع بسيفي التدريبي الثقيل عبر الهواء، محاولاً استعادة ليس فقط مهارة نير الأصلية، بل تجاوزها.
كل حركة كانت محسوبة، كل قطرة عرق كانت استثمارًا في بقائي. الندبة الفضية على صدري كانت لا تزال تؤلمني أحيانًا، خاصة في الليالي الباردة، كأنها همس شبحي من الموت الذي أفلت منه بأعجوبة.
"عين الحقيقة" أصبحت أكثر طواعية، رغم أن الصداع الخفيف لم يفارقني تمامًا. كنت أستخدمها لمراقبة كل شيء، من الخدم الصامتين الذين يتسللون كالأشباح في الممرات، إلى هالات الطاقة الخافتة التي تنبعث من التحف القديمة في جناحي. رأيت الخوف في عيونهم، ورأيت القوة المظلمة الكامنة في حجارة هذا القصر.
لكن "الرتبة السحرية: مقيّدة" ظلت كقفل صدئ على بئر عميقة من القوة المحتملة، أتحسس وجودها ولكني لا أستطيع الوصول إليها.
كنت أترقب. أنتظر. أعرف أن هذا الهدوء المصطنع، هذا الركود الذي يلف العاصمة بعد كارثة الوحش الطاغية، لن يدوم طويلاً.
الرواية، رغم كل سخافاتها، كانت لديها إيقاعها الخاص، وأحداثها المصيرية التي لا بد أن تقع. وأحد هذه الأحداث كان على وشك أن يلقي بظلاله الدامية على هذا العالم المتعفن.
كان ذلك في إحدى ليالي أغسطس الحارة، حيث الهواء ثقيل ورطب، والليل أسود كقلب خائن.
كنت جالسًا في مكتبتي الصغيرة التي أمرت بتجهيزها في جناحي، أتصفح مجلدًا قديمًا عن سلالات الوحوش النادرة، عندما سمعت جلبة خافتة خارج الباب. لم تكن جلبة عادية. كانت مشوبة بالهلع، بالرعب المكتوم.
"عين الحقيقة" أظهرت لي ومضات من الهالات المضطربة للخدم في الممر، ألوان رمادية ممزوجة بأحمر قاني من الخوف.
لم يمر وقت طويل قبل أن يطرق كبير الخدم، العجوز جيرارد، بابي بتردد واضح. سمحت له بالدخول. كان وجهه شاحبًا كالشمع، ويداه ترتجفان بشكل طفيف.
"سيدي الشاب نير،" قال بصوت خفيض، كأنه يخشى أن تسمعه الجدران. "لقد... لقد حدث شيء مروع في العاصمة."
رفعت حاجبي، ولم أجب. انتظرت.
ابتلع جيرارد ريقه بصعوبة. "البارون فيلهلم فون ستريد... لقد وُجد مقتولاً في قصره."
البارون فون ستريد. اسم معروف في دوائر النبلاء. رجل سمين، جشع، معروف بقسوته على خدمه وفلاحيه، وبصفقاته المشبوهة التي راكمت له ثروة طائلة على حساب معاناة الآخرين. كان هدفًا مثاليًا.
"مقتولاً؟" كررت ببرود، كأنني أتحدث عن موت حشرة. "هل هو حادث؟ أم... شيء آخر؟"
ارتجفت شفتا جيرارد. "لا، سيدي. لم يكن حادثًا. لقد كان... لقد كان... وحشيًا." خفض صوته أكثر. "الحرس الإمبراطوري يطوق القصر. يقولون إن المشهد... لا يمكن وصفه. دماء في كل مكان. وجسد البارون... لقد مُثل به بطريقة بشعة."
ابتسامة خافتة، باردة كجليد المقابر، ارتسمت على شفتي دون وعي مني. "مثّلوا به؟ يا للأسف." (بالطبع، لم أكن أشعر بأي أسف).
