[منظور نير ڤيرتون]
مرت الأيام العشرة كأنها ومضة، وكأنها دهر في آن واحد. كانت فترة من الهدوء المشحون، الهدوء الذي يسبق الإعدام. تعافت أجسادنا بفضل السحر والراحة، لكن الأجواء في الأكاديمية كانت مكهربة بالترقب والخوف.
لم تعد هناك تلك الثقة الساذجة التي كانت تملأ الممرات قبل المرحلة الأولى. لقد رأى الجميع لمحة من الحقيقة المرة، رأوا كيف يمكن للأقوياء أن يسقطوا، وكيف يمكن للجنون أن يكون شكلًا من أشكال النصر.
اليوم.
اليوم هو يوم المرحلة الثانية.
الهواء كان باردًا وثقيلاً، رغم أن الشمس كانت مشرقة في سماء صافية بشكل مخادع. لم يكن هناك حشود صاخبة هذه المرة. لم يكن هناك نبلاء يرتدون أفخر ملابسهم. كان التجمع أكثر كآبة، أكثر رسمية. مائتان واثنان من الناجين، نقف في الساحة المركزية للأكاديمية، وجوهنا تحمل مزيجًا من العزم والرهبة.
أمامنا، كان ينتصب هو.
برج الأوهام.
لم يكن كأي بناء رأيته في حياتي. لم يكن مصنوعًا من حجر أو خشب أو معدن. كان مسلة سوداء، ملساء، ترتفع نحو السماء لمئات الأمتار دون أي نافذة، أو باب، أو نقش.
كان سطحه أسودًا غير لامع، يمتص الضوء، ويبدو كصدع في نسيج الواقع، كثقب أسود ممدود. لم يكن يعكس شيئًا. كان مجرد... فراغ.
"عين الحقيقة" كانت تصرخ في عقلي. لم تكن هناك هالة حول البرج. كان هو نفسه فراغًا في شبكة الطاقة. عندما نظرت إليه، شعرت بالدوار، كأن عيني تحاولان التركيز على شيء لا وجود له. كان وجوده بحد ذاته انتهاكًا لقوانين الطبيعة.
وقف مدير الأكاديمية، الساحر العجوز ذو اللحية البيضاء، أمامنا. لم يكن صوته يحمل أي حماس هذه المرة، بل كان جادًا، ورسميًا، كقاضٍ يقرأ حكمًا.
"أيها الطلاب،" بدأ، وصوته معزز بالسحر تردد في الساحة الصامتة. "أهنئكم على وصولكم إلى المرحلة الثانية. لقد أثبتتم أنكم تمتلكون القوة، والمهارة، وربما الحظ، للنجاة من اختبار الجسد. لكن اليوم... ستواجهون اختبار الروح."
أشار بيده نحو المسلة السوداء الصامتة. "برج الأوهام ليس مكانًا للقتال الجسدي. لا توجد وحوش لقتلها، ولا خصوم لمبارزتهم. خصمكم الوحيد في هذا البرج... هو أنفسكم."
سرت همهمة قلقة بين الطلاب.
"عندما يلمس كل واحد منكم قاعدة البرج،" أكمل المدير، "سيتم نقله إلى مساحة وهمية، نسخة من البرج مخصصة له وحده. في الداخل، سيقرأ البرج أعمق مخاوفكم، وأحلك ذكرياتكم، وأشد نقاط ضعفكم، وسيستخدمها ضدكم. سيخلق عوالم من الأوهام، مصممة بدقة لتحطيم إرادتكم."
صمت للحظة، وترك كلماته تغوص في عقولنا. "طريقة الفوز بسيطة في مفهومها، ومستحيلة في تنفيذها: عليكم أن تصعدوا. أن تتغلبوا على أوهام كل طابق، وتجدوا الدرج الذي يقودكم إلى الطابق التالي، حتى تصلوا إلى القمة، وتلمسوا 'جوهر السكينة' الموجود في الطابق الأخير. من يفعل ذلك، يكون قد اجتاز المرحلة."
ثم، أصبحت نبرته أشد قتامة. "أما بالنسبة للخاسر... فلا تقلقوا. لا يسمح لأي طالب أن يموت داخل البرج. السحر الذي يربطكم بالأكاديمية سيحمي حياتكم."
