[منظور نير ڤيرتون]
مر يومان.
يومان قضيتها كشبح يطوف في جناحه الفاخر، الذي بدا الآن كسجن أكثر منه ملاذًا. جسدي كان يتعافى بسرعة مذهلة بفضل تعاويذ المعالجين المهرة التي لا تتوقف، لكن روحي كانت لا تزال عالقة في تلك الحفرة الموحلة، تحت سماء رمادية تبكي، محاطة بأشلاء الوحوش ورائحة الموت.
النتائج النهائية للمرحلة الأولى كانت قد أُعلنت رسميًا. 202 طالبًا قد نجحوا. مائتان واثنان من أصل خمسمائة. لقد كانت مجزرة صامتة، معظم الخسائر كانت بسبب الاستبعاد، لكنني كنت أعرف أن كلمة "استبعاد" هي مجرد تعبير مهذب عن أرواح وعزائم تحطمت في ضباب تلك المتاهة الملعونة.
القلادة الفضية السوداء، جائزتي للمركز الثالث، كانت ترقد على الطاولة بجانبي، تحدق فيّ بحجرها الذي يمتص الضوء كعين ميتة. كانت قطعة أثرية مفيدة، نعم، لكنها في عيني كانت رمزًا للسخرية. تذكير بالثمن الباهظ الذي دفعته - والذي دفعه كايلين - مقابل هذا التكريم التافه.
كنت أفكر في ترتيبي. الثالث. وكايلين الرابع.
لماذا؟ لقد خرجنا معًا. لقد وضعنا الجواهر في أساورتنا في نفس اللحظة تقريبًا، وغمرنا نفس الضوء الأبيض في نفس الثانية. فلماذا هذا التمييز؟
"هل بسبب والدي؟" تمتمت للفراغ في غرفتي، وصوتي كان أجشًا.
الفكرة كانت مقززة، لكنها كانت الأكثر منطقية. لا بد أن منظمي المنافسة، في محاولتهم اليائسة لتجنب أي إهانة محتملة لدوقية الظلال، قرروا وضع اسم "ڤيرتون" قبل اسم "الخشب الحديدي".
لم يكن الأمر يتعلق بالمهارة، أو بمن وضع الجوهرة قبل جزء من الثانية. كان يتعلق بالسياسة، بالخوف، بوزن اسم والدي الذي كان أثقل من أي جبل.
شعرت بموجة من الاشمئزاز. حتى انتصاري الدموي، الذي كسبته بالجنون واليأس، تم تلطيخه بظل والدي الذي لا يرحم.
تنهدت، وأجبرت عقلي على الانتقال إلى التحدي القادم. ثمانية أيام... ثم برج الأوهام.
تذكرت ما قرأته في الرواية بوضوح مؤلم. "برج الأوهام". اختبار نفسي لا يرحم. مئتان واثنان من الناجين من المرحلة الأولى سيدخلون، كلٌ على حدة، إلى جحيمه الشخصي. لم يكن برجًا بالمعنى الحرفي، بل كان وعاءً بُعديًا، قطعة أثرية قديمة تخلق مساحة وهمية لكل مشارك، مساحة تُبنى من أعمق مخاوفه، وأحلك ذكرياته، وأشد نقاط ضعفه.
"اختبار للعقل..." تمتمت، وشعرت بالبرد يتسلل إلى روحي. "هذا أصعب من أي وحش."
بالنسبة لمبارز مثل كايلين، الذي يعتمد على القوة الجسدية والتركيز، سيكون هذا تحديًا هائلاً. بالنسبة لساحرة مثل ليرا، التي قد يلتهمها فضولها في عالم من الأوهام اللامتناهية، سيكون فخًا مميتًا.
أما بالنسبة لي...
فهو جحيم مصمم خصيصًا لي.
البرج سيقرأ ذكرياتي. لن يقرأ فقط خوفي من الوحوش أو من الموت. سيقرأ كل شيء. سيقرأ ذكرياتي عن الأرض. عن حياتي السابقة البائسة، عن شقتي الحقيرة، عن وحدتي. سيقرأ ذكرياتي عن هذه الرواية اللعينة نفسها.
