الرحلة إلى "غابة خشب الفضة" كانت غارقة في صمت من نوعين.
صمت خارجي في عربتي، حيث كنت أتجنب كل أنواع التفاعل، وصمت داخلي، صمت الروح التي استسلمت لحقيقة أنها تسير نحو حتفها.
وصلنا إلى أطراف الغابة مع حلول الظهيرة. كانت جميلة، جميلة بشكل يثير الغثيان.
أشجارها شاهقة، ذات جذوع فضية باهتة وأوراق خضراء زاهية، تتلألأ تحت أشعة الشمس كأنها مرصعة بآلاف الجواهر.
الأرض كانت مغطاة بطبقة ناعمة من العشب، ورائحة الزهور البرية والصنوبر كانت تملأ الهواء.
كانت كذبة. كذبة جميلة ومتقنة.
بدأ الأساتذة في تنظيمنا. الأستاذ ألاريك، بعينيه الحزينتين، كان يشرح لنا كيفية نصب الخيام السحرية، وهي خيام صغيرة من الخارج، لكنها فسيحة من الداخل بفضل تعاويذ التوسيع.
الطلاب الآخرون كانوا يتصرفون كما لو أنهم في نزهة طويلة.
أبناء النبلاء كانوا يتذمرون من الاضطرار إلى العمل بأيديهم، بينما كانت آيلا، بكل حماسها الساذج، تحاول مساعدة الجميع، وعيناها تلمعان بالإثارة والمغامرة.
اخترت مكانًا معزولاً، تحت ظل شجرة أرز ضخمة، بعيدًا عن الضجيج والضحك المصطنع للمخيم الرئيسي.
نصبت خيمتي بصمت، بحركات آلية. لم أكن بحاجة إلى تعليمات.
كنت قد قرأت عن هذه الخيام في الرواية. كانت مجرد تفصيل آخر في هذه المسرحية المأساوية.
"عين الحقيقة" كانت نشطة، تمسح الغابة من حولي. لكنها لم تظهر أي شيء مريب.
هالات الأشجار كانت خضراء، نابضة بالحياة. هالات الحيوانات الصغيرة التي كانت تختبئ بين الشجيرات كانت بيضاء وبريئة.
كانت الغابة تبدو... طبيعية. طبيعية بشكل مرعب. هذا الهدوء، هذا السلام الظاهري، كان أشد إثارة للرعب من أي وحش رأيته، لأنه كان يخفي تحته حقيقة دامية.
مرت الساعات الأولى في هدوء قاتل. تعلم الطلاب كيفية إشعال النار، وكيفية تنقية المياه، وبعض المهارات الأساسية الأخرى التي لن تفيدهم في شيء أمام ما هو قادم.
كنت أشارك، لكن عقلي كان في مكان آخر. كان يحسب الوقت، يراقب السماء، وينتظر.
ثم، بدأت أولى علامات الكارثة.
لم تبدأ بصراخ أو بظهور وحش. بل بدأت بتغير في الضوء. أشعة الشمس الذهبية بدأت تخفت، وتكتسب لونًا رماديًا، مريضًا.
الطيور التي كانت تغني في أعالي الأشجار صمتت فجأة، كأن هناك أمراً قد صدر لها.
ساد صمت غريب، غير طبيعي، على الغابة، صمت الترقب، صمت ما قبل العاصفة.
الطلاب الآخرون لم يلاحظوا شيئًا في البداية. لكنني لاحظت. شعرت به في الهواء الذي أصبح أثقل، رطبًا، ومشحونًا بكهرباء ساكنة جعلت شعر ذراعي يقف.
رفعت رأسي نحو السماء. كانت الغيوم تتجمع بسرعة غير طبيعية، غيوم داكنة، كثيفة، كأنها كدمات في جسد السماء.
ثم، سقطت القطرة الأولى. كبيرة، باردة، على خدي. تلتها أخرى، ثم أخرى. وفي غضون دقائق، انهمر المطر بغزارة.
بدأ الطلاب يركضون نحو خيامهم، يضحكون ويشكون من المطر الذي أفسد عليهم "يومهم الممتع".
لكنني بقيت واقفًا في مكاني.
وقفت في قلب العاصفة التي بدأت تتشكل، والمطر يجلد وجهي وجسدي.
رفعت وجهي نحو السماء، وتركت الماء البارد يغسلني. كانت السماء تبكي، ورأيت في بكائها انعكاسًا ليأسي.
هذه القطرات... كانت تخفي دموعي بشكل جيد. تلك الدموع الحارقة التي كنت أقاتل لمنعها من السقوط.
