الظل الطويل لأليستر ابتلعني بالكامل، حاجبًا عني ضوء المشاعل الخافت في الممر، وغمرني في برودة أشد قسوة من برودة الحجارة تحت قدمي.
وقفت هناك، أترنح قليلاً، والدم، ذلك السائل اللزج الدافئ، لا يزال يرسم خطوطًا قرمزية على وجهي، وينزف من أنفي، ويتقطر من شفتي المتشققة، ويبلل السجاد الفاخر تحت حذائي.
كل نفس كان شهقة مؤلمة، تمزق صدري الذي لم يعد صدري، بل جرح مفتوح ينبض بألم حارق لا يوصف.
المسمار الشبحي من البرج القديم، رغم غيابه المادي، كان لا يزال يخترق روحي.
الصمت، ذلك الصمت الثقيل الذي يتقنه آل ڤيرتون كفن أسود، امتد لدقائق بدت كأنها دهر.
كنت أسمع دقات قلبي المتسارعة، وصوت دمي وهو يلامس الأرض، وصوت أنفاس أليستر الهادئة، المنتظمة، كأنه يشاهد عرضًا مسرحيًا غريبًا وليس أخاه على شفا الموت.
"عين الحقيقة"، التي كانت لا تزال تعمل بصعوبة بالغة وسط دوامة الألم والارتباك، أظهرت لي هالة أليستر الرمادية، باردة كشتاء أبدي، وفيها ومضات حادة من الفولاذ المصقول – شك، تقييم، وربما... شيء آخر، شيء أعمق وأكثر قتامة، لا أستطيع تحديده.
أخيرًا، كسر أليستر ذلك الصمت بصوته الذي يشبه انزلاق الجليد على الحجر. لم يكن فيه أي أثر للقلق، أو المفاجأة، أو حتى الازدراء. فقط تلك البرودة المحسوبة، القاتلة.
"نير،" قال، والاسم خرج من فمه كأنه قطعة من حجر صوان.
"ما هذا المنظر المثير للشفقة الذي أراك عليه؟ هل أصبحت هوايتك الجديدة هي تزيين ممرات القصر بدمك الثمين؟"
رفعت رأسي ببطء، بصعوبة بالغة، كأن عضلات رقبتي قد تحولت إلى حديد صدئ.
التقتا أعيننا. عيناي، التي كنت أرى العالم من خلالهما كأنه مغطى بحجاب أحمر من الدم والألم، قابلتا عينيه الرماديتين، الفارغتين، اللتين تشبهان عيني تمثال قديم.
حاولت أن أجمع ما تبقى من كبريائي، من غضبي، من ذلك التحدي اليائس الذي ولد من رحم المعاناة.
ابتسامة خافتة، مشوهة، ارتسمت على شفتي الملطختين بالدم. شعرت بطعم الدم يملأ فمي مرة أخرى.
"وهل يهمك هذا؟" خرج صوتي أجشًا، ضعيفًا، لكن كل حرف فيه كان مشبعًا بمرارة لا نهائية.
اتسعت عينا أليستر بشكل طفيف جدًا، للحظة خاطفة، كأن ريشة قد لامست سطح بحيرة متجمدة. ثم عادت إلى برودتها المعتادة.
"ماذا؟" قال، والصوت كان أهدأ من الهمس، لكنه كان يحمل تهديدًا أعمق من أي صراخ.
"أنت لم تفهم، أليس كذلك؟" واصلت، وشعرت بأن كل كلمة تستنزف ما تبقى من طاقتي.
"أنت، أليستر، لم تسأل عني حتى عندما اختفيت شهرًا كاملاً. شهرًا بأكمله، وأنا أصارع الموت في مكان لا يمكن لعقلك أن يتصوره.
هل أرسلت أحدًا للبحث عني؟ هل كلفت نفسك عناء السؤال عن مصيري؟ أم أنك كنت مشغولًا جدًا بحساباتك السياسية، وبترتيب أوراقك، وبترسيخ سلطتك؟"
صمت أليستر، لكنني رأيت، بـ "عين الحقيقة"، وميضًا خافتًا من الغضب يتشكل في أعماق هالته، كجمرة تحت الرماد.
"لا،" أجبت عن سؤالي بنفسي، وضحكة مكتومة، مريرة، خرجت من صدري مع دفقة جديدة من الدم.
"أنت لم تفعل. لأنني، بالنسبة لك، مجرد بيدق آخر في لعبتك.