سيستخدم معرفتي ضدي. قد يريني صفحات من الرواية لم تحدث بعد، قد يغويني بمعرفة المستقبل، فقط ليوقعني في فخاخه.
الحقيقة... الحقيقة التي أمتلكها، ستكون هي سلاحه الأقوى ضدي.
في خضم هذه الأفكار المظلمة، قاطعها وصول رسالة. طائر صغير مصنوع من الضوء الذهبي طار عبر نافذتي المفتوحة، وحلق أمامي، ثم تحول إلى كلمات متوهجة في الهواء.
كانت دعوة. من الأمير ثيرون.
"بمناسبة النجاح الباهر للعشرة الأوائل، يسعدني دعوتكم إلى عشاء خاص في الجناح الملكي. الليلة."
لم تكن دعوة بقدر ما كانت أمرًا.
---
---
الجناح الملكي كان يقطر ذهبًا وفخامة. الطاولة المستديرة كانت مصنوعة من الرخام الأبيض المعرق بالذهب، والأطباق والكؤوس كانت من الفضة الخالصة، والخدم الذين كانوا يتحركون بصمت كانوا يرتدون قفازات بيضاء. الهواء كان معطرًا برائحة زهور نادرة، وبشعور خانق من التوتر المبطن.
كنا نحن العشرة. آيلا، التي كانت تبدو كفأر خائف في قصر ملكي، جالسة على حافة كرسيها. سيرافينا، هادئة كتمثال من البورسلين، عيناها تراقب الجميع. ثيرون، يجلس على رأس الطاولة كأنه ملك بالفعل.
كايلين، صامت كقبر. ليرا، تعبث ببلورة صغيرة تطلق شرارات. ديغون، العملاق الذي كان يبدو وكأنه على وشك تحطيم كرسيه الهش. سيلين، التي كانت قد تعافت قليلًا، لكن الجرح على خدها كان لا يزال يمثل تذكيرًا قاسيًا، ووجهها كان أبرد من أي وقت مضى.
ثم كان هناك الاثنان الآخران.
المركز الثامن كان لفتاة هادئة، ذات شعر بني قصير وعينين حادتين، اسمها إلارا من بيت فاين، عائلة معروفة بسحر الأوهام. كانت تراقب الجميع بصمت، كأنها تحلل أفكارهم.
والمركز التاسع كان لشاب مفتول العضلات، ذا نظرة متعجرفة، اسمه كاستر، من بيت نبيل صغير، وكان واضحًا أنه يحاول يائسًا أن يثبت أنه ينتمي إلى هذه المجموعة.
العشاء كان جحيمًا. ثرثرة فارغة، وضحكات مصطنعة، ونظرات جانبية مليئة بالتقييم والمنافسة. كنت صامتًا، آكل ببطء، وأنا أراقب وأحلل. وعقلي كان في مكان آخر تمامًا، يعيد عرض نتائج برج الأوهام في الرواية الأصلية.
مجددًا، آيلا كانت الأولى. اللعنة عليها وعلى الكاتبة المعتوهة! كيف يمكن لشخصية بهذه السذاجة والبساطة العقلية أن تتغلب على اختبار نفسي مصمم لكشف أعمق الصدمات والمخاوف؟ هل عقلها فارغ لدرجة أنه لا يوجد شيء يمكن للبرج أن يستخدمه ضدها؟
هذا هو التفسير الوحيد المنطقي لهذا الهراء!
والثانية كانت سيلين دي فالوا. هذا منطقي. إرادتها الجليدية وقدرتها على كبت مشاعرها تجعلها مرشحة مثالية. الثالث كان نير الأصلي. الرابع ثيرون. الخامس كايلين. السادس سيرافينا. السابع ديغون. والثامن ليرا. والتاسع كان كاسيان، ذلك الوغد الماكر، الذي كان في المركز الثاني عشر في متاهة الهمسات لكنه أظهر قوته الحقيقية في البرج. لقد استخدم أوهام الآخرين ضدهم.
هذه المعرفة كانت سلاحي الوحيد، ولعنتي الأكبر.
"إلى مستقبلنا!" قال ثيرون فجأة، رافعًا كأسه. "إلى انتصاراتنا القادمة، وإلى المجد الذي سنحققه للإمبراطورية!"
