صوت البوق كان لا يزال يرن في الهواء عندما بدأ الحشد الهائل من الطلاب يندفع نحو البوابة المفتوحة، كفيضان بشري من الطموح والخوف.

عند طرف الساحة، شاهدت ثيرون وهو يودع حراسه الشخصيين بكلمة سريعة، متغطرسة. "انتظروا هنا. لن يستغرق الأمر مني أكثر من يوم."

انحنى الحارسان بعمق، وبقيا في مكانهما كتمثالين من الفولاذ. القوانين كانت مطلقة. لا أحد يدخل المتاهة سوى الطلاب.

عند مدخل البوابة، كانت هناك طاولات طويلة، وضع عليها مئات السيوف الحقيقية. شفرات لامعة، حادة، تفوح منها رائحة الفولاذ والزيت.

مررت بجانب طاولة، وألقيت بسيفي التدريبي الخشبي، الذي بدا الآن كلعبة طفل تافهة. التقطت سيفًا حقيقيًا. شعرت بوزنه، ببرودته القاتلة في يدي. كان هذا هو الفارق بين اللعب والحقيقة. الفارق بين جرح وكدمة.

نظرت حولي، ورأيت وجوه الطلاب تتغير وهم يمسكون بالسيوف الحقيقية. بعضهم، مثل كايلين، بدا وكأنه ولد وفي يده سيف. وآخرون، مثل آيلا، كانوا ينظرون إلى الشفرة الحادة بخوف واضح، كأنهم يمسكون بأفعى سامة.

من بعيد، دوى صوت سحري هادئ في جميع أنحاء الساحة، قادمًا من إحدى البلورات العائمة: "تم تجهيز نظام الإعلان. سيتم إعلان اسم كل طالب يجتاز المرحلة بنجاح فور خروجه من المتاهة."

هذا يعني أن الجميع سيعرف. لن يكون هناك مكان للاختباء. النجاح والفشل سيكونان علنيين.

أخذت نفسًا عميقًا، ومشيت نحو جدار الضباب الدوار. عندما عبرت البوابة، شعرت بإحساس غريب. كأنني أغوص في ماء بارد، وكأن العالم من حولي قد تم طيه ثم فرده مرة أخرى.

صخب الحشود اختفى تمامًا، وحل محله صمت عميق، مخيف، تقطعه فقط همهمات المتاهة التي لا معنى لها.

كنت في الداخل.

لم أندفع مع القطيع. تركت عشرات الطلاب المتحمسين يتجاوزونني، يركضون بعمق في الضباب، وتتلاشى أصواتهم وصراخهم تدريجيًا. لا فائدة من إهدار الطاقة في البداية.

مشيت بهدوء لعدة دقائق، متعمدًا الابتعاد عن المسار الرئيسي، حتى وجدت نفسي في منطقة تبدو هادئة نسبيًا، تحت ظلال شجرة عملاقة، جذورها بحجم الثعابين الضخمة، ومغطاة بطبقة سميكة من الطحالب التي تتوهج بضوء أخضر خافت.

جلست، وأسندت ظهري إلى أحد الجذور الضخمة. الضباب كان يلتف حولي، باردًا ورطبًا، والهمسات كانت تتراقص في أذني، تحاول أن تثير قلقي.

لكنني تجاهلتها. كان هناك شيء أكثر أهمية الآن.

الأكل أولًا.

كان هذا هو قراري. لقد أمضيت الأسبوع الماضي وأنا أستنزف روحي وجسدي في التدريب. لم أكن قد أكلت جيدًا هذا الصباح بسبب التوتر. والدخول في اختبار بقاء لمدة ثلاثة أيام بمعدة فارغة هو شكل من أشكال الانتحار الغبي.

مررت يدي على الخاتم.. ركزت قليلاً، وظهر في يدي صرة صغيرة من القماش.

