تطاير الطين والماء الممزوج بالدماء مع كل ضربة سيف، وكل انفجار سحري.

"كلاب الكآبة"، تلك الأشباح الدخانية ذات العيون الحمراء المتوهجة، لم تكن تهاجم بعشوائية مثل "خنافس الجثث".

بل كانت تتحرك بتنسيق مريب، تلتف حول الخطوط الدفاعية للطلاب، وتستغل أي ثغرة.

كلاب جديدة كانت تظهر من الظلام بين الأشجار، كأن الغابة نفسها تتقيأ الوحوش.

كانت المعركة وحشية، يائسة. الطلاب، الذين كانوا قبل دقائق يحتفلون بانتصارهم السهل، يصارعون الآن من أجل حياتهم.

صرخات الرعب كانت تختلط مع عواء الكلاب الشبحية، ومع صوت المطر والرعد الذي لم يتوقف.

"عين الحقيقة" كانت تريني هالات الطلاب تتلاشى، تتحول من ألوان زاهية إلى رماد باهت مع كل إصابة، مع كل لدغة.

رأيت أحدهم يسقط، ساقاه تتشنجان، وتتحول هالته إلى سواد مطلق. لقد مات. لم تكن مجرد إصابات طفيفة هذه المرة.

"اثبتوا! لا تتراجعوا!" صرخ الأستاذ ألاريك، صوته المبحوح يصارع ضجيج المعركة.

كان يقاتل بشراسة مدهشة لشيخ مثله. عصاه الخشبية لم تكن مجرد عصا؛ كانت تتوهج بضوء أخضر غامق، وتطلق دوامات من الرياح الحادة التي كانت تمزق أجساد "كلاب الكآبة".

كان يتحرك بسرعة مذهلة، يصد الهجمات، ويسحق الوحوش بضربات مركزة.

"عين الحقيقة" كشفت لي أن هالته كانت خضراء داكنة، قوية، تنبض بطاقة هائلة.

كانت هالته تصرخ بأنه من الرتبة الرابعة. وجوده هنا كان بصيص أمل واهن للطلاب.

ليرا فيكس كانت تضحك، ضحكة مجنونة، وهي تطلق كرات النار الأرجوانية التي كانت تحول الكلاب إلى رماد أسود متطاير.

كايلين كان يقاتل كالشيطان، سيفه الأسود يرقص بين ومضات البرق، يحول كلاب الكآبة إلى ضباب يتلاشى.

كان الأمير ثيرون يحاول قيادة الطلاب، يصرخ بالأوامر، ويقاتل بجانب حراسه الشخصيين، بينما كانت الأميرة سيرافينا تقف في وسط دائرة الحماية، هادئة، باردة، تراقب كل شيء بعينيها الرماديتين، كأنها تشاهد مسرحية مثيرة، أو ربما... كأنها تنتظر شيئًا.

أما أنا، فبقيت في مكاني، على بعد خطوات من خط الدفاع الرئيسي.

السيف الأسود كان في يدي، ثقيلًا، باردًا، يمتص الضوء من حولي. لم أشارك في القتال بنشاط.

لماذا أهدر طاقتي على هذه المخلوقات التافهة؟ كنت أعرف ما سيأتي. قتالها كان أشبه بمقاومة الأمواج بيديك العاريتين.

لكن أحد "كلاب الكآبة" لاحظني. ربما استشعر الخمول في موقفي، أو ربما كانت غريزته المفترسة قوية بما يكفي لتتجاهل المعركة الدائرة وتتركز عليّ.

انفصل عن مجموعته، واندفع نحوي، عيناه الحمراوان ثابتتان عليّ، وعواء منخفض يخرج من حلقه.

رفعت السيف الأسود ببطء، بغير مبالاة. عندما قفز الكلب، حركت النصل في قوس واحد، سلس، قاتل.

مر السيف عبر جسده الدخاني، ولم أسمع شيئًا سوى حفيف خافت، كأنني قطعت قطعة من الظلام.