رفع الجميع كؤوسهم، بابتسامات مزيفة.
لكن كلماته عن "المستقبل" أشعلت شيئًا في داخلي. أي مستقبل؟ أنا لا أملك مستقبلاً هنا. مستقبلي، حياتي الحقيقية، كانت في مكان آخر.
وذلك الأمل... ذلك الأمل المروع، المؤلم، الذي أعطاني إياه النظام، عاد ليحرقني من الداخل.
في تلك اللحظة، اتخذت قراري.
لم أعد أستطيع الانتظار.
أغمضت عيني، وتجاهلت ثرثرة ثيرون، وهمهمات ليرا، وصمت كايلين. العالم اختفى. لم يعد هناك سوى أنا، وذلك الظلام الداخلي حيث يوجد النظام.
ظهرت الواجهة أمامي، باردة وواضحة.
‹مكافأة اجتياز المرحلة الأولى متاحة. لديك سؤال واحد.›
شعرت بقلبي يدق بعنف في صدري، كطائر محبوس يحاول كسر قفصه الصدري. يداي تحت الطاولة أصبحتا باردتين، رطبتين.
سؤال واحد. فرصة واحدة.
لم أتردد. لم أفكر في أي سؤال آخر. كل الألغاز الأخرى - والدي، البرج، "بلا قدر" - بدت تافهة أمام هذا السؤال الواحد، الأهم.
شكلت الكلمات في عقلي، ببطء، بوضوح، كأنني أنقشها على روحي.
"هل هنالك طريقة لعودتي لعالمي؟"
ساد صمت في وعيي. صمت طويل، مؤلم، امتد لدهر. للحظة، ظننت أن النظام لن يجيب. أنه سيبقى صامتًا كالعادة.
ثم، ظهرت الكلمة.
كلمة واحدة.
بسيطة.
مدمرة.
مليئة بالأمل.
‹نعم.›
شعرت بأن العالم ينهار من تحتي. شعرت بأن الهواء قد انتزع من رئتي. شعرت بدمي يتجمد ثم يغلي في عروقي.
نعم.
هناك طريقة.
هناك مخرج من هذا الجحيم.
لم يكن مجرد بصيص أمل. كان شمسًا انفجرت في ليل روحي المظلم. شعرت بدموع حارة تتجمع في عيني لأول مرة منذ وقت طويل جدًا. لم أعد أهتم بالعشاء، ولا بالمنافسة، ولا بأي شيء. كان هناك مخرج.
"كيـ... كيف؟"
الكلمات تشكلت في عقلي بتوتر وسعادة محمومة، لكن الواجهة بقيت فارغة. الكلمة "نعم" تلاشت، وعادت الواجهة إلى حالتها الأساسية، تعرض معلوماتي التافهة.
‹مكافأة المرحلة الأولى قد استُخدمت.›
"لا..." تمتمت. "كيف؟ أخبرني كيف!" حاولت أن أسأل مرة أخرى، لكن لم يكن هناك أي استجابة. لقد كانت فرصة واحدة فقط. لقد أضعتها. لا، لم أضعها. لقد عرفت الحقيقة الأهم. لكن... لكن كيف؟!
الشعور بالأمل الساحق، متبوعًا بهذا الإحباط القاسي، كان أكثر مما أستطيع تحمله. دون وعي مني، دون سيطرة، انفجرت.
"اللعنة!"
الكلمة خرجت كصرخة مكتومة، أجشة، وضربت بقبضتي على الطاولة بقوة، مما جعل الأطباق الفضية تقفز والكؤوس الكريستالية تهتز بشكل خطير.
ساد صمت مطبق، فوري، في الغرفة.
كل الأحاديث توقفت. كل العيون، تسعة أزواج من العيون، استدارت نحوي.
رأيت الصدمة على وجه آيلا. الارتباك على وجه كايلين. الفضول المجنون على وجه ليرا. السخرية التي تحولت إلى دهشة على وجه ثيرون.
والنظرة الهادئة، التحليلية، التي لا يمكن قراءتها، في عيني سيرافينا.