"لكن..." تابع، وعيناه العجوزتان نظرتا إلينا بحزن عميق. "إذا تحطمت إرادتكم، إذا استسلمتم لأوهامكم، إذا فقدتم عقولكم... فإن البرج سيرفضكم. سيقذف بأرواحكم خارجًا، بينما يبقى جسدكم في الداخل.
سيتم إخراجكم إلى جناح الشفاء الخاص، لكنكم ستكونون... فارغين. قشور بشرية، تائهة في كوابيس لا نهاية لها. بعضهم يتعافى بعد أسابيع، أو شهور. وبعضهم... لا يتعافى أبدًا."
ساد صمت مطبق. كان هذا أسوأ من الموت. الموت كان نهاية. أما هذا... فكان جحيمًا أبديًا.
"البلورات السحرية ستعرض تقدمكم." أضاف المدير. "ستعرض فقط صورة رمزية لكل طالب وهو يصعد طابقًا تلو الآخر. لن يتم تسجيل أي صوت، ولن تُعرض الأوهام التي تواجهونها.
خصوصيتكم... كوابيسكم... ستبقى لكم وحدكم."
كنت أعرف أنني في ورطة حقيقية. لكن الآن، أصبحت الورطة مختلفة. لم أكن أخشى أن يروا ذكرياتي. كنت أخشى... من شيء آخر تمامًا.
"سيتم استدعاء أسمائكم بالترتيب الأبجدي." أنهى المدير كلامه. "تقدموا، المسوا البرج، وابدأوا اختباركم. أتمنى لكم... قوة الإرادة."
بدأوا في مناداة الأسماء. طالب تلو الآخر، كانوا يتقدمون، يلمسون السطح الأسود الأملس، ويختفون في وميض خافت من الضوء. وجوههم كانت تحمل تعابير مختلفة: بعضهم كان واثقًا، وبعضهم كان يرتجف من الخوف. رأيت آيلا، وسيلين، وكايلين، والآخرين، يختفون واحدًا تلو الآخر في بطن هذا الوحش الصامت.
ثم جاء دوري.
"نير ڤيرتون."
سرت إلى الأمام، وكل خطوة كانت تبدو وكأنها تستغرق دهرًا. شعرت بأعين الجميع عليّ. أعين الإمبراطور، وأليستر، ووالدي الذي كان لا يزال مجرد ظل صامت على الشرفة الملكية.
وصلت إلى قاعدة البرج. كان باردًا الملمس، وأملس كزجاج مصقول. لم تكن هناك أي طاقة يمكن الشعور بها. كان مجرد... لا شيء.
أخذت نفسًا عميقًا.
ووضعت يدي عليه.
الانتقال كان فوريًا. لم أشعر بالغوص أو بالتمزق. في لحظة كنت في الساحة المشمسة، وفي اللحظة التالية، كنت في مكان آخر.
مكان من الظلام والرمادي.
كنت أقف على أرضية ملساء، لا لون لها، تمتد في كل اتجاه. لم تكن هناك جدران، ولا سقف. فقط فراغ رمادي، لا نهائي، يلفني من كل جانب.
شعرت به على الفور.
ضغط.
لم يكن ضغطًا جسديًا، بل ضغطًا نفسيًا هائلاً. شعرت بوجود غير مرئي، قديم، وقوي بشكل لا يصدق، يحاول أن يخترق عقلي. كان كآلاف الإبر الجليدية التي تحاول أن تجد ثغرة في دفاعاتي الذهنية.
"أرني... أرني ضعفك..."
صوت لم يكن صوتًا، بل كان فكرة، همسًا زرع مباشرة في وعيي.
بدأ الفراغ الرمادي حولي يتموج، يتشكل. بدأت أرى ومضات من صور: جدران صفراء متقشرة، نافذة متسخة يضربها المطر، وجهي القديم، المتعب، يحدق فيّ من مرآة محطمة.
البرج كان قد بدأ عمله. كان يستدعي جحيمي الشخصي.
لكن قبل أن تكتمل الصورة، قبل أن تترسخ رائحة الفقر واليأس في الهواء، حدث شيء ما.
شيء لم أستدعه أنا. شيء انطلق من أعماق روحي، كرد فعل غريزي، عنيف.
انفجرت مني هالة بنفسجية داكنة.
لم تكن وهجًا لطيفًا. كانت انفجارًا صامتًا من الطاقة. رأيت خيوطًا من ظلام أرجواني، مشوبة بومضات تشبه البرق الأسود، تلتف حولي، وتشكل شرنقة من القوة الخبيثة. لم تكن تحميني بقدر ما كانت... تعلن عن ملكيتها للمساحة المحيطة بي.
