القطع الأثرية الثلاث، التي لا تزال تحمل برودة غير أرضية من لمسة والدي المظلمة، كانت ترقد أمامي على طاولة خشب الأبنوس المصقولة في جناحي.

قطعتي الانتقال الآني، رماديتان، صامتتان، تنبضان بطاقة مكبوتة كقلب وحش نائم.

والخاتم الأسود البسيط، خاتم الأبعاد، الذي شعرت بداخله بذلك الفضاء الشاسع، وذلك الوعد الخادع بالنجاة لمدة شهر في عالم لا يكترث ببقاء أحد.

لم يكن هناك وقت للتردد. كل يوم يمر كان يقربني من جحيم الأكاديمية، من مواجهة آيلا وسيلين، ومن ذلك المهرج القاتل الذي يتربص في الظلال.

وإذا كنت سأواجه كل هذا، فلا يمكنني أن أذهب فارغ اليدين، ضعيفًا، مجرد ظل آخر لابن الدوق المقيّد.

الرحلة إلى تلك "المدينة المهجورة القريبة من القطب الجنوبي" – كما وصفتها الرواية بشكل مقتضب ومثير للقلق – كانت انتحارًا مؤكدًا.

لكن البقاء هنا، وانتظار مصيري المحتوم، كان انتحارًا أبطأ وأكثر إذلالاً.

أولاً، الملابس. يا إلهي، الملابس! كيف يمكن لأي نسيج، مهما كان سحريًا أو نادرًا، أن يصمد أمام البرد الذي وصفته الرواية ؟ برد لا يجمد الماء فحسب، بل يجمد الهواء، يجمد الروح.

توجهت إلى خزانة ملابسي الهائلة، تلك الغرفة المبطنة بخشب الأرز والتي تفوح منها رائحة الثراء والقوة.

فتحت الأدراج والخزائن، وبدأت في انتقاء ما قد ينقذ حياتي في ذلك الجحيم الأبيض.

لم تكن مجرد ملابس، بل كانت طبقات من الأمل اليائس.

الطبقة الأولى، تلك التي ستلامس جلدي مباشرة، كانت مصنوعة من حرير "عنكبوت الثلج"، وهو مخلوق أسطوري قيل إنه يعيش في أعلى قمم الجبال الشمالية، وينسج خيوطًا أرق من شعرة الإنسان، لكنها تحتفظ بالحرارة بشكل لا يصدق.

"عين الحقيقة" أظهرت لي أن النسيج كان يتوهج بهالة فضية باهتة، وفي داخله خيوط طاقة دقيقة، كأنها أوردة حية.

ارتديت عدة طبقات منها، وشعرت بدفء خفيف، مصطنع، ينتشر على جلدي.

فوقها، طبقات من صوف "الياك الجليدي"، وهو وحش ضخم ذو فرو كثيف يعيش في السهول المتجمدة.

الصوف كان ثقيلاً، خشن الملمس قليلاً، لكنه كان يعد بعزل لا مثيل له. رائحته كانت قوية، وحشية، كأنها تحمل في طياتها صرخات العواصف الثلجية.

ثم جاء دور الفراء. فراء "ذئاب الشفق القطبي"، تلك المخلوقات الشبحية التي قيل إن فروها يتغير لونه مع أضواء الشفق، ويمتلك خصائص سحرية لصد الرياح الجليدية.

كان الفراء ناعمًا بشكل لا يصدق، وكثيفًا، بلون أسود يمتزج مع ظلال الليل، تتخلله خيوط فضية تتلألأ كنجوم بعيدة.

ارتديت سترة مبطنة به، وغطاء رأس يمتد ليغطي معظم وجهي.

أما الطبقة الخارجية، فكانت مصنوعة من جلد "تنين الصقيع"، وهو نوع نادر من التنانين قيل إن جلده لا يتأثر بأعتى أنواع البرد، وأنه مقاوم للماء والرياح بشكل مطلق.

كان الجلد أسودًا، لامعًا، ومرنًا بشكل مدهش، وعليه حراشف صغيرة، متداخلة، تشبه قطع زجاج السبج. السترة كانت طويلة، تصل إلى ركبتي، ومزودة بغطاء رأس ضخم، مبطن بنفس الفراء.

الأحذية كانت تحفة بحد ذاتها. مصنوعة من نفس جلد تنين الصقيع، ومبطنة بعدة طبقات من الفراء والصوف، ونعلها سميك، مزود بمخالب معدنية صغيرة، قابلة للسحب، للمساعدة على الثبات على الجليد.

