[منظور نير ڤيرتون]
الضوء الأبيض الساطع كان أول ما استقبلني، ضوء بارد، معقم، لا يشبه أي شيء في تلك المتاهة الملعونة.
لم يكن هناك ضباب، ولا همسات، ولا رائحة طين ودماء. فقط رائحة الأعشاب المطهرة، وصوت همهمة خافتة ومنتظمة لتعاويذ الشفاء.
كنت مستلقيًا على سرير ناعم بشكل لا يصدق، والملاءات كانت بيضاء وباردة تلامس جلدي المحموم. فوقي، كان يطفو بلور سحري أبيض، ينشر ضوءًا دافئًا وهادئًا، يغمر جسدي بطاقة شفائية لطيفة. بجانبي، كان هناك معالج يرتدي رداءً أبيض، يتمتم بتعاويذ بصوت خفيض، ويداه تتوهجان بضوء أخضر شاحب وهو يمررهما فوق صدري.
الألم... كان لا يزال هناك. لم يكن ذلك الألم الحاد، الممزق، الذي شعرت به عندما سحقتني المطرقة الحجرية. بل كان وجعًا عميقًا، مكتومًا، في كل عظمة وعضلة، كصدى شبحي للكابوس الذي مررت به. كانت روحي هي التي تؤلمني، أكثر من جسدي.
على السرير المجاور، كان كايلين في حالة مشابهة. ذراعه اليسرى كانت مثبتة في جبيرة سحرية تتوهج بضوء أزرق خافت، ووجهه كان شاحبًا، لكن عينيه الرماديتين كانتا مفتوحتين، تحدقان في السقف بصمت، ضائعتين في أفكاره الخاصة.
قضينا الساعات الأولى في هذا الصمت العلاجي. لم نتحدث. لم تكن هناك حاجة. كل منا كان يعالج جراحه بطريقته الخاصة. هو كان يعالج جسده المكسور، وأنا كنت أحاول يائسًا أن أجمع شظايا عقلي وروحي المبعثرة.
"النصر..." تمتمت بالكلمة لنفسي، وشعرت بطعمها المر في فمي. لقد فزنا، نعم. لقد اجتزنا المرحلة. لكن بأي ثمن؟ لقد راهنا بحياتنا، وكدنا أن نخسر. لقد كشفنا عن جزء من قوتنا، وجذبنا انتباهًا لم نكن نريده.
هل كان الأمر يستحق كل هذا العناء؟
في تلك اللحظة، دخل أحد مسؤولي الأكاديمية إلى غرفتنا الطبية الخاصة. كان يرتدي زيًا رسميًا، ويحمل في يده لفافة من الرق.
"السيد ڤيرتون، السيد كايلين،" قال بصوت رسمي. "باسم مدير الأكاديمية، أهنئكما على اجتياز المرحلة الأولى بنجاح. لقد أظهرتما شجاعة ومهارة استثنائيتين."
ثم، تردد للحظة، كأنه لا يعرف كيف يصيغ كلماته التالية. "لقد تم تصنيفكما في المركزين الثالث والرابع على التوالي. نتيجة لذلك، ستحصلان على جائزتكما الآن."
أشار إلى مساعدين كانا يقفان خلفه. تقدم أحدهما نحوي، والآخر نحو كايلين. كل منهما كان يحمل صندوقًا خشبيًا صغيرًا، مصقولاً، ومزخرفًا بالفضة.
فتح المساعد الصندوق أمامي. في الداخل، على وسادة من المخمل الأزرق الداكن، كانت ترقد قلادة فضية بسيطة، في وسطها حجر أسود صغير، أملس، يمتص الضوء.
"قلادة 'امتصاص الصدمات'." شرح المسؤول. "قطعة أثرية من الدرجة المتوسطة. يمكنها امتصاص تأثير هجوم جسدي واحد متوسط القوة، أو ثلاثة هجمات ضعيفة، قبل أن تحتاج إلى إعادة شحنها. إنها جائزة المركز الثالث."
