ساعتان. ساعتان أخريان انقضتا في هذا الجحيم الأبيض، وكل دقيقة كانت تمتد كجرح لا يندمل. المسير بجانب كايلين كان قد تحول من تحالف غير مريح إلى ضرورة صامتة للبقاء.

لم نعد نتحدث. لم تكن هناك حاجة للكلمات. لغة الوحوش التي كانت تهاجمنا بين الحين والآخر، ولغة سيوفنا التي كانت ترد عليها، كانت هي حوارنا الوحيد.

الضباب أصبح أرق قليلاً كلما تقدمنا، لكن الهمسات أصبحت أكثر خبثًا، كأنها تدرك أننا نقترب من هدفنا، وتحاول يائسة أن تكسر عزيمتنا.

الأرض تحت أقدامنا تحولت من طين ناعم إلى مستنقع لزج، تتخلله جذور سوداء ملتوية تبرز من الأرض كأصابع موتى تحاول الإمساك بكاحلينا. رائحة العفن أصبحت أشد، ممزوجة برائحة معدنية خافتة... رائحة الدم القديم.

"نحن نقترب." قال كايلين فجأة، وصوته الهادئ كان كصوت حجر يسقط في بئر عميقة. "أستطيع أن أشعر به. الهواء هنا... مريض."

كان محقًا. "عين الحقيقة" كانت تريني أن طاقة المكان هنا أصبحت مضطربة بشكل عنيف. لم تعد مجرد أوهام صوتية، بل كانت هناك بقع من الطاقة المظلمة، تتجمع في تجاويف الجذور وتحت الصخور، كأنها أفخاخ تنتظر من يطأها.

ثم، من خلال ستارة الضباب الأخيرة، رأيناه.

لم يكن كهفًا، ولم يكن عشًا بالمعنى الحرفي. كان... جرحًا في الأرض. حفرة ضخمة، دائرية، قطرها لا يقل عن خمسين مترًا، تنحدر جوانبها الموحلة إلى الأسفل، إلى ظلام دامس.

ومن هذا الظلام، كانت تنبعث رائحة مقززة، رائحة لحم متعفن، وحمض، وشيء آخر... شيء حلو بشكل يبعث على الغثيان.

"عش الجراثيم." تتمتمت وأنا أتذكر وصف الرواية. "المكان الذي يحتوي على أربع جواهر روحية."

كان كايلين يمتلك واحدة بالفعل. وهذا يعني أننا لو حصلنا على ما في الداخل، سنخرج معًا. سنكون قد اجتزنا المرحلة.

لكن النظر إلى تلك الحفرة المظلمة جعل معدتي تتقلص. لم تكن تبدو كمكان يحتوي على كنز، بل كقبر جماعي.

"كايلين يمتلك واحدة." فكرت بسرعة. "وهناك أربع في الداخل. هذا يعني أن المجموع خمسة. واحدة لي، وواحدة له، وتبقى اثنتان. لا، ثلاث لي، وواحدة له... نعم، سنفوز معًا." كانت الحسابات تدور في رأسي، لكن الواقع كان أكثر رعبًا.

قبل أن نتمكن حتى من التفكير في خطة للنزول، بدأ الهجوم.

الموجة الأولى: الطوفان

لم يكن هناك سابق إنذار. الأرض الموحلة عند حافة الحفرة بدأت تهتز، ثم انفجرت إلى الأعلى، وخرج منها طوفان أسود، لامع، من الكوابيس المتحركة.

مئات. بل ربما آلاف من "جرذان الظل" و "عناكب الطين". كانوا يتدفقون من الحفرة كطاعون سائل، هسهستهم وطقطقة أرجلهم الحادة امتزجت معًا لتخلق ضجيجًا يصم الآذان. عيونهم الحمراء والصفراء المتعددة كانت تتوهج في الضباب كجمرات من الجحيم، وكلها كانت مثبتة علينا.

