الصوت المنتظم للعجلات على الحصى، الذي كان بمثابة التنويم المغناطيسي لدوامة أفكاري المظلمة، صمت فجأة.

حل محله ضجيج مكتوم من الخارج، ضجيج حياة، أصوات بشرية، صهيل خيول، وصدى خطوات على الحجر.

شعرت بأنني في صندوق فاخر، معزول، وأن العالم الحقيقي، بكل فوضاه ومشاكله، ينتظرني في الخارج.

للحظة، للحظة واحدة فقط، تمنيت لو أن هذه العربة تستمر في السير إلى الأبد، تائهة بين العوالم، وأظل أنا حبيس هذا الصمت المظلم، الفاخر.

لكن لا مفر.

انفتح باب العربة الثقيل بواسطة خادم لم أره وجهه. ضوء الشمس الساطع، الذي لم أره بقوته هذه منذ شهور، اقتحم المقصورة كأنه سيف من نار، وأجبرني على تضييق عيني.

الهواء الذي دخل كان مختلفًا، يحمل رائحة العشب المقصوص حديثًا، ورائحة حجر قديم دافئ، وعطورًا باهظة الثمن تختلط معًا في مزيج غريب.

خطوت خارج العربة، ووضعت قدمي على أرض أكاديمية

"سيلفانوس" الملكية.

المشهد كان... مهيبًا. ومثيرًا للغثيان في آن واحد. المباني كانت مصنوعة من رخام أبيض ناصع، تتلألأ تحت أشعة الشمس كأنها قصور من السكر.

الأبراج كانت شاهقة، ذات قباب ذهبية، والحدائق كانت تمتد كبساط من الزمرد، كل شجرة وكل زهرة في مكانها المثالي.

كانت هناك عربات أخرى، لا تقل فخامة عن عربتي، تحمل شعارات العائلات النبيلة الكبرى، وخدم يرتدون أزياء موحدة، يتحركون بسرعة وكفاءة.

وكان هناك الطلاب. مئات منهم. شباب وشابات في مثل عمري، يرتدون الزي الرسمي الأنيق للأكاديمية – سترات داكنة ذات حواف فضية للفتيان، وفساتين مشابهة للفتيات – ويتجولون في مجموعات، يضحكون، يتحدثون، ويتبادلون النظرات الفضولية والمتعجرفة.

ما إن ظهرت، حتى شعرت بالعيون تتوجه نحوي. لم تكن نظرات عادية.

كانت نظرات ثاقبة، مليئة بالفضول، بالرهبة، وربما... بالخوف.

الهمسات بدأت كحفيف أوراق الشجر، ثم أصبحت أكثر وضوحًا.

"إنه... ڤيرتون."

"ابن دوق الظلال..."

"يبدو تمامًا كما وصفوه. بارد، ومخيف."

"سمعت أنه كان مريضًا..."

"يقولون إن قوته لا تضاهى..."

"عين الحقيقة" أظهرت لي هالاتهم الملونة، مزيجًا من الأصفر "الفضول"، والأزرق الداكن" الخوف"، والأحمر "الطموح والمنافسة".

كانوا يفحصونني كأنني قطعة أثرية نادرة، أو وحش خطير تم إطلاقه في حديقتهم المثالية.

وفجأة، شعرت بها. موجة من التوتر، من القلق، تجتاحني.

"اللعنة، لماذا أنا متوتر هكذا؟" صرخت في عقلي، بينما حافظت على وجهي قناعًا من الجليد، لا يظهر عليه أي تعبير.

"لقد واجهت وحوشًا مرعبة، ونجوت من الموت المحقق مرتين، وتحدثت مع كيان قد يكون هو القدر نفسه! والآن، أنا أرتجف بسبب نظرات بعض المراهقين الأثرياء؟ ما هذا الهراء؟"

حاولت أن أهدئ من دقات قلبي المتسارعة.

"حسنًا، أنا معروف لدى الكثير. ابْن دوق الظلال. هذا الاسم وحده كافٍ ليلفت الانتباه.

وأيضًا، اليوم الأول هو يوم سيتم التعرف فيه على بعضنا البعض. إنه أمر طبيعي. طبيعي تمامًا."

"اللعنة!" صرخت في عقلي مرة أخرى. لم يكن هناك أي شيء طبيعي في هذا.

شعرت بأنني تحت مجهر، وأن كل حركة، كل نظرة، كل نفس، يتم تحليله وتقييمه.