لقد حطمت قناعي. لقد كشفت عن جزء من الفوضى التي تعتمل في داخلي.
والآن، كنت في مركز اهتمامهم جميعًا.
وهذا... كان آخر مكان أردت أن أكون فيه.
....
....
الصمت الذي تلا صرختي المكتومة وضربة قبضتي على الطاولة كان صمتًا ماديًا، صمتًا له وزن وقوام. شعرت به يهبط على الغرفة، يخنق الهواء، ويجعل حتى وميض الشموع السحرية يبدو متجمدًا.
كل العيون كانت مثبتة عليّ، تسعة أزواج من العيون، كل منها يحمل تفسيرًا مختلفًا لانهياري المفاجئ.
رأيت الصدمة النقية في عيني آيلا الواسعتين، كأنها رأت حيوانًا أليفًا مسالمًا يتحول فجأة إلى وحش. رأيت الارتباك في وجه كايلين، الذي كان يحاول تحليل تصرفي كأنه لغز تكتيكي.
رأيت الفضول العلمي، المجنون، يلمع في عيني ليرا فيكس، كأنها تتمنى لو تستطيع تشريح عقلي في هذه اللحظة. ورأيت الازدراء المتعجرف في نظرة ثيرون، الذي بدا وكأنه يقول "توقعت هذا من شخص مثله".
لكن النظرة التي جمدت دمي كانت نظرة سيرافينا. لم تكن مصدومة، ولا مرتبكة. كانت تراقبني بهدوء جليدي، وذلك البريق الخافت من الإدراك في عينيها الرماديتين أصبح الآن أعمق، وأكثر حدة. كانت كمن يشاهد قطعة دومينو تسقط، وهي تعرف بالضبط أي قطعة ستسقط بعدها.
"ما هذا الآن، ڤيرتون؟"
صوت ثيرون المتغطرس كسر الصمت كصوت انكسار زجاج. لم يكن مجرد سؤال، بل كان اتهامًا. "هل أسلوب عشاءنا المتواضع لا يرقى إلى مستوى ذوق دوقية الظلال؟ أم أنك ببساطة لا تملك أي أخلاق؟"
اللعنة. اللعنة! اللعنة!
صرخت في عقلي، وشعرت بموجة من الهلع البارد تجتاحني. أحمق! غبي! لقد فقدت السيطرة! كنت قد أمضيت أسابيع وأنا أبني هذا القناع من البرود والغموض، وفي ثانية واحدة من الأمل اليائس، حطمته بيدي.
لقد كشفت عن شق في درعي، والآن، كل الذئاب في هذه الغرفة كانت تحدق في هذا الشق، مستعدة للانقضاض.
كان عليّ أن أفعل شيئًا. أن أقول شيئًا. بسرعة.
أجبرت جسدي على الاسترخاء. أرخيت قبضتي التي كانت لا تزال بيضاء من شدة الضغط. أخذت نفسًا عميقًا، بطيئًا، وأخرجته، محاولاً طرد رعشة الأدرينالين من جسدي.
رفعت رأسي ببطء، وقابلت نظرة ثيرون الحارقة بقناع من الجليد أعدت تركيبه بصعوبة بالغة.
"أعتذر عن مقاطعتي، يا صاحب السمو." قلت، وصوتي خرج هادئًا بشكل مرعب، خالٍ من أي اهتزاز. "يبدو أنني سمحت لإحباطي بأن يسيطر عليّ للحظة."
رفع ثيرون حاجبًا. "إحباط؟ إحباط من ماذا؟ من الطعام الفاخر؟ أم من رفقتنا الممتعة؟"
ابتسامة خفيفة، باردة، لا تحمل أي أثر للفرح، ارتسمت على شفتي.
"لا شيء من هذا، بالطبع." قلت. "كنت محبطًا... من نفسي." تركت الكلمات تتدلى في الهواء، وأنا أراقب ردود أفعالهم. "المركز الثالث... هو إهانة. كنت أريد المركز الأول."
كانت كذبة. كذبة سخيفة، تافهة، لكنها كانت الكذبة الوحيدة المنطقية في هذا الموقف. كانت تلعب على وتر الكبرياء والغطرسة التي يفهمها النبلاء. فكرة أن يكون وريث ڤيرتون مهووسًا بالمركز الأول كانت شيئًا يمكنهم تصديقه، أو على الأقل، قبوله كواجهة.
