قبل عدة ساعات...

[منظور كايلين]

الضباب كان يلتف حولي كشبح بارد، والهمسات كانت تتراقص في أذني، تحاول أن تشتت تركيزي. لكنني تجاهلتها. الضباب، الهمسات، الأشجار الملتوية... كل هذا كان مجرد إلهاءات. تفاصيل غير مهمة.

ما يهم هو السيف.

وما يهم هو الخصم.

كنت أتحرك عبر قطاع مختلف من المتاهة، قطاع صخري ضيق يشبه وادياً صغيراً نحتته أنهار منسية.

الجدران الحجرية العالية على جانبي كانت مغطاة بطحالب سوداء لزجة، تقطر ماءً بارداً باستمرار، محدثة صدى غريباً يمتزج مع همسات الضباب.

الأرض تحت قدمي لم تكن طرية، بل كانت عبارة عن صخور حادة وغير مستوية، مغطاة بطبقة رقيقة من الوحل، مما جعل كل خطوة تتطلب توازناً دقيقاً.

لم أكن أركض كالحمقى، ولم أكن أتسلل كالجبناء. كنت أسير بخطى ثابتة، ومنهجية، وعيناي تفحصان كل ظل، كل صدع في الصخر. سيفي الحقيقي، الذي استبدلته بالخشبي عند المدخل، كان في يدي. شعرت بتوازنه المثالي، بحدته القاتلة، ببرودته التي أصبحت جزءاً من جلدي. كان امتداداً لذراعي، امتداداً لإرادتي.

لم يكن عقلي فارغاً. كان يعيد تشغيل تلك المبارزة القصيرة، المهينة، مراراً وتكراراً.

نير ڤيرتون.

"الضباب..." كانت هذه هي الكلمة الوحيدة التي استطعت أن أصف بها حالته. لم يكن ضباب المتاهة الذي أراه الآن، بل ضباب في روحه، في أسلوبه. وقفته كانت تحمل هيكل العبقرية، لكنها كانت فارغة من الداخل.

حركاته كانت صدىً باهتاً لرقصة الفولاذ التي كنت أعرفها، لكنها كانت تفتقر إلى الروح، إلى الجوهر. كان كأنه يعزف لحناً معقداً يعرفه عن ظهر قلب، لكنه نسي المشاعر التي ألهمته.

كنت أحترمه. نعم، اعترف بذلك في صمت داخلي. نير الأصلي كان المبارز الوحيد في هذه الأكاديمية الذي اعتبرته ندًا حقيقيًا. قتاله كان فنًا.

كل حركة كانت لها معنى، كل صدة كانت تحمل في طياتها هجومًا مضادًا. مبارزاتنا في الماضي كانت كرقصة من الفولاذ، حوار صامت بين نصلين، يفهم كل منا الآخر دون الحاجة إلى كلمات.

لكن الآن... ذلك الحوار قد صمت.

"القوة التي تصقل في الصمت..." تذكرت كلماته الفلسفية أمام الأمير. هل كان هذا هو السبب؟ هل انعزاله هو نوع من التدريب الروحي الذي لا أفهمه؟ أم أنه ببساطة... قد انكسر؟

شعرت بخيبة أمل. خيبة أمل عميقة، حادة كشفرة سيفي. كنت أتطلع إلى هذه المنافسة ليس من أجل الفوز بالمركز الأول، بل من أجل مواجهته مرة أخرى، على مسرح عام، لنرى من منا قد تطور أكثر. لكن الآن، لم أعد متأكدًا.

فجأة، توقفت.

الصمت... كان عميقًا جدًا. حتى الهمسات بدت وكأنها حبست أنفاسها. أدرت رأسي ببطء، وأذناي تلتقطان أدنى صوت.

سمعته.

صوت حفيف. صوت شيء ينساب على الصخر المبلل.

لم يكن صوت حيوان يمشي. كان صوت زحف.

رفعت سيفي، ووضعت جسدي في حالة استعداد قصوى. لم تكن هناك أي هالة يمكنني الشعور بها، لكن غريزتي كمبارز كانت تصرخ بالخطر.

من صدع مظلم في الجدار الصخري على يساري، انزلقت ثلاثة أشياء.