دموع الغضب، والظلم، والخوف المطلق من المصير الذي أعرفه، والذي لا أستطيع الهروب منه.
دوى صوت الرعد، ليس بعيدًا هذه المرة، بل قريبًا، عنيفًا، كأنه هدير وحش يستيقظ من سباته العميق.
ومض البرق، وأضاء الغابة للحظة، محولاً الأشجار الفضية إلى هياكل عظمية شبحية، والظلال إلى وحوش راقصة.
"لقد بدأ،" تمتمت للمطر، وللرياح، وللسماء الباكية.
عدت ببطء إلى خيمتي، ليس بحثًا عن مأوى، بل لأنتظر. دخلت، وأغلقت المدخل، وجلست القرفصاء في الظلام، بينما كان صوت المطر يضرب قماش الخيمة كأنه قرع طبول حرب لا تتوقف.
الرواية قالت... "بعدها بما يقارب الساعة...".
ساعة واحدة. ستون دقيقة. ثلاثة آلاف وستمائة ثانية من العذاب، من الترقب، من معرفة أن الجحيم على الأبواب.
مرت الدقائق ببطء مؤلم، كل ثانية كانت تمتد كأنها دهر. كنت أسمع أصوات الطلاب من الخيام المجاورة،
أصواتهم مكتومة بسبب المطر، بعضهم كان يغني، وبعضهم كان يلعب، وبعضهم كان يشكو من الملل.
كانوا لا يزالون في عالمهم البريء، بينما كنت أنا في عالم آخر، عالم من الحقائق المروعة.
عقلي بدأ يعرض أمامي شريط الأحداث القادمة، كما قرأتها في الرواية.
"وحوش من الرتبة الأولى ستبدأ بالظهور أولاً..." تذكرت. "حشرات عملاقة، جرذان ذات أنياب سامة، أشياء مقرفة، لكنها ضعيفة.
ستسبب بعض الفوضى، بعض الصراخ، لكن الأساتذة والطلاب الأقوى سيتعاملون معها بسهولة. سيعتقدون أنها مجرد اختبار غير متوقع."
"ثم، الرتبة الثانية والثالثة..." واصل عقلي عرض الكابوس. "ذئاب الظل، عناكب الأشجار العملاقة، خنازير برية ذات أنياب جليدية.
هنا، سيبدأ الخوف الحقيقي. ستقع أولى الإصابات. ربما أولى الوفيات بين الطلاب الأضعف.
سيتحول الأمر من اختبار مزعج إلى معركة حقيقية من أجل البقاء."
"وبعدها... سيبدأ الرعب الحقيقي..." شعرت بقلبي يتجمد. "حيث سيظهر وحش من الرتبة الخامسة.
" تذكرت وصفه. "سيد الغابة المتحول".
غزال ضخم، كان في يوم من الأيام حارس هذه الغابة، لكنه فسد بسبب طاقة مظلمة، وتحول إلى كائن من الكوابيس،
قرونه أصبحت أغصانًا حادة تطلق تعاويذ الموت، وعيناه تحولتا إلى فراغين ينبعث منهما ضوء أخضر مريض.
هذا الوحش سيحطم دفاعات الأساتذة، وسينشر الفوضى المطلقة.
"وبعدها..."
لم أكن أريد أن أفكر في الأمر، لكن الصورة كانت محفورة في ذاكرتي.
"بعدها... سيظهر الأرعب. وحش من المستوى السابع."
الكيمايرا ناسج الفراغ.
شعرت بالاختناق. أردت أن أصرخ، أن أحذرهم، أن أقول لهم أن يهربوا.
لكن ماذا سأقول؟ "لقد قرأت في رواية أننا سنموت جميعًا"؟ سيظنون أنني قد جننت.
مرت الساعة، أو ما يقاربها، في جحيم من الترقب الصامت. في الخارج، لم تهدأ العاصفة، بل على العكس تمامًا. لقد اشتدت.
تحول صوت المطر على قماش الخيمة من قرع طبول منتظم إلى هدير مستمر، كأن محيطًا كاملاً يهطل من السماء.
لم يعد الرعد مجرد دوي متقطع، بل أصبح سلسلة من الانفجارات المتداخلة التي لا تتوقف، تهز الأرض تحت قدمي، وتجعل الهواء يهتز في رئتي.
البرق لم يعد يكتفي بالوميض، بل أصبح يمزق السماء الرمادية الداكنة بشكل شبه مستمر، محولاً العالم الخارجي إلى مسرح من الظلال البيضاء الحادة والسواد المطلق، في رقصة مرعبة ومجنونة.
