هذا الفصل سيكون الأطول حتى الآن في الرواية،
مليء بالأحداث والتفاصيل التي لا تحتمل الاختصار.
لمن يفضل القراءة على دفعات، يمكنكم تقسيمه إلى قسمين حسب راحتكم، دون أن تفقدوا تسلسل الأحداث أو متعتها.
أردت أن أقدّم لكم هذا الفصل كما هو، دون حذف أو تجزئة، لأن كل مشهد فيه يحمل وزنًا خاصًا في تطور القصة.
شكرًا لدعمكم المستمر، وتعليقاتكم التي تمنحني الدافع للاستمرار 💙
استمتعوا
---
---
[منظور نير ڤيرتون]
الألم. كان هو أول ما عاد إليّ، أول حقيقة عنيدة اخترقت ضباب اللاوعي. لم يكن ألمًا حادًا، خاطفًا، بل كان محيطًا من العذاب البطيء، النابض.
شعرت به في كل عظمة محطمة، في كل عضلة ممزقة، في رئتي اللتين كانتا تحترقان مع كل نفس ضحل، مؤلم، كنت أجبرهما على التقاطه. الهواء كان يحمل رائحة معدنية ثقيلة... رائحة دمي.
فتحت عيني ببطء. كانت الرؤية مشوشة، مغطاة بغشاء أحمر باهت. استغرق الأمر عدة ثوانٍ لأدرك أن السماء الرمادية الكئيبة للمتاهة قد عادت إلى الظهور.
المطر كان قد توقف، تاركًا وراءه صمتًا رطبًا، تقطعه فقط أصوات أنين خافتة قادمة مني ومن الشكل الملقى بجانبي.
كايلين.
كان مستلقيًا على ظهره، وجهه شاحب كالموت ومغطى بالوحل والدماء. صدره كان يرتفع ويهبط بشكل غير منتظم، وذراعه اليسرى كانت ملتوية بزاوية غريبة، غير طبيعية، والعظم المكسور كان يبرز من تحت جلده الممزق.
لكنه كان حيًا. وكان ينظر إلى السقف غير المرئي لهذه الغابة الملعونة، وعيناه الرماديتان، اللتان كانتا عادة كقطعتين من الجليد، كانتا الآن غائمتين، ضائعتين في بحر من الألم.
"لقد... فعلناها." تمتم، والكلمات خرجت ممزوجة بفقاعات من الدم عند زاوية فمه.
"فعلناها..." رددت، وصوتي كان مجرد حشرجة جافة.
نجحنا. لقد انتصرنا. لكن هذا الانتصار كان طعمه كالرماد والدم. نظرنا حولنا. كنا في قلب مجزرة. أشلاء الحراس الحجريين كانت متناثرة في كل مكان، كأنها بقايا حضارة قديمة دمرها زلزال. جثث "كلاب الجحيم" كانت تذوب ببطء، وتطلق أبخرة حمضية سامة. وبرك من الدماء الخضراء والسوداء والحمراء كانت تغطي الأرض، ترسم لوحة مروعة للفوضى والموت.
وفي وسط كل هذا، على مذبح صغير من الطين لم يتأثر بالقتال، كانت ترقد أربع جواهر روحية، تتوهج بضوء أزرق هادئ، نقي، كأنه يسخر من كل هذه الوحشية.
حاولت أن أتحرك، لكن صرخة ألم حادة، لا إرادية، خرجت من حلقي. شعرت بأن كل أضلاعي على الجانب الأيسر قد تحطمت، وأن إحداها قد اخترقت شيئًا في الداخل.
"الأساور..." تمكنت من القول، والكلمات كانت تمزق صدري. "هل... هل أخذتها؟"
أدار كايلين رأسه نحوي ببطء شديد، وكل حركة كانت تسبب له ألمًا واضحًا. ابتسامة باهتة، متعبة، ارتسمت على شفتيه.