كانت "أفاعي الصخر الصامتة". مخلوقات من رتبة "جرثومة"، لكنها من النوع الخبيث والمميت. أجسادها الرفيعة كانت بلون الصخر الرمادي الداكن، مما يجعلها شبه غير مرئية.

لم تكن لها عيون، بل كانت تستشعر الحرارة والاهتزازات. الشيء الوحيد الذي كان يكسر تمويهها هو الأنياب الطويلة، البيضاء كالعاج، التي كانت تبرز من أفواهها، وتقطر سماً صافياً، لزجاً، يتلألأ بضعف في الضوء الباهت.

انتشرت الأفاعي الثلاثة، وشكلت مثلث هجوم. كانت تتحرك بصمت تام، كأنها أشباح من الحجر.

لم أنتظرها.

أخذت زمام المبادرة. اندفعت إلى الأمام، ليس نحو أي أفعى، بل نحو الفراغ بين اثنتين منها. حركتي كانت سريعة، خاطفة.

الأفعى على يميني كانت الأقرب. انقضت، وفمها مفتوح على مصراعيه.

لم أصدها. لم أهاجمها.

فقط... تحركت.

أدرت معصمي بحركة دقيقة، واستخدمت الجانب المسطح من نصل سيفي لأضرب رأسها بقوة، محولاً مسار هجومها نحو الأفعى الأخرى على يساري.

اصطدمت الأفعى الأولى بالثانية في تشابك عنيف من الأجساد الرمادية.

لم أضيع جزءًا من الثانية.

استدرت، وسيفي رسم قوسًا فضيًا في الهواء.

ششششك! ششششك!

قطعت رأسي الأفعى المتشابكتين بضربتين سريعتين، نظيفتين.

لكن الأفعى الثالثة كانت قد وصلت.

انقضت على ساقي.

لم يكن هناك وقت لرفع سيفي. فعلت الشيء الوحيد الممكن.

رفعت قدمي بقوة، ودعست على رأسها بكل ثقلي.

سمعت صوت تكسر عظام رقيقة، وشعرت بجسدها يرتعش بعنف تحت حذائي لثانية، ثم يسكن.

انتهى الأمر في أقل من ثلاث ثوانٍ.

وقفت ألهث، ليس من التعب، بل من تركيز الأدرينالين. نظرت إلى جثث الأفاعي الثلاث. لم تكن تهديدًا حقيقيًا، لكنها كانت تذكيرًا بأن أي لحظة من التراخي في هذا المكان تعني الموت.

وبينما كنت أنفض السم اللزج عن حذائي، رأيت شيئًا.

في الصدع المظلم الذي خرجت منه الأفاعي، كان هناك وميض أزرق خافت.

اقتربت بحذر، وسيفي لا يزال في يدي. في عمق الصدع، خلف شبكة من الطحالب السوداء، كانت ترقد جوهرة روحية، تتوهج ببرود.

لقد كانت الأفاعي تحرسها.

أخذت الجهرة، وشعرت ببرودتها في يدي. وضعتها في سواري. واحدة من ثلاثة. جيد.

نظرت في اتجاه غامض، حيث كنت أظن أن بقية الطلاب يتقاتلون.

"نير..." تمتمت. "آمل أن تكون قد وجدت شيئًا من جوهرك المفقود.

لأنني قادم."

استدرت، وواصلت طريقي عبر الوادي الصخري، وصورة ذلك السيف الذي تحول إلى ظلام لا تزال محفورة في ذاكرتي. المنافسة أصبحت الآن أكثر إثارة مما توقعت.

[منظور نير ڤيرتون]

ثماني ساعات.

أو ربما سبع. أو تسع. من يهتم بحق الجحيم؟ لقد فقدت الإحساس بالوقت، بالاتجاه، وبما تبقى من عقلي.

كنت أتعثر عبر هذا الكابوس الأبيض اللامتناهي، والضباب يلتف حولي ككفن رطب، والهمسات لم تعد مجرد أصوات، بل أصبحت أفكاري الخاصة، ملتوية، خبيثة، تسخر مني.

ملابسي كانت ممزقة في عدة أماكن، ووجهي ويداي مغطاة بالخدوش والطين والدم الأخضر الجاف الذي خلفته تلك الجرذان اللعينة.

الإرهاق لم يعد مجرد شعور بالتعب، بل أصبح ألمًا عميقًا في عظامي، ثقلاً يسحبني نحو الأرض، يتوسل إليّ لأستسلم، لأنام، ولأدع هذا الجحيم يلتهمني.