القفازات كانت متعددة الطبقات أيضًا، من حرير عنكبوت الثلج، إلى صوف الياك، إلى جلد التنين، مع الحفاظ على قدر معقول من المرونة في الأصابع.

كل قطعة كنت أختارها، كنت أفحصها بـ "عين الحقيقة"، أبحث عن أي ضعف، أي عيب، أي خاصية سحرية قد تكون مفيدة.

ثم، كنت أطويها بعناية وأودعها في خاتم الأبعاد، الذي كان يبتلعها بصمت، كأنه بئر لا قرار لها.

شعرت بأنني أحزم أمتعتي لرحلة إلى عالم آخر، وهذا ما كانت عليه الحال بالفعل.

لم أكتفِ بالملابس. أخذت معي ما يكفي من الطعام والماء من مخزون الخاتم الخاص، بالإضافة إلى مؤن إضافية عالية الطاقة – قوالب من اللحم المجفف والمتبل، فواكه مجففة تحتفظ بحلاوتها، ومشروبات سحرية دافئة قيل إنها تحافظ على حرارة الجسم لساعات.

أخذت أدوات إشعال نار رغم أنني شككت في إمكانية إشعال أي نار في ذلك البرد، وحبالاً قوية، وفأسًا صغيرة للجليد، وبعض الأدوات الأساسية الأخرى.

أما الأسلحة، فاكتفيت بخنجري الفضي المألوف، وسيف تدريبي قصير، ثقيل، لكنه متوازن.

لم يكن لدي أي أوهام بشأن قتال وحوش القطب الجنوبي بهذه الأسلحة. هدفي كان التسلل، والاكتشاف، والهرب. وليس المواجهة المباشرة.

بعد ساعات من الاستعدادات المضنية، التي استنزفت ما تبقى من طاقتي الجسدية والذهنية، جلست على حافة سريري، والقطع الأثرية للانتقال الآني ترقد في يدي.

كانت باردة، وثقيلة، وتنبض بقوة قديمة، غامضة.

"حسنًا،" تمتمت، وأنا أتفحص النقوش المعقدة التي تغطي سطح القطعتين المعدنيتين.

"كيف كانت تعمل هذه البوابة اللعينة؟ كيف أستطيع أن أنتقل إلى المكان الذي أريد، إلى تلك المدينة المهجورة القريبة من القطب الجنوبي؟ عليّ أن أتذكر ما قالته تلك الرواية الملعونة."

أغمضت عيني، وأجبرت عقلي على الغوص مرة أخرى في بحر الكلمات التي كادت أن تغرقني.

مئات الفصول من الرومانسية المبتذلة، والحوارات السخيفة، والمواقف المصطنعة.

لكن في مكان ما، بين تلك السطور المليئة بالقلوب والزهور، كانت هناك معلومات.

معلومات حقيقية، وقيمة، عن طريقة عمل السحر والقطع الأثرية في هذا العالم.

تذكرت فصلاً معينًا، حيث استخدم أحد الأبطال الثانويين قطعة أثرية مشابهة للهروب من موقف خطير.

الرواية وصفت العملية بشكل مقتضب، كالعادة، مركزة على المشاعر "الدرامية" للبطل وهو يودع حبيبته. لكن كان هناك بعض التفاصيل التقنية.

"التصور الذهني... التركيز المطلق على الوجهة..." همست، وأنا أحاول أن أسترجع الكلمات.

"كلما كان التصور أوضح، وأقوى، كانت البوابة أكثر دقة واستقرارًا. وأي خطأ، أي تردد، قد يؤدي إلى كارثة. الانتقال إلى داخل جبل صلب، أو إلى قاع محيط، أو إلى فراغ بين الأبعاد."

يا للسخافة! كيف يمكنني أن أتصور مكانًا لم أره في حياتي، مكانًا وصفته الرواية بكلمات قليلة، مرعبة، وغامضة؟ المدينة المهجورة... لم يكن هناك أي وصف تفصيلي لها.

فقط إشارات إلى أنها بقايا حضارة قديمة، وأنها تقع في منطقة نائية، شديدة البرودة، وأنها تحرس أسرارًا خطيرة.

"عين الحقيقة" كانت ترى الطاقة الكامنة في القطعتين المعدنيتين، لكنها لم تستطع أن تريني كيفية توجيهها بدقة.

كانت ترى شبكة معقدة من الخطوط الرونية داخل المعدن، تتوهج وتنطفئ كأنها نجوم بعيدة، لكنها لم تستطع أن تفسر لي لغتها.

"اللعنة!" صرخت في عقلي. "حتى في هذا، أنا مقيد!"