"وهناك شيء آخر، سيدي،" أضاف جيرارد، وعيناه تتسعان من الرعب المكبوت. "لقد وجدوا... وجدوا بطاقة. بطاقة لعب. جوكر. ملطخة بالدم."
أخيرًا.
لقد بدأ.
"الجوكر..." تمتمت، وشعرت ببرودة لذيذة تسري في عروقي. "إذًا، لقد ظهر الوحش الحقيقي أخيرًا."
صرف جيرارد بانحناءة مرتجفة، وغادر الغرفة بسرعة، تاركًا إياي وحدي مع أفكاري المظلمة والمثيرة.
أغلقت المجلد الذي كنت أقرأه، ونهضت، ومشيت نحو النافذة. العاصمة كانت تمتد أمامي كبحر من الأضواء الخافتة تحت سماء الليل الحالكة.
لكن الآن، لم تعد مجرد أضواء. أصبحت مسرحًا. مسرحًا لقاتل جديد، قاتل غامض، قاتل يعرف كيف يبث الرعب في قلوب المتعجرفين.
على مدى الأيام القليلة التالية، كانت العاصمة تعج بالشائعات والهلع.
النبلاء أغلقوا أبواب قصورهم، وضاعفوا حراسهم. الحرس الإمبراطوري كثف دورياته، لكنهم كانوا كمن يبحث عن شبح. لم يكن هناك أي دليل، أي أثر، سوى تلك الجثة المشوهة، وتلك البطاقة اللعينة.
التقارير التي وصلت إلى قصر ڤيرتون والتي حرصت على الاطلاع عليها خلسة، مستخدمًا مهاراتي الجديدة في التسلل، وبمساعدة "عين الحقيقة" التي كشفت لي عن أماكن إخفاء الوثائق المهمة في مكتب أليستر.
كانت أكثر تفصيلاً ورعبًا مما نقله لي جيرارد.
قصر البارون فون ستريد، ذلك الصرح الفخم المبني من الرخام الأبيض والذهب، تحول إلى مسلخ.
لم يكن البارون هو الضحية الوحيدة. حراسه الشخصيون، أولئك المرتزقة الأشداء الذين كان يتباهى بهم، وُجدوا مذبوحين في مواقعهم، حناجرهم مقطوعة بدقة وحشية، وأسلحتهم لا تزال في أغمادها. كأنهم لم تتح لهم الفرصة حتى للدفاع عن أنفسهم.
أما البارون نفسه... فوصف مقتله كان كافيًا لجعل أقوى الرجال يتقيأ. وُجد في غرفة نومه الفاخرة، مقيدًا إلى سريره المصنوع من خشب الماهوجني الثمين.
لم تكن هناك طعنات بسيطة، أو ضربة قاتلة واحدة. لقد كان... عملاً فنياً من التعذيب والموت البطيء. كل جزء من جسده كان يحمل آثار التعذيب.
أظافره منزوعة، جلده مسلوخ في أماكن متعددة، وعيناه... عيناه كانتا مفتوحتين على وسعهما، مجمدتين في تعبير من الرعب المطلق الذي لا يمكن لعقل بشري أن يتخيله، كأنه رأى الجحيم نفسه قبل أن يموت.
وعلى صدره، مغروسة بعمق في لحمه، كانت بطاقة الجوكر. ليست مجرد بطاقة وُضعت هناك، بل بطاقة تم تثبيتها بمسمار أسود، يشبه ذلك المسمار الذي كاد أن ينهي حياتي. هل كان هذا مصادفة؟ أم أن هناك رابطًا ما؟
لم تكن هناك أي بصمات، أي آثار أقدام، أي شيء يمكن أن يقود إلى القاتل. كأنه تبخر في الهواء.
"مثير للإعجاب،" همست لنفسي وأنا أقرأ تلك التفاصيل المروعة، وابتسامة الإعجاب البارد ترتسم على شفتي.
"مثير للإعجاب حقًا. هذا ليس مجرد قاتل. هذا موهوب. موهوب في بث الرعب."