وتغيرت عيناي.
شعرت بهما تحترقان ببرودة غريبة. لم أكن بحاجة إلى مرآة لأعرف. لقد تحولتا إلى فراغين أرجوانيين، يتوهجان بضوء داخلي، بارد، كأنهما شمسان سوداوان.
الضغط النفسي الهائل من البرج... لم يتوقف فحسب، بل ارتد.
سمعت صرخة.
لم تكن صرخة بشرية. كانت صرخة نفسية، حادة، مليئة بالألم والدهشة، تردد صداها في كل كياني.
الصور التي كانت تتشكل أمامي، صور شقتي القديمة، تحطمت. تكسرت كزجاج رقيق ألقي عليه حجر، وتلاشت شظاياها في الفراغ الرمادي.
الهمس في عقلي تحول من فضول خبيث إلى رعب مطلق.
"ما... ما هذا الشيء؟!"
الوجود القديم للبرج، الذي كان قبل لحظات سيد هذا المكان، أصبح الآن كفأر خائف واجه تنينًا لم يكن يعلم بوجوده. لقد تراجع. انسحب بعنف، وترك وراءه فراغًا مدويًا.
ساد صمت مطبق.
الهالة البنفسجية حولي خفت تدريجيًا، وعادت عيناي إلى طبيعتهما، لكنني كنت أشعر بذلك الصدى البارد للقوة لا يزال يتردد في داخلي.
بقيت واقفًا في وسط ذلك الفراغ الرمادي، ألهث، وعقلي يحاول يائسًا استيعاب ما حدث للتو.
"ماذا... ماذا كان ذلك؟" تمتمت، وصوتي كان يرتجف.
لقد... لقد أخفت البرج.
قوتي، "الظلام الشيطاني"، لم تكن مجرد نوع من السحر. كانت شيئًا آخر. شيئًا سامًا، شيئًا يعتبره حتى كيان قديم وقوي مثل برج الأوهام... تهديدًا.
الرعب الذي شعرت به في تلك اللحظة كان أعمق من أي رعب شعرت به من قبل. لم أعد خائفًا من البرج. أصبحت خائفًا من نفسي.
ما أنا بحق الجحيم؟
ما هذا الشيء الذي يسكن روحي؟
هل أنا من يسيطر عليه، أم أنه هو من يسيطر عليّ؟
تذكرت الكلمات التي رأيتها في البرج الحجري الآخر:
"اثنا عشر... واحد... شيطان... حاكم."
كلمة "شيطان" لم تعد مجرد كلمة غامضة. أصبحت الآن حقيقة باردة، مرعبة، تعيش في داخلي.
أمامي، في الفراغ الرمادي، تشكل شيء ما. لم يكن وهمًا. كان درجًا. درج بسيط، مصنوع من نفس المادة الرمادية التي لا لون لها، يصعد إلى الأعلى، إلى المجهول.
لم يكن مكافأة على التغلب على خوفي. كان... عرضًا. دعوة للمغادرة. كأن البرج يقول لي، "أرجوك، فقط اذهب."
بدأت في الصعود.
كل خطوة كانت صامتة، ثقيلة. كنت أصعد، ليس كمنتصر، بل كوحش تم إطلاق سراحه للتو، ولا يعرف طبيعة القفص الذي كان فيه، ولا طبيعة القوة التي يمتلكها.
وصلت إلى منصة مسطحة. الطابق الثاني.
مرة أخرى، شعرت بذلك الضغط النفسي الخافت، المتردد.
"أرني..." بدأ الهمس، ثم صمت فجأة.
انفجرت هالتي البنفسجية مرة أخرى، بشكل تلقائي، لكنها كانت أضعف هذه المرة، كتحذير أكثر منها هجومًا.
البرج صرخ مرة أخرى، وتراجع.
وظهر درج آخر.
الطابق الثالث. نفس الشيء.
الطابق الرابع. نفس الشيء.
كنت أصعد. لم أكن أقاتل. لم أكن أتغلب على أي شيء. كنت فقط... أصعد. في صمت مطبق، في فراغ رمادي لا نهاية له.
لم تكن هذه منافسة. لم يكن هذا اختبارًا.
كان هذا... نفيًا.
