تجمد الهواء في رئتي. نظرتُ إلى كايلين، إلى سيفه التدريبي المرفوع، وإلى عينيه الرماديتين اللتين كانتا كسطح بحيرة جليدية، تعكسان كل شيء ولا تكشفان عن أي شيء.

لم يكن هناك خيار. التراجع الآن، أمام أنظار طلاب الساحة، سيكون إقرارًا بالضعف، إقرارًا بأن "نير ڤيرتون" قد أصبح ظلًا باهتًا لنفسه.

"الضباب الذي يحيط بي..." كلماته كانت ترن في أذني. هل كان يشعر به حقًا؟ هذا الفراغ في ذاكرتي، هذا التغيير الصامت في روحي؟

أخذتُ نفسًا عميقًا، محاولًا تهدئة قلبي الذي بدأ يدق بعنف. رفعتُ سيفي، وحاولت تقليد الوقفة التي شعرت أنها الأكثر طبيعية، الأكثر رسوخًا في ذاكرة هذا الجسد. انحنيت قليلًا، وقدمي اليسرى إلى الأمام، والسيف مائل بزاوية حادة، جاهز للصد والدفع.

"كما تشاء." قلتُ، وصوتي خرج أكثر ثباتًا مما توقعت.

صمتٌ ثقيل خيّم على رقعتنا الصغيرة من الساحة. ضجيج التدريبات الأخرى تلاشى في الخلفية، ولم يعد هناك سوى أنا وكايلين، والشمس الباردة ترسم ظلين طويلين على الأرض المرصوفة بالحصى.

لم يبدأ هو. كان ينتظر. يراقبني، يدرس وقفتي، يقرأ لغة جسدي. "عين الحقيقة" أظهرت لي هالته البيضاء النقية، ثابتة كجبل، تنبض بتركيز مطلق. لم يكن هناك أي عدوانية في هالته، فقط فضول حاد، كجراح يستعد لتشريح عينة نادرة.

كان عليّ أن أبدأ أنا. الدفاع لن يجدي نفعًا.

دفعت بجسدي إلى الأمام، خطوة سريعة، خاطفة، ووجهت طعنة مباشرة نحو صدره. كانت حركة أساسية، لكنها سريعة، تهدف إلى اختبار ردة فعله. تذكرتها من أحد تدريبات نير الأصلية، حركة تعتمد على المباغتة.

لكن كايلين لم يباغت.

تحرك سيفه بحركة دائرية صغيرة، سلسة، بالكاد يمكن رؤيتها. لم يصد طعنتي بقوة، بل استقبلها، وحرف مسارها برشاقة لا تصدق.

سمعت صوت احتكاك خفيف، "سسسسس"، وشعرت بأن سيفي ينزلق على سيفه، ويفقد كل قوته الدافعة.

في جزء من الثانية، استغل هو هذا الانزلاق. دار سيفه حول سيفي، وتحول من وضعية الدفاع إلى الهجوم. تحرك جسده معه، خطوة جانبية سريعة، ووجه ضربة أفقية نحو خاصرتي.

رفعت سيفي بسرعة غريزية، وصدَدتُ الضربة في آخر لحظة.

كلااانغ!

الصوت المعدني للاصطدام تردد في الهواء، حادًا ومفاجئًا. شعرت بارتجاج قوي يسري في ذراعي، اهتزاز عنيف جعل يدي تخدر للحظة.

قوته كانت هائلة، مركزة، لم تكن مجرد قوة عضلية، بل كانت نتاج توقيت مثالي واستخدام لوزن جسده بالكامل في الضربة.

تراجعت خطوة إلى الوراء، وأنا أحاول استيعاب ما حدث. في ثانية واحدة، قلب الموقف تمامًا. لقد قرأ حركتي، واستخدمها ضدي، وكاد أن ينهي المبارزة بضربة واحدة.

"أنت بطيء." قال كايلين، وصوته كان هادئًا كالعادة، لكن الكلمات كانت كصفعة. "وقفتك صحيحة، لكن حركتك... ثقيلة. كأنك تفكر في كل خطوة قبل أن تقوم بها."