"هل تظنني... أحمقًا؟"
مد يده اليمنى السليمة ببطء إلى جيب في سترته الممزقة. أخرج سوارين جلديين، ملطخين بالطين. لقد تمكن من أخذهما في خضم تلك الفوضى.
"ألقِ بهما إليّ." قلت.
دفع كايلين السوارين على الأرض الموحلة نحوي. زحفت، وأنا أئن مع كل حركة، حتى تمكنت من الإمساك بهما. كانا باردين، ومبللين.
"انتظر." قال كايلين، وصوته الهادئ أوقفني قبل أن أضع سواري على معصمي.
نظرت إليه. كان يحدق فيّ، وعيناه الغائمتان كانتا تحملان الآن نظرة من الحدة، من الفضول العميق الذي تغلب حتى على ألمه.
"لماذا؟" سأل، والكلمة الواحدة كانت تحمل في طياتها وزن الكون. "لماذا قررت أن تضحي بنفسك؟ أن ترمي بفرصتك الوحيدة للنجاة؟"
حدقت فيه. سؤال لم أتوقع أن يطرحه الآن.
ماذا أقول؟ هل أخبره عن الرواية، عن القدر، عن اليأس من كوني نسخة معطوبة من بطل لم أكنه يومًا؟
لا.
"لأنها كانت إرادتي." قلت، والكلمات خرجت مني باردة، وثابتة، رغم الألم الذي كان يمزق جسدي. "ولأنها كانت رغبتي."
اتسعت عينا كايلين قليلاً. لم يكن هذا هو الجواب الذي توقعه. لم يكن هناك أي ذكر للشرف، أو للواجب، أو لإنقاذ الآخرين. فقط... إرادة خالصة، أنانية.
ابتسمت ابتسامة خفيفة، مؤلمة. "أحيانًا، يا كايلين، تكون الرغبة في رؤية ما سيحدث إذا حطمت كل القواعد... أقوى من الخوف من الموت نفسه."
صمت كايلين، لكنني رأيت في عينيه أنه يفهم، أو على الأقل، يحترم هذا النوع من الجنون.
في تلك اللحظة، بينما كنت أتأمل وجهه المتألم، عادت إليّ ذكرى من الساعتين الماضيتين. ذكرى من ذلك الكهف الصغير الذي استرحت فيه.
...كنت جالسًا في الظلام، وجسدي يصرخ من الإرهاق بعد قتال "ذئاب الهمس". أغمضت عيني، واستدعيت النظام، كان هناك شيء جديد. سطر لم أره من قبل، ظهر تحت قائمة قدراتي.
‹مكافأة اجتياز المرحلة: سؤال واحد›
اتسعت عيناي. مكافأة؟ سؤال؟ ماذا يعني هذا؟
‹شرح: عند اجتياز كل مرحلة من المراحل الخمس الرئيسية للمنافسة بنجاح، سيتم منحك الحق في طرح سؤال واحد على النظام. سيتم تقديم الإجابة الأكثر دقة وصدقًا بناءً على مستوى فهم النظام الحالي للواقع.›
شعرت بقلبي يدق بعنف. سؤال واحد. هذا... هذا كان أثمن من أي قطعة أثرية، من أي سلاح. فرصة للحصول على إجابة، على حقيقة واحدة في هذا العالم المليء بالأكاذيب. ما الذي سأسأله؟ عن والدي؟ عن "بلا قدر"؟ عن طريقة عودتي؟
الأفكار كانت تتصارع في رأسي. لكنني كنت أعرف أن عليّ أولاً... أن أنجو.
"سأسأله لاحقًا." فكرت، وأنا أعود إلى الحاضر المؤلم. لقد فزت. لقد حصلت على حقي في السؤال.
أعطيت كايلين سواره. ارتدينا الأساور معًا، وأيدينا ترتجف من الألم والضعف. ثم، زحفنا ببطء، كجريحين يساعدان بعضهما البعض، نحو تلك الجواهر الزرقاء المتوهجة.