وفي خضم هذا الصخب الكوني، سمعته.
صوت جديد، بالكاد استطعت تمييزه تحت زئير العاصفة. لم يكن صوتًا طبيعيًا.
كان صوت حفيف، صوت خربشة، صوت آلاف الأرجل الصغيرة وهي تتحرك في الوحل، تحت الأرض.
فتحت مدخل خيمتي قليلاً، ونظرت إلى الخارج. كان المشهد كأنه لوحة من الكوابيس.
المطر كان يهطل كستارة رمادية صلبة، والرياح كانت تقتلع الأوراق والأغصان الصغيرة من الأشجار. الأرض تحولت إلى مستنقع من الطين الأسود.
ثم، رأيت الأرض تتحرك.
لم تكن مجرد تموجات من الماء. كانت الأرض نفسها تنتفخ، تتشقق.
وفي ومضة برق عنيفة أضاءت كل شيء للحظة، رأيتهم.
حشرات سوداء، لامعة بفعل المطر، بحجم قطة كبيرة، ذات فكوك قوية، وعيون حمراء متعددة تتوهج في الظلام كجمرات من الجحيم.
"خنافس الجثث".
كانت تخرج من الأرض الموحلة بالمئات، ثم بالآلاف، غير مكترثة بالعاصفة، كأنها ولدت من رحم هذا الغضب الطبيعي.
سمعت أول صرخة. لم تكن صرخة واضحة، بل صوت مكتوم، ابتلعه صوت الرعد.
ربما طالبة خرجت من خيمتها لسبب ما، ووجدت أحد هذه الكوابيس يزحف على قدميها.
ثم، صرخة أخرى. وأخرى.
بدأ المخيم يضج بالفوضى والصراخ.
"وحوش! هناك وحوش!"
خرج الأساتذة، وسيوفهم وعصيهم السحرية في أيديهم.
"إلى مواقعكم! شكلوا دائرة دفاعية!" صرخ الأستاذ ألاريك، وصوته الهادئ أصبح الآن زئير أسد.
خرجت من خيمتي ببطء. لم أكن متفاجئًا. لم أكن خائفًا من هذه الحشرات. كنت خائفًا مما سيأتي بعدها.
استدعيت السيف الأسود. ظهر في يدي بصمت، ونصله الذي يمتص الضوء كان يبدو كقطعة من ليل متجمد في هذا الجو الرمادي.
نظرت إلى الطوفان الأسود من الخنافس الذي كان يقترب. نظرت إلى وجوه زملائي المذعورة.
ونظرت إلى السماء الباكية، التي لم تتوقفت عن البكاء، وكأنها تنتظر بصمت بدء المجزرة الحقيقية.
رحلة الموت... قد بدأت للتو.
وهذه... كانت مجرد المقدمة.
---
---
الفوضى انفجرت كقنبلة من اللحم والدم والطين.
الطوفان الأسود من "خنافس الجثث" اصطدم بالخط الدفاعي الهش الذي شكله الأساتذة والطلاب حول المخيم.
صوت طقطقة هياكلها الكيتينية وهي تسحق تحت الأقدام، وصوت هسهستها العدوانية، امتزج مع زئير الرعد وصرخات الطلاب المذعورة، ليخلق سيمفونية من الجحيم.
كان كل شيء عبارة عن حركة عنيفة وظلال مشوهة تحت ومضات البرق المستمرة.
المطر الغزير حول الأرض إلى مستنقع لزج، يعيق الحركة ويجعل كل خطوة صراعًا.
لكن، ورغم الرعب، كان هناك عزم.
"قاتلوا! لا تدعوها تخترق الخط!" صرخ الأستاذ ألاريك، وصوته العجوز اكتسب قوة مفاجئة، وهو يسحق إحدى الخنافس بعصاه الخشبية التي توهجت بضوء أخضر باهت.
رأيتهم يقاتلون. رأيتهم جميعًا. كانوا يقاتلون بكل قوة وعزم، كأن حياتهم تعتمد على ذلك.
وهو ما كانت عليه الحال بالفعل، لكنهم لم يكونوا يعرفون الحقيقة الكاملة.
كايلين، من بيت "الخشب الحديدي"، كان آلة قتل صامتة. سيفه التدريبي كان يتحرك بسرعة ودقة لا تصدق، كل ضربة كانت تجد نقطة ضعف في درع خنفساء، وتشقها إلى نصفين.
كان وجهه خاليًا من أي تعبير، مجرد تركيز جليدي، وهو يتحرك بثبات وسط الفوضى، كصخرة لا تتأثر بالأمواج.