تذكرت مرة أخرى وصف قناعه في الرواية. القناع الذي كان يرتديه الجوكر في كل ظهور له. القناع الذي أصبح رمزًا للخوف والانتقام.
رد فعل أليستر على هذه الحادثة كان متوقعًا. علمت من الخدم أن جناحه أصبح خلية نحل. اجتماعات متواصلة مع قادة الحرس، وأوامر بتشديد الحراسة حول ممتلكات ڤيرتون، وتحقيقات سرية لمعرفة ما إذا كان هناك أي تهديد مباشر للعائلة.
"عين الحقيقة" أظهرت لي أن هالته الرمادية الباردة أصبحت أكثر قتامة، وأكثر حدة، كشفرة سيف مصقولة حديثًا. كان غاضبًا، بالتأكيد، لكن غضبه كان دائمًا غضبًا باردًا، محسوبًا، يهدف إلى السيطرة والتحكم.
أما دوق الظلال... فكالعادة، لم يكن هناك أي رد فعل ظاهر. لم يخرج من جناحه المعزول، ولم يصدر أي أوامر. كأن مقتل بارون في العاصمة، بهذه الطريقة الوحشية، لا يعنيه في شيء.
هذا الصمت... كان أكثر إثارة للقلق من أي شيء آخر. هل كان يعرف شيئًا لا يعرفه الآخرون؟ هل كان الجوكر، بطريقة ما، جزءًا من لعبة أكبر يلعبها دوق الظلال؟
الأيام القليلة التالية شهدت المزيد من الهلع في العاصمة. النبلاء كانوا يرتجفون في قصورهم، والشائعات كانت تتطاير كأوراق الخريف. البعض قال إن الجوكر شبح، والبعض الآخر قال إنه شيطان تم استدعاؤه من الجحيم. لكنني كنت أعرف الحقيقة. أو على الأقل، جزءًا منها.
كنت أعرف أن الجوكر إنسان. إنسان قرر أن يأخذ العدالة بيديه، وأن يطهر هذا العالم من بعض قذارته. وكنت أعرف أنه سيكون قريبًا جدًا. في نفس المكان الذي سأكون فيه. الأكاديمية.
هذه الفكرة جعلت تدريباتي أكثر جدية. لم أعد أتدرب فقط من أجل البقاء. بل أصبحت أتدرب من أجل... شيء آخر. ربما من أجل أن أكون مستعدًا عندما ألتقي به.
ليس كعدو بالضرورة. وليس كصديق. بل كشخص آخر يفهم الظلام الذي يكمن تحت السطح اللامع لهذا العالم.
الأكاديمية... لم تعد تبدو كمكان ممل للدراسة وتعلم المبارزة. بل أصبحت تبدو كمسرح جديد، أكثر إثارة، وأكثر خطورة. مسرح سأكون فيه أنا، وآيلا، وسيلين، و... الجوكر.
يا لها من تشكيلة مثيرة.
ابتسمت مرة أخرى، تلك الابتسامة التي أصبحت علامتي المميزة في هذه الحياة الجديدة. "فلتستمر المسرحية،" تمتمت للظلال في جناحي. "فأنا أنتظر الفصل التالي بفارغ الصبر."
لكن في أعماق قلبي، كنت أعرف أن هذا ليس مجرد انتظار سلبي. كنت أستعد. أستعد بطريقتي الخاصة. لأنني عندما تبدأ الفوضى الحقيقية، لا أريد أن أكون مجرد متفرج.
أريد أن أكون أحد اللاعبين الرئيسيين.
...
...
"أريد أن أكون أحد اللاعبين الرئيسيين..."
الكلمات ترددت في صمت جناحي الفاخر، كصدى لرغبة مكبوتة، لطموح جامح يرفض أن يخبو. لكن الحقيقة المرة، كصفعة جليدية على وجهي، كانت تتبعها دائمًا:
"...أو ربما لا أريد، فإلى الآن، السحر مقيد! اللعنة!"