تقدم نحوي مرشد من الأكاديمية، شاب أكبر سنًا بقليل، يرتدي زيًا أكثر رسمية.

انحنى انحناءة عميقة، وقال بصوت واضح ومحترم:

"سيدي الشاب نير ڤيرتون، أهلاً بك في أكاديمية سيلفانوس. سأرافقك إلى جناحك، ثم إلى قاعة التجمع الرئيسية."

"قده،" قلت بصوت بارد، مقتضب، آملًا أن يخفي الارتجاف الطفيف الذي شعرت به في داخلي.

بدأنا السير عبر الممرات الرخامية الواسعة للأكاديمية. كان كل شيء فخمًا بشكل يبعث على السأم.

الأسقف كانت عالية، مزينة بلوحات جدارية تصور تاريخ الإمبراطورية، معاركها، وأبطالها.

التماثيل كانت في كل مكان، لملوك سابقين، ولسحرة عظماء، ولأبطال أسطوريين.

والمصابيح... لم تكن مشاعل، بل كانت بلورات سحرية تطفو في الهواء، تنشر ضوءًا أبيض، ناعمًا، ومشرقًا بشكل مزعج.

كلما مررنا بمجموعة من الطلاب، كان الصمت يحل، والعيون تتبعنا. شعرت بأنني موكب يسير بمفرده.

وفي خضم هذا التوتر، وهذا القلق السخيف، عادت هي إلى ذهني. آيلا. بطلة الرواية. السبب الرئيسي لكل الكوارث الرومانسية القادمة.

كيف سأواجهها؟ ماذا سأقول؟ الرواية قالت إن لقاءنا الأول كان "مصيريًا"، "مليئًا بالشرارات". يا للسخافة!

"عليّ أن أهدأ،" قلت لنفسي، وأنا أجبر أنفاسي على الانتظام. "عليّ أن أفكر بمنطق."

وفجأة، كأن صاعقة من الوضوح ضربت عقلي المشوش.

"انتظر... أنا لم أقابل آيلا عندما هجم الوحش الطاغية!" أدركت، وشعرت بموجة من الارتياح الهائل تغمرني.

"لقد كنت في الغابة السوداء اللعينة! كنت أصارع الموت، ثم كنت فاقدًا للوعي! اللقاء الأول الذي وصفته الرواية، ذلك اللقاء الدرامي في خضم المعركة... لم يحدث!"

هذا... هذا كان تغييرًا كبيرًا. "وهذا يعني أنها لا تعرفني بشكل خاص،" واصلت التفكير، وشعرت بأن جزءًا كبيرًا من التوتر يغادرني.

"ربما قد سمعت بي، كأي شخص آخر. لكن لا يوجد ذلك الرابط 'المصيري' المزعوم.

لا يوجد ذلك الأساس الذي ستبنى عليه كل تلك الدراما المقرفة."

شعرت بأنني أريد أن أضحك. لقد أنقذتني الغابة السوداء، بكل ما فيها من رعب، من مصير أسوأ بكثير: لقاء رومانسي مبتذل.

"لكن... لماذا أنا متشتت الذهن هكذا؟" تساءلت، ولا أزال أشعر بذلك الارتباك الخفيف.

"لماذا كنت قلقًا لهذه الدرجة؟"

ربما كانت آثار ما مررت به لا تزال أعمق مما أتصور.

أو ربما، كنت أخشى قوة الرواية نفسها، أخشى أن يجد القدر طريقة أخرى لجمعنا معًا.

وصلنا أخيرًا إلى قاعة التجمع الرئيسية. كانت قاعة ضخمة، ذات سقف زجاجي مسحور يظهر السماء الزرقاء الصافية.

مئات المقاعد المخملية كانت مرتبة بدقة، والطلاب كانوا قد بدأوا يأخذون أماكنهم.

أشار لي المرشد إلى منطقة مخصصة لطلاب السنة الأولى من العائلات الدوقية الكبرى.

ما إن دخلت، حتى شعرت بذلك الصمت المفاجئ، وتلك النظرات التي تركزت عليّ.

تجاهلتهم، ومشيت بخطى ثابتة نحو مقعد شاغر، مقعد في زاوية، بعيدًا عن الآخرين قدر الإمكان.

جلست، ووضعت يدي على ركبتي، وحافظت على وجهي خاليًا من أي تعابير.