ليرا فيكس، كانت تصرخ بتعاويذ غريبة، وتطلق من يديها كرات من طاقة أرجوانية متفجرة، تحول مجموعات من الخنافس إلى غبار أسود.
كانت تضحك بشكل هستيري، وعيناها تلمعان بحماسة مجنونة، كأن هذه الفوضى هي ملعبها المفضل.
حتى الأمير ثيرون ڤاليراك، ورغم غطرسته، كان يقاتل. حراسه الشخصيون الأربعة شكلوا حوله وحول أخته الأميرة سيرافينا جدارًا بشريًا، لكنه هو نفسه كان يستخدم سيفه المزخرف بمهارة، ويقطع أي خنفساء تجرؤ على الاقتراب.
سيرافينا، من ناحية أخرى، كانت تقف في وسط هذا الجدار، هادئة، لا تشارك في القتال، فقط تراقب كل شيء بعينيها الباردتين، كأنها تشاهد مسرحية مثيرة للاهتمام.
الطلاب الآخرون كانوا يقاتلون بشجاعة يائسة، يطلقون تعاويذهم الأساسية – كرات نار كانت تهمد بسرعة تحت المطر، أو ضربات سيوف كانت ترتد أحيانًا عن دروع الخنافس الصلبة.
آيلا كانت في الخلف، مع المعالجين الآخرين، ووجهها شاحب، لكنها كانت تتحرك بسرعة، وتستخدم سحرها الشفائي على الجروح البسيطة التي بدأ الطلاب يصابون بها.
باستثناءي أنا. باستثناء اليائس نير.
كنت أقف بجانب خيمتي الممزقة جزئيًا، والسيف الأسود في يدي، والمطر ينساب على وجهي وشعري.
لم أتحرك. كنت مجرد مراقب صامت لهذه المعركة العبثية. لماذا أقاتل؟ لماذا أبذل أي جهد؟ هذه المخلوقات من الرتبة الأولى... كانت مجرد مقبلات.
مجرد إلهاء سخيف قبل أن يبدأ الرعب الحقيقي. قتالها كان كمن يحاول أن يفرغ المحيط بملعقة. لا معنى له.
"عين الحقيقة" كانت تريني كل شيء بوضوح مؤلم. هالات الطلاب المذعورة، وهالات الخنافس الحمراء الداكنة، المليئة بالجوع الأعمى.
رأيت طالبًا يتعثر في الوحل، وتنقض عليه ثلاث خنافس، وتبدأ في تمزيق جلده ودروعه بفكوكها القوية.
سمعت صرخته المكتومة، التي ابتلعها صوت الرعد.
ولم أشعر بشيء.
لا شفقة. لا خوف. فقط ذلك الفراغ البارد، واليأس المطلق.
ثم، اخترقت إحدى الخنافس خط الدفاع، وتوجهت نحوي مباشرة.
كانت تزحف عبر الطين بسرعة مدهشة، وعيونها الحمراء المتعددة مثبتة عليّ، والهسهسة العدوانية تخرج من فكوكها التي تقطر سائلاً أسود.
لم أتحرك حتى أصبحت على بعد خطوات قليلة مني. حتى استطعت أن أشم رائحتها الكريهة، رائحة التحلل والأرض الرطبة.
عندما قفزت نحوي، وفكوكها مفتوحة على مصراعيها، تحركت.
لم تكن حركة سريعة، ولا حركة مذهلة.
كانت حركة بسيطة، اقتصادية، وهادئة. رفعت السيف الأسود، وبضربة واحدة، سلسة، من الأعلى إلى الأسفل، شطرتها إلى نصفين.
لم يكن هناك صوت احتكاك، ولا صوت تكسر. مر النصل عبر درعها الكيتيني الصلب كأنه يمر عبر الهواء.
لم يكن قطعًا، بل كان... محوًا. النصفان سقطا على جانبي، وحواف الجرح كانت نظيفة، سوداء، كأنها كُويت بنار من العدم. لم يخرج أي دم، أي سائل. فقط فراغ.
نظرت إلى الخنفساء الميتة، ثم إلى السيف في يدي. هذا... لم يكن بسببي.
"لقد تدربت كثيرًا،" فكرت، والبرودة تسري من مقبض السيف إلى ذراعي.
"لكن هذا ليس سوى جزء بسيط من السبب. تدريبي جعل حركتي دقيقة. لكن هذه القوة... هذه القدرة على الإلغاء المطلق... السبب الحقيقي هو قوة السيف."