كان محقًا. كنت أفكر. كنت أحاول أن أتذكر، أن أبحث في ذاكرتي المبعثرة عن الحركة التالية، عن الرد المناسب.

لم تكن الحركات غريزية بعد. كنت أقاتل كشخص يقرأ من كتاب تعليمات، بينما هو كان يكتب الشعر بالسيف.

ضغطت على أسناني، وهاجمت مرة أخرى. هذه المرة لم تكن طعنة بسيطة، بل سلسلة من ثلاث ضربات سريعة، واحدة عمودية، تتبعها ضربتان قطريتان، تهدف إلى إرباكه، وفتح ثغرة في دفاعه.

لكنه لم يرتبك.

كان يرقص. هذا هو الوصف الوحيد الذي يمكن أن أصف به حركته. كان سيفه يتحرك بتناغم مثالي مع جسده.

كان يصد ضرباتي بأقل قدر من الحركة، مستخدمًا زوايا دقيقة لتحويل قوتي بعيدًا عنه. لم تكن هناك أي حركة ضائعة، أي طاقة مهدرة. كل صدة كانت تمهيدًا لهجوم مضاد.

كلاانغ!... شينغ!... كلاانغ!

أصوات السيوف كانت تتصادم، وترسم شرارات فضية صغيرة في الهواء. كنت أتنفس بصعوبة، والعرق بدأ يتصبب من جبيني.

كنت أهاجم بضراوة، لكنني شعرت كأنني أضرب جدارًا من الفولاذ، جدارًا يمتص كل ضرباتي ثم يعيدها إليّ بقوة أكبر.

في المقابل، كان كايلين هادئًا. تنفسه كان منتظمًا، ووجهه الخالي من التعابير لم يتغير.

كان يصد، ويراوغ، ويوجه ضربات خاطفة ومزعجة نحو يدي ورسغي، ضربات لم تكن تهدف إلى إصابتي، بل إلى إفقادي توازني، وإرهاقي، وكسر إيقاعي.

أدركت شيئًا مرعبًا. هو لم يكن يقاتلني بكامل قوته. كان يلعب معي. كان يختبرني، يحللني قطعة قطعة، يبحث عن ذلك "الجوهر" الذي تحدث عنه.

"لماذا أنت متردد؟" سأل فجأة، في منتصف إحدى هجماتي. "نير الذي أعرفه لم يكن ليترك مثل هذه الثغرة."

كلماته اخترقت تركيزي. في تلك اللحظة من التردد، وجد فرصته.

انخفض بجسده فجأة، وتفادى ضربتي القطرية، ثم اندفع إلى الأمام، ليس بسيفه، بل بجسده.

اصطدم بكتفي، وفقدت توازني للحظة. وفي تلك اللحظة، التف سيفه حول جسدي، وشعرت بالطرف البارد لنصله التدريبي يستقر بثبات على حلقي.

تجمد كل شيء.

صمتت أصوات الساحة. شعرت ببرودة الفولاذ على جلدي، وبدقات قلبي تصم أذني. أنفاسي توقفت. لم أستطع التحرك. كنت مهزومًا.

نظر إليّ بعينيه الرماديتين، ولم تكن فيهما أي ذرة من الانتصار أو الشماتة. فقط... خيبة أمل. خيبة أمل عميقة، واضحة، كأنني قد خذلته شخصيًا.

"الضباب... لقد أخذ منك أكثر مما كنت أظن." همس، وصوته كان يحمل لمسة من شيء يشبه الحزن.

شعرت بالخزي يغمرني، حارقًا وباردًا في نفس الوقت. لم يكن خزي الهزيمة فقط، بل خزي أنني لست هو.

لست نير ڤيرتون الحقيقي. أنا مجرد محتال، شبح يسكن جسدًا لا يستحقه، بقوة لا يفهمها.