لكن من الداخل، كانت حواسي، و"عين الحقيقة"، تعمل بأقصى طاقتها، تمسح القاعة، تحلل اللاعبين في هذه المسرحية الجديدة.

لم يكن من الصعب إيجادهم.

سيلين دي فالوا كانت هناك، تجلس بظهر مستقيم، ووجه كقناع من البورسلين، وشعرها الأسود ينسدل على كتفيها كشلال من ليل.

كانت محاطة ببعض النبيلات الأخريات، اللواتي كن يتحدثن إليها بحماس، لكنها كانت تبدو وكأنها لا تستمع.

"عين الحقيقة" أظهرت لي هالتها الزرقاء الجليدية، هادئة، لكنها حادة كشظايا الزجاج.

"أميرة الجليد على عرشها الجليدي. رائع،" فكرت بسخرية.

وعلى الجانب الآخر من القاعة، في مكان أكثر بروزًا، كان يجلس ولي العهد، الأمير ثيرون ڤاليراك.

كان يبدو تمامًا كما وصفته الرواية: وسيم، متغطرس، وشعره الذهبي يلمع تحت الضوء المسحور.

كان يتحدث بصوت عالٍ مع مجموعة من النبلاء، ويضحك ضحكة تحمل في طياتها شعورًا بالتفوق.

بجانبه، كانت تجلس أخته، الأميرة سيرافينا ڤاليراك. كانت تبتسم ابتسامة ملائكية، وتهز رأسها بلطف مع كلمات أخيها، وتبدو كتجسيد للبراءة والجمال.

لكن "عين الحقيقة" كانت تروي قصة مختلفة تمامًا.

هالتها كانت مزيجًا مرعبًا من اللون الوردي الفاتح والأسود القاتم، تتراقص فيها طاقة متلاعبة، قاسية، وخطيرة.

"الملاك والشيطان يرتديان نفس الزي الرسمي. يا للسخرية الكونية،" تمتمت لنفسي.

ورأيت الآخرين أيضًا. كايلين، من بيت "الخشب الحديدي"، كان يقف وحيدًا في زاوية، صامتًا كتمثال، ويداه على مقبض سيفه التدريبي.

ليرا فيكس، كانت تجلس في الصفوف الأمامية، وتعبث بجهاز غريب، صغير، يطلق شرارات ملونة بين الحين والآخر.

وكاسيان دي فالوا، كان يتنقل بين المجموعات، يلقي التحية بابتسامته الساحرة، ويتبادل الهمسات مع هذا وذاك.

ثم، رأيتها.

آيلا.

كانت تقف وحدها، بالقرب من المدخل، وتبدو ضائعة تمامًا. كانت ترتدي نفس الزي الرسمي، لكنه بدا غريبًا عليها، كأنه ليس ملكها.

كانت تنظر حولها بعينين واسعتين، مليئتين بالدهشة، والقلق، وبذلك التصميم العنيد الذي يميز شخصيات الأبطال المزعجين.

وفي تلك اللحظة، شعرت بذلك التوتر السخيف يعود لي مرة أخرى. وجدت نفسي، بشكل لا إرادي، أحني رأسي قليلاً، وأتمنى ألا تلتقي أعيننا.

"لا تنظري إلى هنا، لا تنظري إلى هنا، أيتها الكارثة المتنقلة،" صرخت في عقلي.

بدأت مراسم الافتتاح. صعد مدير الأكاديمية، وهو ساحر عجوز ذو لحية بيضاء طويلة، إلى المنصة، وبدأ في إلقاء خطاب طويل، وممل، عن الشرف، والواجب، ومستقبل الإمبراطورية.

كنت أتجاهل كلماته، وعقلي لا يزال يحاول استيعاب هذه التشكيلة المتفجرة من الشخصيات التي حُشرت معي في نفس المكان.

عندما انتهى الخطاب أخيرًا، وبدأ الطلاب في التحرك، استعدادًا للتوجه إلى فصولهم لأول مرة، حدثت تلك اللحظة التي كنت أخشاها.

في خضم الفوضى والحركة، تعثرت آيلا، ربما لأن أحدهم دفعها دون قصد. فقدت توازنها، وبدأت في السقوط...

في اتجاهي مباشرة.

كانت على بعد خطوات قليلة مني. الزمن بدا وكأنه تباطأ. رأيت الرعب في عينيها.