"إلى الوراء!" صرخ كايلين، وبدأنا نتراجع، وسيوفنا مرفوعة.

لم يكن هناك وقت للتفكير. لم يكن هناك وقت للتكتيك. كان مجرد صراع بدائي، وحشي، من أجل البقاء.

اصطدمت الموجة الأولى بنا.

تحول كل شيء إلى فوضى دموية. كنت أقاتل كآلة، وعقلي في حالة من التركيز المطلق الذي ولده الرعب. كل حاسة في جسدي كانت تصرخ.

صوت تمزق الكايتين تحت نصل سيفي. رائحة الحمض وهو يحرق الهواء. ملمس الوحل اللزج تحت قدمي وأنا أحاول الحفاظ على توازني. منظر تلك الأفواه العمودية وهي تحاول أن تلتهم وجهي.

كنت أغطي سيفي بالظلام، ليس بشكل كامل الآن، بل فقط عند الحاجة، في ومضات سريعة، للحفاظ على طاقتي الروحية. كل ضربة كانت تقتل، تمحو. قطعت الأرجل، فصلت الرؤوس، شققت الأجساد. تناثر الدم الأخضر والأسود في كل مكان، لطخ وجهي وملابسي، وتحول إلى بخار حامضي ما إن لامس الأرض.

بجانبي، كان كايلين يقاتل كإعصار من الفولاذ. لم تكن حركاته تحمل أي ظلام، أي سحر غريب. كانت مجرد مهارة سيف نقية، مطلقة، وصلت إلى حد الكمال.

كان يدور، يراوغ، ويقطع، سيفه يرسم أقواسًا فضية مميتة في الهواء. كان كل ضربة من ضرباته تقتل وحشين أو ثلاثة. كان يرقص رقصة الموت، وجهه هادئ، جليدي، كأنه في ساحة تدريب، وليس في قلب مجزرة.

كنا نقاتل ظهرًا لظهر، حركة غريزية لم نخطط لها. كنت أثق بأنه سيحمي ظهري، وهو كان يثق بأنني سأحمي ظهره. أصبحنا وحدة قتالية واحدة، الظل والفولاذ، يواجهان طوفانًا من الكوابيس.

استمر القتال لما بدا وكأنه دهر. العضلات في ذراعي كانت تحترق. أنفاسي كانت تخرج كشهقات مؤلمة. جثث الوحوش بدأت تتراكم حولنا، مشكلة تلالًا صغيرة، بشعة، من الدروع المكسورة والأطراف المقطوعة.

لكنهم كانوا لا يتوقفون عن القدوم. كلما قتلنا عشرة، كان يخرج عشرون آخرون من الحفرة.

"لن ينتهي هذا أبدًا!" صرخت، وأنا أقطع رأس عنكبوت كان على وشك بصق حمضه على ساق كايلين.

"علينا أن نتقدم!" رد كايلين، وصوته كان لا يزال هادئًا، لكنه كان يحمل نبرة من الإلحاح. "مصدرهم هو الحفرة. إذا بقينا هنا، سيبتلعوننا في النهاية."

كان محقًا. الدفاع كان انتحارًا بطيئًا. كان علينا أن نهاجم، أن نقتحم قلب العش.

"معي!" صرخ، وبدأ في شق طريقه إلى الأمام، سيفه يترك أثرًا من الدمار في صفوف الوحوش.

تبعته، والسيف الأسود في يدي، وأنا أقطع وأطعن وأمحو كل ما يقف في طريقي. كانت مذبحة. لم أعد أفكر. كنت أتحرك فقط، أقتل، وأنجو.

بعد ما بدا وكأنه الأبدية، خفت أعداد الوحوش من الرتبة الأولى. لم يتوقفوا تمامًا، لكن تدفقهم من الحفرة أصبح أبطأ، متقطعًا. كنا قد وصلنا إلى حافة الحفرة، وأجسادنا مغطاة بالوحل والدماء، ونلهث بصعوبة.