كان على وشك أن يسحب سيفه، أن ينهي هذه المهزلة. كنت أستعد لسماع كلمات الهزيمة، لتقبل هذه الحقيقة المرة.

لكن في تلك اللحظة، قطع الصمت صوتٌ جهوري، متغطرس، قادم من مدخل الساحة.

"حسنًا، حسنًا! ما هذا المشهد الميلودرامي الذي أراه هنا؟"

التفت كل من في الساحة، بما فيهم أنا وكايلين الذي سحب سيفه ببطء عن رقبتي.

كان الأمير ثيرون ڤاليراك يقف هناك، مكتوف الذراعين، وابتسامة ساخرة على وجهه.

كان يرتدي زيه الأكاديمي الرسمي، لكنه كان يبدو أكثر فخامة من أي شخص آخر، كأن القماش نفسه يطيع أوامره. شعره الذهبي كان يتلألأ تحت أشعة الشمس، وعيناه الزرقاوان كانتا تتفحصان المشهد بملل أرستقراطي.

وبجانبه، كظله الصامت، وقفت الأميرة سيرافينا.

كانت هادئة كالعادة، ترتدي رداءً فضيًا بسيطًا، وشعرها الفضي الطويل ينسدل على ظهرها.

كانت يداها معقودتين أمامها، وعيناها الرماديتان، اللتان كانتا أعمق وأكثر غموضًا من عيني كايلين، كانتا تتجولان بيني وبينه، ثم تستقران عليّ، بنظرة حيادية باردة، كأنها تحلل قطعة أثرية غريبة.

تقدم ثيرون نحونا، وخطواته الواثقة كانت تجعل الحصى يطقطق تحت حذائه المصقول. الطلاب من حولنا انحنوا باحترام، وهم يفسحون له الطريق.

"مبارزة بالسيف فقط؟ يا لها من بدائية." قال ثيرون، وهو ينظر إلينا بازدراء خفيف.

"كنت أتوقع على الأقل بعض ومضات الإيترا، بعض الدراما. لكن هذا... هذا يبدو كتمرين ممل للمبتدئين."

لم يرد كايلين. فقط أعاد سيفه إلى غمده التدريبي بهدوء، وعيناه لم تفارقا وجهي.

أما أنا، فشعرت بمزيج من الارتياح المذل لنجاتي من هذه الهزيمة، والانزعاج الشديد من وجود هذين الاثنين، أبطال الرواية، أمامي مباشرة. وجودهما كان دائمًا يذكرني بأنني مجرد شخصية جانبية في قصتهما.

"لقد أفسدت علينا لحظة مهمة، يا صاحب السمو." قال كايلين ببرود، وكانت هذه هي المرة الأولى التي أسمعه فيها يتحدث إلى ثيرون بهذه النبرة المباشرة.

ضحك ثيرون ضحكة قصيرة، خالية من المرح. "لحظة مهمة؟ هل تسمي هذا التحديق المحرج لحظة مهمة؟ هيا يا كايلين، لا تكن دراميًا."

ثم وجه نظره إليّ. "وأنت، ڤيرتون. تبدو شاحبًا. هل كنت على وشك البكاء؟"

ضغطت على قبضة سيفي بقوة، وشعرت بالغضب يتصاعد في داخلي. لكنني كتمته. الدخول في جدال مع ولي العهد لم يكن فكرة سديدة.

تجاهل ثيرون صمتي، ولوح بيده بحركة مسرحية. "يكفي لعبًا لهذا اليوم. لقد أثرتما غبارًا كافيًا." ثم استدار، ونظر إلينا نحن الاثنين. "الأميرة وأنا كنا في طريقنا لتناول طعام الغداء في الجناح الملكي. ستنضمان إلينا."

لم يكن سؤالًا. كان أمرًا.

تجمدت. الغداء؟ مع الأمير والأميرة؟ هذه كانت دعوة لم تكن لتحدث في الرواية إلا في مراحل متقدمة جدًا. لماذا الآن؟

نظرت إلى كايلين، الذي بدا متفاجئًا مثلي، لكنه أخفى ذلك بسرعة خلف قناعه البارد.