انشطر الكلب إلى نصفين، وتبدد في الهواء كالدخان، تاركًا خلفه رائحة احتراق خفيفة.

"عين الحقيقة" أظهرت لي أن السيف لم يقتله، بل محاه. لم تكن قوة جسدية، بل قدرة على الإلغاء المطلق. هذا السلاح كان مرعبًا، ومثيرًا للقلق في نفس الوقت.

لم يلاحظ أحد، باستثناء الأستاذ ألاريك. في خضم فوضى القتال، التفت إليّ للحظة، وعيناه الزرقاوان اللتان رأيتا الكثير من ألوان الهالات، توقفتا عند السيف الأسود في يدي.

رأيت في عينيه وميضًا من الفضول، وميضًا من المعرفة. لكنه لم يقل شيئًا، وعاد لقتاله.

استمرت المعركة ضد "كلاب الكآبة" لما بدا وكأنه دهر. الأرض تحولت إلى مستنقع من الطين الأسود والدم.

الطلاب كانوا يتعبون، وسحرهم كان يتضاءل. أعداد القتلى بدأت تتزايد. كلما سقط طالب، كانت هالته تنطفئ، تاركة خلفها فراغًا باردًا في "عين الحقيقة".

ثم، مرة أخرى، تغير الجو.

كانت الساعة تمر ببطء مؤلم. المطر لم يتوقف، والرعد لم يهدأ. لكن صوت المعركة بدأ يتغير. لم تعد أصوات الكلاب وحدها هي التي تملأ الهواء.

سمعت صوتًا جديدًا، عميقًا، يجعلك تشعر بأن الأرض نفسها تتصدع. كان صوتًا ثقيلًا، كأنه ضربات مطرقة عملاقة على صخرة.

"ما هذا؟" صرخ طالب، وصوته يرتجف.

توقف قتال "كلاب الكآبة" فجأة. تراجعت الكلاب خطوة إلى الوراء، وعواءها الخائف، المكتوم، كان ينبئ بشيء أكبر، شيء أكثر رعبًا.

ومن بين الأشجار، من أعماق الغابة التي كانت تتراقص مع ومضات البرق، ظهرت هي.

وحوش من الرتبة الثالثة.

"الدببة المتحولة"، هكذا وصفتها الرواية. لم تكن دببة عادية. كانت كائنات هائلة، بحجم سيارة صغيرة، مغطاة بفراء سميك، أسود، يتوهج بضوء أخضر باهت.

مخالبها كانت بحجم سيوف، وعيناها كانتا كجمرتين مشتعلتين بالغضب. لكن الأكثر رعبًا كان جلدها.

لم يكن مجرد فراء؛ كانت هناك صفائح عظمية بارزة، حادة كالشفرات، تغطي أجزاء من أجسادها، كأنها دروع طبيعية.

ظهرت الدببة، ليس ببطء، بل باندفاع، تحطم الأشجار الصغيرة تحت أقدامها، وتصدر هديرًا عميقًا يرج الأرض.

لم تكن كثيرة العدد مثل الكلاب، ربما عشرة أو اثني عشر. لكن قوتها كانت هائلة.

"موجة ثالثة! أكثر قوة!" صرخ الأستاذ ألاريك، ووجهه الذي كان يقاتل بكل شراسة، بدا الآن متعبًا، عليه آثار اليأس.

بدأت الدببة في الهجوم. لم تهاجم بشكل جماعي، بل اختارت أهدافها، واندفعت نحوها بقوة مدمرة.

تذكرت ما قالته الرواية. "هذه الدببة ليست فقط قوية جسديًا، بل هي مقاومة للسحر المنخفض الرتبة. وتعويذات طلاب السنة الأولى لن يكون لها أي تأثير عليها."

ورأيت ذلك يحدث بالفعل. أطلقت طالبة كرة نار على أحد الدببة. اصطدمت الكرة بفرائه الأسود، وانفجرت بضعف، كأنه مجرد ألعاب نارية.