مجرد اسم، مجرد ظل. وجودي أو عدمه لا يغير شيئًا في حساباتك الدقيقة."
رفعت يدي المرتجفة، وأشرت بإصبعي الملطخ بالدم نحو باب جناحي.
"لذلك، لا تهتم الآن. عد إلى ظلالك، أليستر. عد إلى مؤامراتك. واتركني أموت بسلام... أو أعيش بجحيمي الخاص."
استدرت ببطء، وكل حركة كانت تمزقني. شعرت بنظرات أليستر الباردة تحرق ظهري. توقعت أن يوقفني، أن يمسك بي، أن يجرني إلى والدي.
لكنه لم يفعل. بقي واقفًا هناك، صامتًا كالقبر. ربما كان يرى أنني لا أستحق حتى عناء التدخل. أو ربما... ربما كان لديه خطط أخرى.
وصلت أخيرًا إلى باب جناحي. يدي كانت ترتجف بشدة وأنا أمدها نحو المقبض الذهبي البارد.
استغرق الأمر عدة محاولات قبل أن أتمكن من إدارته.
دفعت الباب، ودخلت، ثم استدرت وأغلقته خلفي، وأسندت ظهري إليه، وشعرت بأن ساقي لم تعد تحملني.
انزلقت على الأرض، وجلست القرفصاء، ورأسي بين يدي.
الصمت المطبق لجناحي الفاخر كان يطبق على أذني، أثقل من أي صراخ.
ثم، انفجرت.
لم يكن انفجارًا صوتيًا. بل انفجارًا داخليًا، صامتًا، مدمرًا.
"اللعنة على هذا!" صرخت في عقلي، والكلمات تتمزق في داخلي كشظايا زجاج.
"اللعنة على هذا الألم! اللعنة على هذا الضعف! اللعنة على هذا الجسد اللعين الذي يخونني في كل لحظة!"
رفعت رأسي، ونظرت إلى فخامة الغرفة من خلال دموع الدم التي كانت لا تزال تتسرب من عيني.
السجاد الفارسي الثمين، الأثاث المصنوع من خشب الأبنوس النادر، الستائر المخملية الثقيلة. كل شيء كان يصرخ بالثراء، بالقوة، بالترف. وكل شيء كان يسخر مني، من حالتي المزرية.
"اللعنة على هذه الرواية وهذا العالم!" استمرت اللعنات تتدفق من روحي المعذبة.
"هذا العالم المريض، الملتوي، الذي لا يوجد فيه أي منطق، أي عدالة! عالم تحكمه كاتبة معتوهة، تتلاعب بمصائرنا كأننا دمى في مسرحيتها السخيفة! هل تستمتع بمعاناتنا؟ هل تجد لذة في رؤيتنا ونحن نتمزق، ونحن ننزف، ونحن نموت؟"
تذكرت فصول الرواية المليئة بالحب السطحي، بالنظرات الخجولة، باللقاءات المصيرية المزعومة. كل ذلك بدا الآن كمهزلة، كإهانة.
كيف يمكن أن يوجد مثل هذا الهراء في عالم يحتوي على أبراج تعذب الروح، وغابات تمطر موتًا، وشياطين تحكم من الظل؟
"اللعنة على الذي تسبب في وجودي هنا!" صرخت، وضربت بقبضتي الأرضية الرخامية الباردة.
"من فعل هذا بي؟ من ألقى بي في هذا الجحيم؟ هل هو صديقي الأحمق لين، الذي أقنعني بقراءة هذه الرواية اللعينة؟ أم أنه قدر أعمى، عبثي، لا يكترث بشيء؟ أم أن هناك قوة خفية، شيطان، يتلاعب بنا جميعًا؟"
شعرت بالمرارة تملأ فمي، مرارة أشد من طعم الدم.
"واللعنة... اللعنة على الكاتبة!" هذه اللعنة كانت أشد مرارة، أشد حقدًا.
"تلك المرأة... إذا كانت امرأة أصلاً... التي نسجت هذا الكابوس. التي خلقت هذه الشخصيات، هذه الأحداث، هذا الألم.
هل فكرت يومًا فينا؟ هل فكرت في أننا قد نشعر، قد نتألم، قد نموت بسبب نزوات قلمها؟
أقسم... أقسم أنني إذا وجدتها يومًا ما، إذا تمكنت من الخروج من هذا الجحيم والعودة إلى عالمي...