ثم تذكرت شيئًا آخر. الخرائط. الرواية ذكرت أن بعض السحرة المهرة يمكنهم استخدام الخرائط كمرجع، كنقطة ارتكاز لتصورهم الذهني.

نهضت بسرعة، وتوجهت إلى مكتبتي الصغيرة. بدأت أبحث بين المجلدات القديمة واللفائف الجلدية.

لحسن الحظ، كانت مكتبة ڤيرتون تحتوي على مجموعة واسعة من الخرائط، بعضها يعود إلى عصور منسية.

بعد بحث مضنٍ، وجدتها. خريطة للعالم، قديمة، مهترئة، مرسومة على جلد وحش مجهول.

كانت معظم تفاصيلها غامضة، وغير دقيقة، خاصة فيما يتعلق بالمناطق النائية.

لكن القطب الجنوبي... كان مشارًا إليه ككتلة بيضاء ضخمة، وفي مكان ما، بالقرب من ساحله الشمالي، كانت هناك علامة صغيرة، باهتة، بجانبها كلمة مكتوبة بلغة قديمة، بالكاد أستطيع قراءتها:

"مدينة الأجداد... مدينة الصقيع... مدينة الموت."

هل هذه هي المدينة المهجورة التي أبحث عنها؟ لم أكن متأكدًا. لكنها كانت أفضل ما لدي.

أخذت الخريطة، وعدت إلى سريري. وضعت إحدى القطع المعدنية على الخريطة، فوق تلك العلامة الباهتة.

ثم أغمضت عيني، وبدأت أركز.

تخيلت بردًا قارسًا. تخيلت جليدًا يمتد إلى ما لا نهاية. تخيلت مدينة مهجورة، مبانيها مغطاة بالثلوج، وشوارعها صامتة كالقبر.

حاولت أن أجعل الصورة واضحة قدر الإمكان في ذهني، أن أشعر بالبرد، بالوحدة، بالرعب.

وفي خضم تركيزي، عادت إليّ تلك الأفكار المرة عن ضعفي، وعن قوة الآخرين.

"أليستر،" فكرت، وشعرت بذلك المزيج المعتاد من الغيرة والاحتقار.

"أليستر قد وصل إلى الرتبة الخامسة، 'سيد متقدم'. وهو أحد أقوى الشخصيات في الرواية، ليس فقط بقوته السحرية، بل بذكائه السياسي ودهائه الذي لا يرحم. يمكنه أن يسحقني كحشرة إذا أراد."

"وجميع من في الأكاديمية،" واصلت، والسخرية تتسلل إلى أفكاري، "بمن فيهم تلك البطلة الساذجة آيلا، وذلك الجوكر الغامض، لا يزالون في الرتبة الأولى، 'مستنيرون'. بالكاد يستطيعون إشعال شمعة بسحرهم.

حسنًا، إذا استثنيت نفسي، بسبب هذا القيد اللعين! أنا لا أعرف حتى ما هي رتبتي الحقيقية، أو ما إذا كان لدي أي سحر يمكنني استخدامه!"

هذا الظلم... كان يقتلني. كان هو الوقود الذي يدفعني نحو هذه المهمة الانتحارية.

فتحت عيني، ونظرت إلى القطعة المعدنية التي كانت لا تزال ترقد على الخريطة.

شعرت بأن الوقت قد حان. لم يعد هناك مجال للتردد.

أمسكت بالقطعة المعدنية بإحكام. كانت باردة كالثلج، وتنبض بقوة خافتة.

أغمضت عيني مرة أخرى، وركزت كل كياني، كل إرادتي، كل يأسي، على تلك الصورة الذهنية للمدينة المهجورة، وللبرد القارس.

قد يكون هناك كلمة معينة، أو طقس معين، يجب أن أقوم به. لكن الرواية لم تذكر أي شيء من هذا القبيل.

قالت فقط إن الأمر يعتمد على قوة الإرادة، ووضوح التصور.

"فلتكن إرادتي هي المفتاح،" تمتمت، وشعرت بأن الطاقة تبدأ في التدفق من جسدي، من روحي، نحو القطعة المعدنية.

بدأت القطعة المعدنية تتوهج بضوء أزرق باهت. ثم ازداد التوهج قوة، وأصبح أبيضًا، مبهرًا.

شعرت بحرارة تنبعث منها، حرارة تتناقض بشكل غريب مع البرد الذي كنت أتخيله.

الهواء في الغرفة بدأ يهتز. سمعت صوت طقطقة خافتة، كأن شيئًا ما يتمزق.

ثم، صوت أزيز عالي، كأنه آلاف الحشرات الغاضبة.

