[منظور نير ڤيرتون]

المسير بجانب كايلين كان تجربة غريبة، سريالية. كنا كيانين متناقضين، مجبرين على السير في نفس الطريق بفعل ظروف لم يخترها أي منا.

هو كان كقطعة من الفولاذ البارد، كل حركة من حركاته محسوبة، كل نظرة من عينيه الرماديتين تحليلية. وأنا، كنت كبركة من الظلام المضطرب، أحاول يائسًا أن أحتوي الفوضى التي تنمو في داخلي.

لم نتحدث كثيرًا في البداية. الصمت كان لغتنا المشتركة، سياجًا غير مرئي يحترم كل منا مساحة الآخر. لكنه لم يكن صمتًا مريحًا. كان مشحونًا بالأسئلة التي لم تُطرح، وبالحقائق التي لم تُكشف. كنت أشعر بنظراته الخاطفة نحوي بين الحين والآخر، كأنه لا يزال يحاول فك شفرة ذلك "الضباب" الذي رآه يلفني.

الغابة أصبحت أكثر قتامة، وأكثر خبثًا كلما توغلنا في اتجاه الشمال الشرقي. الأشجار العملاقة كانت تقف كحراس صامتين، وأغصانها الملتوية تحجب الضوء القليل، وتلقي بظلال طويلة، مشوهة، ترقص على الضباب الأبيض الذي يلتف حول أقدامنا.

الهمسات أصبحت أكثر إلحاحًا، أكثر شخصية. لم تعد مجرد أصوات غامضة، بل أصبحت تهمس بمخاوفي، بذكرياتي، بأسماء أشخاص من حياتي السابقة على الأرض، أسماء لم يكن من المفترض أن يعرفها أحد في هذا العالم.

"اللعنة على هذا المكان،" تمتمت في إحدى المرات، وأنا أشعر بقشعريرة باردة تسري في عمودي الفقري.

"إنها مجرد أوهام صوتية." قال كايلين ببرود، وصوته الهادئ كان كمرساة في بحر الجنون هذا.

"السحر في هذه المتاهة يتغذى على طاقة المشاركين الروحية، ويستخدمها لخلق أصداء لمخاوفهم. كلما كنت أضعف أو أكثر ترددًا، كلما أصبحت الهمسات أعلى."

نظرت إليه. كان يتحدث ببرود تحليلي، كأنه يشرح ظاهرة طبيعية، وليس سحرًا خبيثًا مصممًا لكسر العقول.

"عائلتي دربتني على مقاومة الهجمات النفسية منذ الصغر." أضاف، كأنه قرأ السؤال في عيني. "المبارز الحقيقي لا يقاتل بيده فقط، بل بعقله. العقل هو خط الدفاع الأول."

واصلنا السير في صمت مرة أخرى. كلماته، رغم برودتها، كانت تحمل حكمة لم أستطع إنكارها. لقد كنت أقاتل الهمسات، أغضب منها، وهذا ما كان يجعلها أقوى. هو، ببساطة، تجاهلها، وتعامل معها كجزء من البيئة، كالمطر أو الريح.

فجأة، توقف كايلين. رفع يده، إشارة صامتة لي بالتوقف. تجمدت في مكاني، وأمسكت بسيفي بقوة.

"أمامنا. ثلاثة." همس، وعيناه الرماديتان مثبتتان على الضباب الكثيف أمامنا.

استدعيت "عين الحقيقة". رأيتهم. ثلاث هالات حمراء داكنة، صغيرة، تتحرك بخفة بين جذور الأشجار. كانت "عناكب الطين"، مخلوقات مقرفة من رتبة "جرثومة"، أجسادها تشبه كتلًا من الطين المتحرك، ولها أرجل رفيعة، سوداء، وعيون متعددة تتوهج بضوء أصفر مريض. كانت معروفة بقدرتها على بصق حمض يذيب الدروع الجلدية.

"اثنان لي، وواحد لك." قال كايلين، وكأنه يوزع مهامًا في تدريب عسكري.

لم أنتظر منه أن يكمل. اندفعت إلى الأمام، مستهدفًا العنكبوت الذي كان في أقصى اليمين. في نفس اللحظة، تحرك كايلين كالسهم، متجهًا نحو العنكبوتين الآخرين.