سأجدها. وسأجعلها تدفع ثمن كل قطرة دم، كل لحظة رعب، كل لعنة خرجت من فمي."
"سحقًا!" الكلمة الأخيرة خرجت كشهقة يائسة، وانهار جسدي بالكامل على الأرض.
لم أعد أملك القوة حتى للغضب. فقط الألم، واليأس، والظلام الذي بدأ يزحف على حواف وعيي مرة أخرى.
تمددت على السجاد الفاخر، الذي أصبح الآن ملوثًا بدمي.
شعرت بالبرودة تتسرب إلى أطرافي، وبأنفاسي تصبح أضعف وأضعف.
هل هذه هي النهاية حقًا؟ هل سأموت هنا، في هذه الغرفة الفاخرة، وحيدًا، مهزومًا، ملعونًا؟
أغمضت عيني. صور من البرج القديم، من الغابة السوداء، من حياتي السابقة، بدأت تتراقص أمام عيني، كفيلم مروع يعرض لحظاتي الأخيرة.
النقوش الغامضة... الهمسات الخبيثة... المسمار الأسود... دموع الدم... أليستر...
"اثنا عشر... واحد... شيطان... حاكم..." الكلمات لا تزال تتردد في ذهني، كأنها مفتاح لغز لن أعيش لأحله.
شعرت بأن روحي تنفصل عن جسدي ببطء، تطفو نحو ذلك الفراغ الأسود الذي عرفته من قبل.
لكن هذه المرة، لم يكن هناك سلام. فقط مرارة، ويأس، وشعور بأنني قد فشلت. فشلت في البقاء.
فشلت في التغيير. فشلت في أن أكون أي شيء سوى ضحية أخرى في هذه الرواية الملعونة.
الظلام... أصبح أعمق. والبرد... أصبح أشد قسوة.
ثم، لم يعد هناك شيء.
...
...
الوعي عاد إليّ كغريق يلفظ أنفاسه الأولى بعد أن كاد يبتلعه محيط من الظلام واليأس.
لم تكن عودة لطيفة، بل بصداع عنيف أعادني إلى جحيم جسدي الممزق.
أول ما شعرت به هو ذلك الألم المروع، ذلك الحريق الذي كان يلتهم صدري، والذي خفت حدته قليلاً، كجمرة تحت الرماد، لكنه لا يزال هناك، ينبض مع كل نفس متقطع، مع كل خفقة يائسة من قلبي.
فتحت عيني ببطء، وشعرت بالدم الجاف يشد بشرة وجهي.
الغرفة كانت تدور بي، والأشكال الفاخرة لجناحي كانت تتراقص كأشباح في رؤيتي المشوشة.
رائحة الدم، تلك الرائحة المعدنية الثقيلة، كانت لا تزال تملأ أنفي، ممزوجة برائحة العرق البارد الذي غطى جسدي.
"آخخخ..." أنين خافت خرج من بين شفتي المتشققتين.
حاولت أن أتحرك، لكن كل عضلة، كل ليفة في جسدي، كانت تصرخ احتجاجًا.
"كل هذا... كل هذا من مجرد الطابق الأول؟" همست، والصوت كان بالكاد مسموعًا.
"ما كل هذا الجنون؟ برج ملعون... نقوش شيطانية... وصداع يكاد يفجر رأسي..."
تذكرت الكلمات الأربع: "اثنا عشر... واحد... شيطان... حاكم."
ما معناها بحق الجحيم؟ هل كانت تستحق كل هذا العذاب؟ كل هذا الدم؟
شعور بالمرارة، بالغضب العاجز، اجتاحني.
"لماذا؟" صرخت في عقلي، والكلمات كأنها سكاكين تمزق ما تبقى من روحي.
"قرأت مئات الروايات، مئات القصص عن أبطال ينتقلون إلى عوالم أخرى، عن أشخاص يملكون أنظمة خارقة! وكل من يكون له نظام يساعده على التطور، ينقذه من الموت، يمنحه القوة، يفعل أي شيء ليدعمه!
لكن أنا؟ أنا؟ لا! أمتلك نظامًا لعينًا صامتًا كالقبر! نظام يكتفي بعرض حالتي المزرية، وبإخباري بأن قدراتي مقيدة! يا له من نظام عديم الفائدة!"
كنت أتلوى على الأرضية الرخامية الباردة، التي أصبحت الآن ملطخة ببقع من دمي الجاف، كلوحة مروعة رسمها فنان مجنون.