أمسك كل منا بجوهرتين. كايلين كان يحتاج إلى اثنتين، وأنا كنت أحتاج إلى ثلاث. أخذت الجوهرة الثالثة من جثة الحارس الحجري.
نظرنا إلى بعضنا البعض. إيماءة صامتة.
وفي نفس اللحظة، وضعنا الجواهر في تجاويف أساورتنا.
توهجت الأساور بضوء أبيض ساطع، دافئ. شعرت بطاقة لطيفة تغلف جسدي المكسور، تخفف من الألم للحظة.
ثم، دوى الصوت السحري في كل مكان، في المتاهة، وفي الساحة الاحتفالية.
"المشاركان الثالث والرابع اللذان اجتازا المرحلة هما... نير ڤيرتون، وكايلين من بيت الخشب الحديدي!"
التفتت رؤوسنا نحو بعضنا البعض بصدمة. "الثالث والرابع؟" تمتم كايلين. "لكننا وضعناها في نفس الوقت..."
"يبدو أن النظام يعطي الأولوية حسب الترتيب الأبجدي... أو شيء سخيف كهذا." قلت بمرارة.
ثم، ابتلعنا الضوء.
...
...
العودة كانت لطيفة هذه المرة. لم يكن هناك تمزق، ولا فوضى. فقط شعور بالدفء، وبالانتقال السلس.
ظهرنا في منطقة مختلفة تمامًا، ساحة حجرية بيضاء، نظيفة، تحت قبة زجاجية ضخمة. كانت هذه "قاعة المنتصرين".
في اللحظة التي ظهرنا فيها، انقض علينا فريق من المعالجين يرتدون أردية بيضاء.
"يا إلهي!" صرخت إحدى المعالجات وهي ترى حالة كايلين.
"أحضروا نقالة! بسرعة! هذا الفتى يفقد الكثير من الدم!" صرخ آخر وهو يرى حالتي.
بدأوا في العمل بسرعة، يلقون بتعاويذ الشفاء، ويضعون ضمادات سحرية على جروحنا. شعرت بالألم يبدأ في التلاشي، يحل محله خدر دافئ.
"لقد نجحنا،" قال كايلين، وصوته كان لا يزال ضعيفًا، لكنه كان يحمل نبرة من الرضا.
"نعم،" أجبته، وأنا أغمض عيني.
"هناك جوائز نادرة للعشرة الأوائل في المرحلة الأولى." قال كايلين، وهو ينظر إلى السقف. "قطع أثرية، كتب مهارات... أشياء لا يمكن شراؤها بالمال."
ثم أضاف، "المرحلة الثانية ستبدأ بعد عشرة أيام. استعد. يقولون إنها أصعب بكثير."
عشرة أيام. فترة قصيرة جدًا للتعافي والاستعداد. "ما هي المرحلة الثانية؟" سألت.
"برج الأوهام." أجاب كايلين. "اختبار ذهني ونفسي. يقولون إنه يحطم حتى أقوى العقول."
برج... الكلمة وحدها أرسلت قشعريرة في جسدي.
وبينما كان المعالجون يعملون، بدأت أفكر في النتائج. نحن الثالث والرابع.
آيلا كانت الأولى. سيرافينا الثانية.
في الرواية الأصلية، القائمة كانت مختلفة.
في الرواية، كانت آيلا هي الأولى، هذا صحيح. لكن الثاني كان نير ڤيرتون الأصلي. الثالث كان ثيرون، ثم كايلين الرابع، ثم ديغون الخامس، ثم الأميرة السادسة، و ليرا السابعة.
أما سيلين دي فالوا... فكانت العاشرة. هذا ما أثار حنقي دائمًا. كيف يمكن لسيلين، "أميرة الجليد"، حب نير الأصلي الأول، التي مدحتها الكاتبة كثيرًا ووصفتها بالقوة والذكاء، أن تكون في المركز العاشر؟ كان ذلك غير منطقي.