هذا السلاح الذي أعطاني إياه ذلك الرجل العجوز لم يكن مجرد سيف لا ينكسر. كان شيئًا آخر. شيئًا أقدم، وأكثر رعبًا.
شعرت بنظرات تتجه نحوي. التفت قليلاً، ورأيت كايلين، المبارز العبقري، يحدق فيّ من بعيد للحظة، وعلامة من الارتباك تظهر على وجهه الصامت لأول مرة.
لقد رأى. رأى السهولة المستحيلة التي قتلت بها ذلك الوحش.
تجاهلته، وعدت إلى صمتي، إلى مراقبتي.
استمرت المعركة لدقائق أخرى، بدت كأنها ساعات. أخيرًا، تمكن الطلاب والأساتذة من القضاء على موجة الخنافس.
الجثث السوداء كانت تغطي أرضية المخيم الموحلة. الطلاب كانوا يلهثون، متسخين، وبعضهم مصاب بجروح طفيفة.
لكنهم كانوا يبتسمون. لقد انتصروا.
"لقد فعلناها!" صرخ أحدهم، وعلت صيحات الابتهاج الممزوجة بالارتياح.
لكنني لم أبتسم. لم أشعر بأي ارتياح. بل رفعت نظري، وتجاوزت المخيم، ونظرت إلى الظلام الذي يكمن بين أشجار غابة خشب الفضة.
كنت أنتظر.
الهدوء لم يدم طويلاً.
صوت جديد، أعمق وأكثر وحشية، اخترق صوت المطر والرعد. لم يكن هسهسة أو طقطقة.
كان عواءً. عواءً منخفضًا، حزينًا، يجعلك تشعر بأن اليأس نفسه قد وجد صوتًا.
"ما هذا الصوت؟" سأل أحد الطلاب بقلق.
صيحات الابتهاج ماتت على الفور. كل العيون اتجهت نحو مصدر الصوت.
ومن بين الأشجار، من الظلال التي كانت تتراقص مع ومضات البرق، ظهرت هي.
وحوش من الرتبة الثانية.
"كلاب الكآبة"، هكذا وصفتها الرواية. كانت بحجم الذئاب، لكن أجسادها لم تكن من لحم ودم.
كانت تبدو وكأنها مصنوعة من دخان أسود متجمد، وضباب رمادي.
كانت تتحرك برشاقة شبحية، وأقدامها لا تترك أي أثر تقريبًا على الأرض الموحلة.
والشيء الوحيد الحقيقي فيها كان عيونها. عينان حمراوان، تتوهجان بذكاء خبيث، وبجوع لا يرتوي.
لم تكن مجرد ثلاثة أو أربعة. كانت مجموعة كاملة. خمسين، ربما ستين.
"استعدوا! الموجة الثانية!" صرخ الأستاذ ألاريك، وصوته يحمل نبرة من القلق الحقيقي هذه المرة.
لم تهاجم الكلاب كطوفان أعمى مثل الخنافس. بل انتشرت، شكلت نصف دائرة حول المخيم، وبدأت تتقدم ببطء، بخفة، كأشباح من الدخان. كانت تستخدم تكتيكات. كانت تصطاد.
بدأ الرعب الحقيقي الآن. لم يعد الأمر مزحة. لم تعد مجرد حشرات مقرفة يمكن سحقها.
هذه كانت حيوانات مفترسة، ذكية، وقاتلة.
الطلاب شكلوا دائرة دفاعية مرة أخرى، وظهورهم لبعضهم البعض، وسيوفهم وتعويذاتهم موجهة نحو الظلام.
لكن الخوف كان واضحًا في عيونهم. هالاتهم، التي كانت قبل قليل مليئة بالثقة، أصبحت الآن مضطربة، مليئة باللون الأزرق الداكن للخوف، والرمادي للشك.
الكلب الأول هاجم. لم يندفع مباشرة، بل راوغ، وتحرك بسرعة مذهلة، وانقض على طالبة نبيلة كانت تقف في طرف الدائرة.
لم تستطع الفتاة أن تتفاعل بالسرعة الكافية. صرخت صرخة قصيرة، حادة، عندما غرز الكلب أنيابه الشبحية في ساقها.
بدأت المعركة الثانية. معركة أكثر يأسًا، وأكثر دموية.
وأنا... كنت لا أزال واقفًا في مكاني، والسيف الأسود في يدي، والمطر يغسل الدماء الوهمية عن وجهي.
كنت أشاهد هذه المأساة تتكشف، فصلاً بعد فصل، تمامًا كما قرأتها.
وكنت أعرف... أن هذا، أيضًا، ليس سوى البداية.