فتحتها. في الداخل، كان هناك قطعة من الخبز الأسمر الكثيف، وقطعة كبيرة من الجبن المعتق، وشريحتان من اللحم المجفف، المملح. طعام بسيط، لكنه غني بالطاقة.

بدأت في تناول الطعام ببطء، وبشكل منهجي. كل قضمة كنت أمضغها جيدًا. لم تكن هذه رفاهية، بل كانت استراتيجية. سأذهب إلى منطقة ذكرتها الرواية، منطقة مليئة بالوحوش، منطقة تتطلب قوة بدنية وتركيزًا مطلقًا.

تلك الوحوش... برتبة "جرثومة". على الرغم من رتبتها المنخفضة، إلا أنها كانت مرعبة. وصفتها الرواية بأنها كوابيس متحركة، سريعة، وصامتة، وتهاجم في مجموعات. كل خطوة في تلك المنطقة ستكون معركة.

أخرجت قارورة ماء صغيرة وشربت ببطء، وأنا أستمع إلى أصوات المتاهة.

صرخة بعيدة، تلاها صمت مفاجئ. صوت احتكاك معدني، ثم همهمة انتصار. اللعبة قد بدأت بالفعل. والطلاب الأغبياء الذين اندفعوا أولاً كانوا هم الفرائس الأولى.

بعد أن أنهيت طعامي، شعرت بالطاقة تعود إلى جسدي. وقفت، ومسحت يدي. الآن، أنا مستعد.

استدعيت "عين الحقيقة". تغير العالم من حولي قليلًا. أصبح الضباب أقل كثافة، وأصبحت أرى الخطوط الخافتة لهالات الطاقة في الأشجار والطحالب.

بدأت رحلتي.

كان عليّ أن أتذكر العلامات. ذكرت الرواية أن الطريق إلى "عش الجراثيم" لم يكن واضحًا. كان مخفيًا، ويتطلب تتبع سلسلة من العلامات السرية التي تركها مستكشف قديم.

العلامة الأولى كانت "شجرة ذات وجه باكٍ". تذكرت الوصف. شجرة قديمة، لحاؤها متشقق بطريقة تشبه وجهًا حزينًا، ومن إحدى "عينيه" تنمو زهرة قرمزية صغيرة.

كان عليّ أن أبحث عنها في هذا الضباب اللعين. الرحلة ستستغرق وقتًا طويلاً جدًا.

مشيت لساعة كاملة، وأنا أتفحص كل شجرة عملاقة أقابلها. الضباب كان يلتف حولي، والهمسات أصبحت أكثر إلحاحًا.

كانت تهمس باسمي. "نير... نير... أنت ضائع... استسلم..."

تجاهلتها.

كنت أتحرك بحذر، وسيفي في يدي، وجسدي في حالة تأهب قصوى. الهواء كان ثقيلًا برائحة التراب الرطب والعفن.

الأرض كانت ناعمة، تبتلع صوت خطواتي. كان شعورًا مرعبًا بالعزلة، كأنني الكائن الوحيد في هذا العالم.

في إحدى المرات، رأيت طالبًا على وشك الموت. كان محاصرًا من قبل ثلاثة من "ذئاب الهمس"، وساقه مصابة بجرح عميق، وكان ينزف بغزارة. هالته كانت باهتة، على وشك الانطفاء.

وفجأة، توهج السوار الجلدي على معصمه بضوء أبيض ساطع. وفي لحظة، اختفى جسده في وميض من الضوء، تاركًا الذئاب تحدق في الفراغ بارتباك.

"إذًا، هكذا تعمل." تمتمت. السوار لا ينقلك فقط عند النجاح. بل ينقلك أيضًا عند الفشل، عند اقترابك من الموت. إنه نظام أمان، يضمن عدم موت أي طالب "نبيل" في هذا الاختبار. لكنه أيضًا إقرار بالهزيمة. هذا الطالب قد تم استبعاده.

"ثلاثة أيام..." فكرت، وأنا أنظر إلى السماء الرمادية التي لا تُرى من خلال أغصان الأشجار.