البرج كان ينفيني من طوابقه، واحدًا تلو الآخر، يائسًا للتخلص مني.
الشعور بالوحدة كان ساحقًا. كنت أسمع في خيالي صرخات الطلاب الآخرين، أراهم يقاتلون شياطينهم الشخصية، يبكون، ينهارون، ويتغلبون. كانوا يعيشون التجربة الحقيقية.
أما أنا، فكنت في هذا الفراغ المعقم، وحيدًا مع حقيقتي المرعبة.
لم أشعر بالانتصار. لم أشعر بالقوة.
شعرت بأنني... منبوذ.
منبوذ حتى من قبل الكوابيس نفسها.
واصلت الصعود، طابقًا تلو الآخر، والدرج يظهر أمامي كطريق محتوم. كل خطوة كانت تقربني من القمة، لكنها كانت تأخذني أعمق في ظلام روحي.
لم أعد أتساءل كيف سأفوز.
بدأت أتساءل... ما هو الثمن الذي سأدفعه مقابل هذا النوع من القوة؟
وماذا سأفعل بها... عندما أخرج من هذا البرج الصامت، وأعود إلى عالم لا يفهم الطبيعة الحقيقية للوحش الذي أصبحت عليه؟
الحزن الذي شعرت به في تلك اللحظة كان أعمق من أي محيط، وأبرد من أي شتاء. كنت أصعد نحو قمة النصر، لكنني كنت أشعر بأنني أهوي في هاوية لا قرار لها.
...
...
كنت أصعد.
طابقًا تلو الآخر، في صمت مطبق، في فراغ رمادي لا نهاية له. الدرج كان يظهر أمامي كطريق محتوم، يقودني إلى الأعلى، إلى النصر المزعوم.
الطابق الخامس عشر.
الطابق السادس عشر.
الطابق السابع عشر.
في كل مرة، كانت العملية تتكرر بنفس الدقة المرعبة. أصل إلى منصة رمادية فارغة. أشعر بذلك الجس النفسي الخافت، المتردد، من البرج. "هل أنت...؟ لا...". ثم، قبل أن يتمكن حتى من تكوين وهم كامل، تنفجر هالتي البنفسجية الشيطانية كرد فعل تلقائي.
أسمع تلك الصرخة الصامتة، صرخة الألم والخوف من كيان البرج. يتراجع. ينهار الوهم قبل أن يولد. ويظهر درج آخر.
لم يكن هذا انتصارًا. كان روتينًا مقززًا. شعرت وكأنني مرض، فيروس يزحف عبر جسد هذا الكائن القديم، وهو يحاول يائسًا أن يطردني، أن يعزلني، أن يقذف بي إلى الطابق التالي بأسرع ما يمكن.
الشعور بالوحدة كان ساحقًا. كنت أسمع في خيالي صرخات الطلاب الآخرين، أراهم يقاتلون شياطينهم الشخصية، يبكون، ينهارون، ويتغلبون. كانوا يعيشون التجربة الحقيقية.
أما أنا، فكنت في هذا الفراغ المعقم، وحيدًا مع حقيقتي المرعبة.
"لا..."
توقفت فجأة في منتصف صعودي إلى الطابق الثامن عشر. الكلمة خرجت مني كهمس أجش.
"لن أستمر هكذا."
هذا الصعود الأعمى، هذا النصر الفارغ... لن يمنحني أي شيء. لن أفهم قوتي، ولن أجد أي إجابات. سأخرج من هذا البرج بنفس الغموض الذي دخلت به، إن لم يكن أعمق.
ذكرت الرواية أن هذا البرج لم يكن من صنع الإمبراطور أو أي عاِلم معروف. تذكرت سطورًا قرأتها منذ زمن بعيد، سطور بدت غير مهمة في ذلك الوقت. لقد كان أحد الأشياء الغامضة في العالم، موجودًا قبل تأسيس الإمبراطورية نفسها.
لقد استكشفه الإمبراطور المؤسس ونائبه الجنرال الأول بأنفسهم، وكل ما وجدوه في أعماقه كانت أحرف رونية وكلمات غير مفهومة، نقوشًا من عصر منسي.
إذا كانت هناك إجابات في أي مكان، فستكون هنا. في قلب هذا الوحش الذي يخشاني.
قررت أن أستكشف.
بدلاً من أن أصعد الدرج الذي ظهر أمامي، استدرت، وبدأت أسير في الفراغ الرمادي للطابق السابع عشر.