كنت أبحث. أبحث عن تلك الشجرة اللعينة. "شجرة ذات وجه باكٍ". تباً لها، وتباً للمستكشف القديم الذي ترك هذه العلامات السخيفة، وتباً للرواية التي جعلتني أصدق أنني أستطيع اتباعها.

"كان يجب أن أكون الأول!" صرخت بصوت أجش، والكلمات خرجت ممزوجة بالبخار البارد.

"لدي المعرفة! لدي الخريطة في رأسي! آيلا، تلك الفتاة الساذجة، من المفترض أنها خرجت بعد عشر ساعات! عشر ساعات! وأنا هنا، بعد ما يقارب الثماني، لم أجد حتى العلامة الأولى!"

ركلت بقدمي جذر شجرة ضخم، وشعرت بألم حاد يسري في ساقي، مما زاد من غضبي ويأسي.

"اللعنة! اللعنة على كل شيء!"

انهرت، وأسندت ظهري إلى جذع شجرة مبلل، وانزلقت على الأرض الموحلة. جلست هناك، ورأسي بين يدي، وأنا أرتجف. لم يكن من البرد، بل من الانهيار الداخلي.

الضباب كان له تأثيره بالفعل. لم أعد أفكر بوضوح. الأفكار كانت تتصارع في رأسي، ذكريات من حياتي السابقة تمتزج مع كوابيس هذا العالم.

كيف وصلت إلى هنا بحق الجحيم؟

"ألم أكن مجرد بشري؟" تمتمت، وصوتي كان يرتجف. "ألم أكن أعيش في شقة حقيرة، آكل طعامًا رخيصًا، وأقرأ روايات سخيفة لأهرب من واقعي البائس؟ ما الذي فعلته لأستحق هذا؟"

صورة وجهي في المرآة في حمامي القديم، وجه شاب متعب، فاقد للأمل... ثم صورة وجه نير ڤيرتون، هذا القناع الأرستقراطي البارد الذي أُجبرت على ارتدائه.

"مالذي أتى بي هنا؟ هل مت؟ هل هذه هو الجحيم؟ هل هذا عقاب على حياة لم أعشها كما يجب؟ أم أنها مجرد مزحة؟ مزحة كونية قاسية، يلعبها سامي معتوه، يستمتع برؤية نملة تائهة تحاول أن تفهم مصيرها؟"

"اللعنة! اللعنة! اللعنة!" صرخت، وضربت بقبضتي الأرض الموحلة، مرة، ومرتين، وثلاث. "أريد فقط أن أعود! لا أهتم بالمال، ولا بالقوة! فقط دعوني أعود إلى بؤسي المألوف!"

رفعت رأسي، وصرخت في وجه الضباب، في وجه السماء التي لا تُرى. "هل تسمعني أيتها الكاتبة المعتوهة؟! هل تستمتعين بهذا العرض؟!"

في خضم نوبة غضبي ويأسي، سمعت صوتًا.

ليس همسًا.

بل عواءً.

عواء منخفض، حزين، جاء من عمق الضباب أمامي.

تجمدت.

نهضت على قدمي ببطء، وسيفي في يدي يرتجف قليلًا. "عين الحقيقة" صرخت بالخطر، وأظهرت لي هالات زرقاء داكنة، باردة، تقترب بسرعة.

لم تكن هالة واحدة. كانت أربع.

وظهروا من الضباب، كأشباح ولدت من الكوابيس.

كانوا "ذئاب الهمس". مخلوقات من الرتبة الأولى. أجسادهم كانت شبه شفافة، كأنها مصنوعة من زجاج مدخن، وتتحرك برشاقة مخيفة. الشيء الوحيد الصلب فيهم كان أسنانهم الطويلة، الحادة، وعيونهم التي كانت تتوهج بضوء أزرق باهت.

انتشرت الذئاب الأربعة، وشكلت نصف دائرة حولي، وقطعت كل طرق الهروب. لم تكن تهاجم، فقط تدور حولي ببطء، وعواءها الحزين كان يتردد في الهواء، يتلاعب بحواسي، ويحاول أن يدفعني نحو اليأس.

"تبًا لكم أيضًا،" تمتمت، وأنا أحاول السيطرة على رعشة جسدي.