كانت معركة قصيرة، ووحشية. العنكبوت الذي واجهته بصق نحوي كرة من الحمض الأخضر المتوهج. تفاديتها بالانزلاق على الأرض الموحلة، وشاهدت الحمض وهو يضرب جذع شجرة خلفي، محدثًا صوت هسهسة عنيفًا، تاركًا وراءه حفرة سوداء يتصاعد منها الدخان.

قبل أن يتمكن من بصق كرة أخرى، كنت قد وصلت إليه. لم أستخدم الظلام هذه المرة. لم يكن هناك داعٍ. وجهت سيفي بحركة قاطعة، نظيفة، فصلت رأسه عن جسده.

التفت، ورأيت كايلين ينهي معركته. كان يرقص بين العنكبوتين الآخرين، سيفه يتحرك بسرعة البرق. طعنة هنا، وقطعة هناك. لم يلمسه أي منهما. في غضون ثوانٍ، كانا مجرد جثتين ترتعشان على الأرض.

"أنت لست سيئًا." قال، وهو ينفض الحمض عن نصل سيفه. "لكنك تعتمد كثيرًا على القوة الغاشمة. حركتك تفتقر إلى الانسيابية."

"شكرًا على الملاحظة." أجبته بسخرية، وأنا أشعر بالإنهاك.

واصلنا السير. وبعد حوالي نصف ساعة، بينما كنا نعبر جسرًا طبيعيًا مصنوعًا من جذر شجرة عملاق، توقف كايلين مرة أخرى، لكن هذه المرة، لم يكن ينظر إلى الأمام، بل كان ينظر إليّ.

"نير." قال، وصوته كان جادًا بشكل غير معهود. "لدي سؤال."

توقفت، ونظرت إليه.

"في المرحلة الأخيرة من هذه المنافسة... ستكون هناك مبارزات فردية." قال، وعيناه الرماديتان تحدقان فيّ بحدة. "أنا أثق أنك سوف تتعدى جميع المراحل. أنت لست بالضعف الذي تتظاهر به. هناك شيء مختلف فيك، شيء خام وقوي."

صمت للحظة، ثم أكمل. "يجب أن تصل إلى المرحلة الخامسة."

لم يكن طلبًا، بل كان أمرًا تقريبًا. أمرًا صادرًا من مبارز إلى خصمه الوحيد الذي يعترف به.

"لماذا يهمك الأمر؟" سألت ببرود.

"لأنني أريد أن أواجهك هناك." قال ببساطة. "أريد أن أرى ما أنت عليه حقًا، بعيدًا عن هذا الضباب، وبعيدًا عن هذه الألاعيب. أريد أن أرى جوهر سيفك الحقيقي."

كنت على وشك أن أرد، أن أطلق تعليقًا ساخرًا آخر. لكن في تلك اللحظة، دوى صوت في كل مكان.

صوت سحري، واضح، بارد، تردد عبر كل شبر من المتاهة، قاطعًا همساتها، ومخترقًا صمت الغابة.

"المشاركة الأولى التي اجتازت المرحلة هي... آيلا!"

تجمدت.

الدم في عروقي تحول إلى جليد.

آيلا؟

الأولى؟

"اللعنة! اللعنة! اللعنة!" صرخت في عقلي، وشعرت بموجة من الغضب الحارق، والظلم المطلق تجتاحني. "تلك البطلة اللعينة! حظها السخيف! كيف؟! كيف بحق الجحيم تمكنت من فعل ذلك بهذه السرعة؟!"

كان قد مر حوالي عشر ساعات منذ دخولنا. لقد حصلت الرقم القياسي الذي ذكرته الرواية.

"قدرتها على الشعور بالطبيعة..." تمتمت لنفسي بمرارة. "لا بد أنها استخدمتها لتجد الجواهر بسهولة، وتجنبت كل قتال، كل خطر. يا لها من طريقة جبانة للفوز."

نظرت إلى كايلين. كان وجهه يحمل تعبيرًا من المفاجأة الهادئة.