كيف يمكن لشخصيتين ثانويتين مساعدة أن تكونا في المركز الثامن والتاسع فوق سيلين التي كانت من الأقوى في عمرها؟ لم يذكر السبب في الفصول الـ 421 التي قرأتها، لكن في المراحل الأخرى من المنافسة، كانت مرعبة حقًا، وأثبتت أنها تستحق مكانة أعلى بكثير.
الآن، كل شيء تغير. سيرافينا قفزت إلى المركز الثاني. وأنا وكايلين أصبحنا الثالث والرابع. ثيرون وديغون لم يخرجا بعد.
لقد حطمت ترتيب الرواية تمامًا. والنتائج... ستكون غير متوقعة.
---
---
على الشرفة الملكية، ساد صمت مطبق.
لا أحد كان يتكلم. لا أحد كان يتحرك.
الجميع كانوا يحدقون في البلورة، التي كانت تعرض مشهدنا، أنا وكايلين، ونحن نغمر في ضوء الانتقال، أجسادنا محطمة، لكننا منتصران.
كانت الصدمة قد تحولت إلى ذهول مطلق، ممزوج بالرهبة.
فكرة أن يرمي وريثان لاثنتين من أعظم العائلات في الإمبراطورية بفرصتهما الوحيدة للنجاة، ويراهنان بحياتهما بهذه الطريقة المجنونة... كانت شيئًا لم يره أحد من قبل.
الإمبراطور ثيودور، الذي كان قد نهض من عرشه في صدمة، جلس الآن ببطء. لم يعد هناك أي أثر للملل على وجهه. كانت عيناه الأرجوانيتان تلمعان ببريق معقد من الإعجاب، والتقدير، والقلق.
"يا لهم من وحوش." تمتم، والكلمات كانت موجهة إلى الجنرال ڤاليريوس. "لقد ولدوا في الجيل الخطأ. كان يجب أن يولدوا في عصر الحروب الكبرى."
الجنرال ڤاليريوس أومأ برأسه ببطء. "الشجاعة التي تقترب من الجنون... هي ما يصنع الأساطير، يا جلالة الملك. أو المآسي الكبرى."
أليستر ڤيرتون كان لا يزال شاحبًا، لكنه استعاد رباطة جأشه. قناعه الجليدي عاد إلى مكانه، لكن عينيه كانتا لا تزالان تحملان وميضًا من الصدمة. نظر إلى والده، الذي كان لا يزال جالسًا في صمته المطبق.
دوق الظلال، ڤاليدور ڤيرتون، الذي كان قد قبض يده بقوة، أرخاها الآن ببطء. لم يقل شيئًا. لم يتحرك. لكن الصمت المحيط به تغير.
لم يعد صمت غضب، بل أصبح صمت تقييم عميق، صمت كائن قديم رأى شيئًا لم يكن يتوقعه، والآن يعيد حساب كل شيء.
النبلاء الآخرون بدأوا يتهامسون، وأصواتهم مليئة بالرهبة.
"هل رأيت ذلك؟ لقد رميا الأساور!"
"جنون مطلق! لكن... يا لها من شجاعة!"
"ابن دوق الظلال... لديه ظلام حقيقي في داخله. وتلك القوة..."
"وابن الخشب الحديدي... مهارته لا تصدق. لقد قاتل وهو مصاب بجروح خطيرة."
لم يعد أحد يتحدث عن آيلا أو سيرافينا. لقد سرقنا أنا وكايلين الأضواء تمامًا. لم نفز بالمركز الأول، لكننا فزنا بشيء آخر.
فزنا باحترامهم... وخوفهم.
نظر الإمبراطور إلى دوق الظلال. "ابنك... مثير للاهتمام، ڤاليدور. أكثر إثارة للاهتمام مما كنت أظن."