لكن الراحة لم تأتِ.

من الظلام الدامس في قاع الحفرة، ارتفع صوت جديد. ليس هسهسة، ولا طقطقة. بل كان هديرًا. هديرًا منخفضًا، حارقًا، مليئًا بالكراهية النقية.

ثم، قفزوا من الظلام.

ثمانية. ثمانية وحوش فقط.

لكن كل واحد منهم كان كابوسًا يفوق كل ما واجهناه حتى الآن.

كانوا "كلاب الجحيم الحمضية". مخلوقات من الرتبة الثانية. كانوا بحجم الفهود، لكن أجسادهم كانت مشوهة، ملتوية. لم يكن لديهم جلد، بل كانت عضلاتهم الحمراء الداكنة مكشوفة، تنبض وتنز سائلًا حمضيًا أخضر يتصاعد منه البخار. مخالبهم وأنيابهم كانت مصنوعة من عظام سوداء، حادة كشظايا الزجاج البركاني.

وعيونهم... كانت ست عيون لكل منهم، صغيرة، حمراء، تتوهج بحقد ذكي، وليس بجوع أعمى.

"عين الحقيقة" صرخت بالخطر. هالات هذه الكلاب كانت حمراء قانية، تنبض بقوة وعنف يفوقان أي شيء رأيته من قبل.

"احذر!" صرخت لـ كايلين. "دمهم حمضي!"

لم يكن هناك وقت للتخطيط. انقضت الكلاب الثمانية علينا.

تحولت المعركة من مجزرة فوضوية إلى رقصة مميتة، متوترة. كل حركة كانت مهمة. كل خطأ كان قاتلاً.

كانوا أسرع بكثير من الجرذان والعناكب. كانوا يراوغون، يقفزون، ويهاجمون من زوايا غير متوقعة. الحمض الذي كان يقطر منهم كان يحرق الأرض، ويطلق أبخرة سامة جعلت التنفس صعبًا.

انفصلت أنا وكايلين، كل منا يواجه أربعة.

الكلب الأول قفز نحوي. لم أحاول قطعه. بل استخدمت جانب سيفي المسطح لأضربه على رأسه، وأغير مساره. في نفس اللحظة، بصق كلب آخر نحوي. تدحرجت على الأرض، وشعرت بحرارة الحمض وهو يمر فوقي، ويذيب جزءًا من عباءتي.

نهضت، ووجهت سيفي الأسود نحو أقرب كلب. طعنته في صدره. صرخ الكلب صرخة حادة، وانفجر الدم الحمضي من جرحه.

قفزت إلى الوراء بصعوبة، وشعرت ببعض القطرات تحرق جلدي المكشوف على يدي. صرخت من الألم، لكنني تجاهلته.

كان كايلين يقاتل ببراعة لا تصدق. لم يكن يسمح للكلاب بالاقتراب منه. كان سيفه يتحرك في دوامة مستمرة من الهجمات والصدات، ويبقي الكلاب الأربعة على مسافة آمنة. لكنني رأيت أنه كان يستهلك طاقته بسرعة. هذا النوع من القتال الدفاعي كان مرهقًا للغاية.

أحد الكلاب تمكن من اختراق دفاع كايلين. راوغ الكلب تحت ضربة سيفه، وانقض على ساقه.

"كايلين!" صرخت.

لكنه كان مستعدًا. في آخر لحظة، أدار جسده، وسمح لأنياب الكلب بأن تنغرس في درعه الجلدي السميك عند فخذه، بدلاً من لحمه. ثم، وبكل برود، استدار وغرس سيفه في عنق الكلب.

لكنه أصيب. لم يكن جرحًا خطيرًا، لكن الحمض بدأ في إذابة درعه، ولا بد أنه قد وصل إلى جلده. رأيته يكبح صرخة ألم.

"اللعنة!" تمتمت. كان علينا أن ننهي هذا بسرعة.