ضحك ثيرون ضحكة قصيرة، خالية من المرح. "المركز الأول؟ هذا طموح كبير، ڤيرتون. خاصة وأنك كنت بالكاد تستطيع الوقوف على قدميك في نهاية المرحلة."
"ولهذا أنا محبط." قلت ببرود. "لأنني لم أكن في كامل قوتي."
كنت أعتقد أنني قد نجوت. أنني قد قدمت لهم تفسيرًا مقبولاً.
لكنني نسيت الشيطانة التي كانت تجلس بصمت.
"غريب."
صوت سيرافينا الناعم، الذي كان كهمس الحرير، قطع الهواء. لم تكن تتحدث إلى أحد على وجه الخصوص، بل كانت تفكر بصوت عالٍ، وعيناها الرماديتان تحدقان في كأسها الكريستالي.
"لقد مر يومان كاملان منذ انتهاء المنافسة. يومان كان لديك فيهما كل الوقت لتفرغ غضبك وإحباطك في عزلة جناحك."
رفعت رأسها ببطء، واستقرت عيناها عليّ. كانت نظرتها حادة، تحليلية، كشفرة جراح تشق طريقها عبر أكاذيبي.
"فلماذا الآن، نير ڤيرتون؟" سألت بهدوء مرعب. "لماذا تنفجر الآن، في هذه اللحظة تحديدًا، في حضورنا؟"
صمتت للحظة، وتركت السؤال يتردد في الصمت. ثم، مالت برأسها قليلاً إلى الجانب، وابتسامتها الملائكية عادت لتظهر، لكنها كانت الآن سامة.
"أم أن غضبك ليس بسبب مركزك... بل بسبب الداعي؟" قالت، وصوتها يقطر براءة مزيفة. "هل أنت غاضب من كون ولي العهد، أخي ثيرون، قد تفضل ودعاك إلى طاولته؟ هل تكرهه... لهذه الدرجة؟"
تجمد كل شيء.
لقد فعلتها. بكلمات قليلة، ناعمة، حولت انفجاري الشخصي إلى إعلان خيانة محتمل ضد العائلة المالكة. لقد حشرتني في زاوية لا مفر منها.
إذا وافقت، أكون قد اعترفت بكراهيتي لولي العهد، وهذا يعادل الخيانة.
إذا نفيت بقوة، سأبدو ككاذب جبان يحاول التملص، وسيظل الشك قائمًا.
الهواء في رئتي أصبح ثقيلاً كالرصاص. شعرت بنظرات الجميع تثقبني. ثيرون، الذي كان غاضبًا مني قبل لحظات، أصبح الآن يحدق فيّ بنظرة جديدة، حادة، فيها شك حقيقي.
هذه الفتاة... كانت شيطانة حقيقية.
"الأمر ليس كذلك..." بدأت أقول، أحاول أن أجد مخرجًا من هذا الفخ اللغوي.
لكن سيرافينا لم تمنحني فرصة. قاطعتني بابتسامة أوسع، وأكثر براءة مزيفة. "أوه، لا داعي للقلق، لورد ڤيرتون. أنا أفهم. الضغط الذي يقع على وريث دوقية الظلال لا بد أنه هائل. لا بد أن الحفاظ على واجهة القوة واللامبالاة طوال الوقت أمر مرهق. ربما كان هذا الانفجار الصغير ضروريًا لصحتك العقلية."
كانت كلماتها تبدو كأنها تعاطف، لكنها في الحقيقة كانت إهانة أعمق. كانت تصورني كشخص غير مستقر، ضعيف، على وشك الانهيار تحت الضغط. كانت ترسم صورة مثيرة للشفقة لابن دوق الظلال، وهذا أسوأ من أي اتهام بالخيانة.
كنت على وشك أن أرد، أن أطلق العنان لبعض من الظلام الحقيقي الذي يكمن في داخلي، أن أقول شيئًا باردًا، قاطعًا، يعيدها إلى مكانها. لكن صوتًا آخر، غير متوقع على الإطلاق، سبقني.