"المعالجة؟" قال، وهو يرفع حاجبًا. "غير متوقع. لا بد أنها تجنبت كل الصراعات."

"نعم..." تمتمت، وأنا أحاول كبت الغضب الذي كان يغلي في داخلي. "لا بد أنها فعلت."

لكن الأمر لم يكن منطقيًا. حتى مع قدرتها، المتاهة كانت شاسعة، والأوهام قوية. أن تجد ثلاث جواهر وتخرج بهذه السرعة... كان أشبه بالمعجزة. معجزة من النوع الذي لا يحدث إلا لأبطال الروايات المبتذلة.

واصلنا السير، لكن الأجواء بيننا تغيرت. لم يعد هناك ذلك التوتر الهادئ، بل صمت ثقيل، مليء بالإحباط من جهتي، والترقب من جهته.

مرت نصف ساعة أخرى. نصف ساعة قضيتها وأنا ألعن حظ آيلا، وألعن الكاتبة، وألعن هذا العالم الملعون. كنا على وشك الوصول إلى منطقة أكثر وعورة، حيث الصخور الحادة تبرز من الأرض كأنياب وحش، عندما دوى الصوت مرة أخرى.

"المشاركة الثانية التي اجتازت المرحلة هي... الأميرة سيرافينا ڤاليراك!"

هذه المرة، لم أشعر بالغضب.

شعرت بصدمة باردة، مطلقة.

توقفت في مكاني، وحدقت في الفراغ أمامي، وعقلي يرفض أن يستوعب ما سمعه.

سيرافينا؟

الثانية؟

"مالذي يحدث بحق الجحيم؟!" الكلمات خرجت من فمي كهمس مذهول.

هذا... هذا كان مستحيلاً.

في الرواية، سيرافينا كانت السادسة. لقد استغرقت يومًا كاملاً تقريبًا لتخرج. أن تخرج الآن، بعد آيلا مباشرة، وبهذه السرعة المذهلة... هذا لم يكن مجرد انحراف عن القصة. هذا كان تمزيقًا كاملاً لصفحاتها وحرقها.

نظرت إلى كايلين. حتى هو، بوجهه الحجري، كان يبدو مصدومًا. عيناه الرماديتان كانتا متسعتين قليلاً، وفمه مفتوح بشكل طفيف.

"الأميرة..." تمتم. "بهذه السرعة... كيف؟"

لم تكن معروفة بقوتها القتالية الساحقة مثل ثيرون، ولا بمهارتها في السيف مثل كايلين. سلاحها كان عقلها، تلاعبها، وذكاؤها. كيف يمكن لهذه المهارات أن تساعدها على اجتياز متاهة مادية بهذه السرعة؟

إلا إذا...

إلا إذا كانت تعرف شيئًا لا نعرفه.

إلا إذا كانت تمتلك قدرة، أو معرفة، أو قطعة أثرية، لم تذكرها الرواية.

تلك المواجهة في المطر. فشل "عين الحقيقة" في قراءة هالتها. نظرتها التي كانت تحمل إدراكًا غريبًا.

"الضباب..."

هل كانت تعرف عن هذا التغيير في الواقع؟ هل كانت تستغله لصالحها؟

شعرت بالخوف. خوف حقيقي، أعمق من الخوف من الوحوش. الخوف من المجهول. خوف من خصم يلعب لعبة مختلفة تمامًا، بقواعد لا أفهمها.

لقد خرج اثنان. وأنا... أنا وكايلين، اللذان كان من المفترض أن نكون من الأوائل، لا نزال هنا، في عمق هذا الجحيم، ولم نجمع سوى جوهرة واحدة.

لقد تغير كل شيء. والسباق... أصبح أكثر يأسًا من أي وقت مضى.

---

---

على الشرفة الملكية، ساد صمت مذهول.

عندما دوى صوت الإعلان الأول، معلنًا فوز آيلا، انتشرت موجة من الهمهمات والضحكات المكتومة بين النبلاء.

"عامية؟"

"لا بد أنها خدعة!"

"يا لها من مهزلة!"