أخذت القلادة. كانت باردة الملمس. "عين الحقيقة" أظهرت لي أنها مشبعة بطاقة دفاعية قوية. كانت مفيدة، بالتأكيد. لكنها بدت تافهة مقارنة بالثمن الذي دفعناه.
نظرت إلى كايلين. كانت جائزته عبارة عن زوج من القفازات الجلدية السوداء، وعليها رموز رونية باهتة. "قفازات 'القبضة الثابتة'." قال المسؤول. "تزيد من قوة إمساك المستخدم لسيفه، وتقلل من تأثير الارتجاج عند الصد." كانت جائزة مثالية لمبارز مثله.
"شكرًا لكم." قال كايلين ببرود، وأخذ القفازات.
"المرحلة الثانية ستبدأ بعد عشرة أيام." أكمل المسؤول، وهو يلف الرق مرة أخرى. "سيتم إعطاؤكم تفاصيل كاملة في وقت لاحق. حتى ذلك الحين، نوصي بالراحة التامة."
ثم انحنى وغادر، تاركًا إيانا مرة أخرى في صمت غرفتنا الطبية.
عشرة أيام...
عقلي بدأ يعمل على الفور. المرحلة الثانية. برج الأوهام.
تذكرت ما قرأته في الرواية بوضوح مؤلم. لم يكن برجًا بالمعنى الحجري. كان قطعة أثرية قديمة، بُنيت الأكاديمية حولها. كان عالمًا قائمًا بذاته.
"مئتا طالب..." تمتمت بصوت خافت.
التفت كايلين نحوي، ورفع حاجبًا.
"ماذا؟"
"المرحلة الثانية. سيدخلها ما يقارب المئتي طالب الذين نجحوا." قلت، وأنا أفكر بصوت عالٍ. "مئتا شخص في برج واحد. كيف يمكن أن يعمل ذلك؟ سيكون المكان مزدحمًا بالفوضى."
صمت كايلين، وفكر في الأمر. "لم أفكر في ذلك. لا بد أن هناك آلية ما."
"هناك آلية." قلت، وعيناي تحدقان في الفراغ. "البرج ليس مجرد بناء. إنه وعاء بُعدي. عند الدخول، يتم نقلك إلى نسخة خاصة بك وحدك. مساحة وهمية مخصصة لك."
اتسعت عينا كايلين قليلاً. "هذا... هذا سحر على مستوى عالٍ جدًا."
"إنه أعلى من ذلك." تابعت، وشعرت بالبرد يتسلل إلى روحي وأنا أتذكر التفاصيل. "البرج يقرأ عقلك. يقرأ أعمق مخاوفك، أضعف نقاطك، ذكرياتك الأكثر إيلامًا. ثم يستخدم كل هذا ضدك. يخلق أوهامًا، كوابيس، مصممة خصيصًا لتحطيمك.
الهدف ليس القتال الجسدي. الهدف هو الوصول إلى قمة البرج دون أن تفقد عقلك."
ساد صمت طويل. حتى كايلين، المبارز الذي لا يهتز، بدا قلقًا. "اختبار للعقل... هذا أصعب من أي وحش."
"بالنسبة لك." فكرت بمرارة. "أما بالنسبة لي، فهو جحيم شخصي. سيقرأ ذكرياتي عن الأرض، عن الرواية، عن كل شيء. سيستخدم الحقيقة ضدي."
كنت غارقًا في هذه الأفكار المظلمة، عندما انفتح باب غرفتنا فجأة، دون طرق..
ظهر أربعة أشخاص عند المدخل، وجلبوا معهم ثقل العالم الخارجي إلى غرفتنا المعقمة.
الأمير ثيرون دخل أولاً، كالعادة، بغطرسته المعتادة، لكن كانت هناك لمحة من شيء آخر في عينيه وهو ينظر إلينا. ربما... احترام على مضض؟
خلفه، كانت تطفو ليرا فيكس، وعيناها الأرجوانيتان تلمعان بحماسة مجنونة، وتتفحص جروحنا بفضول علمي مقلق، كأننا عينتان نادرتان في مختبرها.