كنت منهكًا، وعقلي مشوش. لم أكن في حالة تسمح لي بخوض معركة. لكن لم يكن لدي خيار.

الذئب على يميني كان أول من هاجم. لم يندفع مباشرة، بل اختفى في الضباب للحظة، ثم ظهر فجأة بجانبي، وفمه مفتوح.

تفاعلت بشكل غريزي. أدرت جسدي، واستخدمت سيفي لصد الهجوم.

كلااانغ!

اصطدم سيفي بأنيابه الشفافة، وشعرت بقوة الصدمة. لكنه لم يتراجع. بل استخدم جسده ليدفعني.

في نفس اللحظة، هاجم الذئبان الآخران من الأمام.

كنت محاصرًا.

"الظلام!" صرخت في عقلي، وأنا أستدعي تلك القوة اليائسة.

تدفقت القوة في سيفي، وحولته إلى سواد مطلق.

لكنني لم أستخدمه للقطع.

فعلت شيئًا جديدًا. شيئًا لم أتدرب عليه.

دفعت جزءًا من الظلام ليس إلى النصل، بل إلى الأرض تحتي.

في لحظة، انفجر ظلي، وتمدد، وتحول إلى بركة من الظلام السائل، اللزج.

الذئبان اللذان كانا يهاجمان من الأمام، تعثرت أقدامهما في هذه البركة غير المتوقعة. حركتهما تباطأت للحظة، كأنهما يركضان في وحل سميك.

وهذه اللحظة... كانت كل ما أحتاجه.

دفعت الذئب الذي كان يضغط عليّ بكل قوتي، ثم استدرت، ووجهت سيفي الأسود نحو أقرب ذئب متعثر.

قطعته إلى نصفين. تبخر جسده في ضباب أزرق.

ثم تحركت نحو الثاني. كان يحاول أن يحرر نفسه من الظلام الذي يمسك بقدميه. لم تكن لديه فرصة.

ضربة أخرى. ومات.

الذئب الرابع، الذي كان يراقب من بعيد، تردد للحظة عندما رأى رفيقيه يموتان بهذه السهولة.

لكن الذئب الذي كنت أقاتله في البداية استعاد توازنه، وهاجمني مرة أخرى، وهذه المرة، كان يستهدف حلقي.

كنت أبطأ منه. رأيت أنيابه تقترب.

أغمضت عيني.

فجأة، شعرت بشيء دافئ على وجهي.

فتحت عيني.

الذئب كان قد توقف، على بعد بوصة واحدة من حلقي. وعيناه الزرقاوان تحدقان في شيء خلفي.

ثم، انهار على الأرض، وجرح عميق، نظيف، يمتد على طول عنقه.

التفت، وقلبي يخفق بعنف.

ورأيته.

كان يقف هناك، صامتًا، وسيفه لا يزال ممدودًا.

كايلين.

نظر إليّ، ثم إلى بركة الظلام التي كانت لا تزال على الأرض، والتي بدأت تتلاشى ببطء. ثم إلى سيفي، الذي عاد إلى لونه الفولاذي.

لم يقل شيئًا.

لكن عينيه الرماديتين... كانتا تحملان ألف سؤال.

ثم، نظر إلى ما خلفي، وتجمد.

التفت أنا أيضًا.

وهناك، خلف جثث الذئاب، حيث قاتلنا، كانت تقف شجرة ضخمة. شجرة قديمة، لحاؤها متشقق بطريقة تشبه وجهًا حزينًا، ومن إحدى "عينيه"... كانت تنمو زهرة قرمزية صغيرة، تتوهج بضعف في الضباب.

لقد وجدتها.

لكنني لم أكن وحدي.

صمت مطبق هبط على الفسحة الصغيرة، صمت أثقل من الضباب نفسه، لا يقطعه سوى صوت تنفسي المتقطع وصوت قطرات الماء الباردة وهي تتساقط من أغصان الأشجار العملاقة.

كنت لا أزال جاثمًا على ركبة واحدة، والسيف في يدي يرتجف قليلًا، ليس من الخوف، بل من الإرهاق المطلق الذي اجتاحني بعد استخدام تلك القوة المظلمة.