رأيت يديها وهي تمتد في الهواء، محاولة التشبث بأي شيء.

ووجدت نفسي أمام خيار.

هل أمد يدي، وأنقذها، كما يفعل الأبطال في الروايات السخيفة، وأفتح بذلك باب الجحيم الرومانسي على نفسي؟

أم أتنحى جانبًا ببرود، وأدعها تسقط على الأرضية الرخامية الصلبة.

سأبدو كأرستقراطي متعجرف، عديم الرحمة. سيلفت ذلك الانتباه، وربما يثير عداوات غير ضرورية. خطوة غبية.

كانت مجرد لحظة. مجرد قرار بسيط.

لكنني شعرت بأن مستقبل هذا العالم الملعون كله، أو على الأقل، مستقبلي أنا، يعتمد على هذه اللحظة التافهة، السخيفة.

"اللعنة!" صرخت في عقلي للمرة الألف في ذلك اليوم. "ما الذي يجب أن أفعله؟"

لا. يجب أن يكون هناك خيار ثالث. خيار احترافي. خيار ينجيني من الموقف، ويحافظ على قناعي الغامض، وربما... يضيف لمسة من الدراما التي لا أكون أنا بطلها.

وفي جزء من الثانية، بينما كانت لا تزال في الهواء، اتخذت قراري.

بحركة سريعة، سلسة، تبدو طبيعية تمامًا، حركت يدي اليسرى قليلاً، وأرخيت إصبعي الذي يحمل خاتم الأبعاد الأسود.

انزلق الخاتم بصمت، وسقط على الأرضية الرخامية، محدثًا صوت "كلينك" خافتًا، بالكاد مسموعًا، لكنه كان كافيًا.

في نفس اللحظة، انحنيت بسرعة، ليس لمساعدتها، بل "لالتقاط" خاتمي المزعوم.

جسدي تحرك برشاقة مفاجئة، حركة تدربت عليها لأسابيع. انحناءة أرستقراطية، أنيقة، أخذتني تمامًا خارج مسار سقوطها.

مرت بجانبي، كشهاب صغير من الارتباك. سمعت شهقتها الخافتة، وصوت ارتطام جسدها بالأرض لم يكن عاليًا، لكنه كان كافيًا ليلفت انتباه من حولها.

لم أرفع رأسي. بقيت منخفضًا، وعيناي مثبتتان على الأرض، أتظاهر بالبحث المحموم عن "خاتمي الثمين".

"أوه، يا إلهي! هل أنتِ بخير؟" سمعت صوتًا رجوليًا، ساحرًا. كان كاسيان دي فالوا.

بالطبع. ابن عم سيلين، السياسي الماكر، لن يفوت فرصة كهذه ليظهر بمظهر الفارس النبيل أمام فتاة بسيطة، ويكسب بعض النقاط الاجتماعية.

رأيت من زاوية عيني حذاءه المصقول وهو يقترب منها، ويده الممدودة لمساعدتها.

تجمع حشد صغير من الفضوليين. ممتاز. كل الأنظار كانت عليهم الآن، وليس عليّ.

بقيت على الأرض للحظات إضافية، أمرر يدي على الرخام البارد، كأنني أبحث عن أثمن جوهرة في العالم.

ثم، "وجدته". التقطت الخاتم، نفخت فيه نفخة خفيفة لإزالة الغبار الوهمي، ثم وقفت بهدوء، وأنا أنفض سترتي من أي تجعيدة.

أعدت الخاتم إلى إصبعي، ونظرت إلى المشهد أمامي ببرود، كأنني لم ألاحظ شيئًا من كل هذه الجلبة.

آيلا كانت واقفة الآن، وكاسيان لا يزال يمسك بذراعها بلطف، ويسألها بابتسامته الساحرة ما إذا كانت قد تأذت.

كانت هي تهز رأسها، ووجهها أحمر من الخجل والإحراج.

"بحق الجحيم،" فكرت، وشعرت بموجة من الاشمئزاز والرضا في آن واحد.

"كيف يمكن لعامية أن تكون معنا بنفس الفصل؟ أي عذر سخيف اخترعته الكاتبة لتجعلها بنفس مكانتنا؟ قدرة شفائية نادرة؟ تباً لذلك.

لو كانت قدراتها نادرة حقًا، لكانت الآن في جناح طبي خاص بالإمبراطور، وليس في أكاديمية للنبلاء."