"هيا، تحركا." قال ثيرون بنفاذ صبر، وقد بدأ بالفعل في السير مبتعدًا، متوقعًا منا أن نتبعه.

سيرافينا لم تتحرك. بقيت واقفة، وعيناها الرماديتان مثبتتان عليّ. ثم، ولأول مرة، رأيت شيئًا في نظرتها. لم تكن مجرد برودة، بل كان هناك وميض خافت من... الفضول؟ أو ربما شيء أعمق.

ثم، وبصوت هادئ كهمس الريح، قالت كلمة واحدة، موجهة إليّ فقط.

"الضباب..."

ثم استدارت، ولحقت بشقيقها، تاركة إياي واقفًا في مكاني، وقلبي يخفق بقوة، ليس من المبارزة، بل من تلك الكلمة الواحدة، التي أكدت لي أنني لست الوحيد الذي يرى أن هذا العالم... قد انحرف عن مساره تمامًا.

...

...

كلمة سيرافينا الأخيرة، "الضباب..."، كانت تتردد في ذهني كصدى شبحي بينما كنت أسير خلفهم. لم تكن مجرد كلمة، بل كانت إقرارًا، اعترافًا صامتًا بأنها ترى ما أراه، أو على الأقل، تشعر بأن نسيج هذا العالم قد تمزق وأعيد حياكته بشكل خاطئ.

سرنا عبر ساحة التدريب، والطلاب كانوا يفسحون لنا الطريق كأننا موجة لا يمكن إيقافها.

ثيرون في المقدمة، يسير بغطرسة ملكية، وكأن الأرض نفسها ملك له. سيرافينا تتبعه بخطوات هادئة، انسيابية، كطيف ينسل فوق الحصى دون أن يترك أثرًا.

كايلين كان يسير بجانبي، صامتًا كقبر، هالته البيضاء لا تزال تنبض بقوة مكبوتة، وعيناه الرماديتان مثبتتان إلى الأمام، لكنني شعرت أنه يراقبني من زاوية عينه.

كلما ابتعدنا عن الساحات والمباني الرئيسية، كلما تغيرت الأكاديمية من حولنا. الممرات الحجرية البسيطة تحولت إلى أرضيات رخامية مصقولة كالمرايا، تعكس صورنا مشوهة وكأنها انعكاسات من عالم آخر.

الجدران الرمادية العادية استُبدلت بألواح من الخشب الداكن، المنحوت بنقوش معقدة تصور أساطير قديمة وحروبًا بين التنانين والشياطين. حتى الهواء بدا مختلفًا هنا، أنقى، وأبرد، ومعطر برائحة خفيفة من شمع العسل والزهور النادرة التي لم أرها في أي مكان آخر في الأكاديمية.

هذا هو الطريق إلى الجناح الملكي.

في الرواية، لم يتم وصفه إلا بكلمات قليلة: "مكان فخم مخصص للعائلة المالكة".

لكن هذه الكلمات كانت إهانة للواقع. لم يكن هذا مجرد جناح في أكاديمية، بل كان قصرًا مصغرًا، قطعة من العاصمة الإمبراطورية اقتُلعت وزُرعت في قلب هذا المكان.

وصلنا إلى بابين ضخمين من خشب السنديان الأبيض، مرصعين بالذهب، ويحرسهما حارسان يرتديان دروعًا فضية لامعة تحمل شعار العائلة المالكية. انحنى الحارسان بصمت، وفتحا البابين ببطء، كاشفين عما وراءهما.

توقفت للحظة، وعيناي تتسعان رغمًا عني.

ما رأيته لم يكن بهوًا أو قاعة، بل كان تحفة فنية. سقف مقبب شاهق، مرسوم عليه سماء ليلية مرصعة بالنجوم، تبدو حقيقية لدرجة أنني توقعت رؤية شهاب يمر في أي لحظة.