قبضت يدي بقوة، وشعرت بالأظافر تنغرس في راحة يدي. هذا القيد اللعين على قدراتي السحرية كان كالسلسلة الخفية التي تكبلني، تجعلني مجرد مراقب في لعبة كنت أرغب بشدة في تغيير قواعدها.
الجوكر يتحرك بحرية، يرسم خرائط الرعب بدم النبلاء، وأنا هنا، ابن الدوق الأقوى المزعوم، بالكاد أستطيع التحكم في "عين الحقيقة" دون أن ينفجر رأسي من الصداع. يا للسخرية!
نهضت من مقعدي الوثير أمام المكتبة الصغيرة التي أصبحت ملاذي الوحيد تقريبًا في هذا القصر.
المجلدات القديمة والتقارير السرية التي كنت ألتهمها لم تكن كافية. المعرفة قوة، نعم، لكنها قوة نظرية ما لم تدعمها قوة حقيقية، قوة يمكنني أن أستخدمها، أن ألمسها، أن أرى تأثيرها.
"حسنًا،" تمتمت، وشعرت بأن جدران الجناح تضيق علي. "عليّ أن أتمشى قليلاً. هذا الجو الخانق... يكاد يقتلني."
لم تكن مجرد رغبة في تغيير المشهد. كانت حاجة. حاجة إلى الحركة، إلى التفكير في مكان آخر غير هذه الغرف المذهبة التي أصبحت تشبه زنزانة فاخرة.
ارتديت عباءة سوداء بسيطة فوق ملابسي المنزلية، تلك التي أصبحت زيي المعتاد داخل القصر.
لم أزعج نفسي بحمل الخنجر الفضي الذي أنقذ حياتي في الغابة السوداء. هنا، داخل أسوار قصر ڤيرتون، كانت المخاطر مختلفة.
أكثر خبثًا، وأقل مباشرة. تأكدت فقط من أن "عين الحقيقة" في حالة تأهب، رغم أنني كنت أحاول ألا أعتمد عليها بشكل مفرط لتجنب ذلك الصداع المنهك.
فتحت باب جناحي الثقيل، وخطوت إلى الممر الطويل والمعتم. كانت الساعة قد تجاوزت منتصف الليل، والقصر غارق في صمت مهيب، لا يقطعه سوى صدى خطواتي على الأرضية الرخامية الباردة. المشاعل المثبتة على الجدران الحجرية كانت تلقي بظلال راقصة، تجعل التماثيل النصفية لأسلاف ڤيرتون، المنتشرة على طول الممر، تبدو وكأنها تحدق فيّ بعيون حجرية فارغة، تحملق في الدخيل الذي احتل جسد سليلهم.
"عين الحقيقة" أظهرت لي هالات باهتة تحيط بتلك التماثيل، هالات قديمة، مشبعة بطاقة الموت والزمن.
بعضها كان ينبض ببرودة خافتة، كأن جزءًا من أرواح أصحابها لا يزال عالقًا في الحجر. تجاهلتهم، وسرت قدمًا.
لم يكن لدي وجهة محددة. تركت قدمي تقودني عبر متاهة الممرات والقاعات.
مررت بقاعة الولائم الضخمة، حيث لا تزال رائحة وليمتي الأسطورية عالقة في الهواء بشكل خافت، ممزوجة برائحة الشمع العطري والغبار القديم.
الطاولة الطويلة المصقولة كانت فارغة الآن، والكراسي ذات المساند العالية تقف كأشباح صامتة في الظلام.
ثم وجدت نفسي في أحد الأروقة المؤدية إلى الحدائق الخلفية للقصر. حدائق ڤيرتون... لم تكن مكانًا للبهجة أو الاسترخاء.
كانت انعكاسًا لروح العائلة نفسها: قاتمة، منظمة بشكل صارم، وتحمل جمالًا غريبًا، وحشيًا.