أطلقت العنان للظلام مرة أخرى، وهذه المرة، لم أغطي سيفي فقط. خلقت خيطين من الظلام، وأطلقتهما نحو كلبين كانا على وشك مهاجمتي من الجانبين. التفت الخيوط حول أرجلهما الأمامية، وعرقلتهما للحظة.

استغليت هذه اللحظة. اندفعت نحو الكلب الرابع، الذي كان يتردد، وقطعت رأسه بضربة واحدة. ثم استدرت، وقتلت الكلبين اللذين كانا لا يزالان متشابكين في خيوطي المظلمة.

نظرت نحو كايلين. كان قد تمكن من قتل اثنين آخرين، لكنه كان يلهث، وساقه المصابة كانت تعيقه. بقي كلبان.

هاجماه معًا.

لم يكن ليستطيع صدهما. كان على وشك أن يتلقى ضربة قاتلة. سواره كان على وشك أن يتوهج.

"لا!" صرخت.

دفعت كل ما تبقى من " الإيترا"، وخلقت جدارًا صغيرًا، هشًا، من الظلام أمامه.

اصطدم الكلبان بالجدار. لم يوقفهما، لكنه أبطأهما لجزء من الثانية.

هذا الجزء من الثانية كان كافيًا.

انقض كايلين، وقتل الأول. ثم استدار، وطعن الثاني في قلبه.

انتهى الأمر.

وقفنا في وسط جثث الكلاب الثمانية، نلهث، وأجسادنا مغطاة بالجروح والحروق الحمضية.

"هل أنت بخير؟" سألت، وأنا أنظر إلى ساقه.

"سأنجو." قال، وأسنانه تصطك من الألم. "لكننا على وشك الموت. طاقتنا... شبه منتهية."

كان محقًا. شعرت بالدوار يهاجمني. سواري... هل كان على وشك أن يتوهج؟

قبل أن نتمكن حتى من التقاط أنفاسنا، اهتزت الأرض بعنف.

ومن قاع الحفرة، من أعمق نقطة في الظلام، ارتفعا.

لم يكونا وحشين. كانا تمثالين من الكوابيس، قد بُعثت فيهما الحياة.

"حراس القبر"، مخلوقان من الرتبة الثالثة.

كانا ضخمين، بطول ثلاثة أمتار، وأجسادهما مصنوعة بالكامل من حجر أسود، متصدع، ومغطى برموز رونية باهتة كانت تتوهج بضوء أحمر خبيث. لم تكن لهما رؤوس، بل مجرد كتلة حجرية ملساء. وكانا يحملان في أيديهما مطارق حجرية ضخمة، أكبر من جسدي.

تحركا ببطء، وكل خطوة كانا يخطوانها كانت تزلزل الأرض.

"الرتبة الثالثة..." تمتم كايلين، واليأس واضح في صوته لأول مرة.

"لا يمكننا هزيمتهما. نحن في الرتبة الأولى."

كنت أعرف ذلك. لكنني كنت أعرف شيئًا آخر أيضًا. شيئًا قرأته في تلك الرواية اللعينة.

"لديهما نقطة ضعف." قلت، وصوتي كان أجشًا. "درعهما الحجري لا يمكن اختراقه. لكن... عندما يرفعان مطرقتهما لشن هجوم ساحق، ينفتح صدع صغير في صدرهما، يكشف عن جوهرة روحية حمراء. هذه هي نواتهما. ضربة واحدة هناك... ستقتلهما."

نظر إليّ كايلين. "وكيف يفترض بنا أن نفعل ذلك؟ ضربة واحدة من تلك المطارق ستفجر أساورتنا وتنقلنا خارجًا. أو تقتلنا إذا لم تكن سريعة بما يكفي."

كان محقًا. أي ضربة مباشرة ستعني نهايتنا. لم نكن نتحمل أي ضرر آخر.