كان المكان غريبًا، يتحدى الهندسة والمنطق. لم تكن هناك جدران حقيقية، لكنني شعرت بحدود غير مرئية. أحيانًا، كنت أسير في خط مستقيم، لأجد نفسي فجأة أعود إلى النقطة التي بدأت منها.
الممرات كانت تلتوي وتتشوه، كأنها أفكار في عقل كائن مجنون.
استدعيت "عين الحقيقة". كانت هي بوصلتي الوحيدة في هذا العدم.
لم أكن أبحث عن هالات طاقة، فلم يكن هناك أي شيء حي هنا. كنت أبحث عن... التناقضات. عن الشقوق في هذا الواقع المصطنع.
رأيتها.
خطوط رفيعة جدًا، شبه غير مرئية، تتوهج بضوء أزرق باهت. لم تكن جزءًا من الوهم الرمادي، بل كانت تبدو كأنها "الكود المصدري" لهذا المكان، الهيكل الأساسي الذي بُني عليه كل شيء. كانت كالأوردة في جسد البرج.
بدأت أتبع أحد هذه الخطوط. قادني عبر ممرات مستحيلة، وعبر مساحات كانت تبدو فارغة لكنها كانت تحمل ثقلاً غريبًا.
بعد ما بدا وكأنه ساعة من السير في هذا الصمت المطبق، قادني الخط الأزرق إلى ما بدا وكأنه جدار مسدود.
لكن "عين الحقيقة" أظهرت لي أن الخط الأزرق يمر من خلاله. كان هناك شيء خلف هذا الجدار.
وضعت يدي على السطح الرمادي الأملس. كان باردًا، صلبًا. لكن عندما دفعت، مرت يدي من خلاله، كأنها تمر عبر ضباب كثيف.
شعرت بقشعريرة باردة تسري في جسدي. أخذت نفسًا عميقًا، وخطوت إلى الداخل.
وجدت نفسي في غرفة.
غرفة حقيقية. ليست فراغًا رماديًا. كانت دائرية، صغيرة، وجدرانها وسقفها وأرضيتها مصنوعة من نفس المادة السوداء التي لا تعكس الضوء والتي يتكون منها البرج من الخارج. كانت كأنني أقف في قلب قطعة من الليل المتجمد.
والجدران... كانت مغطاة بالنقوش.
لم تكن مجرد خدوش، أو رموز بسيطة. كانت شبكة معقدة، لا نهائية، من الخطوط والدوائر والأشكال الهندسية التي كانت تتوهج بضوء أرجواني خافت، نفس لون هالتي الشيطانية. كانت النقوش تبدو وكأنها حية، تتلوى ببطء، كأنها نجوم ومجرات بعيدة تُعرض بحركة سريعة.
كانت جميلة بشكل مرعب. وشعرت بقوة هائلة، قديمة، تنبعث منها. قوة جعلت حتى طاقة البرج الحجري الآخر تبدو كشمعة باهتة.
اقتربت من أحد الجدران. كانت الرموز غير مفهومة تمامًا. لم تكن تشبه أي لغة قرأت عنها، لا في حياتي السابقة، ولا في كتب هذا العالم.
حدقت فيها، محاولاً يائسًا أن أجد أي معنى.
ولدهشتي، حدث شيء ما.
بدأت الكلمات تتشكل في عقلي. لم أكن أقرأها بعيني. كنت...
أفهمها.
لم تكن "عين الحقيقة" هي التي تترجمها. كانت قدرة "[الفهم]".
لأول مرة، عملت هذه القدرة الغامضة. كانت كأنها مفتاح فك شفرة لغة الكون نفسه. المعنى كان يتدفق مباشرة إلى وعيي، ليس ككلمات، بل كمفاهيم نقية، باردة، ومروعة.
قرأت.
القطب الجنوبي: حيث يموت الزمن وتنزف النجوم.
أرض اللعنة الأبدية: آخر ما تبقى من عروش السامين المحطمة.
في صمته الجليدي، يكمن رعب المجهول، وينتظر.
ومن أعماق جرحه، سيصعد نذير النهاية ليطالب بما فُقد.
هو مفتاح أسرار العوالم المنسية، وهو قبر جوهر الوجود نفسه.
" ها... "
كل كلمة كانت كضربة مطرقة على روحي. هذه لم تكن مجرد معلومات. كانت نبوءة. كانت تاريخًا. كانت حقيقة كونية مرعبة.