دفعت بابًا زجاجيًا ثقيلاً، وخرجت إلى الهواء الطلق. ليلة الصيف كانت دافئة، لكن نسيمًا خفيفًا، يحمل رائحة غريبة، كان يداعب وجهي.
رائحة أزهار ليلية لم أرَ مثلها من قبل، ذات ألوان داكنة، قرمزية وسوداء وبنفسجية عميقة، تفوح منها رائحة حلوة بشكل مقزز، كأنها تخفي سمًا قاتلاً تحت جمالها الخادع.
"عين الحقيقة" أظهرت لي أن هالات هذه الأزهار كانت تتوهج بطاقة غريبة، بعضها مهدئ، وبعضها... مثير للقلق.
الممرات المرصوفة بالحصى الأسود كانت تلتوي بين شجيرات مقلمة بدقة متناهية، وأشجار سرو شاهقة تقف كحراس صامتين.
لم يكن هناك صوت حشرات، ولا زقزقة طيور ليلية. فقط الصمت، وذلك الحفيف الخافت لأوراق الشجر، كأن الغابة تتنفس بصعوبة.
في وسط إحدى الساحات الصغيرة، كانت هناك نافورة مصنوعة من حجر السبج الأسود. لم يكن الماء يتدفق منها، بل كان ساكنًا، أسودًا كالحبر، يعكس ضوء القمر الباهت كعين وحش ميت.
شعرت بقشعريرة تسري في جسدي وأنا أنظر إليها. هذا المكان... كل شيء فيه كان يصرخ بالموت والقوة المظلمة.
"يا له من مكان مناسب لعائلة مثل ڤيرتون،" فكرت بسخرية.
واصلت السير، وعقلي يعج بالأفكار المتضاربة.
رغبتي في أن أكون لاعبًا رئيسيًا... كيف يمكنني تحقيق ذلك وأنا مقيد هكذا؟ الجوكر، ذلك الشبح المقنع، كان يصول ويجول في العاصمة، يضرب متى يشاء، وكيفما يشاء.
هل كان سر قوته يكمن في غموضه؟ في قناعه؟ أم أن لديه قدرات خاصة، سحرًا فريدًا، لم تذكره الرواية بالتفصيل؟
"اللعنة على هذا النظام الصامت!" تمتمت، وتوقفت للحظة، ونظرت إلى السماء. القمر كان مختفيًا خلف سحابة داكنة، والنجوم قليلة ومتناثرة، كأنها هي الأخرى تخشى أن تظهر بكامل بهائها في هذا المكان.
"أيها النظام، هل ستظل مجرد واجهة عديمة الفائدة؟ هل أنت مجرد مزحة أخرى في هذه الرواية السخيفة؟"
لا رد. كالعادة.
تنهدت، وواصلت السير. الأكاديمية... كانت هي الأمل الوحيد المتبقي لي الآن. مكان يمكنني فيه أن أتعلم، أن أتدرب، أن أبحث عن طريقة لفك قيود سحري.
لكنها أيضًا مكان مليء بالمخاطر. آيلا، بكل سذاجتها وقدراتها الشفائية "النادرة"(يا للسخافة!) ستكون هناك.
وسيلين دي فالوا، بجمالها الجليدي وطموحها الذي لا يخفى على "عين الحقيقة"، ستكون هناك أيضًا. والجوكر... سيكون هناك، يتربص في الظلال، ينتظر فريسته التالية.
كيف سأتعامل مع كل هؤلاء؟ هل سأظل ذلك "نير الهادئ"، الظل الصامت لابن الدوق؟ أم أنني سأجد طريقة لأظهر قوتي الحقيقية، حتى لو كانت مجرد ومضات منها؟
مررت ببرج قديم، أحد أقدم أبراج القصر، يقال إنه كان مرصدًا للسحرة الأوائل من عائلة ڤيرتون. كان مهجورًا الآن، والنوافذ فارغة كعيون جمجمة.