نظرت إلى الحارسين الحجريين وهما يقتربان ببطء، كأنهما الموت نفسه.

ثم نظرت إلى كايلين. إلى عينيه الرماديتين، اللتين كانتا تحملان الآن مزيجًا من العزم واليأس.

"هناك طريقة واحدة." قلت، وشعرت بأن الكلمات التي سأنطق بها هي أكثر شيء جنوني قلته في حياتي.

"علينا أن نخلع الأساور."

اتسعت عينا كايلين. "ماذا؟"

"اسمعني!" قلت بسرعة، بينما كان الحارسان على بعد عشرين مترًا فقط. "إذا بقينا نرتديها، فإن أي ضربة قوية ستنقلنا خارجًا، وسنفشل. لكن إذا خلعناها... يمكننا أن نخاطر. يمكننا أن نتحمل ضربة واحدة، ليس بشكل مباشر، بل بشكل غير مباشر. يمكننا أن نستخدم أجسادنا كطعم، لنجبر أحدهما على كشف نواته، بينما يهاجم الآخر."

"أنت مجنون." قال كايلين. "هذا انتحار. إذا أخطأنا... سنموت. موت حقيقي. لا انتقال، لا نجاة."

"وهل لدينا خيار آخر؟" صرخت. "انظر حولك! هل تريد أن تنتهي هكذا؟ مهزومًا؟ أم تريد أن تقاتل؟"

حدق فيّ كايلين للحظة طويلة. رأيت الصراع في عينيه. المنطق ضد الشرف. البقاء ضد المجد.

ثم، رأيت شيئًا يتغير. رأيت تلك الشرارة التي تميز المبارزين الحقيقيين. شرارة "كل شيء أو لا شيء".

"اللعنة عليك، ڤيرتون." قال، وابتسامة مريرة، لكنها حقيقية، ارتسمت على شفتيه. "أنت حقًا مجنون."

ثم، وبحركة حاسمة، فك إبزيم سواره الجلدي.

فعلت نفس الشيء. شعرت بالجلد البارد وهو يغادر معصمي. شعرت بأنني أقطع آخر خيط أمان يربطني بالحياة.

نظرنا إلى بعضنا البعض.

"إلى الجحيم إذن." قال.

"إلى الجحيم." رددت.

ورمينا الأساور معًا في الطين.

---

---

على الشرفة الملكية، سقط صمت مطبق.

النبلاء، الذين كانوا قبل لحظات يشعرون بالرعب، أصبحوا الآن مذهولين تمامًا.

"هل... هل فعلا ذلك؟"تمتم أحدهم.

الإمبراطور ثيودور، الذي كان جالسًا بهدوء، نهض فجأة من عرشه. عيناه الأرجوانيتان كانتا متسعتين، وعدم التصديق واضح على وجهه.

"هؤلاء... هؤلاء الأغبياء المجانين!" قال، وصوته كان يحمل مزيجًا من الغضب والذهول.

الجنرال ڤاليريوس تجمد في مكانه. حتى من خلال خوذته، كان يمكن الشعور بصدمته.

أما في ركن عائلة ڤيرتون، فقد حدث شيء لم يره أحد من قبل.

أليستر، الذي كان دائمًا مثالًا للهدوء والسيطرة، تراجع خطوة إلى الوراء، ويده ارتفعت نحو فمه، وعيناه الرماديتان تحدقان في البلورة برعب خالص. قناعه الجليدي... قد تحطم.

ودوق الظلال...

تحرك.

لقد قبض يده ذات القفاز الأسود بقوة، حتى سمع صوت طقطقة خفيفة. الظلال المحيطة به اهتزت بعنف، والهواء حوله أصبح باردًا كقبر.

لم يقل شيئًا. لكن الصمت الذي انبعث منه كان يصرخ بالغضب، وبشيء آخر... شيء لم يستطع أحد تحديده.