تفرق الحشد الصغير، وبدأ الطلاب يتوجهون نحو قاعات محاضراتهم.

سرت معهم، محافظًا على مسافة آمنة من مجموعة كاسيان وآيلا.

شعرت بالارتياح، كأنني نجوت من محاولة اغتيال. وهذا ما كانت عليه الحال بالفعل. محاولة اغتيال لشخصيتي، لخطتي، لحريتي.

وصلنا إلى قاعة المحاضرات الخاصة بالسنة الأولى، قسم النخبة.

كانت قاعة ضخمة، ذات مدرجات نصف دائرية، ومقاعد فردية مصنوعة من خشب داكن، ولكل مقعد طاولة صغيرة خاصة به.

في الأمام، كانت هناك منصة مرتفعة، وسبورة ضخمة، سوداء، فارغة.

لم تكن سبورة عادية، بل كانت "لوح أثيري"، يمكن الكتابة عليه بالسحر مباشرة.

اخترت مقعدي بعناية. في الصف الأعلى، في أقصى الزاوية.

مكان يمنحني رؤية كاملة للقاعة، وللجميع، بينما يجعل من الصعب على الآخرين مراقبتي.

كان بجانب نافذة زجاجية ضخمة، تطل على إحدى حدائق الأكاديمية الهادئة. مخرج هروب مثالي، إذا لزم الأمر.

بدأ الطلاب يأخذون أماكنهم. مجموعة الأمير ثيرون ڤاليراك والأميرة سيرافينا ڤاليراك احتلت، كما هو متوقع، الصف الأمامي، في المنتصف.

كانوا كالشمس التي تدور حولها الكواكب، محاطين بنبلاء أقل شأنًا يتنافسون على كسب ودهم.

سيلين دي فالوا جلست على بعد مقعدين منهم، في نفس الصف، محافظة على مسافة باردة، دبلوماسية.

كايلين من بيت "الخشب الحديدي" اختار مقعدًا في الطرف الآخر، وظل صامتًا، يحدق في يديه كأنهما السلاح الوحيد الذي يثق به في هذا العالم.

ليرا فيكس أخرجت مجموعة من البلورات الملونة وبدأت في ترتيبها على طاولتها في نمط غريب، محدثة أصوات طقطقة خافتة.

وآيلا... دخلت القاعة بتردد، وبحثت عن مكان شاغر. لم يرحب بها أحد. النبلاء كانوا يتجاهلونها، أو يرمقونها بنظرات متعجرفة.

أخيرًا، وجدت مقعدًا فارغًا، في الصفوف الوسطى، وجلست، وظهرها مستقيم، وعيناها مثبتتان على المنصة، كأنها تحاول أن تثبت لنفسها وللعالم أنها تنتمي إلى هذا المكان.

"يا للشفقة،" فكرت ببرود.

ثم دخلت المحاضرة.

لم تكن ساحرًا عجوزًا، ولا محاربًا متقاعدًا. كانت امرأة. امرأة في منتصف العمر، طويلة، نحيلة، ذات شعر فضي قصير، وعينين حادتين كعيني صقر.

كانت ترتدي زيًا بسيطًا، لكنه أنيق، ولم تكن تحمل أي سلاح أو عصا سحرية.

لكن "عين الحقيقة" أظهرت لي أن هالتها كانت... قوية. قوية بشكل مخيف.

كانت هالة بنفسجية داكنة، هادئة، لكنها عميقة، كبحر لا قرار له، وفيها ومضات من طاقة حادة، كشفرات غير مرئية.

وقفت على المنصة، ونظرت إلى الطلاب بصمت لعدة ثوانٍ. الصمت حل في القاعة على الفور.

"أهلاً بكم في أكاديمية سيلفانوس،" قالت، وصوتها كان هادئًا، لكنه كان يحمل سلطة لا يمكن تجاهلها.

"اسمي الأستاذة إيلارا. وسأكون مسؤولة عن تدريسكم مادة 'تحليل التهديدات وتاريخ السحر المظلم'."

ابتسامة خافتة، باردة، ارتسمت على شفتيها. "لكن قبل أن نغوص في الظلام الذي يكمن في قلوب البشر والوحوش، وقبل أن أبدأ درسنا الأول غدًا، سنقوم بطقس أكثر دنيوية، لكنه ضروري.