لأول مرة، رد الدوق. لم تكن كلمات. كانت مجرد إيماءة طفيفة جدًا برأسه. لكنها كانت كافية.
كانت إقرارًا.
في تلك اللحظة، لم أكن مجرد ابن دوق الظلال.
لقد أصبحت... لاعبًا حقيقيًا في هذه اللعبة. لاعبًا مجنونًا، ومتهورًا، لكن لا يمكن تجاهله.
والجميع على هذه الشرفة كانوا يعرفون ذلك.
اللعبة قد تغيرت. وإلى الأبد.
---
---
[منظور سيلين دي فالوا]
الظلام.
لم يكن مجرد غياب للضوء. كان كيانًا حيًا، لزجًا، يضغط عليّ من كل جانب. كان له وزن، ورائحة. رائحة الطين البارد، والصخر المبلل، وشيء آخر... شيء معدني خافت، كأنه رائحة خوف قديم تجمد في الهواء عبر العصور.
كنت أجلس القرفصاء في زاوية الكهف، وذراعي تلتفان حول ركبتي بقوة، بقوة مؤلمة، كأنني أحاول أن أمنع جسدي من التفكك، من التلاشي في هذه العتمة المطلقة.
أظافري، التي كانت دائمًا مصقولة ومقلمة بدقة، كانت تنغرس في جلد ذراعي، تاركة هلالات حمراء لم أشعر بألمها. كان هناك ألم آخر، أعمق بكثير، يطغى على كل شيء.
الخوف.
لم يكن خوفًا من وحش يمكن رؤيته، أو تهديدًا يمكن مواجهته. كان رعبًا نقيًا، بدائيًا، يسري في عروقي كسم جليدي، يجمد أفكاري، ويشل إرادتي.
جسدي كان يرتجف بعنف، رعشة لا يمكن السيطرة عليها، انطلقت من أعماق كياني، وجعلت أسناني تصطك محدثة صوت طقطقة خافتًا، الصوت الوحيد الذي كنت أصدره في هذا الصمت المطبق.
الدموع. كانت تنهمر على خدي بصمت، حارة في البداية، ثم سرعان ما تبرد وتصبح كقطرات من الجليد السائل على بشرتي المتجمدة.
لم أكن أبكي بصوت عالٍ. لم تكن هناك شهقات، ولا أنين. فقط هذا السيل الصامت من اليأس الذي كان يتدفق من عيني، وكأن روحي تحاول أن تهرب من جسدي عبرهما.
لماذا؟
لماذا أنا خائفة هكذا؟
السؤال كان يتردد في عقلي، لكنه كان كصدى في غرفة فارغة. لم تكن هناك إجابة.
كان هناك... فراغ. فجوة سوداء، هائلة، في ذاكرتي. أتذكر دخولي إلى المتاهة، أتذكر الضباب، والهمسات. أتذكر أنني كنت أسير، أبحث عن الجواهر كأي شخص آخر. ثم... لا شيء.
الذكرى التالية كانت لي وأنا أركض. أركض بشكل هستيري، لا أرى أمامي، أتعثر في الجذور، وأصطدم بالأشجار، والدموع تملأ عيني، وصرخة رعب صامتة تمزق حلقي. ركضت حتى وجدت مدخل هذا الكهف، وانزلقت إلى الداخل، وانهار جسدي هنا، في هذا الظلام، في هذا الرعب الذي لا أفهم مصدره.
ما الذي رأيته؟ ما الذي حدث لي؟
كلما حاولت أن أتذكر، كان عقلي يرتد بعنف، كأنه يلامس جدارًا من اللهب. كان الألم النفسي حادًا، لا يطاق، كأن الذاكرة نفسها تحمي نفسها مني، ترفض أن تكشف عن الكابوس الذي تحمله. كل ما تبقى هو هذا الإحساس... هذا الرعب المطلق.