لم يتأثر الدب. بل رفع مخلبه العملاق، وصفع الفتاة بضربة واحدة، أرسلها تتطاير في الهواء، لتسقط على الأرض بلا حراك.

"معالج! معالج!" صرخ طالب.

آيلا كانت تصرخ، وتتحرك بسرعة، تحاول الوصول إلى الفتاة المصابة، ووجهها شاحب، لكن سحرها الشفائي لن يكون كافيًا لشفاء جروح بهذه الخطورة.

اليأس بدأ يتسلل إلى صفوف الطلاب. هالاتهم كانت تنكمش، وتتضاءل. الخوف أصبح واضحًا في عيونهم.

بدأت المعركة تتحول من صراع من أجل البقاء إلى مجزرة.

أما أنا، فبقيت أقف كتمثال، أشاهد هذا المشهد المرعب. السيف الأسود كان في يدي، لكنني لم أتحرك. لماذا أقاتل؟ هل أستطيع إيقاف هذه الكارثة؟ هل أستطيع أن أنقذ هؤلاء الذين سيموتون لا محالة؟

لا.

هذا ما قاله القدر. هذا ما قالته الرواية. هؤلاء سيموتون. وهذه كانت مجرد البداية.

رأيت الأستاذ ألاريك وهو يقاتل دبًا متحولًا. عصاه السحرية كانت تتوهج بقوة أكبر الآن، وتطلق رماحًا من الطاقة الخضراء التي كانت تخترق جلد الدب السميك.

كان يقاتل بشجاعة، لكنه كان وحيدًا تقريبًا في وجه كل هذه الدببة. هؤلاء الطلاب، أضعف من أن يواجهوا وحوشًا بهذه القوة.

البرق ومض مرة أخرى، وأضاء الغابة للحظة، كاشفًا عن مشهد من الجحيم. الدببة تهاجم.

الطلاب يصرخون. الدماء تسيل. والمطر يستمر في الهطول، يغسل الدم، ويمتزج بالدموع.

شعرت ببرودة مطلقة تغمرني، برودة اليأس. لقد جاءت هذه اللحظة.

اللحظة التي كنت أخاف منها. اللحظة التي أدرك فيها أنني لا أستطيع فعل شيء.

"هؤلاء سيموتون..." تمتمت لنفسي، والصوت كان مجرد همس ضائع في ضجيج المعركة. "وستظهر الكيمايرا ناسج الفراغ قريبًا."

ومع ظهورها... ستكون النهاية. النهاية لهم جميعًا.

والنهاية لي أيضًا.

لأنني، حتى لو نجوت من الكيمايرا، فماذا سأفعل؟ أرتدي القناع وأموت ببطء؟ أم أبقى وأموت بطريقة أخرى؟

لا خيار. لا أمل.

لا شيء سوى هذا اليأس العميق.

لكن الأسوأ لم يكن قد حدث بعد.

سمعت الصوت. ليس صرخة أو عواء. كان صوتًا عميقًا، يتردد في الأعماق، صوتًا يحمل في طياته غضب الطبيعة نفسها.

كان صوت تمزق. تمزق للأرض، للأشجار، لنسيج الواقع نفسه.

"ما هذا؟" تمتم الأستاذ ألاريك، ووجهه الشاحب أصبح أكثر بياضًا تحت المطر، وعيناه الزرقاوان الكبيرتان اتسعتا في رعب لم أره فيه من قبل.

هالته الخضراء الداكنة، التي كانت قوية وثابتة، بدأت تتذبذب بضعف، كشمعة على وشك الانطفاء في مهب الريح.

توقفت "كلاب الكآبة" عن هجومها فجأة، ورفعت رؤوسها الدخانية ونظرت نحو عمق الغابة.