"آيلا فازت بعد عشر ساعات فقط. ونير الأصلي بعدها بساعتين. هذا يعني أن المخبأ الذي أبحث عنه ليس بعيدًا جدًا إذا عرفت الطريق الصحيح."

أكملت وبينما كنت أمر بجانب مجموعة من الصخور المغطاة بالطحالب، لم أكن قد اقتربت حتى من هدفي، حدث الهجوم.

لم يكن هناك سابق إنذار. لا صوت، لا حركة في الضباب.

فجأة، انفجر الظل على يميني، وانطلق منه شيء أسود، لامع، بحجم كلب كبير. وفي نفس اللحظة، قفز شيء مماثل من الضباب على يساري.

كانت "جرذان الظل".

كانتا أبشع مما تخيلت. جسد طويل، مقسم إلى أجزاء، مثل حشرة عملاقة، ومغطى بدرع من الكايتين الأسود اللامع. ستة أرجل رفيعة، حادة كالإبر، كانت تحركها بسرعة مذهلة.

لم يكن لهما رأس واضح، بل مجرد كتلة أمامية، وفي وسطها انشق فم عمودي، مليء بأسنان حادة كشظايا الزجاج، وكان يسيل منه سائل لزج، أخضر اللون. لم تكن هناك عيون. كانتا تصطادان بالاهتزازات والصوت.

قفزتا نحوي في نفس اللحظة، من كلا الجانبين، في كماشة مميتة.

الزمن تباطأ.

في جزء من الثانية، رأيت كل التفاصيل. لعاب الوحش الأخضر اللزج وهو يتطاير في الهواء.

الانعكاس المشوه لوجهي المذعور على درعه الأسود اللامع. أسنانة الحادة كشظايا الزجاج وهي تقترب من وجهي. ورائحة العفن والموت التي كانت تنبعث من فمه المفتوح.

"اللعنة على حظي العفن!"

كانت هذه هي الفكرة الوحيدة التي استطاع عقلي المذعور أن ينتجها في تلك اللحظة. لم يكن هناك وقت للمراوغة. لم يكن هناك وقت للتفكير. كان هناك وقت للفعل فقط.

هل وصل والدي بعد؟ اللعنة، لا شك أنه يستمتع بهذا المشهد الآن، وهو يحتسي نبيذه الفاخر.

هذه الفكرة السخيفة، المليئة بالسخرية السوداء، أعطتني دفعة غريبة من الأدرينالين. لن أمنحه الرضا برؤيتي أموت بهذه الطريقة المهينة.

كيف سأخرج من هذا الوضع؟

لا يمكنني صد الهجومين في نفس الوقت. جسدي ليس سريعًا بما يكفي. لكن... قوتي قد تكون كذلك.

في تلك اللحظة اليائسة، فعلت الشيء الوحيد الذي يمكنني فعله. تجاهلت الوحش على يساري تمامًا، وكأنه غير موجود، وركزت كل ذرة من كياني، كل قطرة من إرادتي، على الوحش الذي كان على يميني، الأقرب، والذي كان على وشك أن يطبق فكيه على رأسي.

أطلقت العنان لتلك القوة الباردة، المظلمة، التي كانت تنام في روحي. شعرت بها تتدفق من صدري، عبر ذراعي، وتتجمع في يدي التي تمسك بالسيف.

لم يكن تدفقًا سلسًا. كان متقطعًا، عنيفًا، كأنني أحاول فتح سد متهالك.

نظرت إلى سيفي.

تغير.

لم يعد مجرد قطعة من الفولاذ اللامع. بدأت خيوط سوداء، كالدخان المتجمد، تلتف حول النصل. لم تكن مجرد زينة، بل شعرت بأنها تغير من طبيعة السيف نفسه.

أصبح النصل أقتم، وبدأ يمتص الضوء الخافت من حوله، وتحول لونه إلى أسود غير لامع، أسود يبتلع كل شيء. شعرت ببرودة غريبة تنتشر من مقبض السيف إلى يدي.