"عين الحقيقة" أظهرت لي أن الفضاء أمامي بدأ يتشوه، يلتوي، كأنه قطعة من قماش يتم شدها وتمزيقها.

ظهر صدع في الهواء، صدع مظلم، ينبض بضوء أرجواني خبيث. ومن هذا الصدع، انبعث تيار من الهواء البارد، بارد بشكل لا يصدق، يحمل معه رائحة الجليد القديم، والموت.

البوابة. لقد فتحت.

لم تكن بوابة جميلة، أو سحرية بالمعنى التقليدي. كانت جرحًا مفتوحًا في نسيج الواقع، جرحًا ينزف ظلامًا وبردًا.

شعرت بقوة هائلة تجذبني نحوها. قاومت، للحظة، والخوف يضرب قلبي.

هل هذا هو القرار الصحيح؟ هل أنا حقًا مستعد لمواجهة ما ينتظرني على الجانب الآخر؟

لم يكن هناك وقت للإجابة. البوابة كانت تتسع، والصوت الذي يصدر منها أصبح الآن كعواء آلاف الأرواح المعذبة.

أخذت نفسًا عميقًا، وأغمضت عيني، وخطوت إلى الأمام.

خطوت إلى المجهول. إلى الجحيم الأبيض.

الانتقال كان... لا يمكن وصفه. شعرت بأن جسدي يتمزق إلى ملايين الذرات، ثم يُعاد تجميعه بطريقة خاطئة.

شعرت بأن عقلي يُعصر، يُقلب رأسًا على عقب. سمعت أصواتًا لا يمكن أن تكون بشرية، ورأيت ألوانًا لا وجود لها في العالم المعروف.

كان الأمر أشبه بالسقوط في دوامة من الفوضى المطلقة، والجنون الخالص.

ثم، فجأة، توقف كل شيء.

وجدت نفسي ممددًا على شيء صلب، بارد. بارد بشكل لا يصدق. فتحت عيني، وشعرت بالضوء الخافت، الرمادي، يؤلمهما.

كنت مستلقيًا على سطح من الجليد. جليد أسود، لامع، كأنه زجاج بركاني.

حولي، كانت تمتد مساحات شاسعة من هذا الجليد الأسود، تتخللها نتوءات صخرية حادة، سوداء أيضًا، كأنها أسنان وحش عملاق.

الهواء... كان باردًا. باردًا لدرجة أن كل نفس كنت ألتقطه كان يحرق رئتي، ويجعل أسناني تصطك.

الرياح كانت تعوي بشكل مستمر، كأنها أنين الأرواح المعذبة، تحمل معها شظايا من الجليد حادة كأنصال السكاكين، تضرب وجهي وجسدي بلا رحمة.

السماء فوقي كانت رمادية داكنة، مريضة، لا أثر فيها للشمس أو القمر.

فقط ذلك الضوء الشفقي الباهت، الذي كان يلقي بظلال طويلة، مشوهة، على هذا المشهد المرعب.

"هل... هل وصلت؟" همست، وصوتي بالكاد خرج، مختنقًا بالبرد والخوف. "هل هذه هي... المدينة المهجورة؟"

نظرت حولي. لم أرَ أي أثر لمدينة. فقط هذا الجحيم المتجمد، هذه الأرض الملعونة التي تبدو وكأنها نهاية العالم.

"سيتغرق الأمر الكثير من الوقت..." فكرت، وشعور باليأس، أعمق من أي يأس شعرت به من قبل، بدأ يغمرني.

"الكثير من الوقت... إذا تمكنت من البقاء حيًا حتى ذلك الحين."

نهضت على قدمي المرتجفتين، وشعرت بأن البرد القارس بدأ يخترق طبقات الملابس التي كنت أرتديها، يصل إلى عظامي، يهدد بتجميد دمي.

"عين الحقيقة" أظهرت لي أن هذا المكان... لم يكن مجرد مكان بارد.

كان مشبعًا بطاقة مظلمة، قديمة، خبيثة. طاقة الموت، طاقة اليأس، طاقة الجنون.

رأيت أشباحًا باهتة، تتلوى في مهب الريح، وجوهًا معذبة، مجمدة في صرخات أبدية.

لم يكن هناك أي أثر للسيف الأسود، ولا للقطعة الأثرية النادرة. فقط هذا الجحيم الأبيض، الذي كان يرحب بي بصمته المرعب، وببرده القاتل.

كنت وحيدًا. وحيدًا تمامًا. في قلب هذا الكابوس المتجمد.

والرحلة... كانت قد بدأت للتو.

2025/06/14 · 83 مشاهدة · 1812 كلمة
Vicker
نادي الروايات - 2025