ثم دخلت آيلا. كانت تبدو متوترة، وقلقة، ويداها تعبثان بحقيبتها الطبية. كانت نظراتها مليئة بالشفقة، تلك الشفقة التي كنت أحتقرها.
وأخيرًا، دخلت الأميرة سيرافينا. بصمت، كطيف. وقفت في الخلف، وعيناها الرماديتان الباردتان تتجولان في الغرفة، قبل أن تستقرا عليّ، بنظرة حيادية، لا يمكن قراءتها، لكنها كانت أثقل من نظرات الجميع مجتمعين.
"حسنًا، حسنًا،" قال ثيرون، وكسر الصمت. "انظروا من هنا. بطلانا المتهوران. سمعت أنكما قدمتما عرضًا دراميًا للغاية. رمي الأساور؟ يا له من إبداع." كانت كلماته ساخرة، لكن لم تكن فيها نفس الحدة المعتادة.
"لقد كان ضروريًا." قال كايلين ببرود، وهو يحاول الجلوس في سريره.
"أوه، أنا لا أشك في ذلك." قالت ليرا، وهي تقترب مني، وتحدق في الندبة الفضية على صدري، التي كانت ظاهرة من قميصي المفتوح.
"يا للاهتمام! هذه الندبة... ليست من جرح عادي. الطاقة فيها قديمة، ومعقدة. وذلك الظلام الذي استخدمته... يا إلهي، عليّ أن آخذ عينة! هل تمانع؟"
تراجعت إلى الوراء. "ابتعدي عني، أيتها المجنونة."
"أنتم... أنتما بخير؟" سألت آيلا بصوت خافت، وهي تتقدم. "لقد كنت قلقة جدًا. عندما سمعت الإعلان... ثم رأيت كيف كنتم..."
"نحن على قيد الحياة." قلت بحدة، قاطعًا إياها. "لا نحتاج إلى شفقتك."
تراجعت آيلا، والأذى واضح في عينيها. جيد.
طوال هذا الوقت، كانت سيرافينا صامتة، تراقب. ثم، تقدمت ببطء، وتجاوزت الآخرين، حتى وقفت بجانب سريري.
لم تنظر إلى جروحي. لم تعلق على المعركة.
بل نظرت في عيني مباشرة.
"إذًا،" قالت بصوتها الناعم، الذي كان كهمس الجليد. "الضباب... بدأ ينقشع قليلًا، أليس كذلك، نير ڤيرتون؟"
تجمدت.
الجميع صمتوا، ونظروا إليها بارتباك. لم يفهموا ما تقصده.
لكنني فهمت. وكايلين فهم أيضًا.
لم تكن تتحدث عن ضباب المتاهة. كانت تتحدث عني. عن ذلك التغيير الغامض الذي طرأ عليّ.
كانت تقول لي، أمام الجميع، "أنا أراك. أنا أعرف أن هناك شيئًا مختلفًا فيك. ولا يمكنك أن تختبئ مني."
نظرت في عينيها الرماديتين، اللتين كانتا كبحر شتوي لا نهاية له. لم أجب.
لكن في تلك اللحظة، عرفت شيئين بيقين مطلق.
الأول، أن هذه الأميرة كانت أخطر بكثير من أي وحش واجهته، أو سأواجهه.
والثاني، أن برج الأوهام، الذي كان ينتظرني بعد عشرة أيام، لن يكون مجرد اختبار من الأكاديمية.
سيكون ساحة معركتي القادمة. معركة ضد نفسي، وضد الظلال التي كانت تراقبني عن كثب.
الصمت الذي تلا كلماتها كان ثقيلاً، مشحوناً بالكهرباء الساكنة. كان بإمكانك سماع صوت تعاويذ الشفاء وهي تهمهم بهدوء، وصوت أنفاسنا المتوترة.