الإمبراطور ثيودور انحنى إلى الأمام، وابتسامة مسلية، لكنها حائرة، ارتسمت على وجهه. نظر إلى البلورة التي كانت تعرض الآن آيلا وهي تخرج من البوابة، تبدو مرهقة، لكنها سليمة.

"حسنًا،" قال بصوت عالٍ، موجهًا كلامه إلى الجنرال ڤاليريوس.

"هذا بالتأكيد غير متوقع. معالجة قروية تتفوق على ورثة أعظم العائلات في الإمبراطورية. إما أنها محظوظة بشكل لا يصدق، أو أن هناك شيئًا مميزًا في هذه الفتاة."

الجنرال ڤاليريوس بقي صامتًا، لكن رأسه المغطى بالخوذة أومأ إيماءة خفيفة، كأنه يوافق على أن الأمر يستحق التحقيق.

دوق الظلال، ڤاليدور ڤيرتون، لم يتحرك. لم يصدر أي ردة فعل. كان كالثقب الأسود، يمتص كل الضوء والدراما من حوله، ولا يعكس شيئًا. أليستر، الواقف خلفه، كان وجهه لا يزال قناعًا من الجليد، لكن أصابعه كانت تنقر بخفة على مقبض سيفه، في حركة عصبية بالكاد ملحوظة.

ثم جاء الإعلان الثاني.

"الأميرة سيرافينا ڤاليراك!"

هذه المرة، لم يكن هناك همهمات. كان هناك صمت مطبق، صمت الرهبة والاحترام. ثم انفجرت الشرفة بالتصفيق والتهاني الموجهة إلى الإمبراطور.

وجه الإمبراطور أشرق بفخر حقيقي. الابتسامة المسلية تحولت إلى ابتسامة عريضة، دافئة.

"هاها! هذه هي ابنتي!" قال بصوت عالٍ، وسعادته كانت واضحة. "دائمًا ما تتفوق على التوقعات. دائمًا ما تكون خطوة إلى الأمام."

نظر إلى البلورة التي كانت تعرض الآن ابنته وهي تخرج، هادئة، أنيقة، وكأنها كانت في نزهة في الحديقة. لم تكن هناك أي خدوش على ملابسها، ولا أي أثر للإرهاق على وجهها الملائكي.

"رائع!" قال أحد الدوقات. "يا لها من موهبة!"

"مستقبل الإمبراطورية مشرق بوجودها!" أضاف ماركيز آخر.

ثم، نظر الإمبراطور إلى بلورة أخرى، تلك التي كانت تعرض ابنه، الأمير ثيرون. كان يقاتل بضراوة ضد وحش صخري، وقد جمع جوهرتين بالفعل، لكنه كان لا يزال بعيدًا عن النهاية.

تنهد الإمبراطور تنهيدة خفيفة، وابتسامته تلاشت قليلاً. "يبدو أن ثيرون لا يزال لديه الكثير ليتعلمه من أخته عن الكفاءة." كانت كلماته هادئة، لكنها كانت تحمل في طياتها خيبة أمل واضحة.

في خضم هذا الاحتفال، لم يلاحظ أحد تقريبًا ردة فعل الرجلين الصامتين من عائلة ڤيرتون.

أليستر كان قد توقف عن النقر على سيفه. كان يحدق في البلورة التي تعرض سيرافينا، وعيناه الرماديتان تضيقان في تركيز تحليلي شديد. كان يحسب، يحلل، ويحاول فهم كيف تمكنت من فعل ذلك.

أما دوق الظلال...

فقد تحرك.

لأول مرة منذ وصوله، تحرك رأسه قليلاً، حركة بطيئة جدًا، كقارة تتحرك. انتقل نظره من البلورة التي كانت تعرض ابنه، نير، وهو يقف مصدومًا في الغابة، إلى البلورة التي كانت تعرض الأميرة سيرافينا وهي تخرج بسلام.

لم يقل شيئًا.

لكن الهواء حوله أصبح أبرد بدرجتين.

والظلال في الشرفة... أصبحت أعمق قليلاً.

كأن شيئًا ما... قد أثار اهتمامه أخيرًا.

2025/07/19 · 47 مشاهدة · 1621 كلمة
Vicker
نادي الروايات - 2025