البلورات... لا تستطيع رؤيتي هنا. كنت أعرف ذلك. هذا الكهف كان عميقًا، منعزلاً، بعيدًا عن أي مسار رئيسي. كنت في بقعة عمياء. لا أحد يعرف أنني هنا. لا أحد يعرف أن "أميرة الجليد"، سيلين دي فالوا، وريثة الشمال، قد تحطمت، وتحولت إلى مجرد طفلة خائفة، تبكي في الظلام.
فكرة أن العالم الخارجي لا يزال يراقب، لا يزال ينتظر، زادت من رعبي.
ثم، سمعته.
الصوت السحري، البارد، الذي تردد عبر الصخور، ووصل إليّ مكتومًا، لكنه واضح.
"المشاركان الثالث والرابع اللذان اجتازا المرحلة هما... نير ڤيرتون، وكايلين من بيت الخشب الحديدي!"
نير... كايلين...
الاسمان كانا مألوفين، لكنهما كانا يبدوان بعيدين، كأنهما من حياة أخرى. لم أهتم. ماذا يهمني فوزهم أو خسارتهم وأنا هنا، أغرق في محيط من الرعب الذي لا قرار له؟
كل ما شعرت به هو وخزة خفيفة من اليأس. لقد خرجوا. وهم... أقوياء. وأنا هنا، مختبئة، مكسورة.
انقضت الليلة. أطول ليلة في حياتي. لم أنم. فقط بقيت في نفس الوضعية، أرتجف، وأبكي بصمت، وأنا أستمع إلى صوت قطرات الماء وهي تتساقط ببطء في بركة صغيرة في مكان ما في الكهف، كل قطرة كانت كدقة ساعة، تعد الثواني الباقية من حياتي.
فجر اليوم الثاني
الضوء الخافت، الرمادي، بدأ يتسلل ببطء إلى مدخل الكهف، دافعًا الظلام المطلق إلى الخلف قليلاً. لم يجلب معه أي دفء، فقط كشف عن مدى بؤس حالتي. ملابسي كانت ممزقة، مغطاة بالطين، ووجهي لا بد أنه كان شاحبًا وملطخًا بالدموع الجافة.
كنت لا أزال في مكاني، خائرة القوى، فارغة من كل شيء إلا الخوف.
ثم، دوى الصوت مرة أخرى.
"المشارك الخامس الذي اجتاز المرحلة هو... الأمير ثيرون ڤاليراك!"
ثيرون...
الاسم اخترق ضباب ذهني. ولي العهد. منافسي الرئيسي على النفوذ في المستقبل. لقد نجح.
بعد فترة وجيزة، صوت آخر.
"المشارك السادس الذي اجتاز المرحلة هو... ديغون!"
ديغون. ذلك الوحش ذو القوة البدائية. هو أيضًا نجح.
ثم صوت ثالث، بعد فترة ليست بالطويلة.
"المشاركة السابعة التي اجتازت المرحلة هي... ليرا فيكس!"
ليرا. الساحرة المجنونة. حتى هي... نجحت.
سبعة.
سبعة أشخاص قد خرجوا.
وهم جميعًا... منافسيّ. أشخاص أعرف أنني لست أقل منهم قوة أو ذكاءً.
وهنا، وسط الرعب واليأس، اشتعل شيء آخر في داخلي.
شيء صغير، ضعيف في البداية، كجمرة تحت الرماد.
الغضب.
والكبرياء.
كبرياء سيلين دي فالوا. كبرياء دوقية الشمال.
"ما الذي... أفعله؟" تمتمت لنفسي، وصوتي كان أجشًا ومتشققًا.
"أجلس هنا... وأبكي؟ كفتاة قروية ضعيفة؟"
رفعت رأسي ببطء عن ركبتي. الضوء الباهت ألم عيني.