في مكان آخر، خارج المتاهة، في إحدى قاعات الانتظار، كانت الأميرة سيرافينا تجلس بهدوء، تراقب بلورة خاصة. بجانبها، كانت آيلا، التي كانت تبكي بصمت، ويداها تغطيان فمها.

عندما رأت ما فعلناه، توقفت آيلا عن البكاء، وتحول وجهها إلى قناع من الصدمة والرعب.

لكن سيرافينا...

لم تكن مصدومة.

انحنت إلى الأمام، وعيناها الرماديتان تلمعان ببريق غريب، محموم.

[منظور نير ڤيرتون]

"أنا سأكون الطُعم!!"

صرخ كايلين، ولم تكن صرخته مجرد خطة قتالية، بل نداءً للجنون، نداءً للقدر.

اندفع كأنه لا يملك وزنًا، كأنه يهرب من نفسه، لا من الحارس الحجري.

"لا، أنا—!"

بدأت أتكلم، لكن الكلمات انهارت تحت وقع قدميه.

لقد انطلق بالفعل، دون رجعة، دون تفكير، دون خوف.

الحارسان كانا يقفان أمامنا كجدارين من الكراهية الصامتة.

كأن الأرض أنجبتهم من حجارتها لتنتقم منا.

كايلين لم يهاجم، بل راوغ.

دورانه حول الحارس الأول كان أقرب إلى رقصة موت.

الحارس رفع مطرقته.

أنزلها.

بووووم!!!

الأرض انفجرت تحت قدميه، والغبار تصاعد كسُحُب سوداء.

حفرة قطرها متران ظهرت مكان الضربة، والزلزال الناتج منها جعل جسدي يرتجف.

"اللعنة..." تمتمت وأنا أتابع المشهد.

ضربة أخرى. ثم أخرى.

كايلين كان يلهث، يتحرك بالكاد، وجهه امتلأ بالخدوش، وركبته اليسرى كانت تنزف بشدة.

لكنه لم يتوقف.

لم يكن يحاول النجاة، بل إجبار الحارس على الغضب، على أن يكشف ضعفه.

لكن الضعف لم يأتِ.

مرت ثلاث دقائق، ثم خمس.

وكل لحظة كانت كأنها أبدية، وكل ضربة كانت تقترب أكثر فأكثر من سحقه.

ثم... سقط كايلين على ركبتيه.

"كايلين!!" صرخت، وانطلقت نحوه.

الحارس رفع مطرقته، وكان على وشك إنهائه.

قفزت، رميت سيفي نحوه، خطأ قاتل.

لم يصب السيف الهدف، بل ارتطم بالحائط خلفه.

كايلين تدحرج في اللحظة الأخيرة، لكن المطرقة خدشت ظهره،

وانفجرت الدماء في الهواء مثل نافورة.

صرخ.

صرخة لم أسمع مثلها من قبل.

ركضت نحوه، سحبت سيفي من الأرض، ووقفت أمامه.

الحارسان الآن يتحركان معًا.

ليس واحدًا، بل اثنان.

دخلا نمطًا مختلفًا.

التوهج الأحمر في رموزهما ازداد.

حركتهما أصبحت أسرع.

مطرقة من اليسار.

مطرقة من اليمين.

"اقفز!!" صرخ كايلين من خلفي، لكن لم يكن هناك مكان للقفز.

استقبلت الضربة.

لا، لم أستقبلها... الضربة كسرتني.

شعرت كأن أحدهم أدخلني داخل طاحونة حجرية.

كتفي الأيسر تحطم، صُدري انضغط بقوة جعلتني أتقيأ دمًا في اللحظة.

طرت، وتحطمت على عمود حجري.

الظلام كاد يبتلعني، لكنني رفضت الموت.

زحفت.

نعم... زحفت ككلب جريح، فقط لأعيد نفسي للمعركة.

كايلين كان لا يزال واقفًا، لكن لم يكن بشريًا في تلك اللحظة.