ثريا بلورية عملاقة، بحجم عربة، كانت تتدلى من وسط السقف، وتكسر الضوء إلى آلاف الألوان المتراقصة على الجدران المغطاة بالحرير الأزرق الملكي.

الأرضية كانت من الرخام الأبيض المطلي بالذهب، مصقولة لدرجة أنني استطعت رؤية انعكاس الثريا فيها بوضوح تام.

"هل ستبقى واقفًا هناك طوال اليوم، ڤيرتون؟ أم أنك لم ترَ رخامًا من قبل؟"

صوت ثيرون الساخر أعادني إلى الواقع. تقدمت إلى الداخل بخطوات مترددة، وشعرت بأنني كفلاح دخل قصر الإمبراطور لأول مرة.

الرواية، معرفتي المسبقة، كل شيء بدا تافهًا أمام هذه الفخامة المطلقة. أن تقرأ عن شيء وأن تراه، أن تشمه، أن تشعر به... كانا أمرين مختلفين تمامًا.

قادنا ثيرون عبر عدة قاعات، كل واحدة أفخم من التي سبقتها، حتى وصلنا إلى شرفة واسعة تطل على حديقة خاصة، حديقة سرية لم تكن موجودة على أي خريطة للأكاديمية.

كانت الحديقة عالمًا قائمًا بذاته، مليئة بأزهار غريبة تتوهج بألوان خافتة، وأشجار فضية تتدلى منها ثمار بلورية، وفي وسطها نافورة ماء صافٍ يتدفق من تمثال لحورية بحر رائعة الجمال.

في وسط الشرفة، كانت هناك طاولة طعام أنيقة، معدة لأربعة أشخاص.

جلس ثيرون على رأس الطاولة كأنه يجلس على عرشه. جلست سيرافينا على يمينه، صامتة، وأشارت لي ولـ كايلين بالجلوس.

جلس كايلين أمامي، بظهره المستقيم ووجهه الحجري. لم يكن أمامي خيار سوى الجلوس أمامه، بجانب سيرافينا.

خدم يرتدون ملابس فاخرة تحركوا بصمت، وبدأوا في تقديم الطعام. لم تكن وجبة، بل كانت وليمة مصغرة. شرائح من لحم طائر نادر مشوي، مع صلصة ذهبية اللون.

خضروات مقطعة بأشكال هندسية دقيقة، تبدو كالجواهر. وحساء صافٍ في وعاء من الخزف، ينبعث منه بخار معطر.

بدأنا في تناول الطعام في صمت. كان الصمت ثقيلًا، مشحونًا بالتوتر. صوت احتكاك الشوك والسكاكين الفضية بالخزف كان الصوت الوحيد المسموع، بالإضافة إلى خرير ماء النافورة في الحديقة.

كان ثيرون يأكل بلامبالاة، وكأنه معتاد على هذا النوع من الطعام يوميًا. سيرافينا كانت تأكل ببطء شديد، تقضم قضمة صغيرة ثم تتوقف، وعيناها تحدقان في الفراغ. كايلين كان يأكل بشكل منهجي، دقيق، كل حركة محسوبة، تمامًا كطريقة قتاله.

أما أنا، فكنت بالكاد أستطيع تذوق الطعام. كل حواسي كانت متأهبة، تنتظر. كنت أعرف أن هذا الهدوء لن يدوم.

وبالفعل، بعد أن انتهى من شريحة اللحم، مسح ثيرون فمه بمنديل حريري، واتكأ إلى الخلف في كرسيه، ونظر إليّ مباشرة.

"إذًا، ڤيرتون." بدأ، وصوته الهادئ كان يحمل نبرة استجواب. "لقد كنت شبحًا منذ وصولك إلى هذه الأكاديمية. تحضر المحاضرات، تنام، تختفي. ابن دوق الظلال، أحد أقوى الرجال في الإمبراطورية، يختار أن يعيش كراهب منعزل. لماذا؟"

تجمدت الشوكة في يدي. اللعنة عليه! السؤال الذي كنت أخشاه. لم يكن سؤالًا عاديًا، بل كان اتهامًا. اتهامًا بأنني لا أتصرف كما يجب أن يتصرف وريث لعائلة ڤيرتون.