اليوم هو للتعارف. أريد أن أعرف من أنتم، وأريدكم أن تعرفوا من هم خصومكم وحلفاؤكم المحتملون."

تجولت بنظرها الحاد عبر وجوهنا. "سيقوم كل واحد منكم بالوقوف، وذكر اسمه، واسم عائلته، وشيء واحد يبرع فيه.

اعتبروها فرصة لقياس قوة بعضكم البعض قبل أن تبدأ المعركة الحقيقية."

ضجة خافتة من الهمسات والترقب سرت في القاعة. هذا كان... غير متوقع.

بدأت التعريفات من الصفوف الأمامية. وقف الأمير ثيرون ڤاليراك أولاً، ونظرة الغطرسة واضحة على وجهه.

قال بصوت عالٍ وواثق: "ثيرون ڤاليراك، من البيت الإمبراطوري. أبرع في... القيادة." ثم جلس، وكأنه ألقى بحقيقة كونية لا تقبل الجدال.

تبعه آخرون، كلٌ يتباهى بقوة عائلته أو بمهاراته في المبارزة أو في نوع معين من السحر. ثم وقفت الأميرة سيرافينا ڤاليراك.

ابتسامتها كانت ملائكية، وصوتها ناعمًا. "سيرافينا ڤاليراك. أبرع في... فهم الناس."

"فهم كيفية تحطيمهم، تقصدين،" همست في عقلي، وأنا أرى ومضات الظلام في هالتها الوردية.

عندما جاء دور آيلا، وقفت بتردد، ووجهها أحمر قليلاً. "أنا... آيلا. فقط آيلا. و... أعتقد أنني أبرع في الشفاء."

ثم جاء دوري. حل صمت مطبق في القاعة عندما وقفت. كل العيون كانت موجهة نحوي.

"نير ڤيرتون،" قلت، وتركت الصمت يمتد للحظات، ثم أضفت بصوت هادئ، كأنه همس يحمل وزنًا.

"...أبرع في المراقبة."

ثم جلست. رأيت نظرات الارتباك والفضول على وجوه الكثيرين. جيد. هذا ما أردته.

عندما انتهى الجميع، أومأت الأستاذة إيلارا برأسها. "جيد جدًا. الآن أنتم تعرفون، على الأقل ظاهريًا، من يجلس معكم في هذا القفص.

غدًا، سنبدأ الدرس الأول. يمكنكم الانصراف الآن. المرشدون سيقودونكم إلى أجنحتكم السكنية."

بينما كان الطلاب يغادرون، وجدت المرشد الذي رافقني سابقًا ينتظرني. "من هنا، سيدي الشاب ڤيرتون."

سرنا عبر ممرات أخرى، وصولاً إلى جناح سكني منفصل، أكثر هدوءًا من المباني الرئيسية.

"للحفاظ على خصوصية وتركيز الطلاب من العائلات الكبرى،"

شرح المرشد بصوت رتيب، "الأكاديمية توفر لكل شخص غرفة خاصة لوحده. جناحكم في نهاية هذا الممر."

هذه كانت أخبارًا جيدة. غرفة خاصة تعني ملاذًا آمنًا. مكانًا يمكنني فيه أن أكون على حقيقتي، أن أخطط، وربما... أن أتدرب سرًا.

أوصلني المرشد إلى باب مصنوعض من خشب داكن، عليه لوحة فضية صغيرة منقوش عليها اسمي. انحنى وغادر.

أدرت المقبض، ودخلت. أغلقت الباب خلفي، ولأول مرة منذ الصباح، شعرت بأنني أستطيع التنفس.

القناع الجليدي الذي كنت أرتديه سقط، وشعرت بالإرهاق الذهني يغمرني.

كانت الغرفة فسيحة وأنيقة. سرير كبير، مكتب، خزانة، وحمام خاص.

نافذة ضخمة تطل على فناء هادئ. كانت أقل فخامة من جناحي في القصر، لكنها كانت... ملكي.

ألقيت بنفسي على السرير، وحدقت في السقف. لقد مر اليوم الأول. ولقد نجوت منه.

لكن اللعبة... كانت قد بدأت للتو. وكنت لا أزال مجرد بيدق... بيدق يمتلك سيفًا من العدم، وقناعًا من الكوابيس، وعينين تريان الحقيقة المرة لهذا العالم الملعون.

2025/06/21 · 61 مشاهدة · 2508 كلمة
Vicker
نادي الروايات - 2025