هذا ليس السيف الأسود... فكرت بسرعة محمومة. ذلك السيف كان يمتلك قوة خاصة به، كان يقتل من تلقاء نفسه. هذا السيف... أنا من يمنحه القوة. إنه مجرد أداة فارغة، وأنا أملأها بظلامي.

ونجح الأمر... بشكل جيد نوعًا ما.

لم يكن هناك وقت للتردد. حركت جسدي، ليس للخلف، بل إلى الجانب، دوران سريع حول محوري، مستخدمًا قوة اندفاع الوحش ضده. وفي منتصف دوراني، وجهت سيفي الأسود المؤقت بحركة أفقية، قاطعة.

لم يكن هناك صوت اصطدام معدني.

بل كان هناك صوت تمزق مقزز. ششششششششششششك!

مر النصل الأسود عبر درع الكايتين للوحش بسهولة مدهشة، كسكين ساخن يقطع الزبدة.

شعرت بمقاومة خفيفة، ثم لا شيء.

أكملت دوراني، والوحش الذي كان على يميني لا يزال يندفع إلى الأمام بفعل قوة قفزته، لكن جسده العلوي كان قد انفصل تمامًا عن نصفه السفلي.

تناثر الدم الأخضر الحمضي في الهواء، وسقط نصفا الجسد على الأرض بصوت ارتطام رطب، وبدأت أطرافه ترتعش بعنف قبل أن تسكن تمامًا.

لم يكن هناك وقت للاحتفال.

لأن الوحش الآخر كان قد وصل.

قفز نحوي، ومخالبه الأمامية الحادة كانت تستهدف ظهري المكشوف.

صرخت في عقلي. اللعنة! لا وقت للاستدارة!

الجسد تصرف من تلقاء نفسه. لا، ليس الجسد، بل غريزة البقاء التي صُقلت في جحيمين مختلفين.

انحنيت إلى الأمام بقوة، ودفعت بقدمي اليمنى للخلف، مستخدمًا نصف الجثة الميتة للوحش الأول كنقطة ارتكاز.

انزلقت في الطين، والدماء الخضراء اللزجة لطخت ملابسي. في نفس اللحظة، مر الوحش الثاني من فوقي، مخالبه الحادة مزقت الهواء حيث كان ظهري قبل جزء من الثانية.

استدرت على الأرض الموحلة بسرعة، ووجهي الآن يواجه الوحش الذي هبط على بعد أمتار قليلة، وكان يستدير لمهاجمتي مرة أخرى.

نهضت على ركبة واحدة، والسيف الأسود لا يزال في يدي، وظلامه ينبض ببطء. شعرت بالإرهاق. استخدام هذه القوة استنزف جزءًا كبيرًا من طاقتي الروحية، وشعرت بدوار خفيف.

"هيا، أيها الوغد،" تمتمت، وأنا أرى الوحش يهسهس بغضب، ويستعد للقفزة الثانية.

هذه المرة، كنت مستعدًا. لم أنتظره. اندفعت نحوه، منخفضًا على الأرض. لم أستهدف درعه الصلب، بل استهدفت إحدى أرجله الرفيعة، الحادة.

حرك سيفي بسرعة، حركة قاطعة من الأسفل إلى الأعلى.

طاااك!

الصوت كان حادًا، كصوت كسر عظم جاف. تمكنت من قطع ساقه الأمامية.

صرخ الوحش صرخة حادة، عالية، مليئة بالألم، وفقد توازنه للحظة.

وهذه اللحظة... كانت كل ما أحتاجه.

قفزت إلى الأمام، وغرست السيف الأسود بكل ما تبقى من قوتي في الفجوة التي كانت بين رأسه وجسده.

شعرت بالنصل وهو يخترق الأنسجة الرخوة، ثم يتوقف عندما اصطدم بشيء صلب في الداخل. أدرت السيف بقوة.