ثم بدأت تتراجع ببطء هي و "الدببة المتحولة"، مختبئة بين الأشجار، وتختفي في الظلال المتراقصة مع ومضات البرق، كأنها حيوانات مفترسة تدرك وجود مفترس أكبر، كأنها أدركت أن وقتها قد انتهى.

الطلاب والأساتذة، توقفوا عن القتال. التفتت كل العيون، وكل هالة نحو مصدر الصوت.

صمت غريب، صمت الموت، ساد المخيم. لم يعد هناك سوى صوت المطر الذي يضرب الأرض بقوة، وصوت الرعد الذي يتردد بعيدًا، كصوت طبول الحرب القادمة التي لن تنتهي.

ثم من قلب الغابة المظلمة، التي كانت تتشوه أمام عزاثنا، ظهر هو.

لم يكن يمشي.

لم يزحف.

بل كان يمزق طريقه عبر الأشجار التي كانت تتحطم وتتكسر كأعواد الثقاب أمامه، جذوعها السميكة تتطاير في الهواء كنشارة الخشب.

كانت خطواته الهائلة، التي بدت كأنها استخراج من كابوس، تتحرك ببطء، بثقل، مع كل خطوة، تدك الأرض تحتها.

كان "سيد الغابة المتحول".

غزال عملاق، يبلغ ارتفاعه عشرين قدمًا، محاط بهالة خضراء مريضة تبعث على الغثيان، وكأنه كائن ولد من التعفن والكراهية.

لم يكن مجرد حيوان؛ كان تحفة من التشوه، كارثة حية. جسده مغطى بلحاء سميك، متصدع، ومخالبه الحادة كانت مصنوعة من جذور الأشجار المتحجرة.

كانت عيناه، فارغتين، بلا بؤبؤ، تتوهجان بضوء أخضر سام، ينبعث منه دخان خفيف يتلصق بالهواء.

وكانت قرونه، الأطول والأكثر رعبًا، عبارة عن أغصان شجرية ملتفة ومعقدة، كل منها ينتهي بشفرة حادة، تطلق تعاويذ الموت، كأنها تستدعي اللعنات من أعماق الأرض.

كانت تهتز، ترتجف، كأنها على وشك أن تنطلق لتمزق كل شيء.

عندما ظهر، اندفعت منه موجة من الطاقة المظلمة، طاقة ثقيلة، باردة، قمعت كل هالة في المخيم.

شعرت بضغطة هائلة على صدري، كأن عملاقًا يجلس عليّ. أجبرت هذه الطاقة الجميع على الركوع تحت ثقلها الهائل، حتى أقوى الأساتذة انحنوا على ركبهم، ووجوههم مشدودة بالرعب.

"عين الحقيقة" كشفت لي أن هالته كانت خضراء داكنة، لكنها لم تكن حيوية كأي هالة رأيتها، بل كانت فاسدة، ملوثة، تبعث على الاشمئزاز، ورتبتها... كانت الرتبة الخامسة.

نظرت إلى الأستاذ ألاريك، الذي كان يرتعش، وعصاه السحرية تسقط من يده. كان يحدق في "سيد الغابة المتحول" بعينين فارغتين.

لقد كان من الرتبة الرابعة، نعم، لكن هذا الكائن كان يعلوه برتبة كاملة.

رتبة واحدة في هذا العالم كانت تعني فرقًا هائلاً في القوة، فرقًا بين الحياة والموت، بين الوجود والعدم.

"حان وقت تضحية الأستاذ ألاريك"، فكرت بحزن عميق جدًا، بمرارة قاسية حارقة. لقد كان مقاتلًا شجاعًا، معلماً شغوف.

لكنه الآن... هو الضحية التالية في هذه المسرحية المأساوية. لم يكن يستطيع مجابهة الغزال.

لم يكن بوسعه فعل شيء. لم يكن أي شخص في هذا المكان يستطيع فعل شيء.

2025/06/30 · 33 مشاهدة · 1520 كلمة
Vicker
نادي الروايات - 2025