ملابسي كانت ممزقة، متصلبة بالدم، وتلتصق بجلدي بطريقة مؤلمة.
شعرت بأنني قذر، ضعيف، ومثير للشفقة.
فجأة، وفي خضم يأسي وألمي، سمعت صوتًا. ليس همسًا من البرج، ولا صراخًا من عقلي.
بل طرقًا خافتًا، مترددًا، على باب جناحي.
تجمدت. من يمكن أن يكون في هذا الوقت؟ هل هو أحد الخدم؟ أم أن أليستر عاد ليكمل ما بدأه، لينهي معاناتي بطريقته الباردة والفعالة؟
ثم، وقبل أن أستطيع حتى أن أفكر في رد فعل، انفتح الباب ببطء.
ليس بهدوء الخدم المعتاد، بل بتردد غريب، كأن من يفتحه يخشى ما قد يراه في الداخل.
وظهر عند الباب... ليس خادمًا واحدًا، بل عدة خدم، وجوههم شاحبة، وعيونهم تتطاير بقلق. وخلفهم...
قلبي توقف.
دوق الظلال. والدي.
كان يقف هناك، كجبل من الظلام والغموض، وهالته السوداء المعتادة تبدو وكأنها أكثر كثافة، وأكثر... اضطرابًا؟
بجانبه، أليستر، بوجهه الجليدي الذي لا يتغير عادة، لكنني رأيت، بـ "عين الحقيقة" التي كانت لا تزال تعمل بشكل متقطع وسط دوامة الألم، أن هالته الرمادية الباردة كانت مشوبة بومضات من... التوتر؟ الارتباك؟
"أمر مفاجئ جدًا،" فكرت بسخرية مريرة، وأنا أحاول أن أرفع نفسي قليلاً عن الأرض، لكن جسدي خانني.
"دوق الظلال بنفسه، وأليستر... يزوران ابنهما المحتضر. يا لها من لفتة... مؤثرة."
تقدم الاثنان إلى داخل الغرفة، وتبعهم الخدم كأشباح صامتة.
الصمت الذي حل كان أثقل من أي صمت شعرت به من قبل. حتى أنفاسهم بدت مكتومة.
دوق الظلال، ذلك الكيان الذي كان مجرد وجوده كافيًا لبث الرعب في قارة بأكملها، كان يقف هناك، ينظر إليّ.
لم أستطع رؤية وجهه كالعادة، فالظلال التي تلفه كانت أعمق من أي وقت مضى.
لكنني شعرت بنظراته، كأنها إبرتان من الجليد تخترقان روحي.
أليستر، من ناحية أخرى، كان وجهه شاحبًا بشكل غير طبيعي.
عيناه الرماديتان كانتا تتجنبان النظر إليّ مباشرة، وبدلاً من ذلك، كانتا تتفحصان الغرفة، الدم على الأرض، الفوضى التي أحدثتها.
رأيت يده ترتعش بشكل طفيف جدًا قبل أن يضمها خلف ظهره.
"أحمم..."
صوت خافت، كأنه سعال مكتوم، خرج من... هل كان من الدوق؟ أم من أليستر؟ لم أستطع التحديد.
لكنه كان صوتًا بشريًا، متوترًا، وهو شيء لم أكن أتوقع أن أسمعه من أي منهما.
ثم، بإشارة خفيفة من أليستر، اندفع الخدم إلى الأمام.
لم يكونوا خدمًا عاديين. كانوا يرتدون ملابس بيضاء، ويحملون حقائب جلدية.
أطباء. أفضل أطباء الدوقية، بلا شك.
بدأوا في العمل بسرعة وكفاءة، لكن أيديهم كانت ترتجف قليلاً وهم يفحصون جروحي أو بالأحرى، الندبة التي عادت لتنزف، والآثار الداخلية التي تركها البرج.
كانوا يتحدثون فيما بينهم بهمس خافت، بلغة طبية لم أفهمها، لكنني رأيت القلق والرعب في عيونهم وهم يتبادلون النظرات.
وفي نفس الوقت، دخل خدم آخرون، يحملون صواني فضية ضخمة، عليها أطباق مغطاة.
رائحة الطعام الشهي، الطعام الفاخر، بدأت تملأ الغرفة، تختلط برائحة الدم والعرق.