ليرا فيكس توقفت عن محاولتها اليائسة لأخذ عينة مني، وعيناها الأرجوانيتان تتسعان بفضول حاد، تنتقلان بيني وبين الأميرة كأنها تشاهد مباراة شطرنج كونية. آيلا كانت تبدو ضائعة تمامًا، فمها مفتوح قليلاً، تحاول عبثًا فهم الحوار الخفي الذي يدور بيننا.
كسر الأمير ثيرون الصمت بضحكة قصيرة، عصبية، لا تحمل أي أثر من غطرسته المعتادة.
"هل وأخيرًا يا أختي قد جننتِ؟" قال، وهو يلوح بيده في الهواء كأنه يطرد فكرة سخيفة. "ضباب؟ عن أي ضباب تتحدثين؟ الجو صافٍ تمامًا. أم أن القتال في المتاهة قد أثر على عقلكِ الرقيق؟"
لم ترمش سيرافينا. لم يتغير تعبير وجهها الملائكي للحظة. أدارت رأسها ببطء شديد نحوه، وابتسامة خفيفة، باردة كجليد القبر، لعبت على شفتيها.
"على الأقل، يا أخي العزيز،" قالت بصوتها الناعم الذي كان يقطر سخرية لاذعة، "لم أخسر رهانًا مع ڤيرتون."
تجمد وجه ثيرون. اللون الأحمر، لون الغضب والإهانة، بدأ يزحف على رقبته ويصعد إلى وجنتيه. لقد طعنته في كبريائه، أمام الجميع.
"رهان؟"
صوت آيلا الخافت، المليء بالارتباك، كان كصوت طائر صغير في وسط عاصفة. نظرت إلينا جميعًا، وعيناها الواسعتان تحملان براءة كادت أن تكون مؤلمة. "عن أي رهان تتحدثون؟"
فتح ثيرون فمه ليرد، ربما ليطلق إهانة أخرى، أو ليحاول التقليل من شأن الأمر برمته. "أوه، حسناً كما تعلمـ..."
"إذا كان هنالك شيء مفاجئ ويدعو للجنون،"
صوت كايلين الهادئ، العميق، قطع ثرثرة ثيرون كشفرة سيف. لم يرفع صوته، لكن كلماته كانت تحمل وزنًا جعل الجميع يصمتون وينظرون إليه. كان لا يزال مستلقيًا على سريره، لكنه رفع رأسه قليلاً، وعيناه الرماديتان لم تعودا غائمتين، بل كانتا حادتين كالصقر.
"فهو ليس سلوك ڤيرتون الغريب." أكمل كايلين، ونظراته انتقلت مني، ببرود، واستقرت على آيلا.
ارتبكت آيلا تحت وطأة نظرته. شعرت بها تتراجع خطوة صغيرة إلى الوراء، كأنها فوجئت بهذا الاهتمام المفاجئ وغير المرغوب فيه.
"الشيء الذي يدعو للجنون حقًا،" قال كايلين ببطء، وكل كلمة كانت كقطعة حجر تلقى في بركة صامتة، "هو كيف تمكنتِ أنتِ، يا آنسة آيلا، من الفوز بالمركز الأول."
ساد صمت مذهول. هذه المرة، لم يكن صمتًا متوترًا، بل كان صمت صدمة. لقد وجه اتهامًا مباشرًا، وإن كان مهذبًا، إلى البطلة "المعجزة".
"أنا... أنا لا..." تلعثمت آيلا، ووجهها أصبح شاحبًا. "لقد... فقط... اتبعت المسارات التي شعرت أنها آمنة..."
"آمنة؟" كرر كايلين، وابتسامة ساخرة، نادرة، ظهرت على شفتيه. "لقد واجهنا جحافل من الوحوش. لقد رأيت طلابًا أقوياء يُنقلون خارجًا وهم على شفا الموت. وأنتِ، معالجة، خرجتِ أولاً، دون خدش واحد. هذا ليس مجرد حظ. هذا... إما غش، أو معجزة تتجاوز المنطق."
شعرت بالغضب يغلي في داخلي. ليس دفاعًا عن آيلا، بل اشمئزازًا من هذه المسرحية بأكملها.