تشنج جسد الوحش بعنف، ثم انهار على الأرض، بلا حراك.

سحبت سيفي. الظلام الذي كان يغطيه تلاشى، وعاد إلى لونه الفولاذي اللامع، الملطخ الآن بالدم الأخضر اللزج.

وقفت ألهث، والعرق يختلط بالمطر على وجهي. أنظر إلى جثتي الوحشين.

نجوت.

لكنني كنت منهكًا.

---

---

على الشرفة الملكية الشاهقة، كان الهواء مختلفًا. لم يكن هناك مطر، ولا طين. قبة سحرية غير مرئية كانت تحرف قطرات الماء، وتخلق مساحة من الدفء والهدوء المصطنع، تفصل هؤلاء الذين في الأعلى عن الجحيم الذي يعيشه أولئك الذين في الأسفل.

الإمبراطور ثيودور ڤاليراك كان يجلس على عرشه المؤقت، المصنوع من خشب السنديان الأبيض والذهب. كان يرتشف من كأس كريستالي، يحتوي على سائل أرجواني باهت، وعيناه الأرجوانيتان، اللتان كانتا تحملان ملل عصور، تراقبان البلورات العائمة بلامبالاة.

"مثير للشفقة،" تمتم، وهو يشاهد طالبًا يتعثر ويتم نقله خارج المتاهة في وميض من الضوء. "في أيامي، كنا نتركهم ليموتوا. هذا ما يصنع القوة الحقيقية."

بجانبه، وقف الجنرال ڤاليريوس، صامتًا كتمثال من الفولاذ الأسود. لم يرد على تعليق الإمبراطور. كان يراقب بلورة أخرى، تلك التي كانت تعرض كايلين وهو يشق طريقه عبر مجموعة من "عناكب الضباب" برشاقة مميتة.

النبلاء الآخرون الذين كانوا يجلسون في المقاعد الأقل فخامة، كانوا يتصرفون كما لو أنهم في أوبرا. كانوا يتهامسون، يضحكون، ويشيرون إلى البلورات، يعلقون على أداء أبنائهم وبناتهم، أو على فشل أبناء العائلات المنافسة.

"انظروا إلى ابن البارون إدغار، يا للعار!"

"لكن ابنة الماركيز دي لونا تبلي بلاءً حسنًا، أليس كذلك؟"

كانت مجرد لعبة بالنسبة لهم. ترفيه دموي، لا أكثر.

ثم، تغيرت الأجواء.

شعر الجميع ببرودة مفاجئة، غير طبيعية، تخترق حتى دفء الحاجز السحري. الهمسات توقفت. الضحكات ماتت. حتى الإمبراطور، رفع عينيه عن كأسه، ونظر نحو مدخل الشرفة.

ظهر شكلان عند المدخل.

الأول كان أليستر ڤيرتون. كان يسير بخطوات ثابتة، أنيقة. وجهه كان كالعادة، قناعًا من الجليد المصقول. كان يرتدي رداءً أسودًا فاخرًا، وعليه شعار عائلة ڤيرتون الفضي. انحنى انحناءة مثالية أمام الإمبراطور. "جلالتك."

لكن لم يكن هو من أسكت الحضور.

كان الشكل الذي يسير خلفه.

دوق الظلال، ڤاليدور ڤيرتون.

لم يكن يسير، بل كان ينساب. كأن الظلال نفسها قد تجمعت وتكثفت لتشكل هيئة بشرية. كان يرتدي عباءة سوداء، بسيطة، لكنها كانت تبدو أقتم من الليل نفسه، وكانت تمتص الضوء من حوله، مما يجعل من الصعب تحديد تفاصيل جسده أو وجهه.

وجهه... كان مخفيًا كالعادة، في ظل عميق لا يمكن اختراقه، خلقته ياقة عباءته المرتفعة. كل ما كان يمكن رؤيته هو ذقن حاد، وبشرة شاحبة بشكل غير طبيعي.