"لماذا تظلمينه؟"
صوت آيلا. كان خافتًا، مرتجفًا، لكنه كان واضحًا في الصمت المشحون.
كل العيون استدارت نحوها. كانت تقف، ويداها مشدودتان، ووجهها يحمل تعبيرًا من العزم اليائس.
"ربما... ربما كونه التقى بنا جميعًا أثر عليه أكثر." قالت، وهي تنظر إلى سيرافينا مباشرة. "لقد كنا جميعًا تحت ضغط هائل في المتاهة. وهو والسيد كايلين... لقد أصيبا بجروح أسوأ من أي شخص آخر. ربما هو فقط... متعب. ألا يمكنكم أن تتركوه وشأنه؟"
ساد صمت مذهول.
عامية. تقف. وتوبخ أميرة إمبراطورية.
نظرت سيرافينا إلى آيلا، وابتسامتها تلاشت. وجهها أصبح فارغًا تمامًا. لم يكن هناك غضب، ولا ازدراء. كان هناك... لا شيء. كأنها تنظر إلى حشرة مزعجة، لا تستحق حتى عناء سحقها.
"آنسة آيلا،" قالت سيرافينا ببرود مطلق. "أقترح عليكِ أن تتذكري مكانكِ."
لكن تدخل آيلا، رغم أنه كان كارثيًا من الناحية السياسية، خلق شيئًا لم يكن موجودًا قبل ثوانٍ: فوضى. لقد حطمت الإيقاع المحسوب لهذه المبارزة النفسية. لقد خلقت إلهاءً.
وفرصة لي.
"اللعنة عليكِ أيتها البطلة الغبية!" صرخت في عقلي. "لا أريد شفقتك! لا أريد مساعدتك! أنتِ تجعلين الأمر أسوأ! تجعلينني أبدو ضعيفًا، محتاجًا للدفاع!"
غضبي منها كان حقيقيًا، حارقًا. لكن تحت الغضب، كان هناك جزء مني يدرك أنها قد أعطتني مخرجًا.
نهضت ببطء من مقعدي. حركتي كانت هادئة، متعمدة، وجذبت انتباه الجميع مرة أخرى. لم أنظر إلى آيلا. تجاهلتها تمامًا، كأنها لم تتكلم.
نظرت مباشرة إلى ثيرون، ثم إلى سيرافينا.
"لقد كان عشاءً... منيرًا." قلت، وصوتي كان هادئًا كسطح بحيرة متجمدة. "لقد أظهر لي الكثير عن طبيعة القوة، وعن طبيعة الضعف."
تركت الكلمات تتدلى في الهواء، غامضة، تحمل ألف معنى.
"لكن كما أشارت الأميرة بلطف،" تابعت، بلمسة من السخرية الباردة، "فإن الحفاظ على الواجهة أمر مرهق بالفعل. وإذا سمحتما لي، فإن إحباطي قد تركني بالفعل متعبًا للغاية."
لم أنتظر ردًا. لم أنتظر إذنًا.
استدرت، وبدأت أسير نحو الباب.
شعرت بأعينهم تحرق ظهري. شعرت بصدمتهم من جرأتي.
فتحت الباب، وخرجت، وأغلقته خلفي بهدوء.
تركتهم هناك، في صمتهم، مع أسئلتهم، ومع تلك الفتاة القروية التي حطمت لعبتهم الأرستقراطية.
كنت قد نجوت. بالكاد.
لكنني كنت أعرف أنني لم أهرب. لقد أعلنت الحرب للتو. حرب صامتة، باردة، ضد أخطر كائن في هذه الأكاديمية.
والآن، لم أعد وحدي في هذه الحرب.
لقد ورطت تلك البطلة الغبية نفسها فيها، دون أن تدرك حتى.
وهذا... قد يكون جيدًا. أو قد يكون كارثيًا.
لم أكن أعرف.
كل ما كنت أعرفه هو أنني بحاجة إلى أن أصبح أقوى. أقوى بكثير.
لأن برج الأوهام كان ينتظر. ومعه، كانت تنتظر شياطين أسوأ بكثير من أي أميرة متلاعبة. شياطيني أنا.