لعنت في داخلي ألف مرة. ماذا أقول؟ الحقيقة؟ "عذرًا يا صاحب السمو، أنا في الواقع شخص من عالم آخر تم إلقاؤه في جسد هذا الفتى، وأنا أحاول جاهدًا ألا أموت موتة شنيعة كما هو مكتوب في الرواية التي تحكم حياتنا جميعًا"؟ سيظنون أنني مجنون، وسيكون ذلك أفضل السيناريوهات.

احتاج إلى عذر. عذر ممتاز. عذر يرضي غروره، ويثير فضوله، ويناسب شخصية "نير ڤيرتون" الغامضة.

وضعت الشوكة والسكين بهدوء على جانبي الطبق. رفعت رأسي، ونظرت في عينيه الزرقاوين مباشرة، محاولًا إظهار ثقة لا أملكها.

"يا صاحب السمو،" بدأت، وصوتي كان هادئًا وعميقًا. "أبي علمني درسًا منذ الصغر. القوة التي تحتاج إلى الإعلان عن نفسها... ليست قوة على الإطلاق."

توقف ثيرون للحظة، وظهرت لمحة من المفاجأة على وجهه. حتى كايلين رفع عينيه عن طبقه ونظر إليّ باهتمام.

تابعت، وأنا أختار كلماتي بعناية، كأنني أسير في حقل ألغام. "القوة الحقيقية، يا صاحب السمو، تُصقل في الصمت، بعيدًا عن ضجيج الطموح وصراخ الغرور. لقد علمني أن أقيس الرجل ليس بقعقعة سيفه أو ببريق درعه، بل بوزن صمته، وعمق نظرته.

وجودي في الأكاديمية لم يكن انعزالًا، بل كان... مراقبة. فهمًا لديناميكيات القوة، ودراسة للشخصيات التي سأتعامل معها في المستقبل. ففي عالم الظلال الذي أنتمي إليه، الضربة الأولى لا تكون بالسيف، بل بالفهم."

ساد الصمت لعدة ثوانٍ بدت كأنها دهر. رأيت ثيرون يرمش ببطء، وهو يستوعب كلماتي. لم يكن يتوقع مثل هذا الرد الفلسفي. لقد قدمت له عذرًا لا يستطيع دحضه بسهولة، عذر يلفني بالمزيد من الغموض، ويجعل "انعزالي" يبدو كخطوة استراتيجية، وليس كضعف.

ابتسامة خفيفة، باردة، ارتسمت على شفتي ثيرون. "كلام جميل، ڤيرتون. بليغ جدًا. يليق بابن دوق الظلال."

ثم انحنى إلى الأمام، واختفت الابتسامة. نظراته أصبحت حادة كالشفرة.

"لكن الصمت، يا صديقي، يمكن أن يكون أيضًا عباءة تخفي الفراغ. كلامك عن الفهم والقوة الصامتة مثير للإعجاب، لكننا لم نرَ شيئًا من قوة ڤيرتون الأسطورية. أنت تتجنب أي مبارزة تتطلب استخدام الإيترا. أداؤك في مواجهة كايلين قبل قليل كان... مخيبًا للآمال، لنكن صرحاء."

شعرت بالدم ينسحب من وجهي. كان يضغط على الجرح مباشرة.

"أخبرني، ڤيرتون." تابع، وصوته انخفض إلى همس يحمل تحديًا واضحًا. "هل أنت حقًا تصقل قوتك في صمت، أم أنه ببساطة... لا يوجد شيء لتصقله؟"

ثبت عينيه في عيني، وألقى بقنبلته الأخيرة.

"هل تملك أي إيترا على الإطلاق؟"

2025/07/11 · 71 مشاهدة · 2327 كلمة
Vicker
نادي الروايات - 2025