ما إن ظهر، حتى شعر الجميع بثقل هائل يهبط على أكتافهم. لم تكن قوة جسدية، بل كانت ضغطًا روحيًا مطلقًا. كان حضوره وحده كافيًا ليجعل الهواء أثقل، والألوان باهتة، والأصوات مكتومة.

النبلاء، الذين كانوا قبل لحظات يتصرفون بغطرسة، حنوا رؤوسهم، وتجنبوا النظر إليه مباشرة، كأن نظرة واحدة منه كفيلة بتحويلهم إلى رماد.

"ڤاليدور." قال الإمبراطور، وصوته الهادئ كان يحمل نبرة من الحذر. "لقد تأخرت. كالعادة."

لم يرد الدوق. فقط انحنى إيماءة طفيفة جدًا، حركة بالكاد ملحوظة، لكنها كانت تحمل في طياتها احترامًا جليديًا، ومسافة لا يمكن تجاوزها. ثم، انساب نحو المقعد الفارغ بجانب الإمبراطور، وجلس.

عندما جلس، شعر الجميع بأن الظلام في الشرفة قد تعمق.

"إذًا،" قال الإمبراطور، محاولاً استعادة الأجواء الخفيفة. "هل أتيت لترى أداء ابنك؟"

مرة أخرى، لم يرد الدوق. فقط أشار بيده ذات القفاز الأسود نحو إحدى البلورات العائمة. بأمر صامت منه، تحركت البلورة، وتوقفت أمامه مباشرة، وبدأت تعرض مشهدًا جديدًا.

كانت تعرضني أنا.

كنت ممددًا على الأرض، ألهث، بعد أن قتلت الوحش الثاني. ملطخًا بالطين والدم الأخضر. أبدو في أسوأ حالاتي.

ساد صمت محرج على الشرفة.

"آه..." قال الإمبراطور، وهو ينظر إلى المشهد. "يبدو أنه... يواجه بعض الصعوبات."

أليستر، الذي كان يقف خلف والده، ضاقت عيناه قليلاً، وظهرت لمحة من الانزعاج على وجهه المثالي. هذا المنظر لم يكن يليق بسمعة عائلة ڤيرتون.

لكن الدوق... بقي صامتًا. كان يحدق في صورتي على البلورة، وظله يخفي أي تعبير، أي ردة فعل. كان مجرد فراغ أسود، يراقب.

ثم، رأوا المشهد التالي. رأوني وأنا أقف، وأتفحص سيفي، وأتجاهل الخطر المحتمل من حولي.

"إنه يهدر الوقت." قال إدغار، الذي كان يراقب من مقعده، بصوت منخفض، لكنه مسموع.

لكن ڤاليريوس، الذي كان صامتًا حتى الآن، تكلم.

"لا." قال، وصوته العميق لفت انتباه الجميع. "إنه لا يهدر الوقت. إنه... يتعلم."

التفت الإمبراطور نحوه. "يتعلم ماذا؟"

"يتعلم سلاحه." أجاب ڤاليريوس. "تلك القوة التي غطت سيفه... ليست إيترا عادية. إنها شيء آخر. شيء خام. وهو يحاول فهمها في خضم المعركة. هذا إما شجاعة مطلقة، أو حماقة لا حدود لها."

استمر الدوق في صمته. كان يراقبني وأنا أبدأ في السير مرة أخرى، أبحث عن العلامة التالية. كان يراقبني بعينيه اللتين لا تراهما، وبصمته الذي كان أثقل من أي كلمة.

لم يكن أحد يعرف ما يدور في ذهنه. هل كان يشعر بالفخر؟ بالخزي؟ باللامبالاة؟

لا أحد يعرف.

وهذا... كان هو مصدر قوته الحقيقية.

2025/07/18 · 40 مشاهدة · 2337 كلمة
Vicker
نادي الروايات - 2025