بركة الظلام التي خلقتها على الأرض تلاشت تمامًا، كأنها حبر انسكب على الماء، ولم تترك وراءها سوى بقعة من الطين أشد سوادًا من محيطها.

كايلين كان يقف أمامي، كتمثال من حجر الصوان والجليد. سيفه كان لا يزال في يده، يقطر منه سائل أزرق باهت، دم "ذئاب الهمس" الشفاف.

لم ينظر إلى جثث الوحوش، ولم ينظر حتى إلى الشجرة ذات الوجه الباكي التي كانت تقف خلفي كشاهد صامت.

عيناه الرماديتان، الحادتان كشفرة سكين، كانتا مثبتتين عليّ، تنتقلان من وجهي الملطخ بالطين والعرق، إلى سيفي، ثم إلى البقعة التي كان فيها الظلام قبل لحظات.

لم يكن في عينيه أي انتصار لإنقاذه لي، ولا أي شماتة لرؤيتي في هذه الحالة المزرية. كان فيهما شيء أعمق، وأكثر إثارة للقلق. كان فيهما ارتباك.

ارتباك مبارز عبقري رأى شيئًا يتجاوز فهمه، شيئًا يكسر كل قواعد القتال التي يعرفها.

"ماذا... كان ذلك؟"

صوته خرج هادئًا، خاليًا من أي عاطفة كالعادة، لكن السؤال نفسه كان يحمل وزنًا هائلاً.

لم أجب. ماذا كان بإمكاني أن أقول؟ "أوه، لا شيء، مجرد بعض 'الظلام الشيطاني' الذي اكتشفته للتو"؟

الصمت كان خياري الوحيد. درعي الوحيد.

نهضت على قدمي ببطء، وشعرت بألم حاد في عضلاتي. كل جزء من جسدي كان يصرخ مطالبًا بالراحة.

"عين الحقيقة" كانت تريني أن هالتي قد أصبحت باهتة للغاية، كشمعة أُطفئت للتو ولا يزال دخانها يتصاعد. لقد استنزفت طاقتي الروحية بالكامل تقريبًا.

أخيرًا، أشاح كايلين بنظره عني، ووجهه نحو الشجرة. "الشجرة ذات الوجه الباكي." قال، وكأنه يقرأ من كتاب قديم. "العلامة الأولى."

إذًا، هو أيضًا كان يعرف. هو أيضًا قرأ عن هذه العلامات، أو ربما... تدرب على معرفتها.

عائلة "الخشب الحديدي" كانت معروفة بتقاليدها القديمة، وبتدريب أبنائها على فنون البقاء والقتال في أصعب الظروف. لم يكن مجرد مبارز موهوب، بل كان محاربًا متكاملًا.

اقترب من الشجرة، ولمس لحاءها المتشقق بيده. ثم نظر إلى الزهرة القرمزية الصغيرة التي كانت تنمو من "عينها".

"الزهرة تتجه نحو الشمال الشرقي." قال، وعيناه تفحصان اتجاه نمو البتلات بدقة. "العلامة التالية يجب أن تكون على بعد ثلاث ساعات سيرًا في ذلك الاتجاه."

كنت أعرف ذلك. الرواية ذكرت كل هذه التفاصيل. لكن رؤيته وهو يستنتجها أمامي بهذه السهولة، بهذا الهدوء، جعلتني أشعر بأنني لست الوحيد الذي يمتلك "المعرفة" في هذه المتاهة. معرفتي كانت مسروقة من كتاب، أما معرفته، فكانت محفورة في تدريبه، في دمه.

التفت إليّ مرة أخرى. "أنت منهك. تلك... 'القدرة'... يبدو أنها تستنزفك كثيرًا."

مرة أخرى، لم يكن سؤالًا، بل كان تقريرًا لحقيقة.

أومأت برأسي إيماءة خفيفة. لم يكن هناك فائدة من الإنكار.

ساد صمت آخر بيننا. لم يكن صمتًا محرجًا، بل كان صمتًا ثقيلاً، مليئًا بالأسئلة التي لم تُطرح، وبالحقائق التي لم تُكشف.

كنا خصمين، هذا مؤكد. لكن في هذه اللحظة، في قلب هذه المتاهة الملعونة، كنا أيضًا الناجيين الوحيدين في هذه الفسحة الصغيرة.