السامون... القطب الجنوبي... نذير النهاية... جوهر الوجود...
ما علاقة كل هذا بي؟ بعائلة ڤيرتون؟ بذلك الرجل العجوز؟
عندما وصلت عيناي، أو بالأحرى وعيي، إلى الكلمة الأخيرة...
"الوجود"، شعرت به.
ألم.
ليس ألمًا جسديًا. بل ألمًا في عقلي. صداع حارق، عنيف، انفجر خلف جبهتي، كأن نجمًا صغيرًا قد انفجر في دماغي. لم يكن كالألم الذي شعرت به في البرج الحجري الآخر، الذي كان يسحب حياتي.
هذا كان مختلفًا. كان ألمًا من فرط المعلومات. كأن عقلي البشري المحدود يحاول استيعاب حقيقة أكبر من قدرته على التحمل، والدوائر العصبية فيه بدأت تحترق.
"آآآآآه!"
صرخت، وسقطت على ركبتي، ويداي تضغطان على رأسي. النقوش على الجدران بدأت تتراقص وتتشوه، والضوء الأرجواني أصبح ساطعًا بشكل لا يطاق.
خوفًا من تكرار ما حدث، فكرت، والذعر يسيطر عليّ. لا أريد أن أنزف من عيني مرة أخرى. لا أريد أن أعود إلى تلك الحالة شبه الميتة.
"كفى!" صرخت. "كفى!"
أجبرت نفسي على إشاحة نظري عن النقوش. أجبرت عقلي على التوقف عن "الفهم".
ببطء، ببطء مؤلم، بدأ الصداع يخف، وتحول إلى طنين مكتوم، كصدى لانفجار بعيد.
كنت أرتجف، وألهث.
لقد رأيت لمحة. لمحة صغيرة من الحقيقة. وهذه اللمحة كادت أن تحطمني.
"عليّ الخروج." تمتمت. "عليّ أن أفوز... الآن."
لم أعد أهتم بالاستكشاف. لم أعد أهتم بالأسرار. كل ما أردته هو الهروب من هذا المكان، من هذه المعرفة التي كانت أثقل من أي لعنة.
نهضت على قدمي المرتجفتين، وخرجت من الغرفة السرية، عائدًا إلى الفراغ الرمادي.
وهناك، كان الدرج ينتظرني.
بدأت أصعد مرة أخرى. لكن هذه المرة، لم يكن صعودًا فارغًا. كان صعودًا محملاً بثقل تلك الكلمات المرعبة.
الطابق الثامن عشر. التاسع عشر. العشرون....
الهالة. التراجع. الدرج.
روتين الجنون استمر. كنت أصعد بسرعة مذهلة. لم يكن هناك ما يوقفني.
وصلت إلى الطابق الأخير. كان مختلفًا. لم يكن فراغًا رماديًا، بل كان قبة زجاجية سوداء، تطل على بحر من النجوم والمجرات التي لا نهاية لها.
وفي وسط القبة، على قاعدة حجرية بيضاء، كان يطفو هو.
"جوهر السكينة".
كرة من الضوء الأبيض النقي، تنبض بهدوء، وتشع بشعور من السلام المطلق، السلام الذي يأتي بعد نهاية كل شيء.
تقدمت نحوه. مددت يدي.
ولمست الضوء.
في تلك اللعمة، دوى الصوت السحري في كل مكان، في الأكاديمية، وفي كل ركن من أركان الإمبراطورية حيث كانت البلورات تبث.
"المشارك الأول الذي اجتاز المرحلة الثانية هو... نير ڤيرتون!"
ابتلعني الضوء الأبيض. وشعرت بالسكينة تغمرني للحظة، تمحو الألم، والصداع، والرعب.
لكن تحت تلك السكينة، كانت الكلمات لا تزال محفورة في روحي.
"قبر جوهر الوجود."
----
----
توضيح مهم حول سير الرواية
عنوان المجلد الأول:
"بلا قَدَر"
المجلد لا يزال مستمرًا، ويُشكّل اللبنة الأولى لعالم الرواية وشخصياتها الرئيسية.
الآرك الأول – "آرك التجسّد"
يمتد من الفصل 1 إلى الفصل 20
الآرك الثاني – "آرك أكاديمية سيلفانوس"
يبدأ من الفصل 21
وما زال مستمرًا حتى الآن،