"أنا... أنا من بيت دي فالوا." الكلمات كانت تخرج مني بصعوبة، كأنني أعيد تعلم الكلام. "نحن لا نختبئ. نحن لا نبكي. نحن... نحكم."
تذكرت وجه والدي. وجهه البارد، الصارم، وعينيه اللتين لا تعرفان سوى العزم والقوة. ماذا سيقول لو رآني الآن؟ سيشعر بالخزي. بالاشمئزاز.
هذه الفكرة... كانت مؤلمة أكثر من الرعب نفسه.
"يجب أن أتحرك." تمتمت. "يجب أن أفوز."
لم يكن الأمر سهلاً. جسدي كان يرفض. عقلي كان يصرخ بالخطر. كل جزء من كياني كان يريد أن يبقى في هذه الزاوية المظلمة، أن يختبئ من ذلك الشيء المجهول الذي حطمني.
لكن إرادتي... إرادتي التي صُقلت بالتدريب القاسي، وبالسياسة الباردة، وبثقل اسم عائلتي... بدأت تقاوم.
نهضت على قدمي المرتجفتين. استندت إلى جدار الكهف البارد، وأخذت نفسًا عميقًا، ثم آخر.
"تحركي، يا سيلين،" أمرت نفسي بصوت عالٍ. "تحركي الآن!"
رفعت يدي، التي كانت لا تزال ترتجف. ركزت. استدعيت أبسط تعويذة ضوء أعرفها.
في البداية، لم يحدث شيء. ثم، وميض خافت، ضعيف. ثم مرة أخرى.
وأخيرًا، تشكلت كرة صغيرة من الضوء الأبيض الباهت في راحة يدي، ترتعش وتومض، كأنها هي الأخرى خائفة.
لكنها كانت ضوءًا.
وكانت كافية.
بدأت أستكشف الكهف.
كان كبيرًا. أكبر بكثير مما تصورت. لم يكن مجرد صدع في الصخر، بل كان شبكة من الممرات والأنفاق التي تمتد في أعماق الأرض. الهواء كان باردًا، ورطبًا، ويحمل تلك الرائحة المقلقة.
كل خطوة كانت صراعًا. كنت أتحرك ببطء، وجسدي متوتر، وعيناي تفحصان كل ظل، وكل زاوية. كنت أتوقع في كل لحظة أن يظهر ذلك الشيء المجهول الذي تسبب في رعبي. لكن لم يظهر شيء.
الكهف كان فارغًا بشكل مخيف.
لكن كانت هناك آثار.
على الجدران، رأيت خدوشًا عميقة، طويلة، لم تكن من صنع إنسان أو أي وحش أعرفه. كانت كأن شيئًا ضخمًا، ذا مخالب حادة، قد شق طريقه هنا بالقوة.
وعلى الأرض، رأيت بقعًا داكنة، قديمة، لم تكن طينًا. كانت دمًا جافًا.
وكلما تعمقت أكثر، أصبحت الآثار أحدث. الرائحة أصبحت أقوى.
في تلك اللحظة، دوى الصوت مرة أخرى في رأسي.
"المشارك الثامن الذي اجتاز المرحلة هو..."
لم أستمع للاسم. لم يعد يهم. الوقت كان ينفد.
واصلت السير، وقلبي يدق بعنف في صدري. الخوف كان لا يزال هناك، كوحش نائم في أعماقي، لكن الكبرياء والغضب كانا يجلدانه، يجبرانه على البقاء نائمًا.
ثم، صوت آخر.
"المشارك التاسع الذي اجتاز المرحلة هو كا..."
"اللعنة!" صرخت، وصوتي تردد في الممر الضيق. "مكان واحد فقط متبقٍ!"
اليأس بدأ يعود، يهدد بإغراقي مرة أخرى.
ركضت.
تعثرت في الظلام، وسقطت، وجرحت ركبتي على صخرة حادة. لم أهتم. نهضت وواصلت الركض.