"هناك كهف صغير خلف تلك الصخور." قال كايلين فجأة، مشيرًا برأسه إلى مجموعة من الصخور المغطاة بالطحالب على بعد أمتار قليلة.

"يمكنك أن ترتاح هناك. سأقوم بالحراسة."

تجمدت. "لماذا؟" الكلمة خرجت من فمي قبل أن أتمكن من إيقافها. لماذا يساعدني؟ لماذا يعرض عليّ الحماية؟ ألم يكن منافسي؟

نظر إليّ كايلين، ولأول مرة، رأيت وميضًا من شيء يشبه... التردد في عينيه الرماديتين.

"لا أريد أن يهزمني خصمي بسبب الإرهاق." قال ببرود. "أريد أن أواجهك وأنت في كامل قوتك في المرحلة الأخيرة. هزيمتك وأنت في هذه الحالة... لا تحمل أي شرف."

ثم أضاف، وصوته انخفض قليلاً، "وأيضًا... أنا مدين لك. لقد أنقذتني في ساحة التدريب من إهانة الأمير."

كان يتحدث عن ذلك اليوم، عندما أوقفه ثيرون عن مبارزتنا. لم أكن قد أنقذته، بل كنت قد أنقذت نفسي.

لكن في عالمه، عالم الشرف والديون، كان يرى الأمر بشكل مختلف.

لم أجادل. كنت منهكًا جدًا لأفعل ذلك. مشيت ببطء نحو الكهف الذي أشار إليه. كان مجرد صدع صغير في الصخر، بالكاد يتسع لشخص واحد، لكنه كان جافًا، ويوفر حماية من الضباب البارد.

جلست في الداخل، وأسندت ظهري إلى الحجر البارد. من زاويتي، كنت أرى كايلين وهو يقف في وسط الفسحة، لا يتحرك، وسيفه في يده، وعيناه تفحصان الضباب بحذر لا يلين. كان كالصقر، يراقب، وينتظر.

أخرجت من خاتم الأبعاد قربة ماء أخرى، وشربت ببطء. شعرت بالماء البارد وهو يروي حلقي الجاف، ويعيد إليّ جزءًا ضئيلاً من الحياة.

راقبت كايلين، وعقلي يعج بالأفكار.

هذا التحالف المؤقت... كان غير متوقع. وغير مريح.

كنت أفضل أن أكون وحدي، مع ظلامي، مع أسراري. وجوده هنا كان يذكرني باستمرار بمدى انحرافي عن مسار "نير ڤيرتون" الأصلي.

نير الأصلي وكايلين كانا خصمين شرسين، يحترمان بعضهما البعض، لكنهما لم يكونا ليتحالفا أبدًا بهذه الطريقة.

أغمضت عيني، وحاولت أن أرتاح. لكن النوم كان بعيد المنال. كلما أغلقت عيني، كنت أرى ذلك الظلام الذي خلقته، وأشعر بذلك الإرهاق الروحي العميق.

كنت أمتلك قوة جديدة، نعم. لكنني لم أكن أعرف ثمنها الحقيقي بعد.

مرت ساعتان على الأقل في هذا الصمت المشحون. الشمس الوهمية لهذه المتاهة بدأت تميل نحو الغروب، والظلال أصبحت أطول وأكثر قتامة.

الهمسات في الضباب أصبحت أعلى، وأكثر خبثًا.

"حان وقت التحرك."

صوت كايلين الهادئ جعلني أفتح عيني. كان يقف عند مدخل الكهف، وظله الطويل يمتد إلى الداخل.

نهضت، وشعرت بأن جسدي لا يزال يؤلمني، لكن الإرهاق الشديد قد خف قليلاً.

"هل أنت مستعد؟" سأل.

أومأت برأسي.

"جيد." قال. "لدينا ثلاث ساعات أخرى من السير قبل أن نصل إلى العلامة التالية. يجب أن نتحرك الآن إذا أردنا أن نجد مكانًا آمنًا قبل أن يحل الظلام الحقيقي."

خرجت من الكهف، ووقفت بجانبه. نظرنا معًا في اتجاه الشمال الشرقي، حيث كان الضباب أكثر كثافة، والهمسات أعلى.

"سنسير معًا." قال كايلين، ولم يكن سؤالًا. "سيكون الأمر أسرع، وأكثر أمانًا."