أفضل المؤكلات، بلا شك. مرق دافئ، معالج، غني بالنكهة، فواكه نادرة ذات ألوان زاهية، وخبز طازج لا يزال بخاره يتصاعد.
"ماهذا؟" فكرت، والارتباك يزداد في عقلي الذي أنهكه الألم.
"في الـ 400 فصل التي قرأتها من تلك الرواية اللعينة، لم يحدث مثل هذا الشيء مطلقًا! دوق الظلال لم يظهر أي اهتمام بابنه، وأليستر كان دائمًا باردًا وحسابيًا! ما الذي تغير؟"
نظرت إلى والدي، ثم إلى أليستر. كانا لا يزالان واقفين هناك، يراقبان بصمت، لكن توترهما كان واضحًا، كوتر مشدود على وشك الانقطاع.
الدوق كان لا يزال كتلة من الظلال، لكنني شعرت بأن تلك الظلال ليست هادئة كالعادة، بل تتحرك، تضطرب، كأنها تعكس قلقًا داخليًا.
أليستر كان يفرك إبهامه بسبابته بشكل عصبي، وهي عادة لم ألاحظها فيه من قبل.
"هذا... لماذا كل هذا الاهتمام المفاجئ؟" تمكنت أخيرًا من الهمس، وصوتي كان بالكاد مسموعًا.
التفت أليستر نحوي، وبدا وكأنه تفاجأ بسؤالي. ارتبك للحظة، ونظر بسرعة نحو الدوق، كأنه يطلب الإذن بالكلام. ثم، بابتسامة متوترة، مصطنعة، قال:
"لا... لا تهتم لهذا، نير. فقط... فقط استمر في الأكل والعلاج. صحتك... صحتك هي الأهم الآن."
"نعم، صحيح،" أضاف بسرعة، كأنه يحاول إقناع نفسه قبل أن يقنعني.
"الأطباء هنا، والطعام... كل شيء سيكون على ما يرام."
"حتى والدي؟" سألت، وعيناي تنتقلان إلى ذلك الشكل المظلم الذي يقف كشبح في زاوية الغرفة. "هل هو... قلق عليّ؟"
لم يرد الدوق. لكنني رأيت، بـ "عين الحقيقة"، أن الظلال المحيطة به اهتزت بشكل طفيف، كأن سؤالي قد لامس وترًا حساسًا.
الأطباء كانوا لا يزالون يعملون، ينظفون جروحي، ويضعون عليها مراهم ذات رائحة غريبة، قوية.
شعرت بوخز خفيف، ثم ببرودة مريحة تنتشر في جسدي.
الألم الحارق بدأ يخف تدريجيًا، يتحول إلى ألم مكتوم، محتمل.
الخدم قدموا لي طبقًا من المرق الدافئ. ترددت للحظة، ثم بدأت أرتشفه ببطء.
كان طعمه رائعًا، غنيًا، وشعرت بالدفء يسري في عروقي المنهكة.
لكن عقلي كان لا يزال يعج بالأسئلة. ما الذي حدث؟ لماذا هذا التغير المفاجئ في سلوك والدي وأخي؟ هل له علاقة بالبرج القديم؟
هل يعرفان ما واجهته هناك؟ أم أن هناك شيئًا آخر، شيئًا أكبر، يحدث في الخفاء، وأنا مجرد قطعة صغيرة في هذه اللعبة المعقدة؟
نظرت إليهما مرة أخرى. كانا لا يزالان يراقبانني، وذلك التوتر الغريب لا يزال يلفهما.
بدا الأمر وكأنهما... ينتظران شيئًا ما. أو يخشيان شيئًا ما.
"كوميديا سوداء،" فكرت بسخرية مريرة. "أنا أنزف حتى الموت، ودوق الظلال وأخوه البارد يقفان هنا، يبدوان وكأنهما على وشك أن يغمى عليهما من القلق.
يا لها من رواية! يا لها من عائلة!"
لكن تحت هذه السخرية، كان هناك شعور بالقلق العميق. هذا التغير... لم يكن طبيعيًا.
وكان ينذر بشيء ما. شيء غامض، وربما... خطير.
واصلت تناول المرق، وشعرت بأن قوتي تعود إليّ ببطء.
لكن عقلي كان لا يزال يدور في حلقة مفرغة من الأسئلة التي لا إجابة لها.
والغموض الذي يلف هذا القصر، وهذه العائلة، وهذا العالم، أصبح الآن أعمق وأكثر إثارة للرعب من أي وقت مضى.