وصلت إلى ما بدا وكأنه نهاية الكهف. جدار من الصخور المنهارة كان يسد الممر.
"لا..." تمتمت. "لا يمكن أن ينتهي الأمر هكذا."
انهرت أمام الجدار الصخري، وضربت الصخور بقبضتي، التي كانت قد بدأت تنزف.
ثم، توقفت.
من بين الشقوق الصغيرة بين الصخور، رأيت وميضًا خافتًا.
وميض أزرق.
انحنيت، وألصقت عيني بالشق.
في الداخل، في غرفة صغيرة خلف هذا الانهيار، رأيته.
ضوء أزرق، هادئ، ينبعث من ثلاث نقاط مختلفة.
ثلاث جواهر روحية.
شعرت بموجة من الأدرينالين، من الأمل اليائس، تجتاحني.
"يجب... يجب أن أصل إليها."
بدأت أحاول إزالة الصخور بيدي العاريتين. كانت ثقيلة، وحوافها حادة. تمزق جلدي، وبدأت أصابعي تنزف. لم أهتم.
دفعت، سحبت، رميت. صخرة تلو الأخرى.
كان الأمر يستغرق وقتًا طويلاً. طويلًا جدًا. في أي لحظة، قد يعلن عن الفائز العاشر.
العرق كان يتصبب مني، يختلط بالدم والدموع.
وأخيرًا، بعد ما بدا وكأنه دهر، تمكنت من إحداث فجوة صغيرة، كافية ليزحف جسدي من خلالها.
زحفت إلى الداخل، وانهار جسدي على أرضية الغرفة الصغيرة.
وهناك، على نتوء صخري أملس، كانت ترقد ثلاث جواهر، تتوهج بهدوء، كأنها تنتظرني.
هل كانت هذه... مجرد حظ؟
لا.
فكرت، وأنا أنظر إلى يدي الممزقتين، إلى جسدي المنهك، إلى روحي المحطمة.
لم يكن هذا حظًا.
لقد دفعني رعبي إلى أعمق وأحلك جزء من هذه المتاهة، مكان لم يجرؤ أي شخص آخر على استكشافه. يأسي أجبرني على ملاحظة ذلك الوميض الخافت الذي كان سيتجاهله أي شخص آخر. إرادتي للبقاء، لكبريائي، هي ما منحتني القوة لإزالة تلك الصخور.
لقد كسبت هذا. بدمي، وعرقي، ودموعي، وجنوني.
استلقيت على الأرض للحظة، ألهث. ثم، نهضت.
نظرت إلى بركة ماء صغيرة في زاوية الغرفة. رأيت انعكاسي.
فتاة ذات شعر أبيض فوضوي، ووجه شاحب ملطخ بالطين والدم، وعينين حمراوين، متورمتين من البكاء، لكنهما تحترقان الآن ببريق جليدي، بارد.
"لا يمكن لأحد أن يرى هذا."
أخذت نفسًا عميقًا. ثم آخر.
أجبرت جسدي على التوقف عن الارتجاف.
أجبرت وجهي على استعادة قناعه البارد، الخالي من التعابير.
مسحت الطين والدموع عن خدي.
أعدت ترتيب شعري قدر الإمكان.
استقامت وقفتي.
عدت... سيلين دي فالوا. أميرة الجليد.
على الأقل، من الخارج.
تقدمت نحو الجواهر. أخذتها بيدي التي كانت لا تزال ترتجف قليلاً.
لم أتردد.
وضعتها في سواري.
توهج السوار بضوء أبيض ساطع، دافئ.
وفي تلك اللحظة، دوى الصوت للمرة الأخيرة.
"المشاركة العاشرة التي اجتازت المرحلة هي... سيلين دي فالوا!"
ابتلعني الضوء. وآخر ما رأيته... كان ظلام ذلك الكهف الملعون، الذي شهد على انهياري... وولادتي من جديد.