مرة أخرى، لم أجد سببًا للرفض. في هذه اللحظة، كنت بحاجة إليه بقدر ما كان هو يعتقد أنه بحاجة إليّ لمبارزة شريفة في المستقبل.

"لكن..." توقف، والتفت إليّ، وعيناه الرماديتان تحدقان فيّ بحدة. "عندما نصل إلى المرحلة الأخيرة، نير... لن يكون هناك أي تحالف. سأكون أنا وأنت. والسيف هو من سيحكم."

"لا أتوقع أقل من ذلك." أجبته، وشعرت ببرودة الفولاذ في كلماتي تتناسب مع برودة كلماته.

وابتدأنا مسيرتنا معًا.

خصمان، يسيران جنبًا إلى جنب في قلب جحيم من الضباب والهمسات، كل منهما يحمل أسراره، وكل منهما ينتظر اللحظة التي سيغرس فيها سيفه في ظهر الآخر.

يا لها من بداية غريبة... لصداقة أكثر غرابة. أو ربما... لعداوة أعمق بكثير.

---

---

على الشرفة الملكية، تغيرت الأجواء تمامًا. لم يعد الأمر مجرد ترفيه. ما بدأ كمشاهدة مملة لأداء بعض المراهقين، تحول الآن إلى تحليل استراتيجي صامت.

البلورة التي كانت تتبعني أنا وكايلين أصبحت هي محور الاهتمام.

الإمبراطور ثيودور، الذي كان يبدو ملولاً في البداية، انحنى الآن إلى الأمام قليلاً في عرشه، وذقنه مستند على قبضته، وعيناه الأرجوانيتان تراقبان الشاشة البلورية بتركيز حاد.

"تحالف غير متوقع." قال بصوت هادئ، موجهًا كلامه إلى لا أحد على وجه الخصوص. "ابن دوق الظلال، وابن سيد الخشب الحديدي. الظل والفولاذ يسيران معًا. يا لها من مفارقة."

بجانبه، كان دوق الظلال، ڤاليدور ڤيرتون، لا يزال كتلة من الصمت المظلم.

لم يتحرك، ولم يغير من جلسته. لكن لو كان بإمكان أحد رؤية ما تحت ظلال عباءته، لربما لاحظ أن أصابعه، ذات القفاز الأسود، قد توقفت عن النقر الخفيف على ذراع العرش.

كان يشاهد البلورة بتركيز مطلق، كأنه يحاول أن يقرأ ليس فقط حركاتنا، بل أفكارنا، نوايانا، ومصائرنا.

أليستر، الذي كان يقف خلف والده، كان وجهه قناعًا لا يمكن قراءته.

لكن "عين الحقيقة" لو كانت هنا، لأظهرت أن هالته الرمادية الباردة كانت تدور بشكل أسرع، وفيها ومضات من الحسابات المعقدة.

كان يحلل هذا التحالف من كل زاوية ممكنة. ماذا يعني بالنسبة لموازين القوى في الأكاديمية؟ ماذا يعني بالنسبة لسمعة عائلة ڤيرتون؟ هل هذا ضعف من نير، أم دهاء؟

"إنه دهاء."

صوت الجنرال ڤاليريوس العميق قطع الصمت. كان لا يزال واقفًا كتمثال، لكن رأسه كان مائلاً قليلاً وهو يراقب البلورة.

"ابنك، يا دوق،" قال، موجهًا كلامه إلى ڤاليدور. "إنه ليس ضعيفًا. إنه منهك. تلك القوة التي استخدمها... لقد استنزفته. تحالفه مع كايلين الآن ليس خيارًا، بل ضرورة تكتيكية للبقاء على قيد الحياة."

لم يرد الدوق.

"لكن كايلين..." تابع الإمبراطور، وعيناه تضيقان. "لماذا يساعده؟ الشرف؟ هذا تفسير ساذج. هناك شيء آخر."

بقي دوق الظلال صامتًا، يراقب ظل ابنه وهو يسير بجانب ظل الفولاذ، في قلب متاهة من الهمسات والأكاذيب.

ولم يكن أحد، ولا حتى الإمبراطور نفسه، يستطيع أن يخمن ما إذا كان هذا الصمت هو صمت الرضا... أم صمت خيبة الأمل.

2025/07/20 · 51 مشاهدة · 2999 كلمة
Vicker
نادي الروايات - 2025