كان جثة تمشي.

وجهه مقطع.

عينيه متورمتان.

يده اليسرى لا تتحرك.

لكنه أمسك بسيفه بيده الأخرى، وركض.

"أبعدهم!!" صرخ. "افعل أي شيء!!"

رفعت يدي المرتجفة، وحررت الظلام.

ظلال من حولي تكدست، وتفجرت كحيوانات سوداء تهاجم الحارسين.

لم تجرحهم، لكن شتت انتباههم للحظة.

في تلك اللحظة، كايلين ضرب.

طعن الجوهرة المكشوفة للحارس الأول.

لكن...

النصل لم يخترق.

كايلين تجمد.

الرموز على صدر الحارس توهجت بقوة.

انفجار.

كايلين طار. سيفه انكسر.

وارتطم بالحائط خلفه وارتد إلى الأرض.

لم يتحرك.

"اللعنة!!" صرخت، وركضت نحوه.

ضربة أخرى.

الحارس الثاني هجم من الخلف، والمطرقة ضربت الأرض خلفي بأقل من ثانية.

الشظايا أصابت ظهري، شظايا حادة مزقت لحمي.

سقطت بجانب كايلين.

عيناه مفتوحتان، لكنه لا يرى.

وجهه يبتسم رغم الألم.

"لم أنجح..." همس، وصوته كريحٍ باردة تمر في قبر.

"سنفعلها... سويًا..." تمتمت.

لكن الحارسين لم يمنحانا وقتًا.

الهجوم لم يتوقف.

كنا في حفرة، مطاردة، مذبوحين دون شفقة.

وفي لحظة غريبة، رأيت الجوهرة الثانية تنبض.

""كايلين..."

تمتمتُ بصوت مبحوح، بالكاد خرج من حلقي المحترق،

"علينا أن نطعنهم معًا... من جهتين مختلفتين... في نفس اللحظة..."

رفع كايلين رأسه بصعوبة، عيناه نصف مغلقتين، ووجهه مغطى بالدم والتراب.

ثم همس بصوت خافت، يكاد يكون تنهيدة:

"لكن... كيف؟"

نظر إلى يده المرتجفة التي بالكاد تقبض على الهواء،

"سيفي مكسور..."

ثم رمقني بنظرة شاحبة، كأنها تعتذر عن كل شيء،

"وأنت... لا تستطيع حتى الوقوف."

"اللعنة!"

صرخت، وصوتي خرج ممزقًا، غريبًا، لا يشبه البشر.

كأن شيئًا بداخلي انكسر نهائيًا.

حفرت أظافري في الأرض، وزحفت.

كان التراب قاسيًا تحت يديّ، والدم يسيل من كل موضع في جسدي.

لكنني لم أتوقف. لم أستطع.

وجدت نصل كايلين المحطم. قبضت عليه بيدي المرتجفة، وكأنه آخر رمق.

ثم زحفت إليه من جديد...

وحين وصلت، مددت يدي وقدمت له السيف.

"في لحظة واحدة فقط."

قلت له، ونحن ننهض، ببطء، بدم، بألم، كأن أرواحنا تمسك بأجسادنا وتمنعها من السقوط.

كايلين ضحك، ضحكة مجنونة.

"إذا فشلنا... لن نتألم كثيرًا."

وانطلقنا.

الحارسان رفعا مطرقتيهما.

وهاجمنا.

قفزت.

في نفس اللحظة، كايلين تزحلق من تحت الحارس.

ضربتهما لم تصل.

وفي لحظة من المستحيل،

طعنّا قلبيهما معًا.

هذه المرة، الطعن لم يكن ناعمًا.

مزقنا.

الرموز الحمراء انفجرت.

تشققات.

صرخات لا صوت لها.

ضوء، ثم ظلام.

انفجار.

2025/07/22 · 51 مشاهدة · 2636 كلمة
Vicker
نادي الروايات - 2025