حسنًا، هذا بفضل كتابة تلك العاهرة! صرخت في عقلي، وشعرت بالمرارة تملأ فمي. تقارب مع الطبيعة؟ إلى الجحيم مع هذا الهراء!
لقد أعطتها الكاتبة غشًا مدمجًا في شخصيتها، بوصلة سحرية تقودها عبر كل الأخطار! بينما نحن، الشخصيات الحقيقية، نضطر إلى النزف والموت والجنون من أجل مجرد فرصة للبقاء! اللعنة على حماية البطل! اللعنة على هذه القصة المكتوبة بشكل سيء!
قبل أن يتمكن أحد من الرد على اتهام كايلين، انفتح الباب مرة أخرى.
لكن هذه المرة، لم يكن هناك دخول متغطرس أو صاخب.
ظهرت سيلين دي فالوا عند المدخل، وكانت تستند بثقل على إطار الباب، كأن ساقيها بالكاد تحملانها.
صدم الجميع.
"أميرة الجليد" لم تكن جليدية على الإطلاق. كانت محطمة.
زيها الأكاديمي الأنيق كان ممزقًا في عدة أماكن، خاصة حول كتفها الأيسر، حيث كان هناك ضماد سحري كبير، يتوهج بضوء أزرق خافت، ولا يزال الدم يتسرب من تحته، ويلطخ القماش الأبيض.
كان هناك جرح عميق على خدها، من أسفل عينها حتى زاوية فمها، كان لا يزال حديثًا، أحمر اللون. شعرها الأسود الحالك، الذي كان دائمًا منسدلًا كشلال من حرير، كان الآن فوضويًا، متشابكًا، وملتصقًا بجبهتها بسبب العرق والدم الجاف.
كانت تتنفس بصعوبة، وصدرها يرتفع ويهبط بسرعة. لكن وجهها... وجهها كان لا يزال يحمل ذلك القناع البارد من الكبرياء. كانت عيناها الياقوتيتان تحدقان فينا، وفيها مزيج من الألم، والإرهاق، وذلك العزم الصلب الذي يميز عائلتها.
"سيلين!" صرخ كاسيان، ابن عمها، الذي كان قد دخل مع الزوار لكنه بقي صامتًا حتى الآن، واندفع نحوها لمساعدتها.
"أنا بخير." قالت، وصوتها كان أجشًا، لكنه كان ثابتًا. أبعدت يده بلطف، لكن بثبات.
سارت ببطء إلى داخل الغرفة، وكل خطوة كانت تبدو وكأنها تكلفها جهدًا هائلاً. لم تنظر إلى أحد، بل توجهت مباشرة نحو سرير فارغ في زاوية الغرفة، وجلست عليه ببطء، ثم استلقت، وأغمضت عينيها، كأنها أغلقت ستارة على العالم الخارجي.
لقد أنهت المرحلة في المركز العاشر. لكنها دفعت ثمنًا باهظًا لذلك.
المشهد في الغرفة كان الآن سرياليًا تمامًا. أنا وكايلين، البطلان المجنونان، ممددان في أسرتنا، نتعافى من جروح شبه مميتة. آيلا، البطلة المعجزة، تقف متهمة بالغش أو بامتلاك قوة غير منطقية.
ثيرون وسيرافينا، الأشقاء الملكيون، في وسط حرب باردة من الكلمات. وليرا، تراقب كل شيء بعيون عالم مجنون. والآن، سيلين، أميرة الجليد، محطمة ومنهكة.
هذا الفصل... كان كارثة.
[منظور سايلس]
في مكان طواه النسيان، حيث لا تصل أصوات الأكاديميات ولا هموم الأباطرة، كنت أجلس على أرضية حجرية باردة. لم تكن هذه مكتبة عادية. كانت أرشيفًا للوجود نفسه. الكتب لم تكن مصنوعة من ورق، بل من مواد لم يعد لها اسم. مجلدات مربوطة بجلد مخلوقات انقرضت قبل خلق النجوم.