"عين الحقيقة" أظهرت لي أن البرج لا يزال مشبعًا بطاقة سحرية قديمة، قوية، لكنها خامدة، كجمرة تنتظر من ينفخ فيها الروح. شعرت برغبة قوية في دخوله، في استكشافه، لكنني قاومت. ليس الآن. ليس وأنا لا أزال ضعيفًا وغير مستعد.
تذكرت الشجرة السوداء ذات شعار ڤيرتون. تلك الشجرة التي أنقذت حياتي بطريقة معجزة. هل كانت جزءًا من هذا السحر القديم؟ هل كانت هي مفتاح فهم قوة عائلتي، وبالتالي، قوتي أنا؟ الندبة على صدري كانت لا تزال تؤلمني بشكل خفيف، كأنها تحاول أن تذكرني بشيء ما.
فجأة، رأيت حركة في الظلال. توقفت، وتوترت كل حواسي. "عين الحقيقة" أظهرت لي هالة رمادية باهتة، تتحرك بخفة ورشاقة. لم تكن هالة وحش، بل هالة إنسان.
خرج من بين الأشجار شخص يرتدي ملابس داكنة، ويغطي وجهه بغطاء رأس. كان يسير بسرعة، كأنه لا يريد أن يراه أحد. لم يكن من الحراس، ولم يكن من الخدم. كان شخصًا غريبًا.
تابعته بنظري حتى اختفى في أحد الممرات الجانبية للقصر. من كان هذا؟ وماذا كان يفعل في هذا الوقت المتأخر من الليل، في هذه المنطقة المهجورة من الحدائق؟
لم أحاول أن أتبعه. لم أكن في مزاج للمشاكل. لكن الحادثة أثارت فضولي، وزادت من شعوري بأن هذا القصر، رغم كل حراسه وأسواره، ليس آمنًا كما يبدو.
عدت أدراجي نحو جناحي، وعقلي لا يزال يعج بالأسئلة والتكهنات. المشي لم يحل أي شيء، لكنه على الأقل أتاح لي فرصة للتفكير، للتنفيس عن بعض إحباطي.
عندما وصلت إلى باب جناحي، توقفت للحظة. رأيت خادمًا شابًا، كان يقف متجمدًا في مكانه، ينظر إليّ بعينين واسعتين من الخوف. هالته كانت تضطرب بشكل واضح.
"ما الأمر؟" سألت ببرود.
"سيدي... سيدي الشاب..." تلعثم الخادم. "اللورد أليستر... لقد... لقد كان يسأل عنك. بدا... بدا غاضبًا جدًا."
أليستر. بالطبع. يبدو أن صبره قد نفد.
تنهدت. "حسنًا،" قلت. "فليأتِ. لم أعد أخشى ظله." (كذبة أخرى. كنت أخشى حساباته الباردة، وقدرته على جعل حياتي أكثر بؤسًا مما هي عليه بالفعل).
دخلت إلى جناحي، وأغلقت الباب خلفي. الهدوء المصطنع للمكان بدا وكأنه يضغط علي.
"لاعب رئيسي..." تمتمت، وأنا أنظر إلى انعكاسي في المرآة الداكنة. الوجه الشاحب، العينان السوداوان، والندبة الفضية التي بالكاد تُرى تحت ملابسي. "ربما... ربما لا أحتاج إلى السحر لأكون لاعبًا. ربما هناك طرق أخرى."
لكن في أعماق قلبي، كنت أعرف أن هذا مجرد خداع للذات. في هذا العالم، السحر هو القوة. ومن لا يمتلكه، أو من يُقيد سحره، محكوم عليه بأن يكون مجرد بيدق في لعبة أكبر.
"اللعنة!" صرخت مرة أخرى، وهذه المرة، لكمت بقبضتي الجدار الحجري. الألم الحاد الذي سرى في يدي كان شيئًا حقيقيًا، شيئًا ملموسًا، في عالم مليء بالأوهام والأكاذيب.وكان، بشكل غريب، مريحًا.