ألواح من حجر السبج، نقشت عليها رموز تتغير كلما حاولت قراءتها. لفائف من ضوء متجمد، تحتوي على أفكار كائنات لم تكن لها أجساد قط.
الهواء كان له طعم. طعم الغبار الكوني، والأوزون، والزمن نفسه. الضوء الوحيد كان ينبعث من الرونية التي تغطي الجدران والسقف، ضوء أزرق باهت، هادئ، كأنه ضوء أعماق المحيط.
كنت محاطًا بأكوام من هذه السجلات المستحيلة. كنت أقرأ، لا، كنت ألتهم المعرفة منذ أن عدت إلى هنا. لم أكن أقرأ كتابًا واحدًا، بل كنت أقرأ عشرة في نفس الوقت.
يداي كانتا تتحركان بسرعة شبحية، تقلبان الصفحات الحجرية، وتمران على اللفائف الضوئية. عيناي السوداوان الفارغتان كانتا تمتصان المعلومات، ليس ككلمات، بل كبيانات خام، كتدفق من الحقائق الكونية.
"اللعنة! اللعنة! اللعنة!"
الكلمة خرجت مني كهدير منخفض، مليء بالإحباط. ألقيت بلوح حجري ضخم على الأرض. ارتطم اللوح بالأرضية بصوت مدوٍ، لكنه لم ينكسر. الحجر هنا كان أقدم من مفهوم الكسر نفسه.
"لا شيء... لا شيء منطقي!" تحدثت إلى نفسي، وصوتي كان يتردد في الصمت القديم للمكتبة. "الخطوط الزمنية تتشابك. الاحتمالات تتكاثر كالأورام. كل شيء... كل شيء يقود إلى نفس النهاية!"
كنت أبحث عن ثغرة. عن خطأ في الحسابات. عن متغير واحد يمكن أن يغير المعادلة. لكن كل نص قديم، كل نبوءة منسية، كل سجل لتاريخ كوني... كان يشير إلى نفس الحقيقة المروعة.
"هل عليّ أن أجتاز القطب الجنوبي لكي أكتشف كل شيء؟"
الفكرة كانت كقطعة من الجليد في عقلي. القطب الجنوبي في هذا العالم لم يكن مجرد قارة متجمدة. كان ندبة على وجه الكوكب. مكانًا رقيقًا في نسيج الواقع، حيث تتربص أشياء من الفراغ الخارجي.
"سأموت حتمًا إذا ذهبت إلى ذلك المكان." رددت على نفسي ببرود. حتى أنا، بكل ما أملكه، لن أنجو من حراس ذلك المكان. "وحتى لو استطعت تجاوزه، فهناك سألاقي أشياء تفوق مستوى عقلي. أشياء يمكن لنظرة واحدة منها أن تمحو مفهوم 'الأنا' من الوجود."
تنهدت، تنهيدة تحمل في طياتها ملل عشرات السنين من الصراع. "لكن هناك... هناك سأجد ما أريده."
هناك سأجد الإجابة على السؤال الذي يطاردني منذ الأزل. وهناك...
"ربما قد أستطيع التعويض عن خطئي الثاني."
الكلمات خرجت كهمس مرير. الخطأ الأول كلفني كل شيء. والخطأ الثاني... كان على وشك أن يكلف الجميع كل شيء. ذلك الصبي، نير... كان نتيجة غير متوقعة لذلك الخطأ الثاني. متغير فوضوي لم يكن في الحسبان.
"اللعنة!"
ضربت بقبضتي على كومة من اللفائف، التي ومضت بغضب ثم هدأت.
"لازال لدي مهام أخرى لا تقل أهمية وعليّ إنجازها. مهام قد لا يستطيع أحد فعلها سواي.
كنت محاصرًا. محاصرًا بين معرفتي المروعة، وواجباتي التي لا نهاية لها، ومصير عالم بأكمله كان يرتكز على خيوط واهية.
"تبًا."
عدت إلى كتبي. إلى سجلاتي. أبحث، وأبحث، وأبحث... عن بصيص أمل واحد، في محيط من اليأس المكتوب بحبر من ظلام النجوم.